|
وزارة البيئة العراقية ومهمة معالجة المشكلات البيئية المتفاقمة.. ملاحظات أولية (1)
كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)
الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 16:12
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
في هذا الملف نسلط الضوء على سوء الإدارة البيئية والفشل في عمل وزارة البيئة العراقية ومؤسساتها،خلال العقدين الأحيرين، متضمناً إستعراضاً لقرارات وخطط وبرامج ومشاريع وطنية مقررة لتحسين البيئة، لم تُنفذ، أو فشلت، أو ظلت حبراً على ورق، وقد إتسمت إدارتها عموماً بالتخبط وحتى بالتقصير، الى جانب كثرة الكلام وقلة الفعل، مدللين على ذلك من خلال الرجوع لعمل الوزارة،متابعة ومراجعة وتدقيقاً، وبالإستناد لما نحتفظ به من أرشيف لغالبية ما نشره إعلام الوزارة..وسنلقي الضوء على عوامل الفشل التخبط والتقصير.. تأريخياً، يُسجل لحماة البيئة العراقية أنهم أول من طالب بإستحداث وزارة للبيئة، وإستبشروا خيراً حال تشكيلها في عام 2003، معولين ان تنهض عاجلآ ، بمعالجة التركة الثقيلة من المشكلات البيئية، وفي مقدمتها التلوث البيئي، خاصة التلوث الإشعاعي، والنفايات، خصوصاً المخلفات الحربية، وتحسين جودة الهواء والمياه والتربة، ودرء تداعيات التغيرات المناخية، الى جانب إدارة الموارد الطبيعية، وبالتالي تحسين الواقع البيئي المزري.. بيد أنه سرعان ما خاب التعويل على وزارة البيئة إثرَ إفتقارها طيلة سنوات لتخطيط بيئي استراتيجي سليم، بل وتخبطها وانتهاجها للعشوائية في اتخاذ القرارات وأنجاز المهمات، وبالتالي لم يحصل أي تحسن في معالجة المشكلات البيئية، بل وتفاقمت أكثر.
ولابد من توضيح ان ذلك يعود لعوامل عديدة ، ومنها ما فرض على الوزارة فرضاً وأثر كثيراً على عملها.. ومن أبرز العوامل التي أثرت على الوزارة وأعاقت عملها: أولآ- إعتبار مهمة الوزارة رقابية، وليست تنفيذية.والإصرار على ذلك مع أنه كان بالمستطاع جعلها رقابية وتنفيذية في اَن واحد. تانياً- وجهت للوزارة ضربة موجعة بتجريدها من إستقلاليتها،عبر دمجها بوزارة الصحة، مما أربك عملها كثيراً . ثالثاً- أفضى تكرار جعلها مرة مستقلة ومرة مُدمجة ومن جديد مستقلة،الى عدم إستقرارها، وشل عملها، وجعلها تتخبط وترتبك وحتى الفشل في جوهر مهماتها الأساسية المأمولة - تحسين وحماية البيئة. رابعا- تجاهل الحكومات المتعاقبة بشكل صارخ للمشكلات البيئية القائمة، مجسداً بإهمال دعم عمل الوزارة، وعدم توفير كل ما إحتاجت إليه من كوادر علمية وفنية ومعدات حديثة، وغيرها. خامساً- بؤس المخصصات السنوية..يكفي ان تعرفوا ان مخصصاتها التشغيلية والإستثمارية في عام 2023 كانت (0.03 في المائة) من إجمالي الموازنة العامة (198 تريليون دينار). وقد أعاق ذلك تنفيذ الكثير من المشاريع الحيوية. علماً بان الفقر المالي للوزارة جعلها ان لا تكون ضمن قوائم المؤسسات الخاضعة المحاصصة الطائفية والإثنية، وليست مرغوبة من قبل الأحزاب المتنفذة.
سادساً- تناوب على إدارتها 8 وزراء، أغلبهم لا علاقة له بالبيئة ومشكلاتها، ولذا لم ينجح في إدارتها. سابعاً- الظاهرة المُعيبة في إدارة الوزارة، والوزارات الأخرى، ألا وهي إنعدام المراجعة وتقييم الأداء، حيث لم يكلف غالبية الوزراء أنفسهم عناء متابعة وتدقيق ما صدر من خطط وإجراءات في الفترة السابقة لهم، ليستفيدوا، ولا نقول ليتعلموا من إيجابيات ما تم إنجازه، وتطويره، الى جانب الوقوف على الأخطاء والنواقص لتجنب تكرارها. وقد تجسد ذلك بإهمال كل وزير جديد لمنجز من سبقه، بما في ذلك من قرارات وتوجهات مهمة، مدروسة ومقرورة. ثامناً- تجاهل وإهمال الوزارة لكل ما قُدِمَ لها خلال عقدين من دراسات ومشاريع ومقترحات وتوصيات علمية وبناءة، وبضمنها لمؤتمرات علمية دولية كُرِست لمعالجة التلوث باليورانيوم في العراق.وتجاهلت حملة دولية نُظِمت لمساعدة العراق على تنظيف بيئته من المخلفات المشعة، وغيرها. تاسعاً تستر (مركز الوقاية من الإشعاع) التابع للوزارة على خطورة التلوث الإشعاعي، وخاصة إشعاعات اليورانيوم المنضب، الناجمة عن إستخدام الأسلحة المصنعة من نفايات نووية خطيرة على العراق في حربين مدمرتين. وبدلآ من توعية المواطنين بمخاطره، إنزلق الى مستوى الكذب نفياً وتعتيماً عليه، وأوقع نفسه في فضيحة مجلجلة، مغطياً على حجم المواقع الملوثة وعلى ما أحدثته الأسلحة المذكورة من كوارث صحية وبيئية وخيمة،على حساب صحة وحياة العراقيين، فقد حصدت الأمراض السرطانية، والولادات الميتة والإجهاضات والتشوهات الخلقية، وغيرها من العلل غير القابلة للعلاج، مئات الألاف من ضحايا الإشعاعات.. عاشراً- المبالغة وتضخيم إعلام الوزارة لما يصرح به كل وزير جديد، لدرجة إعتباره "إنجازاً كبيراً" و "رؤية متقدمة" و"خطة لا مثيل لها"، وما الى ذلك، ولم يتم بعد البدء بتنفيذه. وهذا جزء من ظاهرة شاخصة وهي كثرة التصريحات والوعود المعسولة، التي لم تنفذ. حادي عشر-التستر والتعتيم، من جهة، والمبالغة والتضخيم، من جهة أخرى، وكثرة الوعود المعسولة التي لم تنفذ، جميعها أثرت كثيراً على مصداقية الوزارة، وجعلت المواطنين يفقدون الثقة بمشاريعها، وإقتراناً بذلك رفضوا تنفيذ تعليماتها والتعاون معها. ثاني عشر- لم يغتنم وزراء البيئة فرصة وجودهم على رأس (مجلس حماية وتحسين البيئة الأتحادي) بوصفه أعلى سلطة بيئية، قانونياً، لتحقيق إنجازات بيئية مهمة. وظل عمل المجلس روتينياً حتى يومنا هذا. ثالث عشر- تجاهل أو عدم إدراك بان نجاح تنفيذ أي خطة أو مشروع وطني مرتبط وثيق الإرتباط بالحالة الأقتصادية- الإجتماعية لغالبية المواطنين، الى جانب مستوى الوعي البيئي في المجتمع.وان النجاح لن يتحقق في ظل مستوى معيشة متدني ويعاني المواطنون من الفقر والحرمان، وأرباب العوائل غاجزين عن تأمين لقمة عيش أطفالهم، وجل إهتمامهم منصب على ذلك، ولا مجال للمواطن للتفكيربالبيئة., رابع عشر- عدم إدراك ان تنفيذ الخطط والمشاريع الوطنية المطروحة لا يتوقف على الوزارة وحدها، وإنما يستلزم مشاركة جماعية فاعلة من قبل كافة الوزارات والمؤسسات المعنية، إضافة لمنظمات المجتمع المدني ذات العلاقة. لقد لوحط بان جميع وزراء البيئة دعوا الى هذه المشاركة، ولكن نادراً ما تحققت. ولم نعثر على دراسة وزارية بحثت في أسباب ظاهرة عدم حصول المشاركة الجماعية فعلياً.وهذا يعني عدم الإهتمام بها. خلاصة القول: ان كل ما مر ذكره، بدءاً من الإصرار على ان مهمة الوزارة رقابية وليست تنفيذية، وعدم جعلهاة رقابية وتنفيذية،في اَن واحد، ودمجها مع وزارة الصحة، وبذلك تم تجريدها من إستقلاليتها، وعدم وضع الحكومات المتعاقبة أزمة البيئة ضمن أولوياتها، والمخصصات البائسة، وعدم إجراء متابعة ولا مراجعة ولا محاسبة، لعملها،طيلة عقدين، الخ، جعل الوزارة ومؤسساتها موضع إنتقادات موضوعية وجدية كثيرة، وجهت وتوجه لها لكونها غير فعالة في عملها، ولا دور لها يذكر في معالجة المشكلات البيئية. وبالتالي فشلت في تنفيذ الستراتيجيات والخطط والبرامج العديدة التي أطلقتها رغم مرور أعوام طويلة على إعلانها، وبالتالي لم يتحسن الواقع البيئي المزري، بل وتفاقمت المشكلات البيئية أكثر. ولا أدل على ذلك من تذيل العراق في "مؤشر الأداء البيئي العالمي" (EPI)، منذ عام 2012. وهذا المؤشر منجز من طرف جامعتي بيل وكولومبيا الأمريكتين بالتعاون مع المنتدى الاقتصادي العالمي، مكرس لقياس الأداؤ البيئي لكل دولة، من أصل 180 دولة في أرجاء العالم، بالإستناد لتقييم 40 مؤشراً حيوياً، شاملة الصحة البيئية، وحيوية النظام البيئي من خلال جودة عناصر البيئة(الهواء والماء والتربة) والتغيرات المناخية، رابطاة نتائج السياسات الجيدة بالثروة (نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي)، وما يتيحه الرخاء الاقتصادي للدول الاستثمار في السياسات والبرامج التي تؤدي إلى نتائج مرغوبة، وينطبق هذا الاتجاه بشكل خاص على قضايا الفئات الواقعة تحت مظلة الصحة البيئية، اَخذاً بنظر الإعتبار ان بناء البنية التحتية اللازمة لتوفير مياه الشرب النظيفة، والصرف الصحي، والحد من تلوث الهواء، والسيطرة على النفايات الخطرة، والاستجابة لأزمات الصحة العامة، يحقق عوائد كبيرة لرفاهية الإنسان.. وتواصل في العراق تردي الأداء البيئي، وبعد 10 سنوات،أي في عام 2022، إحتل العراق المرتبة 14 عربياً، والمرتبة 169 عالمياً، بحصوله على 27.80 نقطة من 100. وبين المؤشر عدم حصول تحسن، وإنما تراجع 5.30 %.. وتواصل الاتجاه العام لأداء العراق البيئي نحو الانحدار، حيث انخفضت درجة العراق من 43 من 100 في عام 2018 الى 39، وهبطت الى 27.8 في عام 2022، وإرتفعت الى 30 في عام 2024.. أما مرتبته، فقد إرتفعت من 153 في عام 2018 الى 169 في عام 2022، والى 172 في عام 2024 وأصبح ترتيب العراق دولياً أكثر تراجعاً، حيث انخفض بحدود 17 مرتبة (fcdrs.com).. لم يصدر عن وزارة البيئة ولا عن الحكومة العراقية ما يوضح أسباب هذا الإنحدار في الأداء البيئي، ومن يتحمل مسؤوليته، وإنما صدرت عن مسؤولين تشكيكات بصحة الأرقام التي وردت في المؤشر العالمي ، دون إثباتات تؤكد شكوكهم، ساعين للتشويش على الحقائق، واعمين بأنها " ليست" نتيجة حتمية لعدم ايلاء المشكلات البيئة العراقية الاهتمام المطلوب، في وقت تضع حكومات الدول،حتى الفقيرة منها، البيئة في سلم أولوياتها !.
وفوق ذلك، حل العراق ضمن الدول الاعلى تعرضا لمخاطر الكوارث الطبيعية في 2024. فمن أصل 193 دولة شملها المؤشر حل العراق بالمرتبة 63 وبعدد نقاط بلغ 9.24 نقطة مخاطر، ما يجعله ضمن نطاق المخاطر العالية، وهي ثاني مرتبة بعد المخاطر العالية جدا. وعلى الصعيد العربي، جاء العراق بالمرتبة العاشرة بعد كل من اليمن، مصر، ليبيا، سوريا، المغرب، السودان، تونس، الجزائر، السعودية ثم العراق. ويجمع المؤشر بين عوامل التعرض للكوارث التي تحدث والكثافة السكانية في المناطق المتضررة، بالإضافة إلى قياس مدى الضعف والافتقار إلى القدرة على التكيف، فيما تشمل الكوارث الطبيعية الأعاصير والفيضانات والجفاف والزلازل.
وإقتراناً بذلك لابد من التوقف عند الخطط والمشاريع الوطنية لحماية وتحسين البيئة العراقية، التي أطلقتها وزارة البيئة خلال الأعوام الـ 15 المنصرمة.. * الأستاذ الدكتور كاظم المقدادي أكاديمي متخصص بالصحة والبيئة، عراقي مقيم في السويد
#كاظم_المقدادي (هاشتاغ)
Al-muqdadi_Kadhim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة (5)
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة ( 4)
-
ملف: في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة ( 3)
-
ملف:في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة ( 2 )
-
ملف : في الذكرى الخامسة لإنتفاضة تشرين المجيدة في العراق (1)
-
نحو ميثاق دولي فاعل من أجل مستقبل الأجيال
-
القنابل الغازية أداة قمع للإحتجاجات السلمية
-
من أجل عالم خالِ من الأسلحة النووية !
-
تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة !
-
في الذكرى السنوية التاسعة والسبعين لأفضع جريمة حرب دولية
-
ماذا وراء التعجيل بإعلان - خلو العراق من التلوث الإشعاعي- ؟!
-
مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق(3)
-
مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق(2)
-
مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق (1)
-
حكومة السوداني مدعوة للمطالبة بحق العراق المشروع
-
الأزمة البيئية العالمية المتفاقمة أمام الدورة السادسة لجمعية
...
-
أحفاد مانديلا يُعرّون جرائم إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
-
إسرائيل تمثلُ صباح هذا اليوم أمام المحكمة الجنائية الدولية ع
...
-
المؤتمر العالمي للمناخ وتطلعات الدول الأكثر هشاشة
-
إعلان حالة طوارئ صحية عالمية.. مطلب اَني وملح !
المزيد.....
-
اتصال جديد بين وزير دفاع أمريكا ونظيره الإسرائيلي لبحث -فرص
...
-
وزير الخارجية العماني يدعو القوى الغربية لإجبار إسرائيل على
...
-
يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 1.11.2024
...
-
المركز الإفريقي لمكافحة الأوبئة يحذر: -جدري القردة- خرج عن ا
...
-
جنرال أمريكي: الدول الغربية لا تملك خطة بديلة لأوكرانيا بعد
...
-
الهجمات الإسرائيلية على لبنان وجهود التسوية / 1.11.2024
-
أوستن وغالانت يبحثان فرص الحل الدبلوماسي ووقف الحرب في غزة و
...
-
زلزال بقوة 5 درجات يضرب جزر الكوريل الجنوبية
-
حسين فهمي يتعرض لانتقادات لاذعة بسبب صورة وحفل عشاء مع وفد ص
...
-
ارتفاع إصابات جدري القردة في أفريقيا بنسبة 500% وتحذيرات من
...
المزيد.....
-
-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر
...
/ هيثم الفقى
-
la cigogne blanche de la ville des marguerites
/ جدو جبريل
-
قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك
...
/ مصعب قاسم عزاوي
-
نحن والطاقة النووية - 1
/ محمد منير مجاهد
-
ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء
/ حسن العمراوي
-
التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر
/ خالد السيد حسن
-
انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان
...
/ عبد السلام أديب
-
الجغرافية العامة لمصر
/ محمد عادل زكى
-
تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية
/ حمزة الجواهري
-
الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على
...
/ هاشم نعمة
المزيد.....
|