|
الدين والتخويف من العقاب
علاء الدين الظاهر
استاذ رياضيات
(Alaaddin Al-dhahir)
الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 16:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا اتذكر إن كنت قد سمعت بـ (رأس الرجاء الصالح) في درس التاريخ او الجغرافية للمدرسة الابتدائية ام المتوسطة ولا اتذكر إن كانت هناك خريطة في الكتاب توضح اين هو هذا (الرأس) بالضبط سوى انه في جنوب القارة الافريقية لكن من شبه المؤكد انه لم تكن هناك صوة له. هذا الاسم مترجم على ما اعتقد من اللغة الانكليزية ( Cape of Good Hope ) والاصل بالبرتغالية ( Cabo da Boa Esperança ) يعود للملك البرتغالي (جاو او جون الثاني) بعد ان اسماه المستكشف البرتغالي بارتموليو دياز بـ (رأس العواصف) وبالبرتغالية ( Cabo dasTormentas ). تلك الترجمة الجميلة تركت في مخيلتي الصغيرة اجواء سحرية وشاعرية عن ذلك المكان. ولو قمت بالترجمة اليوم لترجمتها بـ (رأس الامل الجيد) ولكانت هذه الترجمة من اكثر الترجمات بؤسا بل أسوأها. ذكّرني اليوم برأس الرجاء الصالح برنامج عن الشاي الاحمر الذي يتم حصده وانتاجه في جنوب افريقيا وكيف استغله المستعمر الابيض (في هذه الحالة المستعمر الهولندي والبريطاني لاحقا) وأخذ معظم ارباح بيعه وتركَ النزر اليسير للمواطن الاصيل الاسود، مالك الارض تماما كما فعل المستعمر البريطاني مع النفط العراقي. اثناء البرنامج رأيت العبارة التالية منقوشة او محفورة باللغة الهولندية القديمة على مدخل احد الكنائس في مدينة كيْپ تاون او مدينة رأس الرجاء الصالح ( De Vreese des Heeren is der Wysheit beginsel ) والتعبير نفسه موجود بالانكليزية (The Fear of the Lord is the Beginning Wisdom ) في الاناجيل الانكليزية. ترجمتي لها كانت ستكون (الخوف من الله بداية الحكمة) لكن الترجمة الاصح هي (رأس الحكمة مخافة الله). اتذكر اني رأيت صورة للملك الراحل فيصل الثاني وخلفه خط (على لوحة) فيه هذا التعبير. كنت اتصور ان هذا التعبير اسلامي الاصل لكني اكتشفت عن طريق ماكينة البحث (غوغل) انه موجود في الانجيل. انه لشئ غريب في ثقافتنا الاسلامية عندما نردد تعابير نتصورها من ديننا وهي تعود لأديان اخرى. ليس من الممكن ان نعرف ان كان الملك فيصل الثاني قد وضع هذه اللوحة متأثرا بدراسته في بريطانيا ام استخدمها بسبب شيوعها ولإعطاء صبغة التقوى عليه ام لإخفاء هيمنة خاله عبدالاله عليه. قبل ان استمر اكرر ايماني بمبدأ حرية المعتقد وضرورة تكريس هذا المبدأ. في نفس الوقت اجد تناقضات في نشر المعتقدات الدينية والتي لا يتم وللاسف معالجتها سوى بالتشنج والانفعال والتهديدات عند توضيحها او نقدها وهذا ما يقودني الى الموضوع التالي. لست من الذين يحبون الى الاستماع الى نوع من الموسيقى الكلاسيكية يُعرف بالعربية بالجنائزية ( Requiem ). بعض الاحيان اجبر نفسي بالاستماع الى ما لا ارغب بسماعه عسى ان اتعلم شيئا جديدا. استمعت الى قس بلجيكي على محطة تبث الموسيقى الكلاسيكية وهو يشرح مقاطع الموسيقى الجنائزية. قال ان في المعتقدات الكاثوليكية هناك ثلاث حالات في يوم الحساب. إما ان يذهب الميت مباشرةً الى الجنة او النار وهؤلاء من القلة. اما بقية البشر فيذهبون الى ما اسماه بـ (النار الغامضة) وهذه ترجمتي لما قاله. بعدها ينتقل الميت الى الجنة. قال ايضا ان بدايات الموسيقى الجنائزية كانت في القرن الثالث عشر حيث كانت هناك حروب عدة وما شابه. اضاف ايضا بأن بداية اغاني الكورس للقطعة الموسيقية الجنائزية والتي تعزف اثناء قداس توديع الميت في الكنيسة (ولغتها هي اللاتينية)، بداية اغاني الكورس هي لتُسرّع بمرور الميت عبر (النار الغامضة) وتقلل من عذابه فيها. أما الموسيقار الالماني برامز وهو پروتستانتي فقام لاحقا بتأليف موسيقى جنائزية باللغة الالمانية واصبح تأليف هذه الموسيقى باللغات الوطنية مألوفا ليس آخرها موسيقى جنائزية باللغة الانكليزية عن التسونامي الذي ضرب آسيا عام 2004 وراح ضحيته اكثر من ربع مليون نسمة. ثم اضاف بأنه في القرن العشرين اصدر البابا پولص السادس تفسيرا يقول فيه ان الله رحيم وليس انتقاميا وبهذا يلغي تعذيبه للبشر. هذا يعني ضمنيا ان البشر لن يعذّبوا في (النار الغامضة). لنبدأ بمناقشة تأثير الاغاني الجنائزية على تسريع مرور البشر بـ (النار الغامضة). اذا تمت محاسبة الميت بعد موته مباشرةً فلن تؤثر الاغاني الجنائزية على مروره عبر (النار الغامضة). القدّاس يتم بعد ايام من موت الشخص يكون فيها الشخص في وسط لهيب (النار الغامضة). وإذا تم مرور البشر في (النار الغامضة) في (يوم الحساب) فسيتم عزف مليارات بل تريليونات من الاغاني الجنائزية في آن واحدٍ معا وبلغات عدة. عندها يختلط الحابل بالنابل ولن يتم سماع موسيقى جنائزية واحدة بوضوح بل ضوضاءً وضجيجا يُطرش الآذان. أما إذا تم الاستماع لهذه الموسيقى بالتسلسل لكل ميت على حدة فسيكون الوقت لانهائيا للاستماع لها يكون الموتى خلاله قد اكتوا بالنار الغامضة بل احترقوا ولم يبقَ منهم شيئا. انا أسأل هل يفكر من يؤمن بهذه القصص بهذه الامور؟ بل كيف يتم بيعها وتسويقها في القرن الحادي والعشرين. الكنيسة الكاثوليكية تعيد النظر في مواقفها ولست هنا بصدد سرد اخطائها او جرائمها عبر التأريخ لكنها مارست حرق وشنق البشر بتهمة السحر بدءأ من القرن الثالث العشر وحتى نهايات القرن السابع عشر. اثناء الحكم البريطاني مثلا (للولايات المتحدة الاميركية) تم في القرن السابع عشر شنق العديد بهذه التهمة لا سبب سوى مرض البعض منهم بالربو او الصرع مثلا ولم تكن هذه الامراض معروفة حينها فصوّرتهم الكنيسة على انهم سحرة إستحقوا الموت حرقا او شنقا. في اورپا تم قتل المومسات اللواتي اتهمن بالسحر وجلب الطاعون. لست متأكدا ان الكنائس الپروتستانتية بريئة تماما من ارتكاب مثل هذه الجرائم. قبل فترة عرضت إعلامية كندية (المانية الاصل) برنامجا على قناة (دويتشه فله) عن حرق وقتل السحرة وكانت احدى جداتها ضحية لهذه الجريمة. لا تتحدث الكنيسة الكاثوليكية عن كل هذه الامور وبراءة الاطفال في عينيها. لطيف ان يأتي تفسير البابا بولص السادس بأن الله الله رحيمٌ لا ينتقم، لكنه اتى بعد خراب البصرة. تراثنا الاسلامي لا يخلو هو الآخر من مفارقات مماثلة. التوبة الى الله وكذلك الحج وبناء الجوامع يلغي الجرائم والذنوب وارتكاب الموبقات. ماذا يقول رجل الدين لي؟ إرتكبْ الموبقات واقتلْ البشر واسرقْ وإغتصبْ ثم تُبْ الى الله فيغفر لك كل هذا لأنه غفورٌ رحيم. هل يغفر الله جرائم صدام التكريتي لأنه بنى الجوامع وينسى شربه للويسكي وصيده للخنزير وأكله للحمه او وممارسته للجنس الحرام فضلا عن ملايين القتلى؟ هل يكفي بناء جامع واحد ام اثنين لمحو آثام وجرائم صدام؟ وإذا بنى صدام مئة جامع فهل سيكون له مكانا تفضيليا في الجنة؟ جوامع بناها بالمناسبة ليس من مال والديه الفقيرين (وهذه حقيقة وليس تهكما) بل من مال الشعب. هل رجل الدين مستعد لمواجهة هذه التناقضات؟ قبل عدة سنوات قُتل العديد من التلامذة البلجيكيين الصغار في حادث اصطدام حافلتهم بجدران نفق في سويسرا وهم عائدون من اجازة فيها. كان هؤلاء الاطفال من عوائل فقيرة وكانت تلك السفرة الاولى والاخيرة لهم. وقف القس اثناء القدّاس للكنيسة الكاثوليكية في مدينتهم ليقول لعوائلهم المنكوبة بأنه لا يفهم لماذا قام الله بتلك الحادثة المأساوية. ليس هناك حاجة للفهم غير ان سائق الحافلة اصيب اثناء قيادته لها بنوبة قلبية ومات معهم. حدثٌ اليم بلا ادنى شك. مات معظم اعضاء احدى الكنائس الاصولية الپروتستانتية في هولندا بسبب اصابتهم بجائحة كورونا لأنهم حضروا قدّاس الأحد كان فيه بعض المصابين بالجائحة. قام قس الكنيسة هذه بتفسير هذا العدد الكبير من الموتى بالقول بأن الله كان غافلا. معذرةً؟ كيف يمكن لله ان يكون غافلا وهو يسجل كل عمل نقوم به ليل نهار بل يعرف مسبقا بما سنفعله وفقا لخطة محكمة معدّة سلفا. هؤلاء ماتوا بسبب غباءك واصرارك على اقامة القدّاس رغم تحذيرات الحكومة وبسبب مشيَهم ورائك مثل قطيع من الغنم. قتل تسونامي 2004 ربع مليون من البشر الآمنين وبينهم البوذي والهندوسي والمسلم المتدين والمسيحي واليهودي واللامؤمن والسائح الاوربي و وو . لم يكن من تفسير لهذه الكارثة سوى غضب الله وعقابه لكل هؤلاء البشر دون ان يرتكب بعضهم معصية واحدة. لا يبدو أن لتفسير البابا بولص السادس اي مكان في هذه الكارثة فالله لا يزال انتقاميا. دعني اقدم تفسير فيزيائيا بسيطا لما حدث لا دخل له بالمعتقدات الدينية. بسبب حركة الصفائح الارضية حدثت هزة ارضية قوية في المحيط وأدت الى خلق موجات عالية السرعة يزداد زخمها وقوتها عند إنحسار عمق المحيط او البحر. هذه الامواج تزداد طاقتها الحركية بشدة قرب السواحل بسبب تركّز تلك القوة الضخمة للامواج عند الاعماق الواطئة للسواحل. هذا ما ادى الى تلك الكارثة. احد الزملاء من قسمي (وهو ليس الوحيد) قام بإستخدام ما يعرف في الرياضيات (بالموجة المسافرة) لدراسة هذه الكوارث. قام بعد تقاعده بالانتقال الى اندونيسيا (بسبب زواجه من اندونيسية) وأسس هناك معهدا بحثيا لدراسة مثل هذه الظواهر الطبيعية رياضياتيا. المصيبة ان رجل الدين انه يقول لك إذا لم تتب وتمحي آثامك فستذهب الى النار وعليك مخافة الله لأن (رأس الحكمة مخافة الله) وإن عقابا مثل التسونامي او وباء كورونا سيأتيك من الله. ستبقى طيلة حياتك تعيش في رهبة الخوف من الذهاب الى النار. متى سنخرج من هذه الدوامة؟
#علاء_الدين_الظاهر (هاشتاغ)
Alaaddin_Al-dhahir#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تشريع قانوني لنكاح الاطفال
-
العراق : ما اضيق العيش لولا فسحة الامل
-
نقد قراءة د.غسان العطية لاسباب عدم حل القضية الفلسطينية
-
آلة الكذب الصهيونية والحرب على غزة
-
الخرافة وصورة مع رونالد ريغان
-
العواصف والزلازل والامطار بين المعرفة والعقل الديني
-
من اوهام العقل العربي: وهم الحرب الاهلية الاميركية القادمة
-
الهوس الديني
-
امثلة من الحضارات والمعتقدات، ايضا بين الدين والعلم
-
العودة الى التزمت الديني والمتعلمين من المتدينين
-
وفي الليلة الظلماء يُفتقد ريمون شكّوري
-
حاسوب الكم، عرب وين طنبورة وين
-
اللصوصية الادبية
-
غياب القدرة على التفكير عند القطيع
-
كيف يضحك الدعاة المسلمون على عقولكم؟
-
اضافة الى مقالتي عن برنامج (خطى) مع سليم شاكر الامامي: من ال
...
-
عن برنامج (خطى) مع سليم شاكر الامامي: من الذي دمّر الجيش الع
...
-
من هو اغبى ترامب ام من يصوت له؟
-
الاسلام وين، اوربا وين؟
-
الفكر الوطني الالماني وتوحيد المانيا ونسخته العروبية وسلوكها
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|