|
هواجس فكرية ــ 336 ــ
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8149 - 2024 / 11 / 2 - 18:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حان الوقت لإيقاف الثرثرة في السياسة، وفي الفكر. علينا أن نعود لقراءة التاريخ، قراءة الكتب السياسية، لأن منطقتنا مقبلة على مصائب، بل كوارث. الثرثرة مرافقة للحيرة والتخبط لا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة. يجب أن نعرف كيف تتحرك الدول، وتحت ظل أية شروط، والدوافع الحالية والمستقبلية. كفى الاعتماد على الغيبيات والأديان في تحليل مجريات الواقع المعاصر. كل يوم أرى عشرات الفيديوهات التافهة عن قرب نهاية العالم من هذه الجهة أو تلك. هذه ترهات، كذب وخداع. لا يوجد نهاية للعالم من خارج هذا العالم، لا يوجد شيء أسمه يوم القيامة، هذه خرافة وكذبة كبيرة، العالم ليس الكرة الأرضية يا ناس يا هو.
ماذا قدم العرب للقضية الفلسطينية غير الخيانة والغدر والكذب، والثرثرة؟ أغلب الكتاب والمثقفين والمفكرين والاعلاميين العرب، مجرد انتهازيين، يركضون وراء لقمة الخبز من خلال المتاجرة بهذه القضية النبيلة، ليس الموجودين في الدول العربية، فحسب، وأنما الذين لجأوا إلى أوروبا، أغلبهم حسن وضعه المادي والوجودي على حساب الناس البسطاء وقضيتهم. القضية الفلسطينية قضية نبيلة، لكن التاجر خسيس ونذل، أنهم أولاد ابو الخيزران. ابو الخيرزان البطل الفلسطيني المخصي الذي سلم فلسطين العظيمة، للنظام العربي الساقط، نتيجة عجزه، وفقدان الخصوبة لديه.
لم يكتمل الفجر يا أمي، كان بعيدًا، كان يحاول أن يشذب الكون، أن يرتق خيوط السماء، أن يجمع بقعه المتناثرة المرمية هنا وهناك. الفجر يا أمي زينة الحياة، صبية جميلة مقبلة على الحياة بخجل، واقفة على الناصية، تجمع شتاته.
عندما قونن الإنسان الملكية الخاصة، اصعد الله إلى السماء، بسطه على عرش الكون، جعله مركز الكون، يديره بشكل دائري، وبالعرض والطول. تمركزه في السماء لم يكن عبثيًا، احتاج الأمر إلى تكثيفه إعلاميًا، لإعادة إنتاجه على الأرض كمركز متعالي ومهم. قابل هذا سلطة في السماء للإشراف على سلوك البشر، وسلطة على الأرض تنفذ توصياته. التمركز في السماء يحتاج إلى تكثيف وتمركز على الأرض، دكتاتور فوق يقابله ديكتاتور تحت.
عندما قونن الإنسان الملكية الخاصة، اصعد الله إلى السماء، بسطه على عرش الكون، جعله مركز الكون، يديره بشكل دائري، وبالعرض والطول. تمركزه في السماء لم يكن عبثيًا، احتاج الأمر إلى تكثيفه إعلاميًا، لإعادة إنتاجه على الأرض كمركز متعالي ومهم. قابل هذا سلطة في السماء للإشراف على سلوك البشر، وسلطة على الأرض تنفذ توصياته. التمركز في السماء يحتاج إلى تكثيف وتمركز على الأرض، دكتاتور فوق يقابله ديكتاتور تحت.
كل شيء في هذه الحياة حيازة، القانون والحداثة والديمقراطية والعبودية، والملكية والثياب والبيت والسيارة والحمار والبغال، جاءت المنافع للاستخدام، للاستعمال المؤقت، ثم الانفصال، هو لتبادل المنفعة. الحيازة هو التصرف بالأشياء كالأرض والمال، أي الحاجات المادية، استخدام الشيء ثم الخروج من اليد. الملكية وهم، وعلى مسافة من الملكية، هي الأدوات التي توضع تحت اليد من أجل استمرار الحياة. اقنع الإنسان نفسه، الفرد، أنه المالك الحصري للأدوات التي يستعملها أو يستخدمها في الحياة لإرضاء أنانيته وأمراضه العقلية، وخوفه وغربته واغترابه. لو استطاع هذا الكائن، الإنسان أن يتحرر من ذاته، من هذه القناعة بالملكية، من كوارثه وأمراضه وجنونه الداخلي، من عبوديته لنفسه، لتعامل مع الملكية على أنها حيازة. إن الحيازة لا تحتاج إلى القانون والدولة والمؤسسات لفض النزاعات، ولا إلى الحروب والجيوش والوظائف. الفارق بين الحيازة والملكية موضوعيًا كالفارق بين الحرية والعبودية، وما يترتب على كل مفهوم من نتائج. لو وصل الناس إلى قناعة أن الحيازة تصرف بالشيء هو ملكية مؤقتة، لعاش بسلام ومحبة وأمان
يجب الحفاظ على روسيا كدولة ووجود، هذا أكثر من مهم. رئيس الناتو يرفض هزيمة الحلف الغربي، وأنا أرفضه، وروسيا ترفض الهزيمة، لكن هناك دول ضمن الحلف عم تتمزق وتتفكك. انظر إلى المانيا، لقد اشترت من امريكا 35 طائرة أف 35 ، ودعست بحذاءها على الاتحاد الاوروبي ومصانعه العسكرية. هذا يشير إلى أن الأوروبيين لم يعد بينهم ثقة، وكل دولة بدأت تبحث عن مصالحها. امريكا والمانيا يضخان مليارات الدولارات في داخل دولتهما لابقاء شركاتهم في حالة مستقرة، نستطيع أن نقول عنهما أنهما أمما الشركات حتى لا يفلسا، وهذا يجبر الجميع على العمل بشكل افرادي. هناك صداع في أوروبا، ولا تقوى أية دولة لوحدها مجابهة تطورات الازمة الحالية. أنهم لا يعملون بشكل جماعي بشكل عملي لعدم ثقتهما ببعضهما. الحلف الغربي في وضع سيء، لأنه حلف غير جدير بالثقة من قبل أغلب دوله، وحدتهما الحرب، وستكون سببا لتفكيكهما. امريكا وبريطانيا دمرا خط أنانبيب نورد سترين واحد واثنان لمنع وصول الغاز الروسي لأوروبا، ولأضعافها من الداخل
المترجم أما يرفع مستوى الكتاب إلى السماء أو يهبط بها إلى قاع الأرض. كان في يدي كتاب الإباحية.. ليست حلًا، وكنت متشوقًا لقراءته، بيد أن الترجمة وقفت عائقًا أما القراءة. هناك كتب كثيرة تترجم بشكل سيء، تشعر المرء أثناء القراءة كأنه أمام كلمات متقاطعة، يحتاج منه أن يملأ فراغاتها. مرات كثيرة رميت الكتب لأن الترجمة سيئة، لأنني شعرت أنني أمام طلس غريب. في كتاب الإباحية بعض من استطعت قراءته، يستوقف المرء العنوان الصادم، الإباحية، وكأننا أمام كتاب يتحدث عن الجنس، بيد أنه كتاب فكري وسياسي، يتناول قضايا الشباب في هذا العصر، الهيمنة الثقافية التي تمارسها الجهات التعليمية عليهم، دفعهم نحو المخدرات والجنس للجنس، حرفهم عن تأسيس الأسر أو إقامة علاقة على اساس الحب، الدفع باتجاه المثلية والشذوذ، التخريب الممنهج للبناء النفسي لهم، لإنتاج جيل مشوه ومريض، لإبقاءهم تحت سيطرة القوى السياسية والمالية. عالم الشباب في الولايات المتحدة يتجه نحو الضياع والدمار الممنهج، وهذا سينعكس على العالم كله، لما للولايات المتحدة من تأثير عبر برامجها الثقافية.
تذكرت التنور ورائحة النار والجمر ووجه أمي والزمن الأول والفرح الأول, والعجين المختمر في الطشت والأغطية عليه, والانتظار والقلق مرسومان على وجهها وعيناها المحدقة في أعيننا, وانتظار نضوج الرغيف. لم أعد أذكر أي تنور يعرش في ذاكرتي وأي جمر أو نار, ربما في ساحة بيت جدي أثناء عودة الغنم من المرعى وفي أعينهم لهفة اللقاء. قلت: ـ أماه, أنا خائف. الليل أنثى ذئب سكران يريد أن يلتهمني. أخاف من الليل, من غربته, من بحثه القلق عن الضوء. قالت: ـ لا يبدد هذا الوحش يا ولدي إلا الأغاني والموسيقى والكلمات.
قلت في نفسي: ـ لماذا يتغير الإنسان عندما يغني في ظلال الطبيعة؟ لماذا يرق قلبه كثيرًا, يمتلئ بالحنان والحب, ينفصل عن القسوة ويتحول تحولا نوعيًا في علاقته بنفسه, بالأغنية. هل الأصوات العذبة النائمة في حضن الكون مهذبة, تهذب الروح أم أن الإنسان يلتصق بالوجود عندما يغني؟
اعتبر دميرتاش وجه سياسي كردي منفتح ومدرك اللعبة السياسية. اتمنى أن ينخرط الاكراد داخل اللعبة السياسية الديمقراطية بالكامل, هذا أجدى لأكراد تركية. ولو يتوقف أكراد الجوار من التدخل في الشؤون الداخلية لأكراد تركيا بيكون افضل. الأكراد في كل دولة لهم حساباتهم ومصالحهم وظروفهم وواقع عليهم إدراكه وتحسين شروطهم داخله. حلم كردستان الكبرى مدمر للكرد, لانهم يقفزون على شروط الواقع ويشتت تفكيرهم ومصالحهم. هناك فارق كبير بين الحلم والواقع. وفي تجربة العرب خلال مائة عام تعلمنا, ان الحلم الطوباوي اعادنا إلى طوائف وملل وانقسامات وخراب.
هذا النظام الفاجر لا يمكن أن يتجرأ في اطلاق رصاصة واحدة على شعبنا بدون أذن من أسياده في البيت الأبيض. بس يا حيف على أولئك الذين أخذوا ملف الثورة ووضعوها في يد الولايات المتحدة.
كثيرًا ما استشهد برواية، حين تركنا الجسر، للمبدع عبد الرحمن منيف. فبطل الرواية زكي النداوي شاب في مقتبل العمر، ذهب إلى الصيد برفقة كلبه وردان، بيد أنه يفتقد إلى الحنكة والمعرفة والتخطيط والتنظيم. ولا يعرف يصيد صياد ولا يعرف نوع الطيور ولا موسم الصيد ولا زمن هجرتها أو طريقها أو اتجاهها. ولا اتجاه الرياح ولا سرعتها ولا تضاريس الأرض ولا يعرف استخدام البندقية الاوتوماتيكية الحديثة، ولا مكان وقوفه ولا موقعه. ويريد أن يصيد. وفي النهاية صاد بومة. نحن في بلدان الضياع، نقدم الشهداء وراء الشهداء والتضحية وراء التضحية المجانية لأننا لا نعرف نخطط ولا نعرف نضع الاستراتيجيات ولا نعرف نفكر، لهذا نفشل ونفشل ونفشل، وسنبقى نفشل لأننا نفتقد للتنظيم الدقيق. الثورات البريئة لا يمكنها أن تخيف السلطات التي تجذرت بالتبعية والفساد واللصوصية والعهر وبيع الشرف والذمة والكرامة الشخصية والوطنية. إن النظام العربي ديايثة، يرى زوجته تنام في مخدع الغريب رافعة رجليها له، وفي التحام تام به، بينما هذا الديوث يغني لهما بسعادة.
مفهوم يوم القيامة موجود في الديانات التوحيدية. مفهوم غامض وفضفاض، بيد أنه مخيف، فيه تهديد ووعيد من الله للمؤمنين به. هل يقصد بيوم القيامة أنتهاء الكون، الأرض، موت الحياة، لكن في أي مكان؟ منذ أن كنّا أطفالا صغار، كان الأهل يتداولوه، وكنا نسمعه في الكنيسة، وفي الشارع. نقول أنه مفهوم غامض لأنه لم يحدد ما المقصود بالقيامة: ـ هل هذه القيامة تمس الأرض، السماء، الشمس، الكواكب، خاصة أن هذه الأديان لم تكن تعرف هذا الكون المترامي الأطراف. وفهمها للوجود كان وما زال محدودًا، بل جاهلًا. ولم يحددوا أن الموضوع يخص مكان محدد، وهل هو عقوبة للإنسان أم الحيوان أو بقية الكائنات، ولماذا ستقوم هذه القيامة الفضفاضة، ولماذا، ولمصلحة من؟ طبعًا، الدين لم يكن يعرف القوانين الوضعية، ولم يدعو لها، لهذا تم تخويف الناس من العقوبة الأعظم، القيامة. ولم يكن يعرفوا الدولة، مفهوميًا، ولم يفكروا في تحليل أبعاد السلطة وغاياتها. بل كانوا ينظرون إلى الدولة بدونية وخضوع، ولم يكن لديهم أدوات فكرية تحلل الدولة والمجتمع، وأنبياء هذه الأديان لم يتعبوا انفسهم في تثقيف أنفسهم وأتباعهم، ليعرفوا ماذا يوجد وراء الكرة الأرضية. على شكل مغاير للفلاسفة اليونان الذين اجتهدوا في وضع أفكار ونظريات حول نشأة الكون، بل حاولوا قياس أبعاده نظريًا.
عندما زارت مرسمه، اقتربت من التمثال الذي نحته بكل جوارحه، إلى أن التصقت به، حضنته بحب وحنان، وضعت أذنها على قلبه، قالت: هل تسمع دقاته، أنه ينبض، يدق بقوة، كطفل وليد. التماثيل كائنات حية تعيش بيننا، لها أعين وقلب ودم يجري في عروقها، تعلمنا هذه الكائنات معنى الحياة عندما يكتمل جمالها ورقتها، وينطق لسانها.
الثقافة موضوع، بينما المثقف ذات. الثقافة لها طريقين أحدهما مع الحقيقة والأخر مع الزيف. الأنظمة أيضًا لها مثقفين يدافعون عنها، انتهزايين وصوليين ناس يعبرون عن مصالحهم يبيعون ويشترون الكلمات لمن يدفع لهم أكثر. ويحبون ان يعوموا أنفسهم في الإعلام والفضاء العام، للشهرة والتعويم، ليصبح دخلهم أعلى، لهذا يروجون أنفسهم كذبا ونفاقًا وتزلفًا على حساب الهم العام ومصالح الناس بعيدًا عن هموم التغيير. إنهم ينالون رضا الأخرين، بيد أنهم يخسرون رضا أنفسهم، وضمائرهم. وأيضًا هناك مع الثورة، مع التغيير ونهوض الدولة والمجتمع ليأخذان مكانهما الصحيح، وهناك مع بقاء الاستبداد والذل والظلمة، مع العصبوية والتمترس المرضي على الذات العاجزة، ومع بقاء الرموز القديمة بكل حمولاتها التي تخضع الدولة والمجتمع إلى الأسفل. علينا التمييز بينهما، بين المثقف الذي يحمل الهم العام، والأخر الذي يبحث عن همه الشخصي. إن تعريف المفهوم وتحديده والدخول في حيثياته وتفكيكه ومعرفته بدقة أكثر، أكثر من ضروري.
العلاقات الافتراضية لا مسؤولية فيها لهذا فإنها جميلة، شيقة وحلوة وخفيفة الوقع على الذات والأخر. وأي علاقة تنشأ في الواقع فيها مسؤولية كبيرة، فيها تنازلات كثيرة، وفيها صراع بين الأنا بكل حمولاتها التي جاءت لخدمة الأنا وتأمين أنانيتها، نرجسيتها القاتلة، والأخر، الذي هو جزء من الفعل الذي يقع علينا بالرغم عنّا، الذي سيأخذ المكانة الذاتية منّا، من أنانيتنا. الافتراضي ضروري والواقع ضروري، الأخير لا بديل عنه، بالرغم من أنه يجرح أنانيتنا، يخدش رغباتنا، بيد أنه يؤمن بدائل ضرورية لنّا غير متوفرة في ذواتنا لوحدها.
يولد الدين سياسيًا، قلقًا مقيدًا أو معلقًا بنصوصه التي ترفده بطاقات من خارجه. ويولد منكمشًا على نفسه وكيانه، متعصبًا، ذاتويًا، أصوليًا مخافة الانهيار من ذاته لذاته. ويولد مازومًا كارهًا للأخر وعاشقًا لذاته المتوترة، باحثًا عن وجوده ودوره في الأماكن الرخوة، الأماكن الميتة ليشق طريق سيره. يتحول هذا العاجز، الدين إلى ثقافة، إلى قاتل، ثقافة مملوءة أو مشحونة بالكره، يستدعي الله الميت من أجل تسويق نفسه، للإيقاع بالأخر وتمزيقه. الدين ذكر عاجز، مخنث، رجاله أقوياء في الشكل، عاجزون في المضمون البلدان الديمقراطية استطاعت أن تجنب المجتمع شروره، أجلسته على الرف، بل حولته إلى المتحف، لهذا ترى رجال الدين مجرد مزهريات كرتونية لا رائحة لها ولا طعم. لقد استطاعت أيضًا أن تجلسه على المقاعد الخلفية، احتياط، وتحوله إلى شأن خاص، إلى شان تحت السياسي، كالنوادي الرياضية والجمعيات الخيرية. لهذا يتهافت القادمون من شرقنا الميت إلى تأسيس الجمعيات من أجل الحصول على المال، للبقاء في المبغى. إن الله يموت في الدولة الديمقراطية وينبعث في البلدان الميتة، في الدولة الاستبدادية، لهذا نقول أن الثقافة الميتة تقتلنا، التعصب يقتلنا، الله الميت يقتلنا والميت يجر الأخر إلى قبره، قطعان بشرية وراء قطعان.
عمر الاستبداد في منطقتنا ربما يزيد عن خمسة آلاف سنة. لقد أنتج هذه الاستبداد مداجن، دكتاتور وراء دكتاتور وإله وراء إله وخضوع وراء خضوع. وخلف وراءه شعوب مطحونة مكسورة مهزومة ومريضة، وتعلمت الخضوع والسجود والركوع ومبايعة الهزائم والانكسارات. لم يفتح إنسان هذه المنطقة عينه على الحرية أو الديمقراطية السياسية في يومًا من الأيام. بقي مقموعًا ذليلًا لا يحسب له أي حساب في موقف أو رأي أو مشورة. إنه نكرة لا قيمة معنوية له أو مادية. الكل يتنكر له ويتعامل معه على أنه شيء نافل. لهذا فإنه أكثر انسجامًا مع وجود الدكتاتور الذي يبدو من الخارج أنه قوي، ويمنحه إحساس مزيف بالأمان والحماية. مرات كثيرة استغرب من سلوك الناس وتصرفاتهم الهوائي وعدم انضباطهم وعدم معرفتهم ما يدور حولهم. الفوضى والتسيب وعدم احترام الوقت والمكان جزء من حياتهم. لا أعرف المخرج من هذه الظاهرة التي تلف حياتنا ونعيشها منذ آلاف السنين، خاصة أن الأمر أصبح أكثر ضغطًا في ظل ظرف عالمي كابح للحريات السياسية أو بناء دولة المواطنة. ما الحل.
دلشا يوسف عندما يتكلم الضمير الحي حفيد جمال باشا السفاح يدافع عن الأرمن في كتابه “إبادة الأرمن في عام 1915 من الصعوبة بمكان تصوّر حقيقة أن يؤلف الكاتب التركي المعروف (حسن جمال) كتاباً عن إبادة الأرمن، و هو حفيد جمال باشا السفاح (1873-1922)، الذي يعتبر من القادة البارزين في عهد الإمبرطورية العثمانية، وأحد قياديي جمعية الإتحاد والترقي (1908-1918)، والذي كان له دور كبير في الإبادة الجماعية التي مورست بحق الشعب الأرمني في بدايات القرن العشرين. ومن المفارقات الكبيرة أن جمال باشا السفاح قتل على يد أرمني يدعى اسطفان زاغكيان في مدينة تبليسي الجورجية في 12 كانون الثاني 1922، بسبب أنه كان واحدا ممن خططوا لإبادة الأرمن، ضمن حركة واسعة عرفت بعملية العقاب كإنتقام لما إقترفه بحق الأرمن. و قد روي عن طلعت باشا زميل جمال باشا السفاح في جرائمه، أنه خاطب زميله بقوله:” لو أنفقنا كل القروض التي أخذناها لستر شرورك وآثامك لما كفتنا”. لقد كتب الكثيرون عن إبادة الأرمن وتهجيرهم القسري من تركيا، ولكن كتاب حسن جمال “إبادة الأرمن في 1915″ سيكون له وقع و تأثير كبيرين على المجتمع التركي، وقد يثير زوبعة من النقاش في الأوساط الثقافية و السياسية، في الوقت الذي ما تزال فيها تركيا رغم مرور حوالي قرن من الزمن على هذه المجزرة ترفض الإعتراف بها. والأنكى من كل ذلك أن المؤلف حسن جمال أهدى كتابه إلى روح الكاتب والصحفي الأرمني اللامع هرانت دينك، خلال مراسيم إحتفالية في ذكرى ولادته، والتي منح فيها جائزة سنوية سميت بإسمه للباحث و المفكر التركي الشهير إسماعيل بيشكجي في 15 ايلول 2012. حيث راح هرانت دينك ضحية عملية إغتيال على يد أحد العنصريين الأتراك في 19 كانون الثاني 2007، أمام باب مبنى صحيفة آغوس التي كان يديرها بنفسه، ونسبت التهمة حينها إلى شاب قدّر عمره بحوالى 17 عاما، وهذا يعنى أنه لم يبلغ سن الرشد أثناء قتله الأرمني المغدور الصحفي هرانت دينك، كما أشاعت الأوساط التركية بأن المشبوه من مدمني المخدرات، أي أن السلطات التركية هيأت كل الأسباب اللازمة لتكريم القاتل بالأسباب المخففة بحيث يخرج منها القاتل مثل إخراج الشعرة من العجين. يقول الكاتب حسن جمال في مقدمة كتابه مناجيا صديقه الأرمني المغدور هرانت دينك: “إن الأمر الذي حثني على تأليف هذا الكتاب هي آلامك”. و يضيف: “وصلت لهذا العمر وأنا أدافع منذ سنوات طويلة عن الديمقراطية و حرية التعبير، و لكنني ما زلت أخفي الكثير من أفكاري، و ما زلت أرعب من لمس التابوهات النمطية… ما يعني أنني ما زلت غير حر .. وهذا أمر معيب بالنسبة لي”. يعترف الكاتب حسن جمال بكل ذلك رغم أنه يعتبر من أهم الكتاب الجريئين في تركيا، فهو الذي يبادر دائما بطرح الأفكار و الأسئلة على نفسه و على الآخرين من خلال مقالاته اليومية التي تنشر في أكثر الصحف التركية رواجا، و يقوم بمحاسبة نفسه بنفسه وجدانيا من خلال إيجاد الأجوبة لأسئلته. فهو صاحب مقولة: “إن إنكار مذابح آلاف الأرمن، يعني المشاركة في الجريمة ضد الإنسانية. وكتابه الجديد بشأن المجازر الأرمنية لا يخلوا من هذه الأسئلة التي يدعوا من خلالها المجتمع التركي إلى إجراء محاسبة وجدانية، رغم أنه يعلم وبدون شك أنه سيواجه هجوما قاسيا من العنصريين و القوميين الأتراك بعد صدور الكتاب، و سيتهمه الكثيرين (بالخيانة العظمى)، لأن كتابه هذا سيعتبر بمثابة إعتراف معلن بالمجزرة التي نفذت بحق الأرمن، و قد يدفع الكاتب حياته جراء كتابه هذا كما صديقه الأرمني المغدور هرانت دينك. يقول الكاتب حسن جمال في الجزء الأخير من الكتاب في جواب حول سؤال لماذا منح عنوان (إبادة الأرمن في 1915) لكتابه: “أردت بذلك أن أتجاوز النمطي، وأن أكسر التابوهات، و أن أشعر بعمق الآلام التي خلّفتها هذه الإبادة. لقد شعرت بهذه الممارسات القمعية بعد صراع طويل مع كلمة الإبادة، و حادثة إغتيال هرانت دينك كانت إساءة كبيرة لتركيا، هزتنا من الأعماق و أحيت الإبادة من جديد”.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس ثقافية أدبية سياسية فكرية 335
-
هواجس إنسانية وسياسية ــ 334 ــ
-
هواجس عالمنا ـ 333 ــ
-
هواجس تمس الواقع ــ 332 ــ
-
هواجس تمس الدولة والحرية ــ331 ــ
-
هواجس إنسانية 330
-
هواجس أدلبة 329
-
هواجس ثقافية 328
-
هواجس قديمة 327
-
هواجس في الأدب ــ 326 ــ
-
هواجس اجتماعية فكرية أدبية 325
-
هواجس فنية وسياسية واجتماعية ــ 324 ــ
-
هواجس وأشياء من الذاكرة 323
-
هواجس ثقافية ــ 322 ــ
-
هواجس ثقافية وفكرية ــ 321 ــ
-
هواجس عامة ــ 320 ــ
-
هواجس أدبية ــ 319 ــ
-
هواجس أدبية وفكرية وسياسية ــ 318 ــ
-
هواجس أدبية 317
-
هواجس ثقافية ــ 316 ــ
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|