|
الضمانات الإجرائية في المحاكمة
ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 14:16
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
من بين الضمانات الإجرائية التي أرساها القانون الدولي الجنائي لتمكين ضحايا الجرائم الدولية من استيفاء حقوقهم تكريس مجموعة من المبادئ والقواعد الإجرائية المتعلقة بصفة خاصة بالمتهم الذي ارتكب الجريمة أو الجرائم الدولية محل المتابعة ، والتي بتفعيلها يضمن مسائلة مرتكبي الجرائم الدولية وعدم إفلاتهم من العقاب ، و في الوقت نفسه ضمان استيفاء حقوق الضحايا كتحصيل لانعقاد المحاكمة التي لطالما عرقلها عدم تفعيل بعض القواعد الإجرائية . و من أبرز هذه المبادئ و القواعد الإجرائية التي حرص القانون الدولي الجنائي على تجسيدها كضمانات مبدأ عدم تقادم الجرائم الدولية ، مبدأ عدم جواز العفو عن مرتكبي الجرائم الدولية ، مبدأ عدم الاعتداد بالصفة الرسمية لمرتكبي الجرائم الدولية ، مبدأ سيادة الضمير على واجب الطاعة لأوامر الرؤساء ، و مبدأ التعاون الدولي في تعقب و اعتقال و تسليم و محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية ، حيث أصبح من غير المقبول أن يسمح لمرتكبي الجرائم الدولية أن يتذرعوا بالتقادم أو العفو أو الصفة الرسمية أو أمر الرئيس الأعلى أو سيادة الدولة لتفادي تحمل المسؤولية الجنائية عن تلك الجرائم الدولية ، و ذلك لكونها عقبات تحول دون إجراء المحاكمة التي يستفيد منها ضحايا الجرائم الدولية في استيفاء حقوقهم . و إضافة لذلك حرص القانون الدولي الجنائي على تكريس مبدأ التعاون الدولي الإجرائي ، حيث أثبتت الممارسة العملية الحاجة الملحة و الماسة إلى إيجاد آليات فعالة لتعزيز التعاون الدولي من أجل ضمان تطبيق أحكام القانون الدولي الجنائي فيما يتعلق بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية و تمكين ضحايا هذه الجرائم من استيفاء حقوقهم و من أهم المجالات التي يرتكز حولها التعاون الدولي في هذا الإطار تعقب و اعتقال و تسليم و معاقبة مرتكبي تلك الجرائم و عدم منحهم حق اللجوء ، إضافة للتعاون في مجال التحقيق و الاعتراف بأحكام و قرارات أجهزة العدالة الجنائية الدولية و التعاون في تنفيذ العقوبات الصادرة عنها ، و قد عزز القانون الدولي الجنائي مجال التعاون الدولي أكثر من خلال منح مجلس الأمن دورا فعالا في ضمان الامتثال لطلبات التعاون مما يعزز احتمالات استيفاء ضحايا الجرائم الدولية حقوقهم . و رغم ما يحمله التقدم المحرز على المستويين الوطني والدولي من إيجابيات في مسعى الاعتراف بمركز قانوني لضحايا الجرائم الدولية يضمن لهم مجالا أوسع للمشاركة في مختلف مراحل الدعوى القضائية ، إلا أن ذلك قد يكون غير كاف في حالات معينة من أجل تحقيق الغاية الأساسية المتمثلة في ضمان استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . فقد لا يكفي في بعض الأحيان الاعتراف بحق الضحايا في تقديم المعلومات بخصوص ارتكاب جرائم دولية معينة لحصولهم على العدالة رغم أهمية هذا الحق في إثارة انتباه الجهات المكلفة بفتح التحقيق و اتخاذ قرار المتابعة ، كما قد لا يفي بالغرض نفسه الاعتراف بحقوق ضحايا الجرائم الدولية في المشاركة في الإجراءات أو الحق في الحماية و رد الحقوق و جبر الضرر و غيرها من الحقوق التي قد لا تجد طريقا لتجسيدها ، و السبب في ذلك مجموعة من العقبات و الثغرات القانونية في القانون الدولي الجنائي تحول دون إجراء المحاكمة التي يستفيد منها الضحايا . إن بعض الثغرات في نصوص القانون الدولي الجنائي تم استغلالها بسوء نية لتصبح رخصة للإفلات من العقاب أمام القضاء الجنائي الدولي و تحول دون مباشرة القضاء الجنائي الدولي لوظيفته التكاملية المتمثلة في انعقاد الاختصاص للقضاء الجنائي الدولي لمحاكمة المتهمين بارتكاب الجرائم الدولية و تمكين ضحايا هذه الأخيرة من استيفاء حقوقهم عندما لا يستطيع القضاء الوطني للدول القيام بتلك المحاكمات أو لا يرغب فيها ، و قد أصبحت تلك الثغرات والنقص بعد استغلالها من طرف الدول الرافضة للعدالة الجنائية الدولية بمثابة العقبات في وجه تنفيذ طلبات التعاون التي يصدرها القضاء الجنائي الدولي. إن النظامين الأساسيين لكل من المحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة و رواندا لم يمنحا ضحايا الجرائم الدولية التي وقعت في البلدين أيــة إمكانية للتدخل بصفة أخرى بخلاف صفة الشهود ، و هو ما يمثل تراجعا كبيرا ، خصوصا و أن الضحايا و أسرهم و المنظمات المدافعة عن حقوقهم يستطيعون الإدعاء بحقوقهم المدنية و حتى مقاضاة الدولة مدنيا أمام المحاكم الوطنية وفقا لقوانين هذين البلدين ، في حين لا يسمح لهم بذلك أمام هاتين المحكمتين ، و قد أقرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا هذه المشكلة ، و حاولت التخفيف من آثارها السلبية ، فأجرت تعديلا على قواعد الإجراءات و قواعد الإثبات الخاصة التي منحت بموجبه لممثلي بعض جمعيات الضحايا باعتبارهم " أصدقاء للمحكمة " الحق في المثول أمامها و السماح لها بتقديـم بيانات أو مذكرات بشأن أية مسألة تحددها دائرة المحاكمة ، و مصطلح " صديق المحكمة " تم استخدامه في القاعدة 74 و103من القواعد الإجرائية و قواعد الإثبات للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين ليوغسلافيا السابقة و رواندا و للمحكمة الجنائية الدولية على التوالي ، و قد شمل أيضا الأشخاص المعنوية حيث استعانت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا بحكومة بلجيكا في قضية " المدعي العام ضد "برنار نتوياهاغا " و رابطة الاهتمامات الإفريقية بهذه الصفة. وتيسيرا لحسن تطبيق مبدأ التكامل في الاختصاص ضبط القانون الدولي الجنائي بعض المسائل المرتبطة به و ذلك من خلال إقرار بعض المبادئ و القواعد الجنائية ، و من بين هذه المبادئ والقواعد مبدأ عدم جواز المحاكمة عن الجريمة ذاتها مرتين ، و مبدأ التطبيق الوطني للعقوبات ، و مبدأ انعقاد مسؤولية الرؤساء و المرؤوسين ، و مبدأ المساواة في العقوبة لكل المساهمين في ارتكاب الجرائم الدولية ، مما جعلها تتلائم و تدعم تطبيق مبدأ التكامل في الاختصاص بدل أن تكون عقبة في وجه تطبيقه. و لم يقتصر تعزيز القانون الدولي الجنائي لمسار استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية على الضمانات في مجال الاختصاص ، بل تعداها إلى تجسيد و ترسيخ الضمانات في المجال الإجرائي ، و التي تتمثل أساسا في تفعيل آليات تحريك الدعوى ، ذلك أن الجرائم الدولية من الخطورة بمكان ، مما ينبغي معها أن يكون تحريك الدعوى غير محصور بجهة معينة ، فكان من الضروري عدم حصر هذا الحق و احتكاره في جهة محددة قد تتعسف في استعماله مع ما يترتب عن ذلك من تقويض للجهود الدولية لاستيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية. و هكذا فقد تعددت جهات تحريك الدعوى ، فشملت إلى جانب الدول كلا من المدعي العام و مجلس الأمن مع منح المدعي العام استقلالية و صلاحيات واسعة لتأمين مرجع فعال يطالب بحقوق الضحايا و يحول دون تقويض العدالة الجنائية الدولية عند امتناع مجلس الأمن أو الدول عن التحرك لأسباب سياسية ، و هذه السلطات الواسعة و الاستقلالية التي يتمتع بها المدعي العام بلغت درجة الإشراف و الرقابة على نظام الإدعاء الجنائي الوطني ، و هو ما يعتبر ضمانة أخرى مهمة لصالح استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية . إن إشراك مجلس الأمن في آلية تحريك الدعوى أمام القضاء الدولي الجنائي عن طريق منحه حق الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية - و إن كان هذا يمنحه أيضا سلطة " الفيتو " على اختصاص القضاء الجنائي الدولي ضمن حدود الفصل السابع من ميثاق منظمة الأمم المتحدة - يوسع من جهة أخرى نطاق الملاحقة أمام القضاء الجنائي الدولي ، و ذلك بتحرير هذه الأخيرة من صلات الإقليم و الجنسية بالنسبة لمرتكبي الجرائم الدولية أو الانضمام و القبول بالنسبة للدول في علاقتها مع اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية . كما سعى القانون الدولي الجنائي إلى تفعيل الضمانات الإجرائية التي تكفل استيفاء حقوق ضحايا الجرائم الدولية ، و من بين هذه الضمانات الإجرائية استبعاد استيفاء الشروط المسبقة في حالة قيام مجلس الأمن بالإحالة ، حيث اعتبر مجلس الأمن المصدر الأكثر ثقة ، و عليه فلا يترتب إبلاغ الدول المعنية بالجرائم الدولية المرتكبة و لا يصار إلى استصدار إذن بالتحقيق ، بل تتبع إجراءات مستعجلة تقتضي البدء بالتحقيق مباشرة و من دون أي تدابير تمهيدية قد تكون عائقا.
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاحادية القطبية في طريقها للإفول
-
الثروة و السلطة السياسية
-
التغيير الذي يعتمد على التنمية الاجتماعية
-
التطبيق الصحيح للقانـون أقامة العدل واستتباب الأمن
-
الإقتناع القضائي بالدليل الإلكتروني
-
القانون الإداري والمرفق العام
-
تأثير النظام الحاكم علي بناء أركان الدولة
-
عندما يكون هناك عدم يقين بين الحكومة والمواطن ينتشر الفساد
-
الولايات المتحدة الاميركية وسلاح العقوبات الاقتصادية
-
وظائف السلطة التشريعية
-
سيادة الدولة على أقليمها والمشكلات التي تواجه النظام السياسي
...
-
النظام الفردي عاجز عن نقل الصلاحيات الإدارية والسياسية بسلاس
...
-
حماية المال العام وايرادات الدولة من التعرض غير المشروع
-
التعددية القطبية لعالم مستقر أقتصادياً و عسكرياً
-
التكامل المعرفي والاجتماعي وأثره على التنمية البشرية
-
الإستثمار الخارجي في الاقتصاد الوطني
-
سياسات العراق في تعزيز الاقتصاد
-
النظام الإقليمي العربي يمتلك من الإمكانيات المادية والبشرية
...
-
الذكرى السادسة والستين لثورة 14 تموز
-
السيادة الوطنية بعد التحولات الدولية
المزيد.....
-
ماذا يعني فوز ترامب للمهاجرين في الولايات المتحدة؟
-
المالكي يدعو الأمم المتحدة للعب دور أكبر لإيقاف العدوان على
...
-
إسبانيا تُعلن عن حزمة إغاثة ضخمة بقيمة 11.5 مليار دولار لموا
...
-
اعتقال رجل في ميشيغان -هدد بشن هجوم- إذا فاز ترامب
-
جالانت: الخلافات مع نتنياهو حول التجنيد وإعادة الأسرى والتحق
...
-
وزير الحرب الإسرائيلي المقال يوآف غالانت: إصراري على الإفراج
...
-
الإفراج عن 100 متظاهر في ذي قار ومطالبات بالإفراج عن بقية ال
...
-
وزير الحرب الإسرائيلي المقال يوآف غالانت: من الممكن إعادة ال
...
-
قضية كبير العلماء النوويين.. محكمة إيرانية تقضي بإعدام ثلاثة
...
-
اعتقال شخص في مبنى الكونجرس بسبب -رائحة الوقود-
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|