|
لا تقربوا ٱلصّلوٰة وأنتم سكارى
سمير إبراهيم خليل حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1780 - 2006 / 12 / 30 - 12:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
جآء فى ٱلرسالة ٱلتوجيه ٱلعربىّ: "لا تقربوا ٱلصّلوۤة وأنتم سكٰرى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلاّ عابرى سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضىٰۤ أو على سفر أو جآء أحد منكم من ٱلغاۤئط أو لامستم ٱلنسآء فلم تجدوا مآء فتيمموا صعيدا طيبا فٱمسحوا بوجوهكم وأيديكم إن ٱللَّه كان عفّوا غفورا" 43 ٱلنسآء. وكان بعض ٱلأبآء ٱلسلف قد قال رأيه فى هذا ٱلتوجيه وجعل من رأيه سلطة على ٱلناس فى زمانه. وما زال ٱلناس إلى ٱليوم يتبعون ٱلرأى ٱلأبوىّ. وفى ٱلرسالة مثل على ٱتباعهم: "بل قالوۤا إنَّا وجدناۤ ءّابآءّنا علىٰۤ أُمّّةٍ وإِنَّا علىٰۤ ءَاثَارِهِم مُهتَدُونَ" 22 ٱلزخرف. وكنت قد تناولت فىۤ أعمال مختلفة بعض ٱلمفاهيم بعيدًا عن رأىِّ ٱلسلف. وكان ٱهتمامى ينصبّ على دليل ومفهوم كلمة "صلوٰة" لأهميتها ٱلبارزة فى ٱلرسالة. وجآء فهمى للكلمة مختلفا كليًّا مع ٱلفهم ٱلموروث عن ٱلأبآء (مقال "أقيموا ٱلصَّلوٰة وءاتوا ٱلزَّكوٰة وٱركعوا مع ٱلرَّاكعين" ومقال "ٱلصَّلوٰة منهاج وقاية فى ٱلتكوين"). ثمّ رأيت محاورين يعلنون تحررهم من فهم ٱلسلف ويعلنون مسئوليتهم ٱلشخصيّة فى فهم ٱلرسالة بعيدًا عن أمّة ٱلأبآء. ووجدتهم يتسابقون فى حصر حوارهم وفهمهم بمفاهيم ٱلسلف عن كتاب ٱللّه. وهذا جعلنىۤ أكتب هذا ٱلمقال كمشارك فى ٱلحوار. وكعادتى فى جميع أعمالىۤ أنطلق فى مقالى هذا من ٱلأمر ٱلعربىّ ٱلتالى: "ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنَّ ٱلسَّمع وٱلبصر وٱلفؤاد كل أولٰۤئك كان عنه مسئولاً" 36 ٱلإسرآء. فلا يكون علىّ تأثير لرأى من ٱلسّلف ولا لرأى من ٱلخلف إلا بحجّة تبيّن. وستكون مسئوليتى رهينة بماۤ أكتب وأقول: "كلُّ نفسٍ بِما كَسَبَت رهينة" 38 ٱلمدَّثر. لقد ٱنطلق ٱلمحاورون فى حوارهم حول ٱلقول "لا تقربوا ٱلصّلوۤة وأنتم سكٰرى" من مفهوم ٱلسلف عن ٱلصّلوٰة على أنّه ٱلنّسك وٱلابتهال وٱلتضرع. ويظهر من حوارهم وكأنّ ٱلقول يحمل ٱلمفهوم ٱلتالى: (لا تقربوا ٱلصّلوۤة وأنتم شاربين ٱلخمر). وكان وما زال لى رأى مختلف حول هذه ٱلمفاهيم. وقد عرضت له فى بعض أعمالى وأعود هنا وأعرضه كمشارك فى ٱلحوار ٱلجارى. وأرىۤ أنّ أبدأ بٱلأمر ٱلعربىّ ٱلتالى وفيه مفهوم أرىۤ أنّه ينفتح على بقية ٱلمفاهيم: "ٱقرأ بٱسمِـ رَبِِّك ٱلَّذى خَلَقَ" 1 ٱلعلق. وأرىۤ أن ٱلمطلوب هو قرء بل قروء بٱسم ٱلرّبِّ وليس بٱسم ٱللّه. وأرىۤ أنّ ما يفعله علمآء ٱلفيزيآء وٱلبيولوجيا وٱلمقدار (ٱلرياضيات) هو ٱلمطلوب. فٱسم ٱلرّبِّ يحمل دليل ٱلفعل "رَبَوَ يَربُو" وهو فعل ٱلتكوين وٱلزِّيادة ٱلتَّكاثريَّة فى ٱلأشيآء وتطورها. وهذا يبيّن ٱلإمامية ٱلتى تهتدى بهاۤ أعمال ٱلبيان ٱلتى يسعىۤ إليها علمآء ٱلربوبيّة (ٱلفزيآئيّون وٱلبيولوجيّون) وهم يقرأون بٱسم ربِّهم ويعلمون كيف يحدث تكوين وتكاثر ٱلأشيآء وكيف يحدث تطورها. أما فعل ٱللّه فهو ٱلبيان وٱلتبيان للحقِّ ٱلرّبَّانىّ لأن ٱسم ٱللّه يدلّ على نور ٱلسّمٰوٰت وٱلأرض ٱلذى ينير ويعرب كلَّ شىء. وهو فعل كشفٍ عن كتاب ٱلرّبِّ وتصديق لإماميته. لقد بيّن كتاب ٱللّه أنّ كتاب ٱلرّبِّ يحمل ٱسم "كتٰب موسىٰ" وهو إمام ٱلكتب (12 ٱلأحقاف). أما كتاب ٱللّه فيحمل ٱسم "ٱلقرءان" وهو قرء مطلق ٱلبيان ومصدِّق لكتاب ٱلرّبِّ "كِتَٰب مُّصدِّق لِّسانًا عربيًّا لّينذر ﭐلّذين ظلموا وبشرى للمحسنين". وبيّن كتاب ٱللّه أنّ موسىٰ هو رسول مِّن ربِّ ٱلعالمين ويحمل رسالة للناس فيها كتاب ٱلربوبيّة: "رسول مِِّن رَّبِّ ٱلعَـٰلمين" 104 ٱلأعراف. وأنّ محمّدا هو رسول ٱللَّه ويحمل رسالة للناس فيها كتاب ٱلبيان وٱلتبيان وٱلتصديق: "رسولَ ٱللَّهِ وخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّنَ" 40 ٱلأحزاب. ٱللَّهُ له ٱلأسمآء ٱلحسنى (180 ٱلأعراف) ومنها ٱسم ٱلرَّبِّ ٱلَّذى طلب من ٱلإنسان ٱلسّاعىۤ إلى ٱلخليفة أن يقرأَ بِٱسمهِ: "ٱقرأ بٱسمِـ رَبِِّك ٱلَّذى خَلَقَ" 1 ٱلعلق. ووجّه ٱللَّه ذلك ٱلإنسان فى رسالته إلى ٱلأسلوب ٱلذى يُحقق به هذه ٱلمسألة: "فصلِّ لربك وٱنحر" 2 ٱلكوثر.
لقد قال ٱلسلف فى هذا ٱلطلب أقولا مختلفة ومتناقضة. فمنهم من قال فى كلمة "ٱنحر" بذبح ٱلأضاحى. ومنهم من قال برفع ٱليدين أثنآء ٱلتكبير. ومنهم من قال بوضع ٱليد ٱليمنى فوق ٱليسرى. ومنهم من قال بٱستقبال ٱلقبلة بنحره. ومنهم من قال (اجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة). وقد نُقل ٱلقول بٱلذبح إلى ٱلانكليزية:Therefore to thy Lord turn in Prayer and Sacrifice. أما دليل ٱلفعل نحر فهو فى دليل كلٍّ من "قابل" و"واجه". ويبيّنه موقف مَن يقابل ويواجه عدّوه فى قتال وقد ٱمتلأت نفسه عزما على ٱلقتال. ومن هذا ٱلدليل جآء فى ٱلمعجم ٱلوسيط: (نحر الأمور علمًا: أتقنها. وداري تنحر داره). وبذلك أرى فى دليل ٱلقول ٱلموجّه للمصلِّى "فصلِّ لربك وٱنحر" ما يلى: ٱجعل نفسك فى تقابل ومواجهة مع ٱلشىء أو ٱلأمر ٱلذى تصلِى عليه من دون غفل ولا سهو ولا فتور عنه. فٱلشىء ٱلذى تصلِّى عليه هو من فعل ٱلرّبِّ فلا تفكر إلاّ بسنّته ولا يصرفك عنهآ أمر أخر. وجآء فى ٱلرسالة تحذير من ٱلغفل وٱلسهو عن ٱلصَّلوٰة بٱلقول ٱلعربىّ: "فويل للمصلين/4/ ٱلذين هم عن صلاتهم ساهون/5/" ٱلماعون. وجآء فيها توجيه للمؤمنين إلى وسآئل إسقاط أسباب ٱلسهو من أنفسهم قبل ٱلقيام إلى ٱلصّلوٰة: "يـٰۤأيها ٱلذين ءامنوۤا إذا قمتم إلى ٱلصَّلوٰة فٱغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى ٱلمرافق وٱمسحوا برءُوسكم وأرجلكم إلى ٱلكعبين وإن كنتم جنبا فٱطهروا وإن كنتم مرضىۤ أو على سفرٍ أو جآء أحد منكم من ٱلغاۤئط أو لامستم ٱلنسآء فلم تجدوا مآء فتيمّموا صعيدا طيّبا فٱمسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد ٱللَّه ليجعل عليكم من حرجٍ ولكن يريد ليطهركم ولِيُتمَّ نعمته عليكم لعلكم تشكرون" 6 ٱلماۤئدة.
جآء كتاب ٱللّه إلى جميع ٱلناس فى هيئة رسالة مخطوطة ومنزّلة تنزيلا. وقد حدث ٱلتنزيل كما يحدث تنزيل ٱلمناهج فىۤ أوعية ٱلكومبيوتر. ويشهد خطُّ ٱلرسالة بٱفتراقه عن جميع ٱلخطوط ٱلتى يعلمها ٱلناس ويخطون بهاۤ إلى ٱليوم. وهم وإن زعموا بخطّهم للرسالة وبإكمالهم لخطها ٱلناقص فهم ما زالوا يجهلون ذلك ٱلخطّ ٱلعربىّ. وهم يتكلمون بكلام لغو هو خليط من أوردىّ وفارسىّ ويونانىّ ورومىّ وعبرىّ وأرامىّ وحبشىّ وتركىّ وعربىّ ويظنون أنّ لسانهم عربىّ. وقد جآءت رسالة ٱللّه لا تُكره أحدّا من ٱلناس: "ولو شآء ربّك لأمن من فى ٱلأرض كلُّهم جميعًا أفأنت تكره ٱلناس حتى يكونوا مؤمنين" 99 يونس. "لاۤ إكراه فى ٱلدِّين قد تبيّن ٱلرُّشدُ من ٱلغَىِّ فمن يكفر بٱلطٰغوت ويؤمن بٱللَّه فقد ٱستمسك بٱلعروة ٱلوثقىٰ لا ٱنفصام لها وٱللَّه سميع عليم" 256 ٱلبقرة. "وقل ٱلحقٌّ من ربِّكم فمن شآء فليؤمن ومن شآء فليكفر" 29 ٱلكهف. وفى ٱلرسالة إعلان يبيّن لكلِّ فرد حريته فى ٱلتعامل معها وٱلجهد فى فهمها. فمن ٱلناس مَن يفتحها بنفسه ويعمل جاهدًا على ٱلعلم بما يقوله ويريده ٱلمُرسِل. ومنهم مَن يترك ٱلرسالة مغلقة ولا يعمل على ٱلعلم بما فيها. ومنهم مَن يسعىۤ إلى غيره يسأله عمّا فيها. ومنهم مَن يسخر من ٱلرسالة ومن ٱلمُرسِل. ومنهم ومنهم. ويبرز فى ٱلرسالة مفهوم محمول فى كلمة "ٱلصّلوٰة". وٱقترن هذا ٱلمفهوم بعمل ٱلقيام إليها وبعمل إيتآء ٱلزَّكوٰة وبٱلركوع مع ٱلرّاكعين (مقال "أقيموا ٱلصَّلوٰة وءاتوا ٱلزَّكوٰة وٱركعوا مع ٱلرَّاكعين". وكان لبعض ٱلسلف قولهم فى هذه ٱلمفاهيم ٱلذى يستند إليه ويتبعه أكثر ٱلناس إلى ٱليوم من دون جهد لهم فى فهم رسالة ٱللّه. ومثلهم فى ذلك هو مَن يسأل غيره عمّا فى ٱلرسالة ويعفِى نفسه من مسئولية ٱلعلم بما فيها. وأنا كفرد أنظر فى ٱلرسالة جاهدًا للعلم بوسيلة ٱلقيام إلى ٱلصّلوٰة نحرًا من دون سهو. فأرىۤ أنها مبيّنة ومحدّدة فى ٱلبلاغ 6 ٱلمآئدة. وحتى يقوم ٱلمصلّى بعمله هذا عليه أن يعلم بتلك ٱلوساۤئل ٱلمبيّنة فى ٱلبلاغ لتهيئة نفسه وجعلها فى فعالية وتحكم كاملين. وفى غسل ٱلوجه وٱليدين إلى ٱلمرافق ومسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين ما يجعل ٱلنفس فى حال تهيئة ويحررها من ٱلسهو وٱلغفل. وإذا لم يتوفر ٱلمآء فإن مسح ٱلوجه وٱلأيدى بصعيد طيب (وفى ذلك عمل يشبه فعل ٱلمساج) يحقق حال ٱلتهيئة للنفس. وأَعلمُ أنّ إقامة ٱلصلوٰة هى فى توجّه إنسان متطهر من أسباب ٱلسهو ليرقب ويرصد أمرًا ينظر فيه من دون تجاوز لحدود ماۤ أو مَن يرقبه ويرصده. سوآء ءكان ٱلأمر نفس ٱلإنسان أو غيره من ٱلناس أو ٱلأشيآء ٱلأخرى. فٱلذى يرقب ويرصد نفسه يذكر أعمالها وينظر فيها ويعقلها مع أوامر ٱللَّه فيعلم بٱلصالح منها ويعلم بٱلسّيئ. وفى هذا ٱٰلعمل يوصل ٱلإنسان نفسه بٱللَّه فيذكر أوامره وتوجيهاته فيصلح ولا يخطئ: "وأَقِم ٱلصّلوٰة لذكرى" 14 طه. ولتطهير ٱلنفس من أسباب ٱلسهو أشار ٱلبلاغ 6 ٱلماۤئدة إلى ٱلوسيلة فى غسل ٱلوجه وٱلأيدى إلى ٱلمرافق ومسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين. وإذا لم يتوفر ٱلمآء فـ "صعيد طيب" وهو ٱلتراب ٱلمعرض للَّهوآء وٱلشمس. وهنا يكفى مسح ٱلوجه وٱلأيدى بذلك ٱلتراب من دون ٱلمواقع ٱلأخرى. وقـد بين ٱلبلاغ أن ذلك يطهّر "ولكن يريد ليطهركم". فما هى ٱلطهارة؟ وهل ٱلمراد بٱلطهارة ٱلجسم أم ٱلنفس؟ فى ٱلبلاغ 43 ٱلنسآء ٱلنهى "لا تقربوا ٱلصّلوۤة وأنتم سكٰرى" وقد ٱقترن بذكر ٱلسبب "حتى تعلموا ما تقولون". كذلك ٱلأمر "ولا جنبا" يقترن بذات ٱلسبب "حتى تعلموا ما تقولون". وبين ٱلبلاغ أن ٱلاقتراب لا يجوز "حتى تغتسلوا". فإقامة ٱلصلوٰة لا تجوز فى حال ٱلسكر أو ٱلجنب إلاّ من بعد ٱغتسال كامل.
لقد قال ٱلأبآء أن ٱلسكر هو حال من شرب ٱلخمر وأن ٱلجنب هو حال ٱلذى خرج من فرجه منيًّا أو ٱلتى دخل فرجها منى. وهو ما يؤمن به ٱلذين يعبدون ءابآءهم. أمّا ٱلمؤمن ٱلذى "لا يَقفُ ما ليس له به علم" فهو ينظر ويبحث فى ٱلكلمة وٱلقول حتى يُقضىۤ إليه ٱلأمر. ويرى قلبه أن شارب ٱلخمر هو ٱلذى فقد ٱلتحكم بنفسه وجسمه. ويبقى على هذه ٱلحال ولو ٱغتسل وقد يزداد ضياعًا. وعندما يقول ٱللَّه إن ٱغتسلتم تتطهرون من سكركم ومن حال ٱلجنب عندكم يكون ذلك حق. فإن لم يتطابق فهمنا لقول ٱللَّه مع ٱلحق فهذا يبين أننا لم نفهم وعليناۤ إعادة ٱلنظر فنحنف عن فهمنا ونعيد إرسال بصرنا ونظرنا فى ٱلمسألة حتى نوصل إلى مطابقة ٱلقول مع ٱلحق.
لقد طلب ٱللَّه من ٱلمؤمن ٱلجنب ٱلتطهر فى ٱلبلاغ 6 ٱلماۤئدة وٱلاغتسال فى ٱلبلاغ 43 ٱلنسآء. وٱستثنى ٱلجنب ٱلعابر ٱلسبيل من ٱلاغتسال. وفى عبور ٱلسبيل وفى ٱلاستثنآء يظهر مفهوم ٱلجنب. فٱلأمر ٱلرئيس عند عابر ٱلسبيل هو متابعة علامات ٱلسبيل ومخاطره. فتكون حواسه وفؤاده جميعها منصرفة إلى رصد ومراقبة ٱلسبيل. وكل أمر أخر هو ثانوى لديه طالماۤ أنه يعبر ٱلسبيل. وهو لا يستطيع أن ينقطع عن رصده للسبيل ومراقبته ومراقبة علاماته ومخاطره لينظر نحرا فىۤ أىِّ مسألة أخرى. وأفهم أنّ ٱللَّه سمح لعابر ٱلسبيل أن يقيم ٱلصلوٰة وهو عابر فيه من دون ٱنصراف كاملٍ حسب ٱلأمر "فصلى لربك وٱنحر". ويتبين لىۤ أنّ ٱلجنب هو ٱلذى يتابع أكثر من أمر بواسطة حواسه ٱلسمعية وٱلبصرية من دون أن يكون له متابعة نحرية لأىٍّ منها. وجميعها فى مواقع جانبية لا نحرية. وٱلطهارة هنا هى فى قطع أسباب مثل هذا ٱلتوزّع لنفسه وٱلقطع يتم بٱلاغتسال. وفى غسل ٱلجسم بصبّ ٱلمآء عليه من أعلى ٱلرأس يُحيى ٱلنفس ويبعث فيها ٱلتطهر وٱلراحة ويحررها من أسباب توزّعها. وتعود للإنسان قدرته على توجيه نفسه وٱلتحكم فيها. وهذا يطابق قول ٱللَّه عن ٱلاغتسال وما ينجم عنه من طهر. هذا فهمى لكلمة ٱلجنب. فهو ٱلفرد ٱلذى يحاول متابعة أمر ما وهو منصرف ٱلبصر وٱلسمع إلىۤ أمر أخر. فتكون متابعته للأمرين ثانوية وضعيفة. ومتابعته ليست نحرّا. وقد يخلط بين ما ينصرف فى ملاحقته ببصره وسمعه وما يريد أن يتابعه. دليل ٱلجُنب يبيّن دليل ٱلنحر. فٱلذى يصلِّى جُنبًا يجعل ممَّا يصلِى عليه منحرفَا عن نحره ويتركه جانبَا وهذا يجعله ثانويًّا. أما ٱلذى يصلِّى نحرا فهو ٱلذى يجعل ممَّا يصلِّى عليه أمام نظره فلا يغفل عنه ولا يسهو حتى تنتهى صلوٰته عليه ويقرأ ما فيه ويبيّنه. وهو ما يفعله ٱلناظرون فىۤ أماكن ٱلبحث وٱلنظر. وبٱلنظر فى ٱلأمر ٱلتالى يزداد بيان ٱلمسألة: "ويسألونَكَ عَنِ ٱلمَحِيضِ قُل هو أذًى فٱعتَزِلُوا ٱلنِّسآء فى ٱلمَحِيضِ ولا تَقرَبُوهُنَّ حتىٰ يَطهُرنَ فإذا تَطَهَّرن فَأْتُوهُنَّ.." 222 ٱلبقرة. فى هذا ٱلبلاغ لا يوجد توجيه لإقامة صلوٰة. وٱلتوجيه هنا يتعلق بسلامة ٱلمرأة من ٱلمرض ٱلذى ينشأ عن ٱلقرب وهى فى ٱلمحيض "ويسألونَكَ عَنِ ٱلمَحِيضِ قُل هو أذًى". فٱلأذى هو فى ٱلقرب بوجود دم يعيق حركة ٱلقرب بسبب تجمّده ٱلذى يسبب لها عقرا يحتاج إلىۤ إصلاح كإصلاح ٱمرأت زكريَّا. ٱلفعل قرب يدل على دخول شىء فىۤ أخر فيظهران بمظهر واحد. ومنه "قُراب ٱلسيف" ٱلذى يدخل ٱلسيف فيه فيظهران فى هيئة واحدة. فٱلأمر "ولا تَقرَبُوهُنَّ حتىٰ يَطهُرنَ" يريد ٱلامتناع عن ٱلقرب ولا يريد ٱلهجر فى ٱلفراش أو ٱلملاطفة. فلو كان ٱلاغتسال أو ٱلغسل ٱلجزئى يأتى بٱلطهارة من ٱلمحيض لكان يمكن للرجل أن يقرب زوجه ٱلمحيض بعد ٱغتسال أو غسل جزئى. وفى هذا ٱلأمر طلب للطهارة من ٱلمحيض وهى فى توقف دم ٱلمحيض وٱنقطاعه. أى تخلـص وتحرر فرج ٱلمرأة منه. وبعد ٱلتطهر من ٱلمحيض فإنَّ الاغتسال غير مطلوب. وإلا لقال ٱللَّه فإن تطهرن وٱغتسلن فأتوهن.
بعد عرض فهمى لدليل كلمة جنب أعرض فهمى لدليل كلمة "سكارى". وأرىۤ أنّه من دليل ٱلفعل سَكَرَ وهو ٱلسد وٱلإغلاق. ومنه سكر ٱلمآء وسكر ٱلباب وغيره من وسآئل ٱلسدّ وٱلإغلاق. وبهذا ٱلفهم أرىۤ أن قلب وفؤاد ٱلإنسان يُغلقان وتُسدّ معابر ٱلمعلومات إليهما فيسكران. ومن أسباب سكرهما ٱنفعالات فى ٱلنفس كٱلغضب وٱلحزن وٱلظفر وٱلربح وٱلمال وٱلسلطان وٱلنوم. ومن يسكر قلبه بواحد من هذه ٱلأسباب لا يعلم ما يقول. وأرىۤ إنّ ٱلاغتسال فى مثل هذه ٱلحال يطهر ٱلنفس ويذهب بٱلسكر ويعود بٱلإنسان إلى توازنه ٱلنفسى ٱلذى يجعله يعلم ما يقول. وبذلك أفهم أنّ ٱلسكر هو حال نفس ينغلق ٱلقلب وٱلفؤاد فيها على مسألة داخلية. فلا ٱلعين تبصر ولا ٱلأذن تسمع. ويكون صاحب هذه ٱلنفس مغلق ومسدود لا يشعر بٱلأخرين. ومن كان هذا حال نفسه كيف يقيم ٱلصلوٰة علىۤ أىِّ أمر أو شىء؟ حال ٱلسكر هذا كثير عند ٱلناس فى بلادنا وهم يشكون من بعضهم أثنآء ٱللقآء يُحَىِّ أحدهم ٱلأخر فلا يرد عليه ٱلتحية على ٱلرغم من أن بصر عينيه ينصبّ عليه. فهو مسكّر لم يبصره ولم يشعر به وإن نادـٰه لا يسمعه. إنها حال إغلاق وسدّ للنفس عن كلِّ ما هو خارجها. مثل هذا ٱلسكر يبيّنه ٱلبلاغ يوم زلزلة ٱلساعة: "يَٰۤأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَىء عَظِيم(1) يَومَ تَرَونَهَا تَذهَلُ كُلُّ مُرضِعَةٍ عَمَّاۤۤ أَرضَعَت وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَملٍ حَملَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيد(2)" ٱلحج. كلّ نفس مغلقة مسدودة على ذاتها وهى مذهولة عن غيرها لا يهمها رضيع ولا حمل. فهى ليست مسدودة ومغلقة بسبب غضب أو حزن أو ظفر أو ربح أو مال أو سلطان أو نوم كما كان حالها فى ٱلحيوٰة ٱلدّنيا. بل هو ذهول بسبب ٱلعذاب ٱلشديد. هكذاۤ أرىۤ أن ٱلسكر وٱلجنب حالين فى ٱلنفس يلهى كل منهما ٱلإنسان عن ٱلاهتمام بأمور أخرى. وأن وسيلة ٱلتطهر من تأثيرهما تحدث بٱلاغتسال. فٱلطهر يخلص ويحرر ٱلنفس من توزعها إلىۤ أمور مختلفة. ومما سبق لى من فهم أرىۤ أن ٱلصلوٰة تقام ٱستثنآء من ٱلأمر "فصلّ لربك وٱنحر" للجنب عابر ٱلسبيل. لأنه لا يستطيع ٱلانصراف عن متابعة ٱلسبيل. وصلوٰته هى رصد لوسآئل ٱلنجاة كمآ أنها صلوٰة قصيرة ٱستنادًا إلى ٱلتوجيه ٱلتالى: "وإذا ضربتم فى ٱلأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من ٱلصّلوٰة" 101 ٱلنسآء. أماۤ إذا كان جنبا غير عابر للسبيل فلا يقيمها حتى تتطهر نفسه مما يلهيها بٱلاغتسال.
فى ٱلبلاغين 6 ٱلماۤئدة و43 ٱلنسآء أحوال غير مقترنة بٱلاغتسال ويكفى لإقامة ٱلصلوٰة غسل ٱلوجه وٱلأيدى إلى ٱلمرافق ومسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين. وإذا لم يتوفر مآء يمسح ٱلوجه وٱلأيدى بٱلصعيد ٱلطيب. وهذه ٱلأحوال هى: 1- إن كنتم مرضى. 2- أو على سفر. 3- أو جآء أحد منكم من ٱلغاۤئط. 4- أو لامستم ٱلنسآء. فى هذه ٱلأحوال لا يوجد سكر ولا جنب. وإقامة ٱلصلوٰة فى هذه ٱلأحوال تحدث من بعد غسل ٱلوجه وٱلأيدى إلى ٱلمرافق ومسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين. فٱلمريض جسمه ونفسه فى ضعف. وفى غسيل ٱلوجه وٱلأيدى تحرير لنفسه من ضعفها. وكذلك مسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين يُحِيى ٱلنفس وٱلجسم ويصير صاحبهما جاهزا لإقامة ٱلصلوٰة. لأن نفسه خالية من ٱلأمور ٱلتى تسكرها وتصرفها بٱلملاحقة ببصره وسمعه. وٱلأمر ٱلرئيس عند ٱلمريض هو رصد جميع وسآئل ٱلشفآء. ومسألة ٱلصلوٰة عنده هى فى طلب ٱلشفآء. وهو يتمثل دعآء أيوب: "وأيّوبَ إذ نادى ربَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُ وأنت أرحم ٱلرٰحمين" 83 ٱلأنبيآء. وٱلذى على سفر هو ٱلمنصرف إلى رصد أوراق سفره وجمع حاجاته. لأن ٱلاستعداد للسفر لا يسكر ولا يصرف ٱلسمع وٱلبصر. وأنَّ مسألة صلوٰة ٱلذى على سفرٍ هى فى ٱلتفكير بجمع حاجاته وأوراقه وبوسيلة للسفر تؤمن ٱلسلامة وٱلوصول. أما ٱلقول "أو جآء أحد منكم من ٱلغاۤئط" فأرى فيه فعل وفاعل ومكان. وٱلمكان هو ٱلغاۤئط (تستعمل كلمة غيط للمزرعة فى مصر وكلمة غوطة لبساتين دمشق). وهو ٱسم لكل أرضٍ منخفضة واسعة يجتمع إليها ٱلماۤء. ومثل هذه ٱلأرض تصلح للعمل ويكثر فيها ٱلعمل وٱلعمال ومصالحهم ومعاشهم. فٱسم ٱلغاۤئط فى هذا ٱلقول هو ٱسم لأى مكان عمل. وما يدل عليه هذا ٱلقول هو ٱلقول ٱلتالى (أو جآء أحد منكم من ٱلعمل). فٱلعاۤئد من ٱلعمل يقيم ٱلصلوٰة بعد غسل ٱلوجه وٱلأيدىۤ إلى ٱلمرافق ومسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين. فتخلص نفسه من عوالق ٱلعمل ولا حاجة للاغتسال ٱلكامل. ومسألة صلوٰة ٱلعاۤئد من ٱلعمل يتوجه فيهآ إلى بيان كامل عن أعماله وأقواله فى هذا ٱليوم وعن تذّكره لصراط ٱللَّه ٱلمستقيم وطاعته أو ٱلفسق عليه. وفيها يتوجه إلى رصد جميع أعماله وأقواله وتعهداته فيعلم بما فسق عن أمر ٱللّه وبما ٱرتكب من سيئات مع ٱلناس ويتعهد فى صلوٰته على ٱلعودة عنها. أما ٱلقول "أو لامستم ٱلنسآء" فكما جآء فى ٱلبلاغين 43 ٱلنسآء و6 ٱلماۤئدة يكفـى غسيـل ٱلوجـه وٱلأيدى إلى ٱلمرافق ومسح ٱلرأس وٱلأرجل إلى ٱلكعبين. دليل كلمة لمس فى دليل ٱلكلمات (لحق وطلب وألحّ). ومنه ٱلقول (ٱلتماس نقض ٱلحكم وٱلتماس ٱلرحمة وغيرها). وهو عند ٱلمفسرين يدلّ على ٱلجماع وهو بلغوهم بدليل كلمة مسّ. فإذا كان ٱلجماع وٱلتطهر من أثاره هو ٱلمطلوب فهل يكفى غسل ٱلوجه وٱلأيدى ومسح ٱلرأس وٱلأرجل؟ وهل ٱلمأرب من ٱلاغتسال أو ٱلغسل ٱلجزئى هو طهارة ٱلجسم مما علق به أم طهارة للنفس ٱلتى تقول؟ يقحم ٱللّغو كلمة نظافة ٱلأوردية ليحرف بها كلمة طَهَرَ. فكلمة طهر تدل على ٱلتخلّص من أمرٍ عالق بٱلنفس أو بٱلجسم. ومنه قول ٱلعامة عن قطع جلدة قضيب ٱلذكر "طهورا". كذلك يخلط ٱللّغو دليل كلمة لَمَسَ بدليل كلمة مَسًّ. وقد ورد فى ٱلبلاغ ٱلعربىّ دليل ٱلمَّس فى ٱلتوجيهين ٱلتاليين: "ولا جناح عليكم إن طلقتم ٱلنساۤء ما لم تمسُّوهُنَّ.." 236 ٱلبقرة. "وإن طلقتموهُنَّ من قبل أن تمسُّوهنَّ وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم.." 237 ٱلبقرة. فكلمة مسَّ فى ٱلتوجيهين تدل على فعل ٱلقرب. وجآء ٱلمسّ فى جسم أيوب ضرًّا فيه: "وأيّوبَ إذ نادى ربَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ ٱلضُّرُ وأنت أرحم ٱلرٰحمين" 83 ٱلأنبيآء. وجآء فى ٱلنبإ: "إنّه لقرءان كريم/77/ فى كتٰب مكنون/78/ لا يَمَسّهُ إلا ٱلمطهرون/79/" ٱلواقعة. ٱلمسّ للقرءان هو ٱلالتصاق به وٱلقيام عليه. وٱلمطهرون هم ملاۤئكة قاۤئمون على ٱلقرءان ٱلكريم ٱلمجيد فى لوح محفوظ لا يصرفهم عنه أىُّ أمر. أى هم منقطعون عن كل شىء فلا يلهون عنه. لقد ظنّ ٱلسلف أنّ كلمة مسّ وكلمة لمس بدليل واحد بفعل فهمهم للبلاغين ٱلتاليين: "ولَو نَزَّلنَا عَلَيكَ كِتَٰبًا فِى قِرطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيدِيهِم لَقَالَ ٱلّذِينَ كَفَرُوۤا إِن هَٰذَاۤ إِلا سِحر مُّبِين" 7 ٱلأنعام. "وإِنَّا لَمَسنَا ٱلسَّمَآء فَوَجَدنَٰهَا مُلِئَت حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا" 8 ٱلجنّ. لمسوه بأيديهم قول يبين طلبهم وإلحاحهم على مسِّه بأيديهم. وهم وإن حدث ذلك لن يصدقوا. ولمسنا ٱلسّمآء طلبناها وألححنا فى طلبها حتى وجدنا... "لامستم ٱلنساۤء" هـو ملاحقـتهنّ طلبا وإلحاحا. وجاۤء ٱلتوجيه بغسل أجزاۤء من ٱلجسم لتخليص ٱلنفس من كدرها وما علق بها من مثل هذا ٱلعمل. ومسألة ٱلصلوٰة هنا هى مثل مسألة ٱلعاۤئد من ٱلغاۤئط.
ٱلاغتسال ٱلكامـل وٱلغسل ٱلجزئى لهما تأثيرهما ٱلمطلوب فى تطهير ٱلنفس من أجل أن "تعلموا ما تقولون". وأرىۤ أنّ ٱلاغتسال هو لحال ٱلاستغراق ٱلكامل. أما ٱلغسل ٱلجزئى فهو للحالات ٱلأدنى ٱلمذكورة فىۤ أربع فقرات تغطى جميع ٱلأحوال ٱلتى يمكن للمؤمن أن يوقع فيها خلال حياته ٱليومية. كمآ أرىۤ أنّ ٱلتيمم بٱلصعيد ٱلطيب لا يحلّ مكان ٱلاغتسال ٱلكامل وهو مقصور على ٱلحالات ٱلأربعة إذا كان الماۤء غير متوفر. أما ٱلاغتسال فيقوم محل ٱلغسل ٱلجزئىّ إذا كان ٱلماۤء متوفرًا وأراد ٱلمصلِّى ذلك. حيث أن ٱلاغتسال وٱلغسل ٱلجزئى وٱلتيمم ٱلغاية منها تطهير ٱلنفس مما علق بها من هموم أو فرح أو ضيق أو حزن أو تعب أو كدر. وكل هذه ٱلأمور تجعل ٱلإنسان لا يعلم ما يقول ما دامت عالقة فى نفسه وتوقعه فى تحذير ربه: "فويل للمصلّين/4/ ٱلذين هم عن صلاتهم ساهون/5/" ٱلماعون.
بعد عرض لما فهمته من ٱلغسل وٱلتيمم أنظر فى مفهوم ودليل كلمة خمر ٱلتى يبينها ٱلبلاغ ٱلعربىّ ويبيّن جدلية نفعها وإثمها: "يَسأَلُونَكَ عَنِ ٱلخَمرِ وَٱلمَيسِرِ قُل فِيهِمَا إِثم كَبِير وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثمُهُمَا أَكبَرُ مِن نَفعِهِمَا وَيَسأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلعَفوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلأيَاتِ لَعَلَّكُم تَتَفَكَّرُونَ" 219 ٱلبقرة. لقد ٱقترن ببيان هذه ٱلجدلية سؤال "وَيَسأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ" وجآء ٱلجواب عليه "قُلِ ٱلعَفوَ". وقد جآء فى ٱللغو ما يحرف فهم هذا ٱلبلاغ . فقد رأى ٱلمفسرون فى كلمة ٱلعفو ما يفضل عن ٱلحاجة. وأرى فى ٱلكلمة أنّها تدلّ على عفو من دين أو من ديّة أو من ثأر. وهذا هو ٱلجواب على سؤال "مَاذَا يُنفِقُونَ". لقد بيّن ٱلبلاغ ٱلإثم وٱلنفع فى ٱلخمر وٱلميسر وقرنهما مع أعمال أخرى فى ٱلبلاغ ٱلتالى: "يَٰۤأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُوۤا إِنَّمَا ٱلخَمرُ وَٱلمَيسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزلامُ رِجس مِن عَمَلِ ٱلشَّيطَٰنِ فَٱجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُون(90) إنَّمَا يُرِيدُ ٱلشَّيطَٰنُ أَن يُوقِعَ بَينَكُمُ ٱلعَدَاوَةَ وَٱلبَغضَاۤءَ فِى ٱلخَمرِ وَٱلمَيسِرِ وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ ٱللَّهِ وَعَنِ ٱلصَّلوٰةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ(91)" ٱلمائدة. إلى ماذا يدلّ ٱلقول "رِجس مِن عَمَلِ ٱلشَّيطَٰنِ"؟ جآء فى ٱلرسالة عن ٱلخمر ما يلى: "وَأَنهَٰر مِّن خَمرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّٰرِبِينَ" 15 محمد. "قالَ أَحَدُهُمَاۤ إِنِّىۤ أَرـٰنِى أَعصِرُ خَمرًا" 36 يوسف. "يَٰصَٰحِبَىِ ٱلسِّجنِ أَمَّآ أَحَدُكُمَا فَيَسقِى رَبَّهُ خَمرًا" 41 يوسف. لقد دل ٱلبلاغ 15 محمد و36 و41 يوسف أن ٱلخمر شراب معصور يُسقى ولذيذ. وبيَّن ٱلبلاغ 91 ٱلماۤئدة أن ٱلخمر يجعل فكر شاربه يرجس ٱلحقّ فى ٱلباطل وتغلب ٱلظنون على فكره وتُوقعه فى ٱلعداوة وٱلبغضآء. فما هو دليل كلمة رجسٍ؟ ٱلرجس هو ٱختلاط شيئين من دون ٱستطاعة على تفريقهما. كٱختلاط ٱلملح بٱلسكّر وٱلتراب بٱللّحم فيجعله لحم خنزير (مقال "هل ٱلقردة وٱلخنازير دوآبّ؟"). وعمل ٱلشيطٰن هو عملُ شيطٍ للنفس ٱلسّاهية فتأتىۤ أقوالها وأفعالها بٱلعداوة وٱلبغضآء ٱلتى تبيّن صدًّا عن ذكر ٱللّه وصدًّا عن ٱلصّلوٰة. فى ٱلبلاغ طلب "فَٱجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُون". وهنا لا يمكن تحميل كلمة "ٱجتنبوه" دليلا يختلف عن دليل كلمة "جنب" ٱلتى تمنع ٱلصلوٰة نحرًا. فٱلطلب لجعل هذه ٱلأشيآء جانبية أى ثانوية فلا يكون أىًّ منها رئيسا فىۤ أعمالنا. ولا مكان للقول بتحريم لها لأنّ ٱلحرام بيّن فى ٱلرسالة: "قُل لّآ أجِدُ فى مآ أُوحِىَ إِلىَّ مُحَرَّمًا على طاعِمٍ يطعَمُهُ إلآّ أَن يكون مَيتَةً أو دمًا مَّسفوحًا أو لحمَ خنزيرٍ فإنَّه رجس أو فسقًا أُهِلَّ لغير ٱللَّهِ بِه فَمَنِ ٱضطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فإنَّ ربَّك غفور رَّحيم" 145 ٱلأنعام. حتَّى لحم ٱلخنزير (وهو لحم جلف) فقد أحلّه فى مخمصة: "فمن ٱضطر فى مَخمَصَةٍ غَيرَ مُتَجانِفٍ لِّإِ ثمٍ" 3 ٱلماۤئدة. ٱلمخمصة تدلّ على ما يدلّ عليه ٱلفعل "خَمَص". فٱلكلمة فىۤ أصلها ٱلعبرى ח מֵּץ تدل على فعل حمض ٱلخلِّ بٱللحم ٱلقاسى (ٱلجلف وهو لحم ٱلخنزير) ٱلذى يخلِّصه من بعض ترابه. وأكل طعام ليس بطيِّب بسبب خنزرته ٱضطرارا يحلّ بعد غمره بحمض للتخلص من بعض خنزرته. وهٰذا لا يجعل لحم ٱلخنزير (ٱلجلف) طعامًا طيِّبًا (مقال "هل ٱلقردة وٱلخنازير دوآبّ؟"). فٱلخمر ليس حراما وهو شراب لذيذ وقليل منه يفرح قلب ٱلإنسان. أما كثيره فيرجس ٱلحق بٱلباطل. وأىّ زعم بتحريمه هو فسق على ما جآء فى ٱلرسالة ٱلتى حملت بلاغا يبيّن أن ٱلتحريم يلزمه بيّنة وشهدآء: "قُل هَلمَّ شُهدآءَكُمُ ٱلَّذين يشهدونَ أنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَ هذا" 150 ٱلأنعام. وتدخل أقوال ٱلناس فى طلب زيادة ٱلتحريم فى ٱلافترآء وٱلكذب: "ولا تقولوا لِمَا تَصِفُ أَلسنَتُكُم ٱلكَذِبَ هذا حَلَٰل وهذا حرام" 116 ٱلنحل. "وحرَّموا ما رزقَهُمُ ٱللَّهُ ٱفتِرآءً على ٱللَّهِ"140 ٱلأنعام. وفى ٱلرسالة أمر للمؤمنين يمنعهم فيه من تحريم ماۤ أحلَّ ٱللَّه لهم: "يٰۤأَيُّها ٱلَّذين ءَامنوا لا تحرموا مآ أَحلَّ ٱللَّه لكم" 87 ٱلمائدة. وفيهاۤ سؤال ينكر على ٱلنبى ما حرّمه على نفسه: "يٰۤأَيُّها ٱلنَّبِىُّ لِمَ تُحرِّمُ مآ أَحَلَّ ٱللَّه لك" 1 ٱلتحريم. وأرى أنّ كلّ تحريم فردى يجب أن يكون مشفوعًا بٱلبينة ولا يكون تحريمًا عامًّا: "كُلُّ ٱلطَّعامِ كان حِلاًًّ لِّبنِىۤ إسرٰۤءيلَ إلاّ ما حرَّمَ إسرٰۤءيلُ على نفسِهِ" 93 ءال عمران. فما حرَّمه ٱللَّه لا عجمة فيه. بل هناك بيان وتفصيل: "وقد فصَّلَ لكم مَّا حرَّم عليكم إلاّ ماۤ ٱضطُرِرتُم إليه" 119 ٱلأنعام. جآء ٱلتحريم مفصّلاً وليس لمدّعٍ بٱلبيان وٱلتفصيل بعد بيان وتفصيل ٱللَّه. وهناك سبيل واحد فى ٱلمسألة وهو ٱلتصديق عن طريق ٱلنظر وٱلبحث ٱلعلميين. وهو ما يفعله ٱلعلم ٱلحديث ٱلذى يمثل ٱلعاملون فيه ٱلشهدآء ٱلذين يشهدون أن هذا ٱلطعام يضرُّ مريضًا بٱلسكّر أو قسوة أوعية ٱلدم وغيرها من ٱلأمراض. وهو ما فعله "إسرٰۤءيل" بنفسه.
#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ٱلأخوان فى مصر وفى غيرها يلمِّعون وجه ٱلطاغوت!
-
ءادم وعيسىٰ
-
ٱلحوار وٱلاختلاف
-
ٱلتعليم ٱلدينىّ عدوان وظلم
-
أهمية عقل ٱلنظرية ٱلعلمية مع ٱلقرءان
-
ٱلأخوان فى مصر طاغوت يجعل من طاغوتها رحمة!
-
أقيموا ٱلصَّلوٰة وءاتوا ٱلزَّكوٰة و&
...
-
تفسير ٱلقرءان
-
ٱلبشر وٱلإنسان
-
هل -ٱلقرءان- هو كتاب ٱللَّه؟
-
ٱلديمقراطية وٱلفيدرالية وحقوق ٱلإنسان
-
ٱلبابا بندكتوس وٱلمسلمون ٱلبخاريون!
-
هل أنّ ٱللّه ربّ ٱلسّمٰوٰت وٱل
...
-
جدلية وحش إنسان
-
ٱلعمل ٱلسياسىّ بهداية كتاب ٱللّه
-
عام 2050 على ٱلأبواب
-
مَن نحن؟
-
أيها ٱلديمقراطيون لا تلوموا ٱلرئيس على عبد ¤
...
-
ٱلعلمانية مفهوم يحرف ٱلإدراك ويلغو فيه
-
ما هى حاجتناۤ إلى ٱلميثاق؟
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|