|
هنود السهول الأصليين في أمريكا
عضيد جواد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 8150 - 2024 / 11 / 3 - 16:47
المحور:
المجتمع المدني
هنود السهول و المعروفون أيضاً باسم الشعوب الأصلية للسهول الكبرى والبراري في أمريكا الشمالية، والتي أصبحت فيما بعد جزءاً من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا . عاش سكان السهول في المنطقة حوالي ثلاثة عشر ألف عام ، حيث كانوا في الأصل صيّادين للجاموس في هجراته الموسمية حتى عام 700 أو 900 ميلادي ، ذلك قبل دخول زراعة الذرة إليهم من أمريكا الوسطى ، ثمّ أصبحوا شعوباً شبه رُحّل . بيد أنهم أسسوا مستوطنات زراعية دائمة مع استمرارهم في صيد الطرائد وخاصة الجاموس . وكانت ثقافتهم (ولا تزال) مستنيرة بمعتقداتهم الروحية، التي تعتبر جميع أشكال الحياة هي مقدّسة ومترابطة وفاعلة بأرواح عريقة. ورغم من اختلاف المعتقدات الدينية للأمم والقبائل المختلفة، إلا أن جميعها تؤمن بكائن أو كائنات عليا خلقت العالم وحافظت عليه. وعادة ما كانوا يحتفلون بطقوس راقصة مثل رقصة الشمس ورقصة الأشباح ورقصة الذرة الخضراء لتكريم الروح العظيمة وتجديد الأرض وتنشيط مجتمعاتهم .
كانت هذه المجموعات المختلفة تصطاد وتتنقل سيراً على الأقدام حتى القرن السادس عشر الميلادي . وعندما أدخل الإسبان الخيول إلى أمريكا الشمالية؛ باتت سلعة ثمينة جداً لدى السكان الأصليين قبل "ثورة پويبلو" في عام 1680 ميلادي . وهي ثورة عارمة لمعظم شعوب الـ پويبلو الأصليين ضد المستعمرين الإسبان في مقاطعة سانتا "دي نوڤيو مكسيكو". فقد قتلت ثورة پويبلو 400 إسباني وطردت ألفي مستعمر من المقاطعة. ومن نتائج تلك الثورة ؛ استيلاء القبائل على معظم الخيول التي في حوزة الإسبان؛ مما زاد من قدرتها على الحركة والتنقل ، كما سمحت بتطوير مهارة المحاربين على ظهور الخيل في القتال. وبعد تلك الثورة التي أطلقت آلاف الخيول في البرّية، أصبحت الخيول تمثل القوة العسكرية والسياسية للأمة، وأفضل شاهد على ذلك؛ صعود قبيلة "الكومانچي" التي استخدمت الخيول لترسيخ مكانتها باعتبارها أقوى قبيلة على الأرض ولقّبوا أنفسهم بـ "أسياد السهول". كما تعدّ سيطرة القبيلة على الخيول من أهداف التوسع لأراضي الصيد التي تمتلكها ، إلا أنها شجّعت البعض على ترك زراعة الذرة والعودة إلى نمط الصيد والتخزين . لقد كانت نتائج التعامل مع المستعمرين الأوروبيين في القرن السادس عشر الميلادي ؛ ظهور أمراض قاتلة استهدفت بشكل كبير عدد من سكان هنود السهول، كما انخفضت أعدادهم بشكل أكبر بسبب الحملات العسكرية التي شنّها جيش الولايات المتحدة الامريكية عليهم خلال القرن التاسع عشر الميلادي تحديداً . والانتصار الأكثر شهرة للقبائل الأصلية كان على جيش الولايات المتحدة في معركة " القرن الكبير الصغير" في عام 1876 ميلادي والتي خاضها تحالف القبيلتين "لاكوتا سوكس" و "چايان" . ومع ذلك، لم تتمكن القبيلتان من إيقاف تقدّم المستوطنين البيض الجدد وحكوماتهم المتعاقبة ؛ حيث تم سحق آخر مقاومة لهنود السهول خلال مذبحة "الركبة الجريحة" في 29 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1890 ميلادي ، والتي أدّت إلى حصر القبائل في محميات معزولة . عندئذٍ أصبحت القبائل تعتمد على التعامل التجاري المحدود مع المستعمرين البيض في معيشتها .
المناطق والقبائل يشكل هنود السهول مجموعة متنوعة من الأمم المتأقلمة، حيث لكل منها ثقافة متميزة. وبشكل عام، كانت جميع الأمم المختلفة متآلفة حتى وصول المستعمر الأوروبي وإدخال الخيول والأسلحة النارية. ويصف المؤرخ "مايكل. جي. جونسون" المنطقة والخصائص الثقافية العامة لشعب السهول كما في المقطع أدناه : "من بين جميع الهنود في أمريكا الشمالية، فإن السكان الأصليين للمراعي والسهول هم الأكثر شهرة وانتشاراً. حيث تمتد أراضيهم من وادي المسيسيبي في الشرق إلى جبال روكي في الغرب، وعلى طول الطريق من نهر ساسكاچاوان في الشمال إلى ريو گراندي في الجنوب. أمّا السهول الغربية المرتفعة فهي قاحلة تماماً و تتميز بنباتات ذات عشب قصير. وعن ناحية الشرق، فقد كانت تتميز بأمطار غزيرة ومراعٍ واسعة بتربة داكنة وعشب طويل . وعلى العموم؛ فقد كانت المنطقة بأكملها ذات يوم موطناً للحيوانات البرّية والجاموس والظباء والذئاب و الغزلان والدببة. وكان جريان الأنهار الرئيسية فيها يتجه من الغرب إلى الشرق لتتصل بنهر ميزوري ونهر المسيسيبي حيث توجد مناطق منتشرة من الغابات. كما أن السمات الثقافية والعادات التي أصبحت تميز شعوب السهول المرتفعة هي الاعتماد على الجاموس البرّي، والاستخدام المحدود لجذور بعض النباتات والتوت، وصيد الأسماك، وافتقار الزراعة في السهول المرتفعة، واستخدام الخيام المخروطية، والإستغلال الأمثل لجلود الجاموس والغزلان، وتكييف الجلود الغير مُدبغة ، والاهتمام في الفنّ الهندسي والرقصات الشعبية. وشملت النشاطات الاجتماعية تنظيم المخيمات الدائرية ، وتقسيم الرجال إلى مجاميع . أمّا السمات الدينية فقد كانت ؛رقصة الشمس، واحتفالات كوخ التعرّق والبحث عن الإشارة أو العلامة ، ورقصات فروة الرأس ." ( ص92)
تُعدّ العائلات اللغوية الرئيسية للأمم هي: الـ آلگانكوين (الـ آگونكية)، الـ كادوان، والـ سيوان، والـ يوتوـ أزتيك. وتتفرع القبائل المحددة حسب العائلة اللغوية للأمة، وكما ما يلي: أولاً ـ آلگانكوين : أراپاهو، القدم الأسود، چايان ، كري (كري السهول) ، گروس ڤينتري (آتسينا) ، أوجيبوا (سهول أوجيبوا) ،سارسي (أثاباسكان) . ثانياً ـ كادوان : كيچاي، كيوا ، پاوني، شومان، تاوكوني، واكو، ويچيتا . ثالثاً ـ سيوان : آريكارا ، كرو، داكوتا و لاكوتا سيوكس ، ميدواكانتون سيوكس، سيستون سيوكسن ، تيتون سيوكس، واهپيكوتي سيوكس، واهپتون سيوكس، يانكتون سيوكس ، يانكتوناي سيوكس، هيداتسا (مينيتاري) ، آيوا ، كنساس، ماندان ، ميزوري ، أوماها ، أوساج ، أوتو ، پونكا ، كواپاو . ثالثاً ـ يوتوـ أزتيك : كومانچي ، پادوكا .
إن ثقافة جميع القبائل المذكورة أعلاه تتأثر بمعتقداتها الروحية التي تؤكد من بين جوانب أخرى على انعزال الأمة القبلية التي ينتمي إليها الفرد، وأهمية تقدير المجتمع للاحتياجات الشخصية، وكذلك مراعاة الطقوس التي تعظّم الآلهة والأرواح والأرض على العطايا السخيّة ، كما توحد الناس بمفهوم جماعي وترسيخ موقعهم فيه.
الدين و رقصة الشمس وكما أشرنا سابقاً، فإن كل أمة تتمسك بمعتقداتها الخاصة، ولكن الجميع يدركون في أن قوة عليا قد خلقتهم ثم وطنّتهم على الأرض في منطقة محددة، وكانت تتوقع منهم أن يتقبلوا جميع أشكال الحياة ويحترموها ، وأن يردّوا الجميل في امتنان لكل النِعَم التي يتمتعون بها. وكانت جميع الأراضي تعتبر مقدّسة ، إلا أن أرض الإنسان هي مقدّسة بشكل خاص، حيث يُفهَم على أنها موطنه الأصلي . ويشير البروفيسور "لاري . جيّ . زيمرمان" الى هذا المفهوم كما في المقطع التالي : "إن جوهر كل ثقافة أصيلة يكمن في احترام دائم للمنطقة التي يعيش فيها الإنسان . فالأرض هناك مقدّسة، وهي مصدراً للنشاط والقوة. حيث في الجنوب الغربي، يعتقد الهوپيون أنهم خُلِقوا عندما التقى نهرا كولورادو ولتل كولورادو، ويقول [تيوا] إن أراضيهم الموروثة محاطة بأربعة جبال مقدّسة. ويتكرر ذلك النمط الطوبوغرافي في مناطق عدة ؛وهو أحد الأسباب الذي جعل التهجير القسري مدمراً لثقافتهم ."( ص155) طالما الأرض تزود الإنسان بالنشاط والقوة، فمن المتوقع أن يهتم بها ويرد لها المعروف ليس فقط من خلال حياته اليومية؛ بل وأيضاً من خلال الشعائر والطقوس المقدمة . وأهم هذه الطقوس بالنسبة لهنود السهول هي "رقصة الشمس"، التي تحمل معان خاصة بالنسبة للأمم المختلفة؛ لكنها في الأساس تُقام لإيقاظ الأرض بعد سبات فصل الشتاء وتقديم الشكر للشمس التي تمنح الحياة . وكان من الممكن أن يبدأ رجل أو امرأة في أداء رقصة الشمس بعد تلقّي رؤية توجّهه إلى شيء ما ، أو تقديم قربان على أمل تحقيق أمنية لرغبة معينة، أو تقديراً لاستجابة الدعوات ، أو نذراً من أجل سعادة ورفاهية المجتمع . وكان يُحتفل بهذه المناسبة (ولا يزال يُحتفل بها إلى الآن) عادةً في شهر يونيو/ حزيران ويشارك فيها سكان القرية بأكملها. والاحتفال يبدأ بعد بناء كوخ مؤقت مع عمود عند المنتصف يعلوه رأس جاموس مقتول برصاصة واحدة . وكانت حبال جلدية تُربط أطرافها في أعلى العمود، أما الأطراف الأخرى للحبال يُقيّد بها المشاركون الصائمين الذين يرغبون بإظهار شجاعتهم أو التكفير عن خطاياهم في مناطق الصدر أو الأكتاف؛ وذلك بأمل الحصول على رؤية تمنحهم الحكمة في الحياة وتُمكنّهم من رّد الجميل للمجتمع والأرض والقوى الروحية. وكان يُنظر إلى الألم والإرهاق الجسدي والرقص المستمر في هذه الطقوس؛ على أنه فداء ضروري لتلقّي تلك الإشارة أو الرؤية وإيقاظ الأرض، وكذلك تقديم الشكر للأرواح . وتصف الباحثتان "مارگوت إدموندز" و "إيلا كلارك" هذا المشهد نقلاً عن قصة " طقوس هيداتسا في رقصة الشمس"؛ وهو الحفل الذي أقامته قبيلة هيداتسا بعد الإعلان عنه وتجمّع المحتفلين ، كما في المقطع أدناه : "يصطف رجال الطب جنوب مدخل كوخ الشمس . وتجلس النساء المسنّات من القبيلة اللاتي أعددن المكان لرقصة الشمس، مع نساء الطب على الجانب الشمالي . كما يأتي الجميع للصلاة والصيام . ويدخل أقارب المشاركين الذكور الصغار حاملين الطعام . ويأخذ كل مشارك صحناً ممتلئاً بالطعام إلى أحد أفراد قبيلته من والده . ثم يبدأ التحدي في شجاعة المشاركين . وعندما يقترب المشارك من الكاهن والمغنّي اللذَين يقومان بفتح شقين صغيرين في جلد كتفه، و يربطان طرف الحبل الجلدي بدبوس خشبي مُحكم يمنع انزلاقه من الجلد المتشقق . وكانت الأطراف الأخرى لهذه الحبال مربوطة بأعلى عمود الشمس (على غرار سارية مايو عند الأوروبيين). وكان كلاً من الكاهن والمغنّي يقومان بتحريك المشاركين دورانياً أربع مرات، شرط بالكاد تلامس أقدامهم الأرض . ثم يبتعدان عنهم لكي يدورون من تلقاء أنفسهم حول عمود الشمس؛ لكنهم لا يتجرّؤن في لمس الحبال بأيديهم... وفي النهاية عندما يفلت المشارك من عمود الشمس، يسقط على الأرض . في هذه اللحظة يسرع الكاهن ومعه المغنّي يضعانه برفق على سرير حكيم الشفاء. ويبقى هناك صائماً لمدة يومين إلى أربعة أيام... كان الصائمون الصغار الذين يرقدون على أسرّتهم الشافية؛ لديهم أحلام ورؤى يقصوّنها على الكاهن. وإذا كانت مُقنعة، كان الصائم يغادر كوخ الشمس لأن توسلاته كانت مستجابة من قبل إله الشمس ." (ص197-198)
كانت الطقوس تتضمن أيضاً الرقص بلا توقف لمدة يومين إلى أربعة أيام "على أمل تلقّي "رؤية" .ولم يكن استخدام الحبال دائماً في هذه الفعّالية . فعلى سبيل المثال؛ ركزت رقصة الشمس بالكامل لدى قبائل الـ چايان على إعادة إيقاظ الأرض من خلال الموسيقا والرقص مع شكر الروح العظيمة على الحياة وهبات الأرض، ولم تنطوي على تعذيب النفس كما هو الحال في طقوس قبائل السيوكس .
الحكومة والحروب والحياة اليومية لا توجد روح عظيمة واحدة معروفة بنفس الاسم تقدسها كل أمة، ولكن كل أمة تفهم كينونتها بطرق متشابهة. وهناك أيضاً العديد من الأرواح الأخرى التي يجب التمسك بها وشكرها من خلال الطقوس والتضحية والصلاة، كما وجب الحذر من أخرى . وقد يكون "كويوت"، شخصية إله مخادع، نافعاً أو مضرّاً حسب مزاجه، بينما يمكن الوثوق بـ "المرأة العجوز التي لا تموت أبداً"( روح الذرة / إلهة الزراعة ) لوداعتها وعطاياها في الحصاد. وترتبط المرأة العجوز التي لا تموت أبداً بالعديد من الظواهر الطبيعية وغير الطبيعية في الحياة لدى الأمم المختلفة ، وكانت في بعض الأحيان الشافية أو المُعالجة ، وهي القمر في جميع حالاته ، وتمنح قوّة النبوة والرؤى . وغالباً ما تظهر النساء المسنّات في تقاليد هنود السهول، كما في حكاية أصل الجاموس الذي أحضرته امرأة عجوز إلى السهول والتي كانت تحرس بوابة صوفية في كهف . هذه الأرواح تخبر البشر عن الحياة اليومية التي من المتوقع أن يعيشوها باحترام . فقد كان شعب هيداتسا يحتفل بعيد الذرة في الربيع أو أوائل الصيف إكراماً للعجوز التي لا تموت أبداً، بيد أن المفهوم أيضاً أنها سوف تكون حاضرة في جميع نشاطات الإنسان اليومية .
يصف المؤرخ "جيفري أوستلر" الحياة اليومية لهنود السهول كما في المقطع أدناه : "تقوم النساء بزراعة الذرة التي يأخذن برعايتها لتنضج بسرعة خلال موسم النمو القصير والخطر في السهول الشمالية. وقبل بدء الزراعة يؤدّنَّ طقوساً عامة في تبجيل "العجوز التي لا تموت أبداً" وطلب مساعدتها. وعندما تصل الأوز التي ترسلها العجوز التي لا تموت أبداً سنوياً إلى النهر (حوالي شهر مايو/ أيار)،يقمن بطقوس خاصة لبدء الزراعة، ويطلبن أحياناً من زعيم مزارع الذرة الذكر أن يبارك البذرة . وخلال موسم النمو، فإن جميع النساء يعملن في رعاية الذرة والمحاصيل الأخرى (الفاصوليا، و عبّاد الشمس، والقرع)، بالاعتماد على (العجوز التي لا تموت أبداً) . وطالما كان القرويون يعتمدون أيضاً على الجاموس، لذا فإن الرجال يؤدون طقوس دعوة الجاموس طوال العام لتمكينهم من الصيد الوفير في المراعي المحيطة." (هوكسي،ص 235) كان من المفهوم أن الأرواح تسمع هذه الصلوات وتستجيب لتلك الدعوات بإرسال الجاموس وتقديم محاصيل وفيرة. وكانت الملابس تُصنع في المقام الأول من جلود الجاموس أو الغزلان وكذلك الأحذية، بينما كانت الأدوات والسكاكين والأقداح ودروع الصدر وغيرها من الأشياء تُصنع من العظام . وشملت المحاصيل الشقيقات الثلاث (الذرة والقرع والفاصوليا) وعباد الشمس والأجاص ، والتبغ الذي كان يُعتبر مقدّساً وغالباً ما يستخدم في الطقوس. والنساء عادة ما يهتمّن بهذه المحاصيل ويصنعن الملابس والأحذية ، ويخطن وينصبن الخيام، بحيث يُنظر إليهن على أنهن مالكات الخيام أو المنزل الدائم وجميع ما بداخله من ممتلكات. كان بوسع نساء السهول أن يطلقن أزواجهن إذا أغضبوهن ؛ حيث يقمن برمي أغراضهم الخاصة خارج المنزل. وكان الزوج يصبح بلا سكن ما لم يقم أقاربه عطفاً بإيوائه. وكان كل الحق للنساء في الاحتفاظ بحضانة الأطفال من هذا الزواج . وهنّ بشكل عام يقمن بإدارة المنزل وتلبية جميع متطلباته من مأكل ومشرب، وتربية الأطفال حتى يكبرون بما يكفي للذهاب للصيد مع آبائهم . أمّا الرجال فقد كانوا يصطادون ويحمون القرية ومناطق صيدهم ، ويحافظون على أماكن عيشهم ووحدة مجتمعهم في القرية. كما كانوا يدافعون عن أراضيهم أو يوسعونها من خلال الحرب. كانت الحرب تُعلن بعد أن يدعو الزعيم إلى عقد اجتماع مجلس يضم كبار شيوخ القبائل وأقوى المحاربين . وكانت مجالس هنود السهول، بوجه عام، مشابهة لمجالس السيوكس الذين اختاروا زعمائهم على أساس "سلوك القدوة" (وخاصة إظهار الشجاعة والحكمة) أو اعتماداً على اسم العائلة. وكان المجلس يجتمع لاتخاذ القرارات بشأن أي مسألة ذات أهمية بالغة للمجتمع، بيد أنه وبشكل عام، كانت كل أسرة وعائلتها الممتدة تدرك حجم مسؤولياتها تجاه المجتمع ، وتؤديها بكل إخلاص دون أي إلزام من قبل زعامة القبيلة . إن كيفية أو أسباب شن الحروب قبل القرن السادس عشر الميلادي تبدو غير واضحة تماماً، ولكن بناءً على ما هو معروف عن أمم أمريكا الأصلية الأخرى، فمن المؤكد أنها كانت تتضمن مجموعة من المحاربين يقومون بمهاجمة قبيلة أخرى للحصول على أسرى ، بقصد الفدية أو الاحتفاظ بهم كعبيد، أو لمعاقبة خصومهم على بعض التجاوزات ضد شعبهم والافتخار في هزيمتهم . وبعد احتكاك الاستعمار الأوروبي الجديد مع قبائل السهول، اندلعت الحروب فيما بينها للسيطرة على تجارة الفراء المقايضة مع الخيول والبنادق والذخيرة و الويسكي والنبيذ من المستعمرين ، وأيضاً لحماية أراضيهم ومواردهم . بعد وصول الخيول الى المنطقة، أصبحت الـ كومانچي أقوى قبيلة في السهول والمراعي بفضل مهارات رجالها في ركوب الخيل وخططها القاسية. فقد شنّ الـ كومانچي غزوات على قرى القبائل الأصلية الأخرى ومستوطنات المستعمرين باستمرار، فأصبحوا أقوى أمة في السهول وأكثرها إثارة للخوف والهلع حتى فقدوا ما يقرب من نصف شعبهم بسبب إصابتهم بالأمراض والأوبئة ( الجدري والكوليرا) التي جلبها المستعمرون الغزاة معهم في القرن التاسع عشر الميلادي .إلا أنه في النهاية هزمهم الجيش الأمريكي ، فخسروا أراضيهم أمام التدفق المستمر للمستعمرين الأمريكيين البيض ، وحدث نفس الشيء مع جميع القبائل الأخرى .
كان تدفق المستعمرين إلى الشرق والحاجة للمزيد من الأراضي في زراعة المحاصيل مثل القطن؛ قد أدّى إلى اتخاذ سياسة عدائية جائرة من قبل حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بطرد هنود السهول (السكان الأصليين) من أراضيهم واقتلاعهم من جذورهم وإعادة توطينهم غرباً ، مما دفع بالأمم الأخرى الإبتعاد إلى أقاصي الغرب نزوحاً . وكانت الاتفاقيات والمعاهدات مع الأمم الأصلية لا تلتزم الحكومة الأمريكية بها أبداً؛ بل وتتجاهلها أيضاً عندما تخطط في ضمّ المزيد من الأراضي ، وذلك سعياً منها إلى تطبيق مبدأ "القدر المتجلّي"؛ حيث من خلال هذا المفهوم أن للولايات المتحدة الأمريكية كل الحق في الأراضي الواقعة شمال المكسيك وجنوب كندا الممتدة من الساحل إلى الساحل . وقد تم إجلاء هنود السهول الناجين من تفشّي الأمراض والمعارك إلى المحميات . وجاء ترحيل الحكومة لهم قسراً بعد قتلها المتعمّد للجاموس وحرمانهم من أهم الموارد ، اضافة الى الهجمات المنظمة التي يقوم بها المستوطنون البيض الجدد على حقولهم ومساكنهم باستمرار بقصد الاستيلاء على أراضيهم بشكل غير قانوني . وقد وصف المؤرخ"أوستلر" حال هنود السهول بعد ترحيلهم كما في المقطع التالي : "كانت الفكرة أن هذه القبائل يمكنها أن تكون متحضرة من خلال ممارسة الزراعة دون اللجوء إلى الصيد ، وتنمية قدراتهم في زرع المحاصيل المتنوعة . إلا أن تلك القبائل واجهت صعوبات بالغة في حياتها المعيشية ، وغالباً ما كانت تتصادم مع بعضها، وبدأت الوقوع في براثن الفقر بمضي السنين . كما تضافر الإدمان على الكحول والحرمان المادي والأمراض والعنف في تقليص عدد سكان أوتو ـ ميزوريا من 1200 نسمة في عشرينيات القرن التاسع عشر إلى 600 نسمة في خمسينيات القرن نفسه. وفي عام 1837 م عندما وصل الجدري على متن سفينة بخارية تابعة لشركة تجارية ؛ قضى المرض على هؤلاء الناس، فقد دمر الجدري لعدد كبير من أفراد قبائل ماندان ، و أريكارا ، و هيداتسا. بيد أنها شهدت زيادة ضئيلة جداً في تعداد سكانها على مر الأجيال منذ أن انتشر الجدري في ثمانينيات القرن الثامن عشر، لكن وباء عام 1837م كان أشد فتكاً ، حيث كان معدل الوفيات يتراوح بين 70% إلى 90% من الإجمالي . وبشكل عام، فقد انخفض عدد سكان الماندان الذين بلغ عددهم 9000 نسمة في خمسينيات القرن الثامن عشر، إلى 150 نسمة فقط في عام 1838م." (هوكسي،ص 241)
لقد أنهت مذبحة الركبة الجريحة عام 1890م ما يسمى بالحروب الهندية، التي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 رجلاً وامرأة وطفلاً من قبيلة لاكوتا سيوكس . غير أن سياسة حكومة الولايات المتحدة تجاه الشعوب الأصلية استمرت في تقييدهم و حرمانهم من الاحتياجات الضرورية والأساسية،على أمل ابادتهم جميعاً وبهدوء !!. ومع ذلك، لا يزال أحفادهم يعيشون الآن في المنطقة، وهم منخرطون حالياً في معارك قانونية لاستعادة أراضيهم وبعض حقوقهم . وفي عام 1990م، أصدر الكونگرس الأمريكي قراراً يعتذر فيه عن مذبحة "الركبة الجريحة" ويعرب عن أسفه. ولكن حتى هذا العام ( 2024 م) لم يعالج الكونگرس بشكل كامل العديد من المظالم الأخرى وسلب الحقوق الذي تعرّض له شعب هنود السهول ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دي براون ـ دفن قلبي في الركبة الجريحة ـ هولت بيبرورك ـ 2007 . روكسان دنبار ـ أورتز ـ تاريخ الشعوب الأصلية في الولايات المتحدة ـ بيكون للطباعة ـ 2015 . مارگوت إدموندز & إيلا كلارك ـ أصوات الرياح : أساطير الأمريكيين الأصليين ـ چارتويل بوكس للنشر ـ 2021 . فريدريك .إي.هوكسي ـ دليل أكسفورد لتاريخ الهنود الأمريكيين ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2021 . مايكل. جي. جونسون & ريتشارد هوك ـ موسوعة القبائل الأصلية لأمريكا الشمالية ـ فايرفلاي للكتب ـ 2022 . أديل نوزيدار ـ موسوعة العناصر الخاصة بالأمريكيين الأصليين: من الألف إلى الياء عن القبائل ـ جنرال بوكس ـ 2013 . جيمس ولسون ـ الأرض ستبكي: تاريخ أمريكا الأصلية ـ كروف للطباعة ـ 2000 . لاري . جي. زيمرمان ـ الحكمة المقدسة للأمريكيين الأصليين ـ چارتويل بوكس للنشر ـ 2016 .
#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلة السكاكين الطويلة
-
ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
-
الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
-
الفينيقيون شعب أرجواني
-
عنخ رمز بلاد النيل
-
دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
-
نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
-
العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها
-
نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة
-
الدفن في بلاد الرافدين القديمة
-
كذبة أفلاطون في الروح
-
الأزياء والملابس في بلاد الرافدين القديمة
-
الفنّ والعمارة في بلاد الرافدين
-
ثورة العمّال اللودّيين
-
مَن هم شعوب البحر ؟؟
-
الأعياد في بلاد الرافدين القديمة
-
الحكومة في بلاد الرافدين القديمة
-
النساء العالمات في ثورة العلوم
-
قصة الوسيم نارسيسوس (نرجس)
-
دعوى استئناف لإمرأة سومرية أمام محكمة في مدينة أوما
المزيد.....
-
تركيا: اعتقال مطلوب دولي بشبهة الانتماء إلى -داعش-
-
تحت ضغط أميركي.. سحب -تقرير المجاعة- بشأن غزة
-
-سوريا الجديدة-.. كيف توازن بين ضبط الأمن ومخاوف الأقليات؟
-
إنفوغرافيك.. اللاجئون السوريون يعودون إلى وطنهم
-
ارتفاع وفيات المهاجرين لإسبانيا عبر الأطلسي في 2024
-
مصدر أمني: ضبط أجهزة تجسس بين خيام النازحين في غزة
-
شاهد.. لماذا يعرقل نتنياهو صفقة تبادل الأسرى مع حماس؟
-
من يكون محمّد كنجو الحسن مسؤول عمليات الإعدام في سجن صيدنايا
...
-
المرصد: إيقاف المسؤول عن عمليات الإعدام في سجن صيدنايا السور
...
-
واشنطن: سعي هونغ كونغ لاعتقال معارضين يهدد السيادة الأميركية
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|