|
تحديات مسرح الشارع في الفضاء العام: بين الصناعة والتلقي
حسام موسي
كاتب وباحث وناقد ومؤلف مسرحي مصري
الحوار المتمدن-العدد: 8153 - 2024 / 11 / 6 - 12:23
المحور:
الادب والفن
يُعد المسرح وسيلة فعّالة للتعبير الثقافي والتفاعل الاجتماعي، حيث يتيح للفنانين فرصة تقديم قضايا معاصرة بطريقة تفاعلية تلامس جمهورهم مباشرة. من بين الأشكال المسرحية المتعددة، يبرز مسرح الشارع كظاهرة فنية تجمع بين الإبداع والحرية، حيث ينتقل العرض المسرحي من القاعات المغلقة إلى الفضاءات العامة المفتوحة. هذا الانتقال يسمح للجمه بالانخراط في العروض بطرق غير تقليدية، مما يعزز من تأثير المسرح على المجتمع بشكل مباشر. وفقاً لما ذكره جان كوهين (1992) في كتابه radical street Performance، يُعد مسرح الشارع أداة فعّالة للتغيير الاجتماعي والثقافي، حيث يوفر منصة للفنانين لطرح قضايا ملحّة تصل مباشرة إلى المجتمع بدون حواجز. بالإضافة إلى ذلك، يشير بيم ماسون في مقدمة كتابه Street Theater And Other Outdoors Performance إلي أن مسرح الشارع يمتلك القدرة على تفعيل التفاعل الفوري بين الجمهور والفنانين، مما يخلق ديناميكية فريدة تسمح للجمهور بأن يكون جزءًا من الحدث المسرحي. ومع ذلك، فإن طبيعة مسرح الشارع المفتوحة وغير التقليدية تضعه أمام مجموعة من الصعوبات. يواجه فنانو مسرح الشارع تحديات تتعلق بتمويل العروض، وتوفير التجهيزات الفنية في الفضاءات العامة، بالإضافة إلي التحديات القانونية والمناخية التي قد تؤثر على سير العروض. تشير دراسة دوشي نيل (٢٠٠٩) Revolution at the Crossroads: Street Theater and the Politics of Radical Democracy in India and in Algeria إلى أن أحد أبرز التحديات التي يواجهها مسرح الشارع هو التفاعل مع الجمهور المتنوع، الذي قد لا يكون دائمًا مستعدًا أو قادرًا على استقبال الرسائل المسرحية بنفس الدرجة من الفهم والتفاعل. في هذا البحث، نسعى إلى تحليل التحديات الرئيسية التي تواجه مسرح الشارع في الفضاء العام، مع التركيز على جوانب الصناعة والتلقي. سيتم تقسيم الدراسة إلى عدة أقسام تشمل تعريف مسرح الشارع وخصائصه، التحديات المتعلقة والتجهيزات الفنية، إشكالية التلقي وتفاعل الجمهور مع العروض، بالإضافة إلى التحديات البيئية والقانونية التي تؤثر على تقديم العروض في الأماكن العامة. من خلال هذا التحليل، نهدف إلى تقديم توصيات عملية يمكن أن تسهم في تحسين ظروف مسرح الشارع وتعزيز دوره كأداة فعالة للتعبير الثقافي والاجتماعي في الفضاءات العامة. أولا الإطار المنهجي مشكلة البحث تتعلق بتحديات مسرح الشارع في ظل التطورات التقنية والتحولات الاجتماعية. يشمل ذلك نقص التمويل، صعوبة توفير التجهيزات الفنية، والتفاعل مع جمهور متنوع في بيئة غير متوقعة. بالإضافة إلى ذلك، يواجه المسرح تحديات بيئية وقانونية تؤثر على جودة العروض واستدامتها. تتطلب هذه التحديات من الفنانين التكيف مع ظروف معقدة للحفاظ على فعالية مسرح الشارع كوسيلة للتعبير الفني والاجتماعي. أسئلة الدراسة ما مدى تأثير نقص التمويل والدعم المادي على استدامة عروض مسرح الشارع في الفضاء العام؟ كيف يؤثر التفاعل مع الجمهور المتنوع في الفضاء العام على ديناميكية العروض في مسرح الشارع؟ ما هي التحديات البيئية والقانونية التي تواجه عروض مسرح الشارع في الفضاء العام، وكيف يمكن للفنانين التكيف معها؟ أهداف البحث: تحليل تأثير نقص التمويل والدعم المادي على استدامة وجودة عروض مسرح الشارع في الفضاء العام. دراسة تأثير تفاعل الجمهور المتنوع في الفضاء العام على أداء الممثلين وديناميكية العروض في مسرح الشارع. تحديد التحديات البيئية والقانونية التي تواجه عروض مسرح الشارع، واقتراح استراتيجيات فعالة للتكيف معها. تقديم توصيات عملية لتعزيز دور مسرح الشارع كوسيلة للتعبير الثقافي والاجتماعي في الفضاءات العامة. أهمية البحث: إثراء الأدبيات العلمية المتعلقة بمسرح الشارع، وخاصة في سياق التحديات التي تواجه هذا النوع من الفنون في الفضاء العام. تقديم تحليل نظري للتفاعل بين الفن والجمهور لفهم العلاقة بين العوامل البيئية والاجتماعية وتأثيرها على التلقي والفن المسرحي. تحسين ممارسات مسرح الشارع، مما يساعد الفنانين على التغلب على التحديات العملية التي يواجهونها. توجيه السياسات الثقافية لدعم وتطوير مسرح الشارع، بما يعزز من دوره في الحياة الثقافية والاجتماعية. حدود البحث: 1. الحدود الموضوعية: دراسة التحديات التي تواجه مسرح الشارع في الفضاء العام، مع التركيز على جوانب الصناعة (التمويل، الدعم المادي، التجهيزات الفنية) وآليات التلقي (تفاعل الجمهور، التحديات الاجتماعية والثقافية، الظروف البيئية والقانونية). 2. الحدود الزمانية: يركز البحث على التحديات التي واجهها مسرح الشارع خلال السنوات العشر الأخيرة (2014-2024). 3. الحدود المكانية: يركز البحث على دراسة مسرح الشارع عالميا. منهج البحث: يعتمد البحث على المنهج الوصفي التحليلي، حيث يتم وصف وتحليل التحديات التي تواجه مسرح الشارع في الفضاء العام من جوانب مختلفة مثل الصناعة والتلقي. هذا المنهج مناسب لفهم الظواهر الاجتماعية والثقافية من خلال جمع البيانات وتحليلها لاستخلاص النتائج والتوصيات التي قد تسهم في تحسين أداء مسرح الشارع وتعزيز دوره في المجتمع. أدوات البحث: سنستخدم أداة تحليل المحتوى لدراسة النصوص والمقالات والدراسات السابقة المتعلقة بمسرح الشارع. تحديد المصطلحات ١ مسرح الشارع لغويا: "المسرح" يعني المكان أو الفضاء الذي تُقدَّم فيه العروض المسرحية، و"الشارع" يعني الطريق أو المساحة العامة المفتوحة للجمهور. اصطلاحيًا: مسرح الشارع هو نوع من الفنون الأدائية التي تُقدَّم في الفضاءات العامة المفتوحة بعيدًا عن القاعات المسرحية التقليدية، ويستهدف جمهورًا عريضًا ومتنوعًا. إجرائيًا: في هذا البحث، يشير "مسرح الشارع" إلى العروض المسرحية التي تُنفذ في أماكن عامة مثل الساحات والشوارع بهدف التفاعل المباشر مع جمهور متنوع من خلال أساليب فنية مبتكرة. 2. الفضاء العام لغويا: "الفضاء" يعني المساحة أو المكان، و "العام" يعني الذي يخص أو يرتبط بجميع الناس. اصطلاحيًا: الفضاء العام هو المساحة المفتوحة التي يتمكن الأفراد من استخدامها بحرية، مثل الشوارع والساحات التي يمكن للجميع الوصول إليها دون قيود. إجرائيًا: في هذا البحث، يشير "الفضاء العام" إلى الأماكن المفتوحة في المدن والمناطق الحضرية التي تُقام فيها العروض المسرحية ويحدث فيها التفاعل الاجتماعي بين الجمهور والممثلين 3. التفاعل الاجتماعي لغويا: "التفاعل" يعني التأثير المتبادل بين الأفراد، و "الاجتماعي" يعني ما يتعلق بالمجتمع أو الحياة الاجتماعية. اصطلاحيًا: التفاعل الاجتماعي هو العملية التي يتفاعل من خلالها الأفراد أو الجماعات في المجتمع، حيث يؤثر كل طرف في الآخر بشكل متبادل. إجرائيًا: في هذا البحث، يشير "التفاعل الاجتماعي" إلى الديناميكية التي تنشأ بين الممثلين والجمهور في عروض مسرح الشارع، حيث يلعب الجمهور دورًا فعالًا في توجيه الأحداث والتأثير على العرض بشكل مباشر. 4. الصناعة (في سياق المسرح) لغويًا: "الصناعة" تعني عملية إنتاج أو خلق شيء. اصطلاحيًا: في سياق المسرح، الصناعة تشير إلى عملية إنتاج العروض المسرحية، بما في ذلك التحضير والتنظيم والإخراج والتمثيل. إجرائيًا: في هذا البحث، يُقصد بـ "الصناعة" جميع المراحل التي تشمل إعداد وتنفيذ عروض مسرح الشارع، من الفكرة إلى التنفيذ النهائي. 5. التلقي لغويا: "التلقي" يعني استقبال أو استيعاب شيء. اصطلاحيًا: التلقي في الفن يعني كيفية استقبال الجمهور للأعمال الفنية وتفسيرها وتأثرهم بها. إجرائيًا: في هذا البحث، يشير "التلقي" إلى ردود فعل الجمهور تجاه عروض مسرح الشارع، وكيفية تفسيرهم للمحتوى وتأثرهم به، ومدى تفاعلهم مع المواضيع المطروحة. 6. التغيير الاجتماعي لغويا: "التغيير" يعني التحول أو التبدل، و "الاجتماعي" يعني ما يتعلق بالمجتمع. اصطلاحيًا: التغيير الاجتماعي هو عملية التحول في البنية الاجتماعية أو الثقافية للمجتمع نتيجة لعوامل مختلفة. إجرائيًا: في هذا البحث، يشير "التغيير الاجتماعي" إلى التأثيرات المحتملة لعروض مسرح الشارع على المجتمع من حيث تغيير القيم أو المواقف أو السلوكيات نتيجة للتفاعل المباشر مع العروض المقدمة. ثانيا الإطار النظري ٢١ مفاهيم أساسية تعريف مسرح الشارع. مسرح الشارع هو نوع من الفنون الأدائية التي تُقام في الأماكن العامة مثل الشوارع والساحات، بهدف الوصول إلى جمهور أوسع وأكثر تنوعًا. يتميز هذا المسرح بقدرته على كسر الحواجز التقليدية بين العرض والجمهور، مما يسمح بالتفاعل المباشر والمشاركة الفعالة. يعتبر مسرح الشارع وسيلة فعالة لنقل الرسائل الاجتماعية والسياسية والثقافية بطريقة مؤثرة ومباشرة، ويسهم في تنشيط الحياة الثقافية خاصة في المناطق التي تفتقر إلى المرافق الثقافية. ومع ذلك، يواجه مسرح الشارع تحديات متعددة تشمل نقص التمويل وصعوبات التجهيزات الفنية، بالإضافة إلى التحديات الاجتماعية والقانونية التي قد تؤثر على تفاعل الجمهور. يختلف تأثير مسرح الشارع وأهدافه باختلاف السياقات الجغرافية والثقافية، إلا أنه يبقى وسيلة قوية للتعبير عن القضايا المجتمعية وتعزيز الحوار الثقافي والاجتماعي في مختلف أنحاء العالم. إن المفهوم اللغوي لمصطلح "مسرح الشارع" وفقاً لقاموس كولينز Collins dictionary هو "العروض الدرامية الترفيهية التي يتم تقديمها بشكل خاص في مناطق التسوق". أما تعريف قاموس كامبريدج فيعرف مسرح الشارع علي أنه "الترفيه المجاني الذي يتم تقديمه في الأماكن العامة، وخاصة بالقرب من المحال التجارية والمطاعم والحانات". في حين يعرفه قاموس أكسفورد بأنه "مسرحيات وعروض أخري تقدم في الشارع". أما تعريف موسوعة وسائل الإعلام للحركات الاجتماعية فمسرح الشارع عنده هو "مزيج من المسرح والنشاط، يتم تنفيذه في مساحة مفتوحة مثل الشارع، أو قطعة أرض مفتوحة، أو حي فقير، أو أمام مصنع أو مساكن العمال، أو معبد، او كنيسة، أو مستودع، او موقع معرض، او حرم جامعي، أو حديقة، أو محطة سكة حديد، حيث يمكن للممثلين التفاعل مع الجمهور". وفي كتاب مسرح الشارع وعروض الهواء الطلق street theater and Other Outdoor performance ل "بيم ماسون" يقول أنه "سيتناول فقط المهنيين والفنانين الذين اهتمامهم الأول هو تقديم المسرح, والذين طوروا أعمالهم المسرحية في الهواء الطلق على مدى سنوات عديدة" ويعرف مسرح الشارع بانه الأعمال التي صممت لتقدم في الشارع دون أن يحدد ما هذه الاعمال. أما الباحث فيعرف مسرح الشارع بوصفه "نوع من العروض المسرحية التي تُقام في الأماكن العامة المفتوحة، حيث يستهدف جمهورًا عفويًا من المارة. يتميز هذا النوع من المسرح بعدم وجود نص مكتوب مسبقًا، بل يعتمد على فكرة رئيسية محددة سلفًا خاصة بقضايا حياتية. يقوم العرض على الارتجال والتفاعل الديناميكي بين الممثلين والجمهور، بهدف نشر الوعي وتصحيح المفاهيم، مما يخلق تجربة حية ومباشرة ترتبط بالزمان والمكان وتسمح للجمهور بالمشاركة الفعالة في العرض".
٢٢ تطور مسرح الشارع الجذور التاريخية. إن البداية الحقيقية للمسرح يمكن أن تُعزى إلى الإنسان البدائي الذي كان يعود من رحلات الصيد ليجمع قبيلته ويحاكي عملية اصطياد الحيوان. كان يستخدم صوته وجسده لتجسيد عمليات الكر والفر والملاحقة، مما يُظهر كيف أن جذور المسرح تعود إلى الفضاءات المفتوحة والطبيعة التفاعلية مع الجمهور، وهو ما يمكن اعتباره النواة الأولى لمسرح الشارع. لاحقًا، قام "ثيسبس" بتقديم عروضه المسرحية في الشوارع باستخدام عربة متنقلة، حيث كان يمثّل الأساطير اليونانية قبل أن تتبلور فكرة المسرح المعماري في العصر الإغريقي، وقد كان ذلك خلال الاحتفالات بأعياد الإله ديونيسيوس. لكن، إذا كانت هذه هي البداية الحقيقية للمسرح عمومًا، فأين يمكن تحديد البداية الحقيقية لمسرح الشارع؟ هناك آراء بحثية متباينة حول هذا الموضوع. من هذه الآراء، ما يعود بنشأة المسرح إلى العصر الفرعوني، حيث يُعتبر "انتصار حورس" المنقوش على جدران معبد "إدفو" أقدم نص مسرحي معروف، وقد كانت العروض تقام في المعابد والشوارع على حد سواء. بينما يرى آخرون أن العصر الروماني يُعد الإرهاصة الأولى لمسرح الشارع، خاصة عندما أمر الإمبراطور كاليجولا بحرق الممثل "فسبازيان الشحيح" عقابًا له. وفي جنازته، تم تمثيل مهزلة قُلدت فيها جنازته بوضع الجثة في موكب وبسؤالهم عن تكلفة هذه الجنازة فتم إجابته ب "عشرة ملايين سترس" فأجاب" أعطوني مائة الف فقط والقوني في نهر التيبر". فقد سخر من التكلفة المالية المرتفعة للجنازة عبر مشهد احتجاجي ساخر. وفقًا للباحث حسام الدين مسعد فإن هذا المشهد "في حقيقته ديالكتيك احتجاجي، وتشاركية مع الجمهور الذي أجابه بالتكلفة المالية للجنازة في بلوغ غاية دلالية تسخر من واقع الشخصية، "فسبازيان" وواقع الجمهور المتلقي، مفادها هو ذات الرسالة التي يسعي صناع مسرح الشارع لتبليغها للمتلقي وهي، توعيته، وتبصيره لتمييز صحيح الفكر من فاسده". تتابعت بعد ذلك الإرهاصات التي دفعت المسرح للخروج إلى الشارع، خاصة في العصور الوسطى، عندما ضيقت الكنيسة على الممثلين ومنعتهم من الأداء في الأماكن المغلقة. لاحقًا، "عمدت الكنيسة مرة ثانية إلى أحياء الفن المسرحي من جديد بعد أن التمست حاجتها الواضحة إلى إعادة المسرح على يد رجال الدين أنفسهم" وسمحت الكنيسة لهم بتمثيل المسرحيات الدينية داخلها، ولكن مع إصدار "البابا أوريان الرابع" قرارًا بالاحتفال بعيد القربان في كافة أنحاء إنجلترا، عاد الممثلون إلى الشوارع لتقديم مسرحية "آدم". في القرن السادس عشر، ظهرت "الكوميديا ديلا آرتي"، التي اعتمدت على الارتجال وعُرضت في الشوارع على عربات متنقلة. ومع ذلك، لا يمكن اعتبارها مسرح شارع حقيقي، لأنها افتقدت عنصر المشاركة الفعلية من الجمهور، حيث انحصر دور المتفرج في المشاهدة فقط. نتفق هنا مع رأي الباحث حسام الدين مسعد، الذي يرى أن "مسرح الخبز والدمى" الذي أسسه "بيتر شومان" في عام ١٩٦١، يمثل الانطلاقة الحقيقية لمسرح الشارع في العصر الحديث. كان شومان يسعى لتغيير المجتمع عبر تقديم عروض مسرحية يتفاعل فيها الجمهور بشكل مباشر، حيث كان يوزع الخبز المجاني على الحضور قبل العرض كوسيلة للتواصل، في حين كانت الدمى العملاقة تستخدم لتجسيد مواضيع معاصرة، مع مشاركة الجمهور في التمثيل. لأن مفاده حسبما يعتقد "أننا جئنا إليكم في هذا المكان لنقدم لكم الخبز المجاني، ولتتحدث دمي المسيح، والقديسين إليكم أيها المتعبين" ومسرح الخبز والدمي هو مجموعة من ضمن المسرح المتطرف إلي كان يستهدف تغيير المجتمع، واسسها "بيتر شومان" الذي كان يعمد إلي توزيع الخبز المجاني علي الجمهور قبل العرض كوسيلة اتصالية بين الجمهور والمؤدين كما يمتاز العرض بوجود الدمي العملاقة، متخذاً موضوعات من الحياة المعاصرة، مع مشاركة الجمهور في التمثيل. مسرح المقهورين لـ "اوغيستو بوال" طور تقنيات مسرح الشارع في الغرب. في الوطن العربي، كانت أقرب ظاهرة لمسرح الشارع هي "المحبظين"، وهي عروض هزلية تعود للعصور الوسطى، تعتمد على الإيماءات والحركات الساخرة، وقدمت في الأسواق والمناسبات لتعكس قضايا اجتماعية وسياسية بشكل ساخر.
2-3 النظريات المرتبطة بمسرح الشارع نظرية التفاعل الرمزي تركز على بناء الأفراد للمعاني الاجتماعية من خلال التفاعل اليومي، حيث تشكل الرموز، كاللغة والإشارات، أساس التواصل. هذه النظرية ترى أن المجتمع يُبنى عبر التفاعلات المستمرة بين الأفراد، حيث يتم التفاوض على المعاني وتفسيرها بحسب التجارب الشخصية. في مسرح الشارع، تتجلى هذه النظرية في التفاعل بين الممثلين والجمهور، حيث لا يُعتبر الجمهور متلقٍ سلبي بل شريك في بناء المعاني. من خلال العروض التفاعلية، يتمكن الجمهور من تفسير الرسائل الاجتماعية والسياسية وفقاً لتجاربهم الخاصة، مما يسهم في تشكيل وعي جديد وقد يؤدي إلى تغييرات في السلوك الاجتماعي. بذلك، يصبح مسرح الشارع أداة فعالة في تعزيز الوعي وإحداث التغيير المجتمعي. نظرية الفعل الاجتماعي لماكس فيبر تُبرز أن الأفعال البشرية تحمل معاني تتجاوز المظاهر المادية، وتؤثر في المحيط الاجتماعي. في مسرح الشارع، يُطبق هذا الفعل كأداة لتشكيل وإعادة تشكيل الهياكل الاجتماعية والسياسية، عبر التفاعل المباشر مع الجمهور في الفضاءات العامة. المسرح يعزز الوعي الاجتماعي ويُسهم في تغيير التصورات والسلوكيات، مما قد يؤدي إلى تغييرات ملموسة في السياسات والممارسات الاجتماعية. نظرية التغيير الاجتماعي النقدي تؤكد أن التغيير يحدث من خلال النقد المستمر والمقاومة للظلم الاجتماعي والسياسي. مسرح الشارع يُجسد هذه النظرية باستخدامه كمنصة للنقد العلني في الأماكن العامة، مما يُحفز الجماهير على التفكير النقدي والتفاعل مع القضايا المجتمعية. من خلال إشراك الجمهور بشكل فعال في الأداء، يُصبح مسرح الشارع أداة للمقاومة الثقافية والتأثير في الهياكل الاجتماعية والسياسية، مما يسهم في تحفيز التغيير الاجتماعي ودعم العدالة. نظرية التلقي الجمالي ترى أن الجمهور شريك فعّال في إبداع وتفسير الأعمال الفنية. في مسرح الشارع، يتفاعل الجمهور بشكل مباشر مع العرض، مما يتيح لهم المشاركة في خلق المعنى وتشكيل التجربة الفنية بشكل حي ومباشر، ما يعزز التأثير المتبادل بين العرض والجمهور. نظرية المتلقي النشط تعتمد على أن الجمهور يفسر الأعمال الفنية من خلال مرشحات ثقافية واجتماعية شخصية، مما يجعل التلقي تجربة فردية وفريدة لكل شخص. التطبيق في مسرح الشارع: الجمهور متنوع ويعيد تشكيل وتفسير العرض وفق خلفياته، مما يثري العرض بتفسيرات متعددة ويعزز التفاعل الفعّال. نظرية استجابة القارئ/المشاهد تشير إلى أن فهم الجمهور للأعمال الفنية يتغير حسب تجربته الشخصية والسياق الاجتماعي المحيط. التطبيق في مسرح الشارع: التفاعل الفوري والمباشر مع العرض في بيئات عامة يعزز الانخراط ويعيد تشكيل مضمون العرض وفقًا لتجارب المشاهدين وسياقهم الاجتماعي. النظرية الثقافية النقدية تستخدم الفنون كأداة لانتقاد وإعادة تشكيل الثقافة السائدة، حيث تفضح التناقضات والظلم في المجتمع. التطبيق في مسرح الشارع: يمثل المسرح منصة للنقاش المجتمعي والمقاومة الثقافية، حيث يعرض قضايا اجتماعية وسياسية بشكل مباشر في الفضاءات العامة، مما يسهم في تغيير الوعي الثقافي. نظرية الهيمنة الثقافية تشير إلى أن الطبقات الحاكمة تستخدم الثقافة للحفاظ على سلطتها من خلال نشر قيم معينة تُقبل كأمر طبيعي. التطبيق في مسرح الشارع: يُستخدم المسرح لمقاومة الهيمنة الثقافية، حيث يقدم رؤى بديلة ويشجع على التفكير في إمكانيات أخرى للحياة والمجتمع، مما يحفز على تطوير حركات اجتماعية للتغيير. نظرية الفضاء الثالث تشير إلى وجود فضاء ثقافي ثالث يتشكل من التفاعل بين ثقافات مختلفة، مما يؤدي إلى نشوء ثقافة جديدة ومشتركة. التطبيق في مسرح الشارع: يخلق المسرح مساحة مشتركة للحوار بين الثقافات المختلفة في الفضاءات العامة، مما يعزز التبادل الثقافي والفهم المشترك للواقع الاجتماعي. هذه النظريات بمسرح الشارع تسلط الضوء على كيفية تفاعله مع الجمهور بشكل مباشر وتأثيره في تشكيل المعاني والتغيير الاجتماعي. إذ توضح هذه النظريات أن مسرح الشارع ليس مجرد عرض فني عابر، بل هو أداة قوية للتفاعل الاجتماعي والثقافي. عبر هذا التفاعل، يُمكِّن مسرح الشارع الجمهور من المشاركة في إنتاج المعاني والوعي، ويحفز النقد المجتمعي، ويعمل على إعادة تشكيل التصورات الاجتماعية والسياسية، مما يسهم في إحداث تغييرات ملموسة في الواقع الاجتماعي والثقافي.
ثالثا تحديات مسرح الشارع في الفضاء العام ٣١تحديات الإنتاج التمويل والدعم المادي. البيئة المكانية وظروف الأداء. التنظيم والتخطيط - يواجه مسرح الشارع تحديات كبيرة تتمثل في نقص التمويل والدعم المادي، مما يهدد استدامته وقدرته على تقديم عروض ذات جودة. يعتمد على مصادر تمويل غير ثابتة، ويفتقر للدعم الحكومي الكافي، مما يفرض على الفنانين الاعتماد على التبرعات أو المنح غير الكافية لتغطية تكاليف الإنتاج. هذا يؤدي إلى صعوبات مالية تؤثر على استمرارية العروض. للحفاظ على استدامته، يحتاج مسرح الشارع إلى حلول تمويلية مستدامة ودعم حكومي أكبر لتغطية تكاليف الإنتاج والتطوير. - من جهة أخري يواجه مسرح الشارع تحديات متعلقة بالبيئة المكانية وظروف الأداء، حيث يتعين عليه التكيف مع فضاءات عامة غير مهيأة ومليئة بالضوضاء، ويعاني من تأثيرات الطقس غير المتوقعة. الجمهور العابر وغير المنظم يصعب جذب انتباهه، وقد يتشتت العرض. بالإضافة إلى ذلك، تواجه الفرق تحديات قانونية تتعلق بالحصول على التصاريح اللازمة بفعل " هيمنة السلطة السياسية علي الشارع بوصفه فضاءً عمومياً خاضعاً لسلطاتها" ، هذه الإجراءات البيروقراطية قد تعوق إقامة العروض أو تتسبب في تأخيرها. - من التحديات الأخري التي تواجه مسرح الشارع انه يتطلب تنظيمًا دقيقًا وتخطيطًا محكمًا لضمان نجاح العروض. يعتمد النجاح على اختيار الوقت والمكان المناسبين لجذب الجمهور، مع مراعاة توقيت الذروة والمواقع القريبة من التجمعات البشرية. تنسيق الفريق ضروري لضمان سلاسة الأداء، كما يلعب التسويق المسبق دورًا حاسمًا في زيادة الحضور، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والتعاون مع منظمات محلية. التسويق المسبق في مسرح الشارع لا يستهدف إبلاغ الجمهور بالتفاصيل الدقيقة عن العرض، بل يهدف إلى خلق وعي عام بوجود فعاليات ثقافية أو فنية في منطقة معينة دون الكشف عن طبيعتها أو توقيتها بالضبط. بهذه الطريقة، يظل عنصر المفاجأة موجودًا لأن الجمهور لن يكون على دراية بتفاصيل العرض أو توقيته الدقيق. بدلًا من ذلك، يُحفَّز المارة على التفاعل مع العرض عندما يصادفونه بشكل غير متوقع، مما يحافظ على روح العفوية التي يتميز بها مسرح الشارع. بالتالي، التسويق هنا ليس دعوة مباشرة للجمهور، وإنما تهيئة الأجواء والترويج لفكرة النشاط الثقافي في الفضاءات المفتوحة دون الكشف عن التوقيت أو المحتوى، مما يضمن أن عنصر المفاجأة لا يزال فعالًا. يقول المخرج اسلام سعيد" إن مسرح الفضاءات المفتوحة يعد أحد أهم أنواع المسارح المختصة بتطوير الوعى العام للجمهور، ونشر حرية التعبير والفن الشعبى، لكنه للأسف يواجه صعوبات فى الإنتاج والتنظيم والدعاية".
٣٢ تحديات التلقي تفاعل الجمهور وتقبله. التحديات الأمنية والرقابية. القيود الثقافية والاجتماعية - يواجه مسرح الشارع تحديات عديدة تتعلق بتفاعل الجمهور وتقبله، حيث يصعب التنبؤ بردود أفعال جمهور غير متوقع وغير مُهيأ للعرض، مما يؤدي إلى تفاعل غير منظم ومتفاوت. التحديات النفسية والاجتماعية، مثل الخجل والقلق، تحد من تفاعل الجمهور، كما أن التباين في الفهم والتقدير بين الأفراد يجعل من الصعب إيصال الرسالة بشكل فعال. - كما يواجه مسرح الشارع تحديات أمنية ورقابية تؤثر على طبيعة العرض وسلامة الفنانين والجمهور. تجمعات الجمهور في الفضاءات العامة قد تسبب ازدحامًا وفوضى، مما يستدعي تدخل السلطات وفرض قيود أو إيقاف العرض. بالإضافة إلى ذلك، تفرض الرقابة قيودًا على المحتوى، خاصة في الموضوعات السياسية أو الاجتماعية، مما يحد من حرية التعبير. كما تشكل الفضاءات العامة مخاطر أمنية قد تعرض الفنانين والجمهور لمخاطر غير متوقعة أو مواجهات معادية. - تواجه فرق مسرح الشارع تحديات ثقافية واجتماعية تؤثر على كيفية تلقي العروض في الفضاءات العامة. الاختلافات الثقافية قد تؤدي إلى سوء فهم أو رفض للعروض، خاصة إذا تعارضت مع القيم المحلية. الحواجز الاجتماعية تجعل بعض الفئات غير مهتمة أو سلبية تجاه هذا الفن، بينما تؤدي التقاليد المحلية إلى مقاومة العروض التي تتعارض مع الممارسات الراسخة. التصورات النمطية تقلل من قيمة مسرح الشارع مقارنةً بالمسرح التقليدي، مما يؤثر على تقبله بشكل سلبي. رابعا دراسة حالة ٤١ دراسة حالة محلية دراسة مفصلة لأحد مسارح الشارع في منطقة معينة دراسة حالة محلية: محمد الجنايني ومسرح الشارع في السويس محمد الجنايني هو أحد الأسماء البارزة في مسرح الشارع في مصر، لا سيما في محافظة السويس. بدأت رحلته الفنية في المسرح المدرسي، ثم انتقل إلى المسرح الشعبي، قبل أن يركز اهتمامه على مسرح الشارع نتيجة تراجع الجمهور عن حضور مسارح الثقافة الجماهيرية. ساهمت فرقة السويس ومعها حسن الإمام، الذي دعم الفكرة، في بروز الجنايني، الذي اشتهر بأعماله التي تمزج بين الفن والأدب، ويعتبر من الرواد في استخدام الفضاءات العامة كمساحات للتعبير الفني. تتناول عروض الجنايني القضايا الاجتماعية والسياسية التي تؤثر على امجتمع المصري، كما هو الحال في عرضي "ملامحنا" و"زعبوبة في مهب الريح". خصائص عروض محمد الجنايني: الموضوعات الاجتماعية: تركز أعمال الجنايني على قضايا مثل الفقر، العدالة الاجتماعية، والحقوق المدنية، مستلهمة من الواقع اليومي للمصريين. التفاعل مع الجمهور: يشكل التفاعل المباشر مع الجمهور جزءًا أساسيًا من عروضه، حيث يشجعهم على المشاركة والتفاعل مع الأحداث، مما يخلق تجربة مسرحية فريدة. استخدام الفضاءات العامة: يعتمد الجنايني في عروضه على الفضاءات العامة مثل الساحات والشوارع، مما يقرب المسرح إلى الناس ويتيح الوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع، بما في ذلك الفئات المهمشة. البساطة والعمق: على الرغم من بساطة الإعدادات والتجهيزات في عروضه، إلا أنها تحمل رسائل عميقة تعكس الواقع المصري المعاصر. التحديات: واجه محمد الجنايني العديد من التحديات أثناء تنظيم عروضه، سواء من ناحية التمويل، أو البيئة المكانية وظروف الأداء، إلى جانب االرفض الاجتماعي والرسمي. كانت بعض النخب المسرحية ترفض نوع المسرح الذي يقدمه، كما حاولت المؤسسات الرسمية إيقاف فرقة السويس. وتعرض مشروع "مهرجان السويس الدولي لمسرح الشارع" للعرقلة بسبب الروتين الحكومي. وعلى الرغم من هذه التحديات، نجح الجنايني في تقديم عروض أثرت في جمهور واسع وأثارت نقاشات حول القضايا التي تناولها. التأثير والتفاعل: كانت عروض محمد الجنايني مؤثرة بشكل كبير، فهي لم تكن مجرد أعمال فنية بل كانت دعوة للتفكير والتفاعل مع القضايا المجتمعية. يمثل مسرح الشارع الذي يقدمه مثالاً لكيفية استخدام الفن كوسيلة للتغيير الاجتماعي. وقد حقق نجاحًا ملموسًا مثل مشاركته في مهرجان بغداد الدولي وحصوله على جوائز عديدة، وتكريم فرقته في محافل رسمية.
٤٢ دراسة حالة دولية مقارنة مع تجربة دولية لمسرح الشارع. دراسة حالة دولية: مسرح الشارع في برشلونة ومقارنته بتجربة محمد الجنايني مقدمة: تعد تجربة مسرح الشارع في برشلونة واحدة من التجارب الرائدة على الصعيد الدولي، حيث تمتاز بتنوعها وغناها الثقافي والتاريخي. تأسست هذه التجربة على خلفية تاريخية وثقافية عميقة، حيث يشكل الفن جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية لسكان المدينة وزوارها. في هذه الدراسة، سنتناول تجربة مسرح الشارع في برشلونة، وسنقوم بمقارنتها مع تجربة محمد الجنايني في القاهرة، لنسلط الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين في ضوء السياقات الاجتماعية والثقافية المختلفة. تجربة مسرح الشارع في برشلونة: تتميز برشلونة بكونها مدينة متجددة فنياً وثقافياً، وهي معروفة باستضافتها لمجموعة متنوعة من الفعاليات الثقافية والفنية التي تشمل مسرح الشارع. يعود نجاح مسرح الشارع في برشلونة إلى دعم البلدية والمجتمع المحلي، إضافة إلى وجود بيئة مشجعة على الإبداع والتجريب. تعتبر العروض في برشلونة جزءًا من نسيج المدينة الحضري، حيث تقام في أماكن متنوعة مثل شوارع "لارامبلا" والساحات التاريخية التي تكتظ بالناس. واحدة من أبرز التحديات التي يواجهها مسرح الشارع في برشلونة هي التنظيم والتخطيط في ظل العدد الكبير من الفنانين والجماهير. تتطلب هذه العروض تراخيص من السلطات المحلية، وتفرض قيوداً على الأماكن والأوقات المسموح بها. ومع ذلك، نجح الفنانون في تحويل هذه القيود إلى فرص للإبداع من خلال استخدام المساحات العامة بطرق مبتكرة تعزز من تفاعل الجمهور. مقارنة مع تجربة محمد الجنايني تتشابه تجربة محمد الجنايني مع تجربة برشلونة في عدة جوانب، خاصة في ما يتعلق بمحاولة التفاعل مع الجمهور في الفضاءات العامة. لكن هناك اختلافات جوهرية ناتجة عن السياقات الثقافية والاجتماعية المختلفة بين القاهرة وبرشلونة. في القاهرة، يواجه مسرح الشارع تحديات أكبر من حيث القبول الاجتماعي، حيث يتعين على الفنانين التعامل مع قيود ثقافية واجتماعية قوية، قد تحد من حرية التعبير والتفاعل مع الجمهور. ومع ذلك، استطاع محمد الجنايني توظيف تلك القيود كدافع للإبداع، حيث قدم عروضاً تلامس القضايا الاجتماعية والسياسية الحساسة بأسلوب يحترم تقاليد المجتمع المصري، مما ساعد في كسب تأييد الجمهور المحلي. التفاعل مع الجمهور في حين أن الجمهور في برشلونة معتاد على فكرة مسر ح الشارع، ويشارك بشكل فعال ومتحمس، فإن الجمهور في القاهرة قد يكون أقل تجاوباً بسبب العوامل الثقافية والرقابية. على الرغم من ذلك، نجح الجنايني في بناء جسور تواصل مع جمهوره من خلال اختيار مواضيع ذات صلة مباشرة بحياتهم اليومية، واستخدام تقنيات سردية تعكس البيئة المحلية.
خامسا ً دور مسرح الشارع في التغيير الاجتماعي والثقافي ٥١ تأثير مسرح الشارع على المجتمع المحلي: ١. إحياء الفضاءات العامة وتفعيل المشاركة المجتمعية: يحول مسرح الشارع الفضاءات العامة إلى مساحات تفاعل مجتمعي، مما يعزز الانتماء المحلي ويشرك الجمهور في القضايا المجتمعية. 2. التوعية الاجتماعية والتعبئة الجماهيرية: يقدم قضايا اجتماعية وسياسية بشكل تفاعلي، مما يوعي الجمهور ويعبئهم للمطالبة بالتغيير، كما حدث في جنوب إفريقيا خلال فترة الفصل العنصري. ٣. تمكين الفئات المهمشة: يمنح صوتًا للفئات المهمشة للتعبير عن قضاياهم، كما في الهند حيث ساعد النساء والأطفال على مواجهة الظلم عبر العروض المسرحية. 4. بناء جسور بين الثقافات المختلفة: يعزز الفهم المتبادل بين الثقافات المختلفة من خلال العروض التي تتناول تجارب المهاجرين، مما يقلل من التوترات الثقافية. 5. تحفيز التغيير السياسي والاجتماعي: يستخدم كأداة لتحفيز النقاش حول القضايا السياسية والاجتماعية، كما في البرازيل حيث ساعد في حشد الدعم للإصلاحات. ٦. تعزيز الهوية الثقافية وإعادة تشكيل القيم الاجتماعية: يساهم في تعزيز الهوية الثقافية وإعادة تشكيل القيم الاجتماعية عبر تقديم روايات محلية تعكس تراث المجتمع وتقاليده.
٥٢ مسرح الشارع كأداة للتعبير السياسي أمثلة لتأثير مسرح الشارع على الحراك السياسي مسرح الشارع يُستخدم بشكل فعّال كأداة للمقاومة والاحتجاج ضد الظلم السياسي والاجتماعي، حيث يصل إلى شرائح واسعة من المجتمع في الفضاءات العامة. أمثلة على ذلك تشمل "مسرح المضطهدين" في البرازيل الذي ساعد في تحفيز الجماهير ضد الأنظمة الديكتاتورية، ومسرح الشارع في تونس خلال ثورة الياسمين، حيث ساهم في حشد الجماهير ضد النظام الاستبدادي. كما يُمثل مسرح الشارع صوت الفئات المهمشة ويعزز الحراك الديمقراطي، كما حدث في جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري. بالإضافة إلى ذلك، يُحفّز مسرح الشارع النقاش االعام ويكسر الحواجز بين السياسيين والجماهير، مما يجعله وسيلة قوية لنقل مطالب الشعوب إلى المسؤولين، كما في الهند. كما يُستخدم الفن المسرحي لتحدي القيم السلطوية والسلطة التقليدية، كما حدث في إسبانيا خلال حكم فرانكو. في المجمل، يعمل مسرح الشارع كأداة فعالة للتعبير السياسي وتحفيز المواطنين على المشاركة في الحراك الاجتماعي والسياسي، مما يجعله ساحة للنضال والمطالبة بالتغيير.
٥٣ العلاقة بين مسرح الشارع والفضاء العام دراسة التفاعل بين الفضاء العام ومسرح الشارع. مسرح الشارع يحقق دورًا محوريًا في تحويل الفضاء العام إلى منصة للتعبير والتغيير الاجتماعي. من خلال تقديم العروض في الساحات والشوارع، يصبح الفضاء العام ليس مجرد مكان للمرور العابر، بل ساحة للنقاش والتفاعل الثقافي والاجتماعي. يتفاعل الجمهور بشكل مباشر وحيوي مع العروض المسرحية، مما يعزز التأثير على وعيهم الجماعي ويحفزهم على إعادة التفكير في القضايا المجتمعية والسياسية. يتميز مسرح الشارع بإعادة تعريف الفضاء العام كموقع ثقافي واجتماعي، حيث تُحول المساحات العامة إلى مواقع للتعبير الجماعي والمشاركة الفعالة. ورغم التحديات القانونية والأمنية والثقافية التي تواجه هذا النوع من المسرح، إلا أن الفنانين يستغلون هذه التحديات كفرص لتطوير طرق جديدة للتفاعل مع الجمهور. في النهاية، ببرز مسرح الشارع كأداة قوية للتغيير الاجتماعي، قادر على إعادة تشكيل الفضاء العام وتعزيز الوعي الجماعي من خلال التفاعل المباشر والتواجد في الأماكن العامة.
التوصيات والمقترحات 1. تعزيز الدعم المالي والفني لمسرح الشارع: يجب على المؤسسات الثقافية والحكومية تقديم دعم مالي مستدام لمسرح الشارع، وتخصيص ميزانيات ومِنَح للفنانين والمجموعات المسرحية، مع توفير تدريب فني مستمر لتعزيز مهاراتهم وتطوير العروض. 2. تطوير بيئة قانونية داعمة: توصي الدراسة بتعديل القوانين لتسهيل تنظيم العروض في الفضاءات العامة، وضمان حرية الفنانين من القيود القانونية والرقابية. 3. زيادة الوعي الثقافي والاجتماعي بأهمية مسرح الشارع: يجب تنظيم حملات توعية وإدراج مسرح الشارع في المناهج الأكاديمية لزيادة الوعي بأهمية دوره الاجتماعي والثقافي. 4. تعزيز التفاعل بين مسرح الشارع والجمهور: يُنصح بتطوير تقنيات تواصل جديدة واستخدام الوسائط الرقمية لتعزيز التفاعل مع الجمهور، وتشجيع مشاركتهم الفعالة في العروض. 5. تعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات: يُوصى بإنشاء شبكات تعاون دولية بين مسارح الشارع لتبادل الخبرات والتجارب، مما يساهم في تطوير تقنيات جديدة وتقديم دعم متبادل بين الفنانين. 6. إشراك الفضاء العام كموقع للتعبير الثقافي والسياسي: يجب تعزيز استخدام الفضاءات العامة كمنصات للتعبير الثقافي والسياسي، وتشجيع الحكومات على تخصيص أماكن للعروض المسرحية. 7. البحث المستمر وتوثيق التجارب: يُنصح بتشجيع الدراسات المستمرة لتحليل تأثير مسرح الشارع على المجتمع وتقديم توصيات لتحسين الأداء المسرحي. 8. تشجيع التجارب الإبداعية: يُوصى بدعم التجارب المسرحية الجديدة في الفضاءات العامة، مثل العروض التفاعلية والمسرح الوثائقي، لتوسيع نطاق تأثير مسرح الشارع.
الخاتمة في ختام هذا البحث، يتضح لنا أن مسرح الشارع يشكل جزءًا حيويًا ومؤثرًا من الفنون الأدائية، حيث يمتلك القدرة على التأثير العميق في المجتمعات من خلال تفاعله المباشر مع الجمهور في الفضاءات العامة. لقد تناولنا في هذه الدراسة لعديد من الجوانب المرتبطة بمسرح الشارع، بدءًا من تعريفه وأهميته، مرورًا بالسياق التاريخي له، ووصولًا إلى التحديات التي تواجهه سواء في مرحلة الإنتاج أو التلقي. لقد أظهرت الدراسة أن مسرح الشارع ليس مجرد وسيلة للترفيه، بل هو أداة قوية للتغيير الاجتماعي والثقافي، يمكنه أن يعزز الوعي بالقضايا المجتمعية والسياسية ويشجع على النقاش والتفاعل الفعّال بين أفراد المجتمع. كما أن مسرح الشارع يمثل تحديًا للبنى التقليدية في الفنون المسرحية، حيث يكسر الحواجز بين العرض والجمهور، ويعيد تعريف مفهوم الفضاء العام كمساحة للتعبير الثقافي والاجتماعي. على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه مسرح الشارع، سواء فيما يتعلق بالتمويل أو البيئة المكانية أو التفاعل مع الجمهور، إلا أن هذه التحديات يمكن التغلب عليها من خلال دعم أكبر من المؤسسات الثقافية والحكومية، وتعزيز التعاون الدولي وتبادل الخبرات بين فناني مسرح الشارع في مختلف السياقات الثقافية. كما تبين من خلال دراسة الحالة المحلية لعروض محمد الجنايني، والدراسة المقارنة لتجارب دولية، أن مسرح الشارع قادر على تقديم رؤى جديدة ومبتكرة لمجموعة متنوعة من القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية. وقد أثبتت هذه العروض أن مسرح الشارع يمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير، حيث يتيح للأفراد إعادة التفكير في واقعهم الاجتماعي ويحفزهم على اتخاذ مواقف فعالة تجاه التغيير.
المراجع ١ Jan Cohen-Cruz , radical street Performance: An International Anthology ,Routledge, london,1998,page 155- 2 Bim Mason, Street Theater And Other Outdoors Performance, Routledge, london,1992,page 12 - 3 Neil A. Doshi Revolution at the Crossroads: Street Theater and the Politics of Radical Democracy in India and in Algeria , 2009.
٤ قاموس كولينز علي الإنترنت، علي الرابط التالي : https://www.collinsdictionary.com/dictionary/english/street-theater
٥ قاموس كامبريدج علي الإنترنت، علي الرابط التالي : https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/street-theatre
٦ قاموس أوكسفورد علي الإنترنت، علي الرابط التالي : https://www.oxfordlearnersdictionaries.com/us/definition/english/street-theatre
٧ – موسوعة وسائل الإعلام للحركات الجماهيرية، علي الإنترنت علي الرابط التالي: https://sk.sagepub.com/reference/socialmovement/n226.xml
٨ نايف بن خلف الثقيل، إشكالية مسرح الشارع بين المفهوم والتطبيق، مجلة نابو للبحوث والدراسات. مجلد ٣٣، عدد ٤٤، كلية الفنون الجميلة، الرياض، ٢٠٢٣، ص ٨٦١.. ٩ سليم حسن، موسوعة مصر القديمة، مؤسسة هنداوي، https://www.hindawi.org/books/19405961/4 ١٠ حسام الدين مسعد، مسرح الشارع .. هنا والآن، إصدارات مهرجان كركوك الدولي لمسرح الشارع، ٢٠٢٣، ص٣٢.١٠.
١١ جوليان هيلتون: نظرية العرض المسرحي، تدر: نهاد صليحة، الشارقة، دائرة الثقافة والإعدام، منشورات مركز الشارقة للإبداع الفكري، مكتبة المسرح، ،2001 ص.25 . ١٢ حسام الدين مسعد، نفس المرجع السابق ، ص٤٠.
١٣ حسام الدين مسعد، مسرح الشارع بين الخلط الشارع (مقاربة مفاهيمية)، مؤسسة س للثقافة والاعلام، مصر، ٢٠٢٢، ص ٧١.
١٤ رنا رأفت، كيف يعود مسرح الشارع، تحقيق في جريدة الدستور، https://www.dostor.org/4303938
١٥ همت مصطفي محمد الجنايني: أحلم بمهرجان دولى لمسرح الشارع فى السويس، جريدة مسرحنا، عدد ٥٦٣، يونيو ٢٠١٨.
١٦ - موسوعة ويكيبيديا علي الإنترنت: https://en.m.wikipedia.org/wiki/Osad%C3%ADa
#حسام_موسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مساعدو الإخراج في المسرح: أدوار محورية في الظل
-
فن الصمت في التمثيل: قوته، تأثيره، ودور المخرج في توجيهه
-
الكوميديا الهزلية (الفارس): دراسة معمقة حول أحد أقدم أشكال ا
...
-
الأنانية لدي الممثل: بين تحديات الفردية والتزام الجماعة
-
التطوع في المهرجانات الفنية
-
استلهام التراث في المسرح: بين التجديد والحفاظ على الهوية
-
سمات ممثل مسرح الشارع: الفن في قلب الأماكن العامة
-
جريمة بيضاء : استكشاف الصراع بين الظاهر والباطن علي خشبة الم
...
-
-مرايا إليكترا: عرض مسرحي يتجاوز التوقعات-
-
بين الصرامة والحب: رحلة تحول الأب في - العيال فهمت -
-
الحياة حلم) بين انتقادات الكلاسيكية الجديدة و الواقعية و احت
...
-
-النقطة العميا- دعوة لتأمل الذات ومراجعة الضمير
-
- النقطة العميا- دعوة لمعرفة الذات
-
دنيس ديدرو والابن الطببعي
-
كالديرون دي لاباركا والمسرح الباروكي
المزيد.....
-
كلاكيت: المخرجون عندما يقعون في غرام الأدب
-
انطلاق فعاليات -مهرجان الثقافة الكُردية الأول-دورة الشاعر عب
...
-
علماء يكتشفون أصول أقدم نظام للكتابة في العالم
-
الفنانة هند عبد الحليم تطلب من جمهورها الدعاء بعد إصابتها با
...
-
البحرين تفوز بجائزة أفضل وجهة للمعارض والمؤتمرات (صور)
-
تحديات القراءة وأثرها على الشباب
-
-سلمى- و-أرزة-.. نظرة على الأفلام المتنافسة بمسابقة آفاق الس
...
-
فيلم انيميشن لمخرجة مسلمة امريکية يهز ضمير العالم
-
معاهد التمثيل في سوريا.. مواهب واعدة أم مؤسسات تجارية؟
-
في عرض خاص بكتارا.. فيلم -المرهقون- يستعرض رحلة كفاح أسرة يم
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|