أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الطوفان وأشياء أخر (21)















المزيد.....

الطوفان وأشياء أخر (21)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8151 - 2024 / 11 / 4 - 20:33
المحور: القضية الفلسطينية
    


-في وصف حالتنا
نحن الذين اعتدنا على الكلمات الكبيرة والغليظة يأتي الواقع الفلسطيني اليوم ليذكرنا ببعض الحقائق المرة، فالمقاومة الفلسطينية في وضعها وتركيبتها الآنية، لن تهزم العدو ولن تحرر شبر، ولعل هذا مدعاة لنا لنبقي الصراع مع إسرائيل مفتوحاً بالطرق المتاحة كافة، عسى أن تتغير موازين القوى في المستقبل، والأهم من ذلك ألا نكف عن المطالبة بحق العودة والتعويض. هكذا تقول أبسط قواعد” الواقعية السياسية”.
‏ قد يتطلب الأمر منا شجاعة أكبر بالإقرار بفشل العمل الفدائي المسلح لوحده؛ وعلينا التحول -حالياً ولو مؤقتاً- إلى أتواع متعددة من المقاومة وتفعيل أقصى طاقات المقاطعة ومواجهة التطبيع. فميزان القوى مختل لمصلحة مجتمع مستعمِرين “اسبارطي” لا تمييز فيه بين المدني والعسكري تأسس على قاعدة “إبقاء اليد على الزناد إلى الأبد” بما يسمح لها بنشر لا يقل عن مليوني جندي بكامل عتادهم على جميع جبهات المواجهة.
من الأهمية بمكان التأكيد على حق المقاومة بالأساليب “المتاحة والمتوفرة “، ولابد من التذكير أيضاً أن العنف صفة ملازمة لوجود الاحتلال فهو الذي يستجلبه بدواعي السيطرة والإخضاع والأمن. وطالما لا يوجد شعب عنيف بطبعه بحكم التجربة فهذا يعني أن العنف من طبيعة مؤقتة سيزول بزوال المسبب؛ وأن “الكفاح السياسي”، بوصفه أحد أنماط المقاومة، هو من يفرض أجندته ويقود ويوجه العمل وليس العكس؛ وعلى هذا تكون المقاومة حقاً مشروعاً سواء كانت عنيفة أم لا. قد نختلف في بعض التفاصيل ولكن لا نختلف على عمومية هذا الحق؛ و وفقاً لإرث وأدبيات النضال الفلسطيني فمن ينكر حق المقاومة (بشقيه) لا يمكنه أن يكون طرف في أي نقاش فلسطيني داخلي، ولكل مقاومة حساباتها الخاصة التي تكون براغماتية في الأغلب إن لجهة البرنامج السياسي أو لاعتبارات أخرى تتعلق بالواقع وهو ما يحتم عليها التعامل مع العنف بحسابات الربح والخسارة، إذ ليس من البطولة ولا من الثورية التضحية بالشعب من أجل برنامج سياسي قابل للتعديل والتحويل والتحوير أو من أجل خطوط ما حمراء أو صفراء وغيرها، بل من واجب المقاومة أن تقوم بحساباتها بدقة خشية عدم الانزلاق نحو العبثية والفشل السياسي وربما الارتزاق والسقوط الأخلاقي.
حسنا، لكن ماذا عن الوقائع على الأرض؟
بعد نحو 60 عاماً من انطلاق المقاومة الفلسطينية المسلحة؛ ينكشف الآن وفي ظل المتغيرات العربية الراهنة جدل فلسطيني واسع؛ علني ومضمر على حد سواء، يبرهن على تعدد الرؤى والمشاريع على الصعيدين العربي والفلسطيني، لتتكشف معه حقائق طالما حاول البعض تجاهلها؛ إذ لم يعد ثمة أجندة/ إجماع وطني فلسطيني موحد، بدءً من تعريف العدو والصديق والطموح والحلم وصولاً حتى لتعريف الوطن والثورة والمقاومة واللاجئ والمواطن والمخيم…. إلخ. ناهيك عن وضع عربي رجعي نموذجي لتعريف معنى ودور "الثورة المضادة"، بات يستنجد بإسرائيل كحليف موثوق إزاء عدو خارجي (قد يكون موجوداً وقد يكون مجرد وهم يخدم صفقات الأسلحة فقط)؛ وعلى الجانب الفلسطيني لا يعدّ ما سبق تخيلاً أو تجنياً أو تسويقاً لأوهام ما؛ فقد شوه الاحتلال بنية المجتمع الفلسطيني وتركيبته ليس فقط من يسكن في الداخل بل يتعداه ليصل إلى المنافي ومخيمات اللجوء، وهي حالة تتساوق، على كل حال، مع المحيط العربي الرسمي “وفي جزء منه الشعبي” الذي بدل استراتيجياته بتبدل الثوابت والصيغ والإملاءات، ولا ينبغي أن يفهم هذا على أنه بيان اتهام ضد أحد، بل هو دعوة لفتح حوار مثمر يبتعد عن السجالية والتقريرية.
لقد تحولت فلسطين بعد سبعين عاماً من استعمارها إلى مشهد ضبابي مفعم بشهوة عربية رسمية مبتذلة للتخلص من ملف المسألة الفلسطينية مرة وللأبد، تقابله رغبات استعمارية إسرائيلية محمومة لتقديم تصورات وخرائط وتقسيمات وتقطيعات لا مثيل لها للبلاد التي تعيش تحت وطأة حدود متحركة غير ثابتة يغمرها تشظٍ عنيف وإعادة تركيب للزمان والمكان في محاولة نسقية لزعزعة الإيقاع الطبيعي للحياة الفلسطينية وغمرها بالتواءات وتشوهات قسرية متعمدة للأرض والإنسان والزمان.
ويبدو أن الوقائع على الأرض تبرهن -عند كل حدث ومناسبة- على عدم قدرة القيادة الفلسطينية كطرف سياسي على التعامل السليم مع السياسات التي تفرضها إسرائيل حرباً أم على هيئة مشاريع سلام اعتراضية أو حتى إجراءات أمنية كالذي حدث ويحدث الآن في غزة والضفة الغربية عموماً والقدس بصورة خاصة، ومن الواضح أن الاحتلال -أي احتلال- لا يعود لأسباب دينية أو مذهبية أو طائفية، بل قد تكون هذه الأسباب، منفردة أو مجتمعة، رافعة لتسويغ الاحتلال، وطالما الأمر كذلك، فالمقاومة سواء كانت عنيفة أم لا، تستوجب كرد فعل، روافع موازية دون أن تكون هي المعيار لها، فالمقاومة ليست حكراً على دين أو مذهب أو طائفة؛ فاليساري واليميني والطائفي واللا ديني والعلماني والمحافظ جميعهم لهم مصلحة في التخلص من الاحتلال بطريقة أو بأخرى.
وهذا ما يدعونا للتأمل في مآلات الصراع مع إسرائيل، فانحسار الاهتمام بالمسألة الفلسطينية على المستوى العربي والدولي لا يحتاج إلى كثير جهد لملاحظته، لا سيما في الوقت الراهنة التي هي امتداد للمرحلة التي تلت حرب تشرين/أكتوبر 1973 وتعاظمت بعد هزيمة 82 حيث حمل غبار المعارك منطقاً معكوساً سعى العقل الغربي والإسرائيلي (وتقبلته الدوائر الرسمية العربية) لتكريسه بالقول بعبثية حل النزاع مع إسرائيل عسكرياً، وأن هذه الإسرائيل تمثل- موضوعياً ومن ناحية موضة النيوليبرالية السائدة الآن- واحة الديمقراطية في صحراء الاستبداد العربي، علماً أن هذه العقلية ذاتها غير قادرة (أو هي لا تريد)، على فك المعضلة المنطقية الأخرى التي تبرهن على حقيقة الإيديولوجية الصهيونية باعتبارها عنصرية وأداة استعمارية إرهابية وأن مؤسّساتها وممارساتها وتربيتها وثقافتها تتصف بتلك الصفات الاستعمارية الإرهابية العنصرية القائمة على المغالاة في سلوكها ضد الفلسطينيين القائم على الاستعلاء وسياسات الاقتلاع الوطني والاضطهاد القومي، وأكثر ما يتجلى هذا المنطق (الغربي والإسرائيلي والعربي الرسمي) في إطلاق حكم القيمة (بوصفه وسيلة أداتية) كمعيار مريح لكنه لا يحمل التزاماً من أي نوع في التعاطي مع المسألة الفلسطينية، فأصبحت فلسطين (قضيةً وشعباً وأرضاً) مجرد فائض قيمة أخلاقي يظهر بين الحين والآخر لإفراغ مشاعر “التعاطف” الزائدة عن الحاجة ولتخفيف القلق واحتقان الشعور بالذنب، وهذا الحكم يعمل لمصلحة إسرائيل التي نجحت -بعد أوسلو- في تحويل الفلسطيني من عدو "وجودي" إلى مجرد جار مزعج، ومن تحويل الحق في الأرض والوطن إلى مجرد "أراضٍ متنازع عليها"
‏وقد أسهمت الإدارات الأمريكية المتعاقبة في قلب تفاهمات أوسلو ومدريد إلى تأبيد الاحتلال، كما ساهم صعود اليمين الصهيوني في تعميق طوبولوجيا الإرهاب الصهيوني؛ مما أنتج خلل واضح في المعيش اليومي الفلسطيني في الداخل، ولعل المؤقت اليومي كان له أفدح المخاطر على حياة الفلسطيني هناك، فالمؤقت هو ما يراهن عليه المحتل فيصبح الاستيلاء على بعض المناطق مؤقتاً والانسحاب منها مؤقت والتطويق مؤقت، والإغلاق مؤقت وتصاريح العبور مؤقتة، وإلغاء هذه التصاريح هو أيضا إجراء مؤقت، وسياسة الطرد والإبعاد مؤقتة، والقصف ووقف إطلاق النار مؤقت… وهكذا عندما يتلاعب المحتل في المؤقت، فإن كل شيء- كل ما هو حي ويتحرك- يخضع لإرادته وجبروته وعسف قراراته، وهو يدرك أنه يلعب دائماُ في الوقت الضائع، (في الواقع في الوقت المسروق من الآخرين)، ليتحول إلى إدارة غير مقيدة وذات سيادة لا حدود لها، وعندما يكون كل شيء مؤقت فإن أي شيء تقريباً -أي جريمة، أي شكل من أشكال العنف- يكون مقبولاً، فالمؤقت يمنحه ترخيصاً ويضمن له الاستمرار في فرض حالة “الطوارئ”، وعندها تتحول معالم الوطن “المحتل” إلى رموز هندسية وحواجز وطرق التفافية ومجاز غير واضح لا شيء فيه ثابت تتحرك فيه وتتضاعف مساحات الاستثناء على حساب ” المطلق” المكاني والزماني.



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (20)
- علم الآثار الكتابي في إسرائيل: حين يغمّس -إسرائيل فنكلشتين- ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى (19)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (18)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (17)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (16)
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ...
- عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (14)
- عن الطوفان واشياء أخرى (12)
- عن الطوفان واشياء أخرى (13)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (11)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (10)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (9)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (8)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(7)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(6)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (5)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (4)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(3)


المزيد.....




- أمريكا تنتقد -عنف- المستوطنين في الضفة الغربية: -العقوبات مم ...
- -انتحر أحدهم اليوم لدى استدعائه إلى الخدمة-.. من هم -الجنود ...
- شولتس يدعو دول الناتو لتوريد الأسلحة التي وعدت بها لأوكرانيا ...
- مصادر عبرية أكدت موعد الهجوم في 1 أكتوبر تحذر من هجوم إيراني ...
- مسيرة للمثليين في بوينوس آيرس تظاهر المشاركون فيها ضد سياسات ...
- إسرائيل تؤكد قصف مقر استخبارات حزب الله في سوريا!
- وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على إصدار 7000 أمر إضافي لتجنيد ...
- تقرير عبري: تم تحذير مكتب نتنياهو بشأن توظيف المستشار اليعاز ...
- رئيس وزراء إثيوبيا يستقبل مسؤولا إماراتيا رفيعا
- المعارضة الجورجية تطالب بإجراء انتخابات جديدة وتتوعد بمظاهرا ...


المزيد.....

- الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024 / فهد سليمانفهد سليمان
- تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020- / غازي الصوراني
- (إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل ... / محمود الصباغ
- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - الطوفان وأشياء أخر (21)