|
الإلحاد والملحد والحرية (جزء خامس)
أمين بن سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 8151 - 2024 / 11 / 4 - 10:13
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أذكر نقاشا دار بين أغلب طلبة فصلي أيام الثانوية، كان موضوعه طالبة تدرس معنا. كانت الطالبة قبيحة الشكل، ومن عائلة فقيرة، كانت ضعيفة المستوى دراسيا، وكانت سيئة الخلق. كنتُ أقول عنها أن الله خلقها على عجل آخر اليوم بعد أن مل وتعب، فكانت النتيجة كل فضلات خلق ذلك اليوم جمعها وخلق منها بسرعة تلك الطالبة. موضوع نقاشنا، كان تغير تلك الطالبة المفاجئ، حيث صعقتنا ذلك اليوم، بلباس جريء، ومكياج غريب قبيح مبالغ فيه، فقلتُ أنها جلبت لنفسها سخرية على سخرية، وقال آخرون أن من حقها ذلك وهي حرة فيما تفعل. الحق والحرية لم يكونا قصدي، بل انعدام النتيجة، فالطالبة كانت قبيحة في كل شيء، وزاد تغيرها من اشمئزازي واشمئزاز كثيرين غيري، لم تجن إلا شعورا بالشفقة والقرف وزيادة في السخرية منها حتى عادت كما كانت ولم تُعِد ما قامت به ذلك اليوم. منذ سنوات عديدة، أعلمتُ أن أختي ارتفع ضغطها ونُقلت إلى المشفى. عند ذهابي إليها، سألتها عما حدث، فقالت أن ابنها الصغير كان مع عمال البلدية وهم يرفعون حاويات الفضلات، وجلبوا له ساندويتش، كان الطفل يحب أحد أولئك العمال ودائم الحديث عنه، ولم يرعو برغم تهديدات أختي وزوجها، حتى صار يقول أن حلمه أن يصبح عامل نظافة "كبير" أقوى وأسرع من أصدقائه. أيام الكوفيد، ثار عمال النظافة عندما كلفتهم الدولة بدفن الموتى الذين كانوا يوضعون في أكياس ويُلقون في حفرهم كما تُلقى الكلاب. ثورتهم كانت بسبب أنهم أرادوا أن يُحقنوا ليحموا أنفسهم من خطر العدوى عند دفن الجثث -حسب ما سمعوا واعتقدوا-، في ذلك الوقت ولقلة تلك الحقن، لم يكن عمال البلدية أصحاب أولوية. كلفتُ ذلك الطفل الصغير، الذي كبر وصار مهندسا، أن يُبلغ الحقيقة لـ "أصدقائه" الذين لم تنقطع علاقته بهم، ففعل، وقبلوا منه، وامتنعوا عن تلك السموم عندما جاءهم الدور ودُعوا إلى الحقن. لكن هددوا بالفصل، فامتنعوا كلهم عن العمل يوما، وفي الغد دعوا إلى عملهم لأن رئيس البلدية لم يستطع وجود البديل لهم. تشبه قصتهم، وقصة كل البشر تلك الأيام، قصة الله والإيمان به، فأنت مطالب إما بالإيمان وإما مصيرك النار الأبدية، أن تُحقن وإن رفضتَ تُفصل من عملك، ثم بعد ذلك يقال أن فلانا "حر" و "اختار" بعد اقتناع! قصة طالبة الثانوية مشابهة أيضا، فكثيرون قالوا أنها حرة في اختياراتها، لكنها لم تكن كذلك، فقبح شكلها لم يكن لها ذنب فيه لكنه كان واقعا كبّلها، وزملاؤها الذين سخروا منها واحتقروها منعوها من التغيير الذي عزمتْ عليه بقطع النظر عن صحته أو خطئه... تلك قصة الحرية التي يتوهمها البشر، ويتشدقون بها خصوصا في المجتمعات الغربية اليوم، والحقيقة كما شبهتها في الجزء السابق ليست شيئا غير متاهة يدور فيها الإنسان، وكل ومتاهته. لحظة الولادة، يفتح الإنسان عينيه على عالم جديد، يصعقه نوره ويرعبه، ويودع في تلك اللحظة الظلمةَ التي عرفها لأشهر. كتاب أبيض الصفحات، يبدأ عالمه الجديد التدوين فيه، دون أن يُستشار ودون حتى أن يعرف ماذا يُدون. في تلك اللحظة، الإنسان مجرد جسد، جينات وأجهزة تعمل دون إرادته غير آبهة به، بل تُسخره لطلباتها حتى يكون كائنا غريزيا مثله مثل الحيوان. لا أحد اختار جيناته، لا أحد اختار أجهزته، لا أحد اختار جنسه، لا أحد اختار البيئة التي ولد فيها بثقافتها ولغتها وموروثها ودينها وسياستها ونظمها الاقتصادية، بل ما وقع كان مجرد صدفة أو ضربة حظ، وليت الإنسان المفعول فيه بالكلية في تلك اللحظة يستطيع تغيير الأمور في مستقبله... الحقيقة أن كل شيء بدأ مع لحظة تلقيح البويضة وليس مع الولادة، منذ البدء كانت الجينات وكل وحظه فيما ورث... لحظة تلقيح البويضة، يبدأ تحديد حدود المتاهة، وقد تكون لحظةُ البداية تلك، لحظةَ النهاية؛ كالمنغوليين مثلا أو كأي مرض وراثي قد يأخذ الإنسان في رحم أمه أو صغيرا أو قد يحد من إمكانياته طوال حياته: لا أحد خُيِّر واختار، ولا أحد فَعَل. هوس الإنسان بقيمته، يجعله لا يرى جيدا ضربة الحظ تلك التي تحصل منذ لحظة التلقيح، ويتناساها، ويرفض مقارنتها بكل ما سيحياه بعد ولادته. الحقيقة أنها نفس الشيء لو عَدَل في حكمه، فالسارق سارق سرق مليونا أو فلسا، لكنه عندما يعدل سيكتشف ما لا يمكنه قبوله: مجرد فأر يجري في متاهة ظانا نفسه حرا مريدا مقررا! وكيف يقبل الإنسان ذلك وهو الكائن الأعظم والأرقى؟ تأتي هنا حقيقة التطور التي عادة ما ترفض بوازع ديني، لكنها صعبة عليه حتى لو لم يكن متدينا، فهو مجرد كائن كغيره من الكائنات التي يحتقرها، ولا فرق، غير قليل من الوعي تطورت مادته عبر الزمن، وتطورها لم يكن في عزلة عن تلك الكائنات المحتقرة والذي أخذ منها الكثير في جيناته وفي أجهزته: الإنسان كائن ميكروبي بالدرجة الأولى وعدد الميكروبات فيه أكثر من عدد خلاياه، بعض المضادات الحيوية تقضي على بكتيريا المعدة والأمعاء عند البعض، فيكون الإسهال النتيجة، والعلاج يكون بإعطاء بكتيريا تُتناول فيعود الجهاز الهضمي لعمله ويمضي الإسهال. الميتوكوندريا مصنع الطاقة، أصلها بكتيريا. طاقة كبيرة تلزم الخلايا العصبية لتعمل، والطاقة توفرها... بكتيريا! بلا بكتيريا لا وعي! نسبة غير قليلة من جينات الإنسان أصلها كائنات دقيقة... الإنسان، مجرد تفاعل كل الكائنات مع بعضها ومع محيطها عبر الزمن، فهل سيقبل أنه لم يكن له من الأمر -تقريبا- شيء؟! لا أزال أعجب كل يوم من الفكر الديني الذي يدعي أن إلها خلق الإنسان على صورته وميزه على كل الكائنات، وكيف يكون ذلك مع ألف باء كيمياء والإنسان في أصله لا يختلف في شيء عن ماء يجري أو "نخلة نبتت في كناس من الأرض" أو... مجرد فأر؟ ما الفرق؟ الجواب: فقط قليل من الوعي أكثر من غيره من الكائنات، لكن الأصل واحد... مجرد ذرات لا أكثر ولا أقل! لو كان ذلك الزعم صحيحا لميّز الخالق المزعوم الإنسان بصناعته من مادة مختلفة عن غيره من الكائنات الحية وحتى الجمادات فالذرات واحدة: الحديد اللازم لنقل الأوكسيجين الذي تستعمله الكريات الحمراء هو نفسه الذي يوجد في أعمدة وسقف منزلك: بلا حديد تموت، وبلا حديد يسقط عليك ذلك السقف! عظمة العلم في لا أخلاقياته، مقولة يجهل معناها الكثيرون؛ فالعلم لا أخلاق له، الإنسان عنده أخلاق! العلم أعطانا الطاقة النووية، كيف نستعملها ذلك شأننا وليس شأنه! العلم يعطينا الحقائق ولا علاقة له بتأثيرها علينا، التطور لا علاقة له بتبخيس قيمة الإنسان كما يزعم أصحاب خرافة الخلق في أحسن تقويم، بل قدّم لنا ما وصل إليه وبالدليل، ولو جاز لي أن أُلصق به ما ليس منه لكانت النتيجة الخير والسلم ليس للبشر بل لكل موجود على سطح الأرض، فكلنا لسنا "أبناء تسع" بل أبناء كربون وهيدروجين وأوكسيجين ونيتروجين! لنتذكر مثال الميتوكوندريا جيدا ولا ننساه: الوعي هو الوحيد الذي يميز الإنسان عن سائر الكائنات، الوعي أصله الدماغ، والطاقة التي يعمل بها الأخير، توفرها له... بكتيريا! يقول الفكر الديني بكل بؤسه وتفاهته وتهافته، تواضع أيها الإنسان واسجد للذي خلقك والتزم بتعاليمه، فما أنت إلا طين، وطبعا "الذي خلقه" معناه المتكلمون باسمه! أما العاقل فيقول تواضع أيها الإنسان أمام كل موجود معك على هذه الأرض -والكون ككل- فما أنتَ إلا منهم، بشرا كانوا، أم غير ذلك من حيوانات ونباتات وكائنات دقيقة وبحار وأنهار وغابات وجبال وووو... والتواضع لا يعني العبث والشذوذ الذي نراه في الغرب، كذلك الذي يعيش في غابة ويمارس الجنس مع شجرة أو كآخر يرى نفسه قردا أو نمرا أو كرسيا! تشبيه: أنتَ اليوم رئيس دولة أو حائز على نوبل أو فيلسوف أو مفكر عظيم، لا تنسَ أصلك! وأصلك ينفي ما تقوله عن وعيكَ وإرادتكَ وحريتكَ! الحرية حقيقة وهم، ووهم كبير يعكس رفض الإنسان لحقيقته: مجرد كائن محكوم بواقعه! وليست قسوة ولا تعسفا، إذا ما أنزلته إلى مرتبة ذلك الفأر في متاهة من صنع مُختبِر، لا فرق بين متاهة الفأر ومتاهة الإنسان التي صنعتها ظروفه الموروثة والمستحدثة من جينات وجسد بكل أجهزته وواقع مادي بكل ما فيه من جغرافيا وثقافة وسياسة واقتصاد إلخ، الإنسان حقا مفعول فيه، وأبدا لن يستطيع تجاوز الواقع الذي ينشط فيه، النوابغ استثناء ويتجاوزون واقعهم وزمنهم صحيح لكن هم أيضا محكومون بذلك الواقع أو الإطار الجديد الذين أخذوا منه أو أبدعوا فيه، كمثال على ذلك القامات العلمية التي تُبدع في واقع جديد غير واقعها الأصلي، والأمر لا يخص أدمغتنا في المنطقة المقدسة بل في كل مكان على سطح الأرض حتى أمريكا حيث يتم الانتقال من ولاية الولادة والمنشأ إلى أخرى توفر ظروفا أحسن للتألق. ويمكن أن أستعير من أفلام الخيال العلمي فأقول: واقعنا الأرضي محدود بأرضنا وبمعارفنا اليوم، لكن، ماذا لو كنا كبشر على هذا الكون لازلنا نعيش ملايين السنين خلف أشكال أخرى من الحياة/ الوعي موجودة في أماكن أخرى غير أرضنا؟ نحن لا نعلم، ولا دليل عندنا، لكن جهلنا لا يعني رفض الاحتمال والامكانية؟ لنتخيل أن هناك كائنات أخرى موجودة على كواكب أخرى لا نعرف عنها شيئا، تفوقنا تطورا لدرجة أننا أمامها نكون كما البشر البدائيون بالنسبة لنا نحن اليوم، السؤال المطروح سيكون: هل حقا نحن أحرار؟ أم أن الأرض كانت المتاهة التي تحركنا فيها ظانين أننا الأرقى وعيا والأحرار إرادة وفعلا؟ ذلك قصدي من قول أن الحرية وهم كبير، والقائلون بالوهم هم أناس لا يريدون أن يكونوا آلهة برفضهم حقيقة الواقع الذين يعيشون فيه كما يُزعم، بل هم عقلاء وعوا حقيقة حدود وعي الانسان وحريته "المثالية" المتوهمة، هم لا يقدسون المادة ولا يعبدونها، بل يعطونها حقها وحقها أنها الخط الأحمر الذي يستحيل على الإنسان تجاوزه: مادة الإنسان تجعله يعيش على الأرض، لا يتنفس تحت الماء، لا يطير ولا يستطيع تحمل ضغط العلو، غصبا عنه يجب أن يشرب يأكل ويفكر، وبلا تفكير يصير بمنزلة الحيوان. وعي الإنسان لا يستطيع تجاوز المادة التي تحيط به وإن زعم غير ذلك فهي الخرافة التي لا يسندها أي دليل. ووعي الإنسان المحدود يحد كل شيء بعده ويبدد كل أوهام البشر عن كل شيء يعتقدون به كأخلاق راقية وعلوم وفلسفات عظيمة: نحن كغيرنا من البشر على مر العصور، أبناء زماننا ولا فخر لنا ولا امتنان حتى لعظمائنا من العلماء والفلاسفة والمفكرين، فلا أحد جاء بشيء من كيسه وكل منجزاتنا ما هي إلا متابعة لما سبق، وما سبق كان فيه عظماء كانوا أبناء وقتهم وواقعهم وكل من شذ منهم ونبغ فلن يشذ عن شيء قبله أخذ منه أو واقع جديد فتح له باب التميز والتألق. محدودية الوعي، وما يليها من أوهام كالحرية والإرادة، تحملنا مباشرة إلى واحد من أعظم أوهام البشر: وهم الحب! الحب الذي يخص أقرب الناس وبالدرجة الأولى الشريكة والأهل المباشرون أي الأب والأم والأخوة والأبناء. حتى هم و "حبهم" محكومون بنفس المتاهة، وليعذرني الجميع وخصوصا النساء، فأنا لا أزال أعجب كيف يقول رجل لامرأة أنه "..." ولا يرى غيرها دون أن يتفطن إلى وهمه لكيلا أقول كذبه، والجاهل يمكن أن يُعذر بجهله فلا يوصف بالصفة التي يستحق، كقولنا أن المسلم ليس إرهابيا بالضرورة ونحن نقصد المسلم الذي لا يعرف دينه وإلا فهو قاطع رؤوس بالضرورة. "حبه" المتوهم هو نتيجة المتاهة التي مشى فيها، وفي متاهته توجد ثقافته وشخصيته وموروثاته ومجتمعه، ولأسهل على "المحبين" أقول: هل ستختارها لو وضعت لك بجانبها ألفا أحسن منها في كل شيء؟ جميلة؟ آتيك بأجمل حسب ذوقك. مثقفة متعلمة؟ آتيك بمن أحسن منها. طبعها لا يوجد مثله؟ بل يوجد أحسن منه إلخ، اسأل نفسكَ: هل حقا اخترتها وكنت حرا أم أنك كنت محكوما بظروفك التي كلها لم تأتِ بها من كيسك بل ورثتها وفرضتها عليكَ بيئتكَ؟ إذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك، فلماذا إذا تدّعي أنها "أولى أحد" وهي لم تكن كذلك لحظة واحدة؟ الأبناء الآن وبإيجاز: تخيل أن أبناءك اكتشفت أنهم ليسوا أبناءك الحقيقيين، وأنت سيدتي نفس الشيء لنقل وقع خطأ في المشفى وعدت بطفل ليس طفلكِ، بعد عشرين سنة وأنت "تحب" ذلك الابن تكتشف أنه ليس ابنا لك، هل ستواصل "حبك" له؟ نفس "الحب"؟ جوابك سينسف وهما عظيما يقول "أمر طبيعي وبديهي أن أحب لحمي ودمي" فالحقيقة أنه التعود وليس "الحب" الذي تتوهم! واصل مع نفس المثال، ولنقل أني الآن وبعد أن عرفت الحقيقة، أقدم لك ابنك البيولوجي الغريب عنك والذي لا تعرفه: هل "ستحبه"؟ كم يلزمك من الوقت يا ترى؟ هذا لو فرضنا أنك ستقبل به أصلا! نفس المثال ينطبق على الأم والأب والأخوة: إنه التعود على أشخاص معينين، إنها مجرد ثقافة والثقافة يمكن تغييرها ورفضها إن كانت خاطئة ومضرة، إنه الواقع المادي المحيط بك والذي لم تختره بل وُلدت وعشت فيه وفرض عليك بكل بساطة! جميل أن نرى الاعتراف للأم بإعلان "الحب" لها وعند البعض "حب حيواتهم" قبل حتى الزوجة والشريكة، لكنه للأسف مجرد وهم، جميل لا شك في ذلك، لكن جماله لن يحجب حقيقته، وحقيقته لن تُوقف وهميته، فهكذا هم البشر كائنات عاقلة مفكرة لا تستطيع الحياة دون أوهام تساعدها على الهروب من حقيقة أخرى تقول بانعدام المعنى في كل هذا الوجود! أواصل مع العائلة وأقول أنه الاستحقاق وليس "الحب": هل حقا ستحب ابنك الفاسد المجرم مثل ابنك الصالح الحاصل على نوبل؟ هل حقا ستحب أمك لو كانت قاسية معك؟ لو كانت فاسدة؟ وأبوك؟ لو كان تاجر مخدرات أو لصا أو قاتلا؟ وأخوك لو سرق مالك أو ميراثك؟ حقيقة "حب" كل هؤلاء هي الظروف المادية التي لم يخترها أحد، مع التعود والاستحقاق أي الحكم والعدل فيه. والذي قيل ينطبق على كل شيء يعتقد به البشر: الصديق، الوطن، الأيديولوجيا والدين الذي يتبع، بل يمكن أن أتجاوز إلى أمرين عظيمين: المعرفة، والإنسانية ذاتها! "حب" المعرفة أيضا وهم! فالمعرفة ضرورة، ما لم تعلم وتفكر فأنت والحيوان سواء، وما لم تعلم فأنت ضعيف يدوسك الأقوياء ويستعبدكَ السادة الذين يعرفون ما جهلته، عصرنا اليوم هو عصر المعلومة، والذهب والبترول أصبحا من الزمن الماضي، لأن عملة زمننا اليوم هي المعلومة ومن يعرفها ومن يسيطر عليها ومن ينشرها وكيف ومتى! المعلومة أيام الكوفيد حكمت العالم، ولأول مرة في تاريخ البشر، تُشن حرب على كل البشرية، يموت فيها ويقع الضرر على الملايين، أعظم حرب وقعت وعظمتها من عدم تفطن البشر لوقوعها أصلا! أهدافها تقريبا حُققتْ وكانت نجاحا باهرا على أغلب الأصعدة، وهل يوجد نجاح أعظم من أن يؤمن المستعمَر بكل أقوال المستعمِر؟ نجاح سادة الكوفيد -والكوفيد لمن لا يزال يعيش في الكهوف، أزمة مالية بالدرجة الأولى لا صحية- كان وراءه المعلومة التي سُوِّقتْ للبشرية في أوقات مدروسة وبطرق مدروسة بعد سنوات كثيرة من التحضيرات والمناورات [كمناورة A(H1N1) 2009 والتي لم تنجح بسبب عدم تمكن السادة من احتكار المعلومة] الإنسانية الآن، ونحن الآن وصلنا إلى الملك بعد أن تخلصنا من كل شيء اعترضنا... تقريبا! سؤال: لماذا لا نأكل لحم البشر؟ كل الأجوبة التي تخص صحة الإنسان لا تصلح، عندنا الوسائل التي بها نستطيع طهيه دون أي خطر مستقبلي على الصحة! فلماذا لا نأكل لحم البشر؟ يقول الملك لأننا لسنا كالحيوانات ولا ضرورة لذلك، وأقول أن الحيوانات أرقى منا بكثير فهي تقتل فقط لتأكل وهي مضطرة غير ملامة في ذلك أما نحن فنقتل لنحكم ونسيطر وننهب ولمتعتنا الخاصة، الأسد يقتل الغزال لأنه إن لم يفعل مات أما نحن فنقتل الكافر و "المتخلف" ومن عنده موارد وإن غاب ذلك كله فنقتل ليهابنا غيرنا وليقبلوا بحكمنا وبسلطتنا وفي ذلك نقول أننا اضطُررنا وإلا فحاشانا من حب سفك الدماء وقطع الرؤوس وتدمير المدن وإسقاطها على ساكنيها حتى لو كانوا رضعا! لماذا أكل البشر لحوم البشر قديما؟ سيقال للضرورة ولهمجيتهم، ولماذا لا يفعلون ذلك اليوم؟ سيقال لانعدام الضرورة ولتحضرهم! هل حقا نحن متأكدون من كذا جواب؟ الضرورة قد تأتي في أي لحظة والحروب تُشعل في كل مكان ليهرب السادة من الحساب وليمروا إلى نظام جديد يحكم العالم بعد انتهاء صلاحية الحالي، أما التحضر فمن أيام الكوفيد أُذكِّر أن العنصرية ليست من التحضر في شيء وأن الدعوة إلى العنف اللفظي والجسدي حتى في حق الأخ والأخت وأقرب الناس سُمِعتْ في قنوات أكثر دول العالم "تحضرا" وفي ساعات الذروة، وأن قتل كبار السن ليس من التحضر في شيء وتحضر الأمم يقاس بقيمة ومعاملة الضعفاء فيها وعلى رأسهم الكبير والصغير والمرأة، وأن سجن شعوب بأكملها خوفا من غول وهمي ليس من التحضر في شيء إلخ من الجرائم التي اقترِفتْ أيام الكوفيد والتي لا يزال المغيبون والجهلة يرونها "علما"! الشعوب قبلتْ بتلك الإجراءات العنصرية (من لا يُحقن لا يعمل لا يسافر... يجوع ويموت وكأنه كلب كائنا من كان!) والإرهابية (في أستراليا منعوا حتى الوقوف في البلكونات!) والإجرامية ""الإبادية" (الحُقَن أسلحة دمار شامل بيولوجية وليست لقاحات كما أوهموا البشرية!) التي أقرتها نخبهم الحاكمة عبر البروبجندا الإعلامية والمراسيم والقوانين... إذن الضرورة يمكن أن تأتي، والتحضر سلم لي عليه! فما الذي يمنعنا من أكل لحوم البشر اليوم؟ الجواب: فقط الثقافة الحاكمة للعالم والتعود لا أكثر ولا أقل، فمثلما لا نأكل الثعابين والعقارب والديدان لا نأكل البشر، لكن غيرنا يأكلون الأفاعي والصراصير! ونحن نشمئز منهم لكن لا ندع إلى منعهم، وسنفعل لو أكلوا البشر! لكن لو فعلوا هل سنواصل نفس اشمئزازنا من أكلهم للديدان والعقارب؟ أكيد سينقص ولن يتواصل بنفس حدته عندنا اليوم. تخيل الآن أن حربا نووية وقعت ولم يبق من البشر إلا بضعة ملايين ولا شيء يُأكل، هل سنواصل اشمئزازنا من الصينيين والتايلانديين في أكلهم للحشرات أم أننا سنفعل نفس فعلهم؟ وهل حقا لن نمر إلى أكل البشر؟ أجزم أن البشرية ستفعل وسيكون ذلك في البدء كالمعلوم المكروه والمستهجن علنيا، ثم سيتطور إلى معلوم مسكوت عنه، وسينتهي به الحال إلى معلوم مبرر ومدافع عنه، وستكون معاهدات واتفاقيات "عدم أكل" بين القبيلة الفلانية/ التجمع الفلاني/ الدولة الفلانية والأخرى! بالمناسبة، لمن يقول أن Pizza Gate "نظرية مؤامرة" عندنا "فنانة" "عظيمة" في القصة اسمها Marina Abramović ومن "فنونها" ما يُسمى بـ Spirit Cooking: قم بجولة صغيرة على النات وستعرف إن لم تكن تعرف. "الفنانة" المذكورة، ذكرتها فقط كدليل إضافي يؤكد ما سبق، وليست دعوة إلى أكل البشر! السادة عندهم ثقافتهم، وهي ثقافة يمكن أن تتبناها الشعوب وتقبل بها تماما مثلما قبلت الجرائم التي وقعتْ أيام الكوفيد باسم "الحرب على الغول"/ "الضرورة" وطبعا... "العلم"! كنشر مقالات في أشهر المجلات (the Lancet،BMJ، NEJM... ) تقول أن البروتينات البشرية تساهم في تقوية القلب والكبد والكلى والجهاز العصبي! الأطباء؟ سيقبلون وسيقولون أنه "علم" كما قبلوا الخزعبلات المتعلقة بالآيدس والكوفيد وغيرها من "العلوم"! مقال منشور في Lancet! لا أحد يفتح فمه! نص ديني مقدس نطق به كاهن أو شيخ! في كثير من المقالات أستشهد بما وقع أيام الكوفيد، لأنه جوهري، بَيَّنَ بوضوح ألا فرق بين كل شعوب الأرض في جهلها وغبائها وأنها مجرد قطعان ماشية تقاد كما البهائم، يلزمك فقط أن تُخيفها وأن تهدد وجودها، أيضا الإجرام واللاإنسانية ليسا حكرا على بعض النخب الحاكمة في الغرب بل في كل الأرض: الاستثناءات وُجدتْ لكنها كما العادة، قليلة ولا تأثير لها! قطعان الماشية تلك والتي مثَّلتْ كل شعوب الأرض، ظنت نفسها -ولا تزال- "حرة" وانتخبت من حقق لها الأمن من ذلك الغول الرهيب الذي كاد يقضي على البشرية! ذلك الشيطان الذي لزمه إيمان قوي وعميق للقضاء عليه... إيمان بما قاله السادة، والسادة لا يقولون إلا "العلم" ولا يعملون إلا لصالح الأوطان وساكنيها... الإنسانية؟ مما قيل، هل أستطيع أن أقول للملك: Checkmate!؟ المعادلة صعبة عند البشر، فمن جهة هم الأرقى وهذا حقيقة، ومن الأخرى هم الأرذل وهذا أيضا حقيقة! ما أروع أن يعرف البشر حق قدرهم، وما أجمل أن يُعرف الوهم فنعيش في هذا الوجود دون شعارات رنانة ومعتقدات زائفة: لا "أحبكِ" عزيزتي ولا تتوقعي أن تسمعيها يوما، لكني قررتُ ألا يكون معكِ غيركِ، وقراري وراءه أوهام كثيرة قد تجاوزتها منذ زمن، فتجاوزيها لنعيش في سلام! قول ينطبق على كل أوهامنا كبشر: كلها دون استثناء! مع ملاحظة أننا يستحيل أن نُفلت من كل الأوهام وأكيد سنُخدع وسنتبع بعضها دون أن ندري! فلنعمل على التقليل منها قدر المستطاع، ولن يكون ذلك دون حد أدنى يُعرف فيه على الأقل أن تلك "الحكاية" وهم جميل: تتجاوزها أم لا ذلك يعود لكَ، لكن على الأقل اعلم أنها وهم! الإلحاد والملحد من الذي قيل؟ العلاقة وثيقة، وكيف لمن يرضى ويفتخر بكونه عبدا لخرافة قميئة يسميها إله أن يعرف معنى الحرية الحقيقي؟ ثم أن يفهم وهميتها؟ الإلحاد مفتاح عظيم، يفتح باب أعظم السجون، وكغيره من المفاتيح لا يُحدد الطريق، بل فقط يقول ذلك السجن لا يصلح فلا تعد إليه! وذلك لا يعني إطلاقا أن من خرج منه "تحرر"؛ فالسجون غيره كثيرة وإن كان أعظمها، ومن هذه السجون والأوهام الاعتقاد بوهم الحرية!
#أمين_بن_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شيزوفرينيا اليسار بين الإمبريالية والصهيونية والعروبة والفار
...
-
الإلحاد والملحد والحرية (جزء رابع)
-
عن فقيدة الفكر الحر... -الجدلية-!
-
الإلحاد والملحد والحرية 2-2
-
الإلحاد والملحد والحرية 1-2
-
الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم! (ملحق)
-
الإلحاد والملحد: إسرائيل، اليهود... ذلك الوهم العظيم!
-
الإلحاد والملحد والعروبة
-
الإلحاد والملحد والدين (2): الدين والكذب بين لعبة حرية العقي
...
-
الإلحاد والملحد والدين
-
الإلحاد والملحد وفلسطين
-
سنية 2-2
-
سنية 1-2
-
الإلحاد والملحد والعلمانية
-
تأملات جنسية سريعة
-
نظرة وجيزة عن أعجوبة -تديين الإلحاد-
-
لازانيا
-
تأملات في تناقضات العقل البشري (4)
-
تأملات في تناقضات العقل البشري (3)
-
تأملات في تناقضات العقل البشري (2)
المزيد.....
-
أمريكا تنتقد -عنف- المستوطنين في الضفة الغربية: -العقوبات مم
...
-
-انتحر أحدهم اليوم لدى استدعائه إلى الخدمة-.. من هم -الجنود
...
-
شولتس يدعو دول الناتو لتوريد الأسلحة التي وعدت بها لأوكرانيا
...
-
مصادر عبرية أكدت موعد الهجوم في 1 أكتوبر تحذر من هجوم إيراني
...
-
مسيرة للمثليين في بوينوس آيرس تظاهر المشاركون فيها ضد سياسات
...
-
إسرائيل تؤكد قصف مقر استخبارات حزب الله في سوريا!
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يصادق على إصدار 7000 أمر إضافي لتجنيد
...
-
تقرير عبري: تم تحذير مكتب نتنياهو بشأن توظيف المستشار اليعاز
...
-
رئيس وزراء إثيوبيا يستقبل مسؤولا إماراتيا رفيعا
-
المعارضة الجورجية تطالب بإجراء انتخابات جديدة وتتوعد بمظاهرا
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|