|
موقع الإستقلالية من أزمة الإتحاد العام التونسي للشغل
الناصر بن رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 00:47
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
موقع الإستقلالية من أزمة الإتحاد العام التونسي للشغل كنا تعرضنا في عدة مقالات سابقة للأزمة الداخلية للإتحاد العام التونسي للشغل أي الديمقراطية النقابية داخل المنظمة والنضال ضد البيروقراطية ، وقد ركز أغلب النقابيين على هذا المظهر باعتباره مدار الرحى في هذه الأزمة المركبة ومولد العديد من التداعيات المتشابكة والمتداخلة . وبإعتبار العلاقة الجدلية بين عناصر الديمقراطية والإستقلالية والنضالية للمنظمة وشروطها المتكاملة للتطور ولعب أدوارها الداخلية منها والخارجية سوف نركز هذه المرة تحديدا على عنصر إستقلالية المنظمة دون غيره ، وما تخصيص هذا العنصر بمقال على حدة إلا تخصيصا إجرائيا بحتا يروم التشريح المستفيض لمظاهره وتجلياته وتداعياته على المنظمة وعلى الشعب والوطن . 1) شىء من التاريخ : إن الإستقلالية تختلف عن الإستقلالوية والحياد الطبقي المضر بالطبقة العاملة والشعب ولا يفهم منه إستقلالية في المطلق بل تحديدا إستقلالية المنظمة النقابية عن السلطة الحاكمة وهو لم يطرح اليوم فقط ، فتاريخ الإتحاد العام التونسي للشغل هو تاريخ فك الإرتباط مع سلطة الحزب الحاكم والصراع من أجل الإستقلالية عن السلطات المتعاقبة، وقد إتخذ هذا الصراع أشكالا مختلفة من التوتر الشديد إلى التصادم والمواجهة فالمبارزة الميدانية في 26 جانفي 78 ثم 3 جانفي 84 ثم المصالحة فالوفاق والتوافق المؤقت ثم لي الأذرع من جديد وصولا اليوم إلى الرغبة الشعبوية العارمة في التهميش والتخلص من كل الأجسام الوسيطة و تحديدا من هذه المنظمة التي تقض مضاجعه . وعموما وبالرغم من جولات المقاومة والشد والجذب نجحت البرجوازية الكمبرادورية العميلة تاريخيا في ربط المنظمة بعجلة رأس المال والخيارات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية التابعة للدوائر الإستعمارية ، كما نجحت شريحتها الطبقية من القيادات البيروقراطية المتعاقبة في نشر ثقافة الوفاق الطبقي داخل الحركة النقابية وتحويل أعرق منظمة نقابية في الوطن العربي وإفريقيا من منظمة وطنية راديكالية زمن الإستعمار الى منظمة مساهمة تابعة لسلطة رأس المال ، ترتكز على جهاز بيروقراطي ضخم يحكم سيطرتها على الطبقة العاملة ، وهذه البيروقراطية لا تلعب أدوارا خطيرة في تلطيف الصراع الطبقي فقط ، بل تتدخل بصورة وبأخرى في الحياة السياسية و تصر على أن تكون لا قوة ضغط اجتماعي فقط بل لاعبا أساسيا وأحيانا محددا في الشأن السياسي بالرغم من أن دورها ظل يتقلص حينا و يتعاظم أحيانا من فترة إلى أخرى خصوصا بعد ثورة 14 جانفي لتوظفه الحكومات اليمينية ثم تعود به للتدجين وإن إستعصى عليها الأمر للتهميش من جديد ، وهذا الدور الملتبس في حد ذاته يفقد المنظمة شخصيتها وهويتها ويعيق تطورها الإجتماعي و يخلط الأوراق في الحياة السياسية والإجتماعية ولا يساعد الإتحاد على فهم حدود دوره كمنظمة نقابية وطنية ، فيحل السياسي محل النقابي ، وتغدو قيادة الاتحاد تبحث على حلول لأزمة النظام أحيانا أخرى بالدعوة للحوار الوطني المزعوم والتوزير والصيانة الميكانيكية للسيستام المتهالك . يحدث هذا الخلط بشكل واضح وتلعب البيروقراطية هذه الأدوار ، دون تشريك هياكله القاعدية ولا سلطات القرار ، ويؤدي بالتالي إلى قرارات مسقطة لا علاقة لها بمنظمة نقابية جماهيرية تحتضن مكونات نقابية وسياسية متنوعة كما يؤدي إلى التفريط في استقلالية وتقرير مصيرها . 2) في إستهداف المنظمة : غذى هذا السلوك التفريطي التابع واللامبدئي شهية المنظومة الرجعية بأذرعها الثلاثة المختلفة الدستورية والإخوانية والشعبوية التي أدركت بصورة جيدة خصائص الهشاشة والطمع والتذيل الذي يشق الأرستقراطية العمالية فتوصلت الشعبوية بصورة خاصة إلى زرع أعوانها داخل المنظمة إيمانا منها بأن القلاع "المحصنة " تؤخذ من الداخل فتجلببت بمحاربة الفساد مستفيدة من ضعف المنظمة وتآكل قاعدتها وسلطتها المعنوية بسبب أخطائها الجسيمة ( التوريث ، الإنقلاب ، التجريد فالتقاضي أمام المحاكم ... ) . وبالرغم من أن البيروقراطية النقابية كانت في بداياتها متجانسة حول الموقف من الفصل 20 ثم حول الموقف من قيس سعيد وظلت تبارك " لحظة 25 جويلية " لما يزيد عن سنة كاملة وساهمت بذلك في نشر التعمية والضبابية العامة من المنقلب ، إلا أن ذلك لم يحصنها من تسرب الخلاف داخلها فتباينت القراءات داخلها ودب التصدع بدءا بتشكل المبادرة الوطنية للحوار مع المنظمات الكبرى في 2022 وصولا إلى المنتدى النقابي في جوان 2024 حيث برز الخلاف من كيفية مواجهة زحف الشعبوية على السطح وصرح أحد أعضاء المكتب التنفيذي " هناك مكاتب تنفيذية وليس مكتب تنفيذي واحد والمواصلة أصبحت مستحيلة " ووصل الأمر بالبعض إلى مقاطعة الجلسات والتغيب لما يزيد عن عامين، وبالرغم من أن تحرك 2 مارس 2023 حقق نجاحا نسبيا في التحشيد وفي المضمون التصعيدي لخطاب الأمين العام الطبوبي إلا أن هذا الأخير لم يسلم من شن الهجوم عليه من الداخل أي من الشق المهادن لقيس سعيد الذي لا يمانع في أن يكون الإتحاد منخرطا في المساندة النقدية ومتماهيا مع السلطة ومسألة الإستقلالية غير مطروحة في أذهانهم والحال أنهم يعلمون علم اليقين الدور التخريبي الواعي " للوزير النقابي" السابق وأتباعه ويعايشون يوميا التهميش في المفاوضات وسحب التفرغات والرخص النقابية والتهديد بإلغاء الإقتطاع الآلي وتفعيل التعددية النقابية ، والإلتفاف على الإتفاقيات الممضاة ، والزيادة في السميق وللمتقاعدين وتعديل مجلة الشغل من جانب واحد ، وضرب صورة الإتحاد لدى الرأي العام الداخلي والخارجي بطرد القيادات النقابية الدولية المساندة للإتحاد وتسويق صورة الإتحاد على أنه المتسبب في الأزمة الإقتصادية و تدهور في الإنتاج وتراجع الإستثمار نتيجة تصاعد وتيرة الإضرابات. وتزامنت هذه الهجومات المكثفة من قبل سلطة الإستبداد مع حملة إعلامية واسعة النطاق في الفضاء الإفتراضي فنشطت مئات الصفحات الوهمية للذباب الأزرق وسوقت لفكرة " إتحاد الخراب" الذي يجب ترذيله وتهرئته وإنهاكه استعدادا للإنقضاض عليه . لم تقف الهجمة الشرسة على الإتحاد عند هذا الحد بل عمدت ديكتاتورية الرئيس قيس سعيد إلى ضرب المنظمة من الداخل بإلنفاذ لطيف من النقابيين المتهافتين لشراء ذممهم وكسب قيادات وطنية وجهوية وقطاعية وصولية وانتهازية متزلفة إستثمرت في ملف ما يسمى العشرية السوداء وإتخذت من الإنقلاب البونابرتي مطية للتموقع النقابي والسياسي تحت يافطة حملة " تنظيف اللبلاد" بل تسللت حتى إلى المعارضة النقابية التي تشتت شملها هي الأخرى وانقسمت على قاعدة الموقف من الإنقلاب فتحررت البيروقراطية النقابية من النقد والضغط وتمكنت تحت قضاء التعليمات من كسب القضايا العدلية المنشورة ضدها ، لكنها ظلت تعيش تحت سيف الإبتزاز بتحريك ملفات الفساد وسوء التصرف كلما عن لها رفع النبرة الإحتجاجية وتعلية السقف الخطابي . إن حملة " تنظيف البلاد " المزعومة قد إنطلت على جزء هام من النقابيين التريديونيين الفاقدين للتكوين النقابي والمعارضين لعلاقة النقابي بالسياسي والقادمين من تحت ركام الخراب والدمار البيروقراطي إذ لم يتفطنوا إلى أنها في الواقع حملة القمع الإعتباطي للمعارضة الديمقراطية وتصحير البلاد بالمحاكمات الصورية للصحافيين والنقابيين والمدونين وتحجيم الأجسام الوسيطة والتخلص من دور المنظمات وعلى رأسها الإتحاد العام التونسي للشغل حتى يستتب له الوضع وينفذ برنامج الخراب الحقيقي المرتبط بالدوائر الإستعمارية وصناديق النقد النهابة المترجم في غلق باب الإنتدابات وتفشي البطالة وإلتهاب الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية وتطور المديونية ودفع البلاد إلى الإفلاس . أمام شراسة هذا الهجوم على الحقوق والحريات وعلى قوت الشغالين لم تتصرف البيروقراطية النقابية بحكمة ما يقتضيه الهجوم من تنظيم مبكر للمواجهة وظلت منقسمة على نفسها وواصلت في نفس الأسلوب الموروث للمركزة المشطة للقرار وتهميش دور القواعد ودور الهياكل التسييرية قطاعيا وجهويا بل أمعنت في تخريب المؤتمرات والتلاعب بالنيابات وتركيز الأتباع وتصفية الخصوم لتعديل موازين القوى بين شقوقها المتصارعة على سدة الحكم النقابي الذي تجلى على أفضل صورة في الهيءة الإدارية الفاشلة والمجلس الوطني الأكثر فشلا . 3) في راهنية مسألة الإستقلالية اليوم : إن مسألة إستقلالية المنظمة عن السلطة البرجوازية الحاكمة أيا كان شكلها ديمقراطية ليبرالية أم ديكتاتورية شعبوية دينية أو مدنية هي حجر الزاوية اليوم بالذات في رسم توجهاتها والحكم لها أو عليها ولا يمكن النظر إليها إلا من زاوية الإنتصار لإستقلالية المنظمات الديمقراطية وكل الأجسام الوسيطة عن السلطة حتى تلعب هذه المنظمة العريقة دورها التعديلي المناط بعهدتها ، وهذه الإستقلالية في ظل هجوم السلطة على الإتحاد هي صمام الأمان لتطورها وبناء علاقة سليمة وشفافة مع منظوريها إذ تمنحها حريتها في تقرير مصيرها بنفسها دون وصاية أو تبعية، وهي مصدر مصداقيتها وقوة إشعاعها وإستعادة صورتها التي اهتزت في السنوات الأخيرة في المجتمع ، وقد اثبت تاريخ المنظمات أنها كلما تمسكت المنظمة بصرامة باستقلاليتها تجاه منظومات الحكم المتعاقبة كلما كبرت صورتها في أعين النقابيين والمتابعين للشأن العام وأتسع إشعاعها وتوسعت جماهيريتها وتعمق خطها النضالي ورؤيتها الندية للتفاوض الإجتماعي وسهل عليها معالجة خلافاتها الداخلية ، وهو ما لم تعيه أي قيادة مستقبلية للمنظمة الشغيلة ، وما الصراع بين شقوق البيروقراطية النقابية أو بينها وبين القواعد العريضة اليوم إلا وجه من الأوجه البارزة في الأزمة المستعصية للمنظمة ، وليعي النقابيون أن نضالهم من أجل الحرية والديمقراطية يمر حتما عبر تمسكهم المستميت بالنضال من أجل إستقلاليتها عن الحكم الإستبدادي لقيس سعيد والوقوف أمام إلغائه للجمعيات والإعلام والقضاء والهيئات الدستورية الرقابية والتعديلية وتهميشه للأحزاب السياسية ولتعي البيروقراطية النقابية أيضا أنها ماكانت لتصل إلى هذا المستنقع والإنحدار لو أولت مسألة الإستقلالية المكانة المحورية التي تستحقها وحصنت المنظمة من التصدع والإنقسام الذي يخبف الجميع ، ومن هنا تأتي النظرة للمؤتمر الإستثنائي القادم : هل سيكون مؤتمرا لتغيير قطع الشطرنج تغييرا ميكانيكيا شكليا همه إزاحة شق لآخر أم مؤتمر حر ديمقراطي يعيد للمنظمة استقلاليتها ويقطع مع تبعيتها لسلطة رأس المال والأعراف ويرسم خيارات نقابية وسياسية نقيضة وينتصر قولا وفعلا للحركة الديمقراطية والتقدمية أي للشعب والوطن . 4) خاتمة : إن الربط الجدلي بين ثالوث الشعارات " الديمقراطية والإستقلالية والنضالية " يظل اليوم ذو راهنية قصوى ولا يستقيم الفصل بين هذه الأضلع والمرتكزات كما لا مجال للتغاضي عن أحدها على حساب الآخر ، وما كانت المنظمة لتصل إلى هذا التدهور والتهديد بالإنقسام الجدي لوكانت ديمقراطية التسيير والإشراف والهيكلة التنظيمية ، وما كانت ليهجرها جزء من أبنائها لو كانت مناضلة ومكافحة منتصرة بعزيمة فولاذية لقضايا الشغالين ، وما كان لقيس سعيد أن يتجرأ على التحرش بها والتخطيط لنفيها لو وحدت في كل متماسك بين هذه الشعارات والمرتكزات وهو ما ينبغي أن يتجسد في المؤتمر الإستثنائي القادم . تونس في 9/9/2024
#الناصر_بن_رمضان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جدلية الموقف والموقع في النقابات
-
بوادر النهوض الجديد
-
انتفاضة 26 جانفي 78: أسباب الأمس ودروس اليوم وأيّ منظمة نقاب
...
-
حزب العمّال التونسي من التّأسيس إلى الثّورة
-
وباء الكورونا ووباء البرجوازية المتعفّنة
المزيد.....
-
ما هي حقيقة زيادة الرواتب؟ .. المالية تكشف عن جدول صرف رواتب
...
-
WFTU Declaration in Solidarity with the Arrested Unionists i
...
-
العملاق الألماني فولكسفاغن يعاني: إضراب وسط تفاقم الأزمة!
-
ألمانيا.. إضراب ما يقرب من 100 ألف عامل في -فولكس فاجن-
-
بعد مشاركة 100 ألف عامل.. إنهاء إضراب فولكس فاغن التحذيري
-
بيان الذكرى 72 لاغتيال الزعيم الشهيد فرحات حشاد على الع
...
-
دعوى على أبل بسبب -التجسس على الموظفين-
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
المرصد العمّالي يطالب بتحسين البنية التحتية بالقطاع الخاص لت
...
-
” 200 مليون دينار ” سلفة من مصرف الرشيد فورية في حسابات المو
...
المزيد.....
-
الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح
...
/ ماري سيغارا
-
التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت (
...
/ روسانا توفارو
-
تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات
/ جيلاني الهمامي
-
دليل العمل النقابي
/ مارية شرف
-
الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا
...
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها
/ جهاد عقل
-
نظرية الطبقة في عصرنا
/ دلير زنكنة
-
ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|