|
-أن تكون يهودياً- في مصر، قصة الفنان الإنسان رضا عبدالعزيز مؤسس فرقة الصامتين3-1
عبير سويكت
الحوار المتمدن-العدد: 8153 - 2024 / 11 / 6 - 12:28
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
"أن تكون يهودياً" في مصر، قصة الفنان الإنسان رضا عبدالعزيز مؤسس فرقة الصامتين3-1
عبير المجمر (سويكت)
الجزء الأول
المخرج اليهودي المصري رضا عبد العزيز صاحب التجربة الفنية المتنوعة والمتميزة ومسيرة رائعة في العطاء والتميز والإبداع الفني، هو صاحب فكرة فرقة الصامتين ومؤسسها، توالدت الفكرة لديه من خلال مشاهدته عرضاً للصم والبكم لم يكن يعرف لغة الإشارة وشعوره بتعقيد وصعوبة فهم اللغة، جعله يفكر في لغة بديلة للغة الإشارة، لغة لا تكون فقط بديلاً للغة الإشارة بل وتسهّل على الجميع فهم هذه الشريحة من غير مترجمين، إضافةً إلى أن دوافعه الإنسانية وتعاطفه مع شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة "ذوي الإعاقة" في شتى أشكالها و رغبته في مساعدتهم في التوصل "للغة ثالثة" غير لغة الكلام ولغة الإشارة دفعته للتفكير في اللغة الفنية المتمثلة في "لغة التعبير الجسدي" لغة الجسد التي يعتبرها "أقدم لغةٍ إنسانية" اعتمد فيها الإنسان في الحديث والتعبير بجسده بدلاً من لسانه. ولكن من التحديات التي واجهته هي: كيف يجعلهم يتفاعلون مع الموسيقى وهم في الأساس غير قادرين على سماعها، مستشهداً بمقولة أحدهم "إن الفكرة في حد ذاتها هي فن ضد المنطقي" باعتبار أن الموسيقى إن لم يحس بها الإنسان يصعب عليه التفاعل معها فأصبحت من المصاعب التي تواجه المخرج رضا عبد العزيز كيفية جعل هذه الشريحة من ذوي الإعاقة يشعرون بالموسيقى وهم على سبيل المثال صم، كيف يرقصون على المسرح والرقص هو انفعال، ولكنهم فاقدون لهذه الحاسة التي تجعلهم يتفاعلون مع الموسيقى وإيقاعها وأنغامها. وحينها قاده حسه الفني لمراجعة الفترة الزمنية التي فقد فيها الموسيقار بيتهوفن حاسة السمع وكيف تمكن من التعرف على الموسيقى من غير أن يسمعها؟ فكانت محاولته الانغماس في تجربة بيتهوفن ما قبل وما بعد الإعاقة وكيف تمكن بيتهوفن من التفاعل مع الموسيقى بعد إصابته بالصمم، حتى يتمكن الصامتون من التفاعل والرقص مع الموسيقى التي لا يسمعوها. فتوصل إلى أنه كان يستخدم أسلوبه المبتكر في "الاتصال العضمي"، واصفاً ذلك بأن "الحاجة أم الاختراع"، تحسس الذبذبات الموسيقية عن طريق العظم، حيث كان تفكير رضا آنذاك في كيف يساعدهم على "قهر الإعاقة"، وليقينه بحاجة الإنسان الصامت للتعبير والتواصل والانفعال والاندماج مع المجتمع فكان ابتكاره أسلوب "الاتصال العظمي" كمنهج لتدريب فرقة الصامتين.
بدأت فرقة الصامتين كفكرة إبداعية فريدة من نوعها وانطلقت عروض الفرقة في عام 2005 بمدينة المحلة شمالي مصر، والمعلوم أن المخرج رضا عبدالعزيز بتنوع تجربته ومهاراته عمل في المركز الفرنسي الثقافي بمصر في الفترة ما بين عام 2005 إلى عام 2010 لما يملك من قدرات وإمكانيات في قسم الفنون الإنسانية وتخصصا في شريحة ذوي الإعاقة بالتعاون مع المركز الثقافي الفرنسي، ولكن فكرة فرقة الصامتين الحق الأدبي فيها يرجع له بطريقة مستقلة و عصامية فقد بنى الفرقة وأسسها بنفسه في منطقة المحلة والقرى المجاورة، مستعينا بآليات ذاتية وتجارب شخصية لإيجاد وسائل و وسائط لترجمة تلك الذبذبات ما يُسهّل على الإنسان الأصم الشعور بالموسيقى أو تحسسها. ما بين الإيقاع الموسيقي والحركات المتمثلة في الشعور الجسدي الاتصال العظمي وربطه بوتيرة الإيقاع الموسيقية والعمل على تناسب الموسيقى وأنغامها وإيقاعاتها مع إعاقتهم.
بدأت الفرقة في عام 2005 بخمسة بنات وأربع أولاد في البداية ثم وصلت إلى ثلاثين 18 ولداً و 12 بنتاً وتطور العدد والأداء الفني مع الزمن. وقد لاحظ رضا أن البنات كن أكثر تفاعلاً مع هذا الأسلوب الفني المبتكر "الاتصال العضمي" نسبة لتفاعلهن، وعبر أسلوبه الفني في التدريب وإن كان شاقاً ومتعباً وليس من السهل العمل على زرع الإيقاع الداخلي مع كل عضوات وأعضاء الفرقة بطريقة فردية تتماشى وتتوافق وتتناسق مع طبيعة الفرد واختلافه عن الآخر و إعاقته. ما كلفه عملاً متواصلاً وجهداً مكثفاً ، فالفترة الزمنية للتدريب على الرقصات كانت تستمر لمدة ربع ساعة ما يتطلب ستة أشهر لجاهزية العرض، ومع هذا وذاك ما سهّل عليه صعوبة المهمة هو حبه لعمله وإيمانه بالفكرة ورغبته في مساعدتهم للتواصل مع العالم الخارجي من دون لغة إشارة "عبر الفن". كذلك قناعته بأن المبدعين من ذوي الاحتياجات الخاصة لديهم طاقات هائلة وإبداعات تحتاج لتفجير عبر تهيئة البيئة المناسبة والظروف.
ومع مرور الزمن تطورت الفكرة من رقص مسرحي للصم لتتوسع الفكرة لتضمّ ذوي الإعاقة الحركية من مقعدين وإعاقات ذهنية ومشاركين آخرين لا يعانون من أي إعاقة كمحاولة لدمج شريحة ذوي الإعاقة مع العالم الخارجي، وسرعان ما ازدهرت الفكرة وجنت ثمارها فأنجزت وأخرجت أكثر من 12 أداء حركي وفلكلوري في عروض متنوعة حول العالم مثل فيلم همزة وصل، النيران الصديقة …إلخ، حيث تميزت أعماله بمخاطبة القضايا المجتمعية في قالب فني.
تجربة فرقة الصامتين الفريدة من نوعها حققت نجاحاً كبيراً وأبهرت العالم وداخلياً على الصعيد المصري وصفها وزير الثقافة المصري د. محمد صابر عرب بأنها تجربة إنسانية شديدة الرقي، واصفاً في ذات الوقت المخرج رضا عبد العزيز بالمدرب والرائد وتجربته بالفريدة عالمياً.
ومن فوائد تجربة فرقة الصامتين التي أصبحت لغة تواصل مخاطبة قضايا مجتمعية عبر أعمال فنية متنوعة فأثرت تأثيراً إيجابياً على المجتمع، كما كان لفرقة الصامتين أثرها وتأثيرها على المشاركين في أعمالها الفنية والمسرحية والموسيقية من صم وبكم وغيرهم فبات الفرق واضحاً ما قبل وبعد تجربة "فرقة الصامتون" الفنية التي ساعدتهم في الانتقال من لغة الإشارة إلى لغة تخاطب مع المجتمع الخارجي. وغيرت إيجابياً في سلوكياتهم وتصرفاتهم، الإنسان الأصم ومعضلة الرغبة في التعبير والتواصل مع العالم الخارجي وانعدام القدرة على التعبير التي انتصروا عليها عندما وجدوا في أعمال رضا عبد العزيز "وسيلة للتعبير والتواصل مع العالم الخارجي". وكما أن من المعلوم أن الإعاقة تؤثر في السلوك الخارجي وقد تسبب أحياناً في بعض الانفعالات الغضب أو تخلق نوع من العدوانية بسبب عدم القدرة على التعبير وعدم القدرة على التواصل مع الآخر، إلا أن فرقة الصامتين ساعدتهم في تفريغ الطاقة السلبية وشحنة الغضب، التخلص من الانفعالات الزائدة، التعبير عن ذاتهم، و تعزيز الثقة في النفس، إخراجهم من العزلة المجتمعية بالتواصل مع المجتمع الخارجي، تقبل إعاقتهم مما ساعد على الاستقرار والهدوء النفسي، الإحساس بآدميتهم وأنهم يقومون بعمل ذو قيمة، تغيير نظرة المجتمع لهم من الاستعطاف للانبهار والإعجاب، شعورهم بالفرحة والسرور نسبةً للتفاعل الجمهوري معهم الأمر الذي حفزهم للاستمرار، ولكن الاستمرارية واجهتها عوائق مختلفة ومتعددة الأشكال والأنواع منها على سبيل المثال لا الحصر: عدم التعاطي الإيجابي من وزارة الثقافة المصرية مع المشروع وأهمية الدعم المادي والفني، وإن كان مشروع فرقة الصامتين هو الأول من نوعه في العالم العربي والدولي إلا أنه لم يجد حظه من الدعم والمساندة، فبالرغم من إرادة المخرج رضا عبد العزيز الصادقة الجادة في مواصلة المشوار واستمرارية المشروع الذي أثبت نجاحه بالتجربة اعتماداً على خبراته كموسيقي واستعراضي ومصمم رقصات ومشرف مسرحي وتجارب أخرى فنية ومهارات متنوعة ومختلفة في مجالات عديدة بالإضافة لحبه لهذه الفئة الإنسانية ورغبته في مساعدتهم إلا أن انعدام خطوط الإنتاج والدعم كانت عائقا ، وبرغم من أن من المعروف أن من واجب ومهمة وزارة الثقافة رعاية هذه التجربة، وتضافر المجتمع لدعمها لما تمثله من أهمية، لتستمر وتمثل مصر في مهرجانات الثقافة العالمية، إلا أن تعاطي وتفاعل وزارة الثقافة لم يكن إيجابياً بالقدر الكافي، فلطالما تمنى المخرج رضا عبد العزيز الحصول على مركز تدريب داخل مصر للتطوير وتجديد الأداء الفني والتدريبي فكان مقترحه المتمثل في "بيت الصامتين" في أحد مراكز الإبداع التي لا تقام فيها فعاليات فنية كأحد البيوت الأثرية ليصبح مقر الفكرة والتجربة تيمناً بـ "بيت العود المصري"، إلا أن فكرته مقترحاته ومشاريعه لم تجد آذاناً صاغية، وبالرغم من ان إرادته القوية جعلته لا يفقد الأمل في الاستمرارية ولكن إذا به يفاجأ بعوائق أكبر وأعظم متمثلة في "هويته اليهودية " التي اكتشف أنها العائق الأكبر.
تابعونا للقصة بقية
#عبير_سويكت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدلية بيت المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، والفروقات التا
...
-
يريدونه إسلاماً اختيارياً أو توريثياً؟ ما من مولود إلا يولد
...
-
الحرب و النزوح و تحريم زواج المسلمة من المسيحي؟ ما هو مصدره
...
-
تناقضات وتخبطات خالد سلك في حديثه عن الملف السوداني اليمني.
...
-
مرافعة محامي الشيطان في التحريض على عدم نزع سلاح مليشيا الدع
...
-
يسألونك عن الحركة الإسلامية ثم يسألونك عن الإخوانية، ثم يسأل
...
-
السودان ومأزق البيوتات الانتهازية والأحزاب الأسرية، برز الثع
...
-
كلمة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام الجمعية العامة للأم
...
-
تصاعد في وتيرة الصراع الإقليمي بعد أحداث السابع من أكتوبر ول
...
-
حول ادراج بريطانيا موضوع الهولوكوست في المنهج التعليمي الجدي
...
-
أوري دانينو Ori ben Einav Danino قصة أنسان أنهم أمم أمثالكم.
-
حول حادثة كنيس غراند موت اليهودي في فرنسا
-
بيان للقادة الإنجيليين في الشرق الأوسط حول الصراع الفلسطيني
...
-
حول محاولات التعبئة والحشد ضد تواجد الرياضيين الإسرائيليين ف
...
-
تنويه هام جدًا: صفحة انستغرام مزورة ومحاولة انتحال صفتي الشخ
...
-
مباحثات جنيف لوقف إطلاق النار في السودان
-
استقالة غانتس بين المطرقة و السندان تأييدًا من جانب، و تشكيك
...
-
الرئيس الفرنسي ماكرون في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الاسر
...
-
المغرب تنتفض نصرةً لفلسطين و الصندوق الأسود ينفتح .
-
خبايا و خفايا حول أحداث رفح
المزيد.....
-
بالأرقام.. تحديث عدد أصوات ترامب والقوة الهائلة بواشنطن
-
قلبها ترامب.. أسماء 4 ولايات انتزعها الجمهوريون بالانتخابات
...
-
مراسل يوضّح -خطيئة- الديمقراطيين وسبب غطرستهم وظنهم بأن ترام
...
-
كوشنر وما قاله عن محمد بن سلمان بمذكراته يبرز مجددا بعد إعلا
...
-
الكويت.. فيديو مداهمة أمنية تضبط إيرانيين ومواطن والداخلية ت
...
-
/ملخص يومي/.. الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية/ 0
...
-
/ملخص يومي/.. الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 07
...
-
مقتل عشر أشخاص في الضفة الغربية، والوضع في غزة -يزداد كارثية
...
-
ترامب حقق نصراً كبيراً، وهاريس تقرّ بخسارتها، فكيف كانت الان
...
-
ماذا سيفعل ترامب في هذه الحقبة القلقة؟
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|