أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - المثقّف الهشّ والاستشراق البشع














المزيد.....


المثقّف الهشّ والاستشراق البشع


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 21:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


عزالدين عناية
يَنبت مثقّف المهجر بمثابة الفسيلة البريّة الباحثة عن حضور في تربة غير تربتها، وفي مناخ لم تألف النّماء فيه. ولذلك غالبا ما يفرض الواقع المغاير على المثقف المهاجر العيش على الأطراف، في هامش الواقع الجديد، بعيدا عن المركز وضوابط المؤسسة. فيقنع بالحفاظ على وجوده المادي مؤجلا أحلامه ومطامحه إلى أجل غير معلوم. وقد تَطول رحلة البحث عن الاندماج أو تقصر، وقد لا تأتي أبدا، فكثير ممّن تحدّثهم النفس بالهجرة لا يدرون عواقب ما تخبّئه الأيام. فليس المهاجر غير القانوني وحده من يُفْرط في الأحلام، بل يشاركه المثقف والدارس على حد سواء. فاللافت أنّ إغواء الهجرة يطمس الوعي ويهوّن من تقدير العواقب. لمستُ هذا لدى العديد من الزملاء الجامعيين وغير الجامعيين، العاملين في حقل الثقافة، ممن يتحفّزون للهجرة وكأنّ العملية نزهة عابرة.
ففي المهجر كثير من المثقفين السائبين، أكرهتهم أوضاع العيش الجديد على تغيير المسار، والتفريط في ما كان يشغل بالهم قبل الرحيل. لأنّ معركة تسوية أذون الإقامة، وترتيب الوضع القانوني، والعثور على شغل كريم، هي معركة ضارية ومتجددة، قد تستنزف المهاجر وتأتي على آخر ما تبقى لديه من طاقة وعزيمة. ومن الهيّن أن يتحول المثقف العائم إلى رصيد إضافي في عالم المهمّشين في الغرب، فيغدو شغله الشاغل اللقمة التي يسدّ بها رمقه والمأوى الذي يأوي إليه في الملاجئ الاجتماعية التي يلجأ إليها المهمَّشون حين تتقطّع بهم السُّبل. إذ يتصور كثيرون أن الهجرة منتهى الإنجاز، والحال أنّ المُهاجر كلّما قطع شوطا في المصاعب داهمته أخرى. وكثيرا ما يرتطم الحالمون بواقع غير متصوَّر يسلب منهم ما تبقى من روابط بعالم الثقافة والمثقفين، وقد زاد "كوفيد" الطين بلّة بما خلّفه من برود في العلاقات وجمود في الاتصالات وركود في عمل الإدارات.
فالملاحظ أنّ جلّ المثقفين الحالمين بالهجرة يأتون إلى الغرب محمّلين برؤى طهرية عن عالم البحث والإبداع والكتّاب والدراسات، تخلو من الواقعية وفيها الكثير من السذاجة أحيانا. على أساس أنّ ذلك الوسط يخلو من مساوئ الاستغلال والانتهازية والميز والتدافع المحموم، ويسود فيه تقدير المواهب والترحيب بالقدرات، بفعل رواج عديد الأساطير عن الغرب الحاضن والشرق الطارد. ويكفي أن يكون المرء جامعيا أو شاعرا أو كاتبا ليلقى الترحاب والتبجيل. لذلك يمنّي المثقف الحالم نفسه باندماج سريع في أوساط المثقفين الغربيين العاملين في مجالات الصحافة والتدريس والدوائر الثقافية والحقول الفنية وما شابهها. والواقع أنّ المتحكِمين بتلك القطاعات ما إن يتفطّن الواحد منهم إلى هشاشة الوافد الجديد وحاجته وعوزه حتى يتحول في عينيه إلى غنيمة. يُقرَّب بالقدر الذي يظيفه من تحسين لمشاريعهم الكتابية والبحثية والأكاديمية، وفي هذه النقطة تبدأ رحلة أخرى للمثقف المهاجر مع الابتزاز، تكون أحيانا قهرية ومفروضة. وقلّة من تنجو من هذا الوضع المزري، لأنّ الاستغلال الثقافي أسوأ على المثقف من الاستغلال المادي، يكابد فيه أبشع أنواع السخرة. ومن الغربيين المقاوِلين في حقل الثقافة، ولا سيما المستثمرين في ثقافة الشرق، من تُنتِج لهم الترجمات والدراسات والأبحاث، وقد يرفعونك إلى مقام رئاسة التحرير أو يدرجونك ضمن الهيئات الاستشارية في مراكز الأبحاث والدوريات. حتى ليَحسب الغافل أن إسهامه الثقافي يقوم على الاحترام والتقدير لشخصه، بوصفه شريكا في المنجَز. يتنبّه مع تراكم التجارب وتعدد الوقائع إلى فضاعة الاستغلال ودناءة الخُلق في حقل كان يحسبه مبرَّءا من المساوئ. وفي حقيقة الأمر ما المثقف الشرقي الهشّ سوى جسر للمرور عليه، وواجهة للعرض لا غير. وإن حدّثك القائمون على تلك المؤسسات طويلا عن قناعاتهم اليسارية الكونية، وأن الأحرار جميعا، في الشرق أم في الغرب، جبهة واحدة ضدّ الرأسمالية المتوحشة وضدّ تسليع المعرفة.
إذ يتربّع كثير من مقاوِلي الثقافة في الغرب على أقسام الاستشراق والاستعراب، وعلى كثير من مجالات البحث الأثري والأنثروبولوجي وما شابهها، وتروج أسماءهم على الألسن ويشيع صيطهم في الداخل والخارج، بَيْد أنّ التعامل معهم عن قرب يكشف للمرء عن رِجال مقاولة وصفقات ربحية، لا أصحاب مشاريع بحث علمي أو حوار حضاري، مثلما يردّدون كلّما سنحت الفرصة لهم باعتلاء المنابر العالية. تراهم يصطادون الجوائز السخية في الشرق، وثمة منهم من يقدّم الطلب تلو الطلب، بلا استحياء، مستجديا الجائزة الفلانية على اعتبار أنه الأجدر بها. وثمة من يختلق المشاريع الثقافية المزيفة (مجلات، مؤسسات بحث، أعمال ترجمة، عقد ندوات) لخلق وجاهة واهية لابتزاز االطيبين في الشرق بدعوى خدمة الثقافة العربية أو الصينية أو الفارسية أو غيرها.
يدفع هذا الوضع المريب المثقفَ المهاجرَ للتريّث والتأمّل، في مسعى للقيام بجرد حساب، أمام ما تتكشف لناظريه من أشغال المقاوَلة في قطاع الثقافة، تغلب فيها المصلحة ويتقلص منها الإبداع. إذ ثمة أسماء غربية في حقل الاستشراق، وفي حقل دراسات الأدب العربي والترجمة من العربية، يتحولون في الشوط الأخير من مشوارهم الأكاديمي إلى عرّابين لا إلى أعلام ومراجع، يرتّبون الصفقات بين الداخل والخارج لا غير. فبناء على رصيد الشهرة المتراكم في ماضي السنوات يغدو تكفّلهم بأي إنجاز ثقافي مبنيّا على تقييم مادي، وغالبا ما يُحوَّل إلى المتعاونين والمساعدين والطلاب. حضرتُ يوما مشادة كلامية بين مستعرِبة عرّابة ومترجم عربي أجير، لأنّ العرابة في غفلة منها، أُسقط اسمها من العمل المنجز، ولم يظهر على الغلاف الرئيسي فقامت الطامة الكبرى.
يراودنا سؤال أيّ دور ملقى على عاتق مثقف المهجر؟ في واقع الأمر ينبغي ألا يُحمّل هذا المثقف ما لا يحتمل، وألا يثقل كاهله بالالتزام، أو يُطلب منه ليتحول إلى جسر تعبر على عاتقه الأفكار والأخبار، ولكن تكفي شهادة صادقة له عن واقع لطالما افْتقدنا إلى الإلمام بخباياه من الداخل.



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوروبا تعيد النظر في علاقة الدّين بالسياسة
- القوانين والحضارات.. القانون الدولي تاريخه وفلسفته
- الترجمة وقضايا العالم
- تقفّي آثار الاستعراب الإيطالي
- دور النشر العربية متلهّفة على الربح ولا يعنيها تطوير الوعي ا ...
- الإمام والكردينال ومعارج الإيلاف - جدل الشرق والغرب
- الإمام والكردينال
- غرشوم شوليم والصهيونية الثقافية
- في وداع المترجم العراقي الذي تعامل مع العربية بقداسة ورشاقة
- البابا فرنسيس في عزلته
- الكنيسة في العراق
- حوار حول علم الاستهواد العربي
- هذا بيان للكتّاب
- هزيمة الغرب في أفغانستان.. ذهب الجمل بما حمل
- اليهوديّة بعيون مسيحيّة
- الأديان والعوْلمة
- الشرق الأوسط وسُبُل الخروج من الفوضى
- الأنثروبولوجيا الفرنسية والإسلام الأسود
- الهجرة غير الشرعية للمخطوط العربي
- ملامح الثقافة العربية في إيطاليا


المزيد.....




- “صار عنا بيبي بحكي بو” ثبت الآن التردد الجديد 2025 لقناة طيو ...
- هل تتخوف تل أبيب من تكوّن دولة إسلامية متطرفة في دمشق؟
- الجهاد الاسلامي: الشعب اليمني حر ويواصل اسناده لغزة رغم حجم ...
- الجهاد الاسلامي: اليمن سند حقيقي وجزء اساس من هذه المعركة
- مصادر سورية: الاشتباكات تدور في مناطق تسكنها الطائفة العلوية ...
- إدانات عربية لعملية اقتحام وزير إسرائيلي باحة المسجد الأقصى ...
- افتتاح الباب المقدس في كاتردائية القديس بطرس بالفاتيكان إيذا ...
- زيلينسكي يحتفل بعيد حانوكا اليهودي بحضور مجموعة من الحاخامات ...
- حماس:ندعو الدول العربية والاسلامية لردع الاحتلال والتضامن لم ...
- الأردن يدين اقتحام وزير إسرائيلي المسجد الأقصى


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عزالدين عناية - المثقّف الهشّ والاستشراق البشع