آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 14:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هناك بعض الشعوب لديهم متعة شديدة أن يبقوا في المستنقع، في السبخ، في الأرض ذات نَزٍّ ومِلح وماء مر وعكر.
هؤلاء لا يستطيعون العيش في الهواء الطلق، في الأجواء الطبيعية، على الأرض الصلبة، الجدبة، لأنهم تعودوا على الطين المملح الذي يشدهم إلى الأسفل.
لهذا لا تتوقعوا أن ينتصروا أو يخرجوا من النز أو القيح المملوء بالإِفْرَازات الملوثة.
في هذا المكان يجدون أنفسهم ومستقبلهم لهذا دعهم ولا تيقظهم، دعهم في جهلهم يعمهون
في الصف العاشر كان لي صديقان جميلان، بيد أنهما كانا أكبر مني سنًا، أحدهما اسمه جمعة أحمد والثاني اسمه أمير محمود عبد الكريم.
كلأهما كانا يدرسان الفلسفة في جامعة دمشق، السنة الأولى، وجيران، والمسافة بينهما حوالي ستة أمتار.
كل أسبوع أو أقل كنت أقطع المسافة مشيًا على الأقدام وحدي من الحارة الوسطى في القامشلي إلى بيت جمعة الذي كان إلى جوار جامع قاسملوا والطاحونة.
والمسافة بتقديري كانت أربعة كيلومترات.
أخرج من البيت في الساعة الخامسة بعد تقدير المسافة، وبمجرد أن أصل ويبدأ الترحيب بي يكون الشاي قد نضج.
يضع جمعة الراديو على الرصيف القريب من الشارع العام، والشاي على الطاولة في الجنينة الغير مسورة، نبدأ في سماع موجز الأخبار، يتلو ذلك سماع أغنية ما لأم كلثوم في السادسة والنصف تبثها إذاعة إسرائيل.
نسمع الأغنية على مدى ساعة كاملة، وخلال ذلك نشرب الشاي ونتحدث في الثقافة.
وكان في بيت جمعة مكتبة كبيرة جدًا، متنوعة، في مجال الرواية والشعر والمسرح والسينما والسياسة والفلسفة والفكر والفن بكل أنواعه.
وكنت أشعر بالسرور عندما أنظر إلى هذه الكائنات الخلابة النائمة على الرفوف، وأكاد أداعب جمال الكتب المرتبة المزينة فوق الرفوف. وكل أسبوع كنت أعود إليهما أتناول كتابًا أو كتابين اقرأهما، ثم اعيدهما في الأسبوع القادم، ثم نخرج في نهاية الجلسة، نمشي معًا في شارع القوتلي.
كانت أيام جميلة حقًا، لا حدود بين الأصدقاء على أي مستوى سوى حب المعرفة والتزود بالثقافة والتواصل والتسلية.
كم تبدلت حياتنا خلال الأربعين السنة الماضية، كم تغيرنا وتغيرت بلداننا، واليوم نتحسر على بلداننا، الدمار الذي لحقها، ودمار العالم كله بسبب قباحة المحبين للسيطرة والسلطة والمال.
الإشباع إن لم يكن ذاتيًا، منك وفيك، فإن كل كنوز الدنيا لن تملأ عينك.
الإشباع حالة نفسية وروحية وعقلية لها علاقة بتكوينك النفسي كله.
إذا لم تكن أنت هو أنت، فإن العالم كله لن يملأ الفراغ الساكن في داخلك البارد.
حرارتك تأخذها من نفسك، الآخر محرض، بيد أنه لا يمدك بالشغف المفتقد إذا لم يكن من ذاتك.
كل شيء يبدأ منك وينتهي فيك.
إن لم يكن لديك إشباع في الحب، فالحبيب لن يمدك به، أنت الصانع والمعلم والجلاد لذاتك، حاورها، أكتب عنها وقيمها وأعرف اين تضع قدمك حتى تسير في الاتجاه الصحيح.
والطريق هو أنت أولًا وأخيرًا.
شخصيتك المهزوزة لا علاقة للآخر بها، إنها منك وفيك، أكسرها وأطويها بين جناحيك وسيطر على مسارها حتى لا تتحكم بك وتحولك إلى مهزلة.
المهازل حولنا كثيرة فلا تكن واحدًا منهم.
عندما أكتب، استدعي ذاك الطفل، انفض التراب والغبار والرمال عن جسده، أضعه في النبع ليتشوف الرقة والصفاء، ثم أزينه بكل الألوان الجميلة، ألبسه ثيابًا جديدة، أخذه معي إلى ضيعة بيت جدي في دبانة، بيت عمتي في الشيخ عجيل، وتل كيفجي والمناجير، والسينما والأسواق القديمة في الحسكة ورأس العين والقامشلي.
أطلق سراحه ليجري وراء الكرة في ملاعب كرة القدم، أحرره من ذاتي وأطلق العنان له ليسرح في فضاء الحرية والفرح.
أذكر اول فيلم شاهدته، أول فرنك فرحت به، أول ملبسة وأول سكرة وأول مدرسة ومعلم، وأول هروب منها.
أذكر الأمطار وصوت البرق والرعد، أنه انتماء إلى الأرض المباركة، والحب للناس، لكل شيء جميل في زمننا الذي رحل.
عندما انتهي من الكتابة أعود إلى ما أنا عليه، إلى هذا الزمن.
أضع ذلك الطفل في الخزانة، أقبله، أودعه وأتركه لينام بسلام، قبل أن أوقظه مرة أخرى ليعود إلى حياة أخرى، مختلفة في العمق والسطح.
معقول أن الكثير من المؤمنين يعتقدون أنهم جاؤوا إلى هذه الدنيا، كضيوف؟
وإنهم جاؤوا إلى هذه الدنيا من أجل الحصول على شهادة حسن سلوك، كجواز سفر إلى الآخرة.
هذه الرحلة الخطرة يعتبرونها سياحة إيمانية، يبتغون منها الحصول على توقيع يثبت حسن سيرتهم وسلوكهم، وأنهم لم يرقصوا ولم يمارسوا الجنس ولم يشربوا المنكر، ولم يغنوا ولم يرسموا أو ينحتوا أو يعزفوا، وأنهم كانوا مساكين، امتثاليين خاضعين، يصومون ويصلون ويؤدون الشعائر بخضوع وذل منقطع النظير.
أليست هذه المفاهيم مدمرة للإنسان المؤمن؟
العالم الإسلامي عالم عاطفي، غائب عن الوعي السياسي، أنه يقيس الصراع على المستوى العربي والأقليمي والعالمي وفق موازين مقلوبة، بمعنى يعطي ثقته لهذه الدولة أو تلك وفق الجعجعة الإعلامية الكاذبة.
ولنتذكر أن اسوأ الأدوار القذرة قام فيها الحكام المسلمين، كالأمارات وتركيا وإيران والسعودية وقطر وغيرهم.
الحمار مرة واحدة يقع في الحفرة، وعليكم أن لا تثقوا بالحكام المسلمين، ولا باتباعهم الصغار.
أردوغان هو من أدخل داعش إلى سوريا منذ بداية االثورة السورية، عمليًا أنه بياع القطع البايرة في سوق الجمعة، دلال رخيص، ودمر سوريا، وبالتعاون مع النظام، وبإشرافه تم تجميع السنة السوريين في حيز ضيق جدا من سوريا، وهي محافظ أدلب.
هو الذي ساهم بتخريب الثورة، ونشر الفساد وجلب المنظمات الإرهابية إلى سوريا وليبيا وأذربيجان.
معقول إن الكثير من المؤمنين يعتقدون أنهم جاؤوا إلى هذه الدنيا، كضيوف؟
أليست هذه المفاهيم مدمرة لهم؟
الرحمة عليك يا ديكارت وفوكو وفولتير ومونتسينكيو وألبير كامو وسارتر ولافازيه، وسبينوزا.
أيتها العقول النيرة، تعالوا وشوفوا ماذا حدث لعالمنا المعاصر.
لقد تحول علمكم إلى سلاح فتاك وتكنولوجيا مدمرة، ومال قاتل، وبنوك يحكمها المجانين، والذهانين.
عالمنا كله أصبح عصفورية
عالمنا يحتاج إلى عود ثقاب ليحترق بمن فيه وعليه، ونحن البشر مأسورين، سجناء عند أصحاب السلطة والمال والمافيا التي تسمى الدولة.
جاء خضوع البشر بعد سلسلة طويلة من التسيس والترويض، بعد أن روضته الدولة عبر أزمان مغرقة في القدم.
ازاحت عنه أشجار الحرية الخضراء، والسعادة الحقيقية عن عقله وضميره وروحه النقية.
بهذا الخضوع دمرت جمال تكوينه النفسي والعقلي الحر، بل حولته إلى عبد تافه لا قيمة له، معنوية أو مادية.
اليوم، أصبح خاضعًا ذاتيًا، جاهزا وممتثلا دون رفض أو تذمر.
كيف يمكننا أن نبي إنسانا ناضجًا عقلانيًا في ظل الخضوع والامتثال، ونبذ الحرية أو رفضها ذاتيًا؟
الدولة والمجتمع متفارقان في العمق والسطح، متباعدان، الفرد في هذا المجتمع ينتظر أوامر سيده، الدولة، لينفذ لها ما يطلب منه بكل تفان ورقة وحب، كأنه ذاهب إلى فراش العلاقة الحميمية.
يتم تجهيز الفرد للخضوع منذ لحظة ولادته ليتحول إلى عبد مدجن، رافض للتغيير، مستمتع بما هو عليه من مناصب ومكانة رفيعة، يتفاخر بنفسه وربطة عنقه الملونة وعطره الجديد من أفخر الماركات.
لم نأت بجديد، حياتنا الحالية تتناسل حياتنا القديمة، وستبقى، ما دام هناك مشجب يعلق الأعناق عليه.
سيتجاوز الإنسان عبوديته عندما تتساوى الدولة والمجتمع موضوعيًا، يصبحان على قدم المساواة، لا فضل لأحدهما على الأخر، يتناغمان، أو يندغمان في بعضهما، كبديل عن الدولة الأوامرية سواء الاستبدادية أو الديمقراطية، كلاهما سواء في سواء، سواء في الممارسة الفعلية أو الشكلية.
في الحرب الباردة، وفي الحرب على الإرهاب، كان ثقل الصراع العالمي في الشرق الاوسط، وقال البريطانيون سابقًا:
ـ من يسيطر على الشرق الأوسط، يسيطر على العالم.
اليوم، أرى أن ثقل الصراع بدأ يتجه نحو الشرق، الصين الهند فيتنام باكستان روسيا استراليا، الولايات المتحدة وأوروبا.
ربما ستطلب الشركات الفوق وطنية، الشركات العابرة للقارات، من بلدانهم على توحيد بلداننا الصغيرة المفككة، لبنان سوريا العراق الاردن، مصر، ليبيا والسودان، تونس الجزائر والمغرب، الخليج، من أجل التوسع والتحول إلى سوق واسعة، ليصبحوا مكانًا لوحداتهم الإنتاجية.
إذا جاءت هذه الشركات، واستثمرت في منطقتنا، لربما يسود السلام في منطقتنا والاستقرار.
المعضلة هي إسرائيل، ما هو دورها في القادم من الأيام، هل ستقبل؟
ربما ستصبح المحرك، الدينمو لإدارة اقتصادات المنطقة بالتعاون مع الشركات الاحتكارية العالمية، وربما سينتفي وجودها، هذا مرهون بالزمن وتوازن القوى على الصعيد العالمي والمحلي والإقليمي.
خضوع الإنسان، سبق خضوعه الأن، تم ترويضه منذ زمن بعيد، أنه مروض، روضته الدولة عبر أزمان مغرقة في القدم والمال.
أصبح خاضعًا ذاتيًا، جاهزا او ممتثلا لهما دون رفض أو تذمر.
كيف يمكننا أن نبي إنسانا ناضجًا عقلانيًا في ظل الخضوع والامتثال، ونبذ الحرية أو رفضها ذاتيًا؟
الدولة والمجتمع متفارقان في العمق والسطح، متباعدان، الفرد في هذا المجتمع ينتظر سيده، الدولة، لينفذ ما يطلب منه بكل تفان ورقة وحب، كأنه ذاهب إلى سرير العلاقة الحميمية.
يتم تجهيز الفرد للخضوع منذ لحظة ولادته ليتحول إلى عبد مدجن، رافض للتغيير، مستمتع بما هو عليه من مناصب ومكانة رفيعة، يتفاخر بنفسه وربطة عنقه الملونة.
لم نأت بجديد، حياتنا الحالية تتناسل حياتنا القديمة، وستبقى، ما دام هناك علاقات عملاقة تعلق كل إنسان فيه من عنقه.
سيتجاوز الإنسان عبوديته عندما يتساوى المجتمع والدولة موضوعيًا، يصبحان على قدم المساواة، لا فضل لأحدهما على الأخر، يتناغمان في بعضهما، كبديل عن الأنظمة الأوامرية التي تأتي من فوق.
نقول وسنقول، أن النص الديني كان ابن زمانه وما يزال، خدم زمانه ومكانه، أدى غرضه التاريخي وأنتهى.
لا تحيوا العظام وهي رميم، هذا محال.
إن إحياء النص الميت سيجعلنا موتى، حطام، أنت ابن النص ،والنص القديم الميت لن يتعرف عليك مهما حاولت.
والنفخ في الميت لن يتنج الجمال والفرح والعدالة والحرية والحب.
أنا أعلم أن الحداثة لها جوانب متوحشة، بيد أن فيها جوانب رائعة، أنها ابنة عصرنا الثقيل.
علينا أن نعمل ونفكر في التغيير من داخل الحداثة وليس من خارجها.
إن العمل من خارجها مدمر وقاتل لنا ولمستقبلنا، ولن نصعد نحو الأرقى والأفضل، وسندفع الفاتورة وراء أختها دون نتائج تذكر
علينا بالعمل من داخل الحداثة ليس انتقامًا وأنما بالعمل الخلاق.
إن نبي فكرًا من أجل المستقبل، من أجل أولادنا، ومن أجل الطبيعة.
أليس الجيش والتكنولوجيا في عصرنا، هما خارج، ولم يعد يمثلان أي شيء بعد أن فقد الوطن مفهومه وانتماءه لنفسه.
اليوم يتداخل العالم السياسي في بعضه، ولم يعد هناك شعب أصيل، أو دولة أصيلة، فالولايات المتحدة اليوم مقدمة على صراع بنيوي عميق وكارثي، وربما يطيح بها ويدمرها، وهذا السلاح الهائل الذي تملكه لن تستطع استخدمه في حربها على نفسها.
وأوروبا تستعد لموجة سياسية عدوانية قادمة من أطراف النظام، وتهدد مراكزه بعد أن اخترق هذا الطرف الأخير جدرانها المفتوحة.
إنه صراع بين البداوة والحداثة، بين الأكثرية والأقلية، بين الموتى والموتى، الموتى في القبور والموتى فوق الأرض.
إن الأبتذال في السياسة هو أبتذال في الأخلاق، ونحن اليوم على مفترق طرق.
يبدو سنمزق بعضنا البعض بالسلاح الأبيض، لأن الهمج لن يخسروا أي شيء، ولم يتعلم البعض من سقوط روما أي شيء، وستعود دائرة التاريخ إلى نقطة الصفر لتعيد إنتاج نفسها بنفسها مرة بعد أخرى وفق قانون نفي النفي الهيجلي.
قانون نفي النفي، يعني العودة الدورية إلى نقطة الصفر، ولكن في العودة الثانية سيحمل في داخله زوادة جديدة من القيم والأفكار والمبادئ لترسخ قيمًا جديدة أكثر جذرية، وحامية لحركة التاريخ وتطوره.
مضى على سقوط روما ألف وخمسامئة سنة، يا هل ترى متى سنعود إلى نقطة الصفر مرة ثانية، ونرتقي إلى الأعلى ونصل إلى الرقي.
الكثير من الناس في عالمنا المعاصر يتعاملون مع المعطى التاريخي، الدين أو القومية أو أي فكر يؤمنون به بقدسية ومثالية نادرة منفصلة عن حركة التاريخ.
وكأن هذا المعطى كيان مستقل عن الحياة ومنفصل عن حركتها وصراعاتها، قائم بذاته ولذاته، في عزله عن شرط إنتاجه، والواقع المنتج له.
بهذه الحالة، يتحول هذا المعطى لديهم إلى قضية حياة أو موت.
عمليًا، أنهم كائنات مروضة منذ الطفولة الأولى، بناءهم النفسي مرتبط بهذا الكيان، ملتصق بهم، يمس كل ذرة من ذرات وجودهم وحياتهم ودون ذلك يعني الموت الأكيد.
لقد تم تسخير هذا النوع من البشر ليتحولوا إلى أداة خادمة وخاضعة، وعقل منفصل عن صاحبه يعمل لرعاية وحماية هذا الكيان.
ينفصل الإنسان من هذا النوع عن عالمه المعاصر بكل تناقضاته وتوحشه وقذاراته، يترك كل شيء خلفه، ويذهب إلى حبسه أو سجنه أو قوقعته ويلتصق فيها تاركًا الحياة تتجول حوله وراءه وامامه، بينما هو جالس في بعده عن ما يدور حوله في هذا العالم، وكأنه يقيم في زمن أخر ومكان أخر.
لقد تم ترويض بناءه ليتحول إلى لعبة خاصة، كألعاب الأطفال أو فرجة لتزجية الوقت أو تسلية يلعب بها من لم ليس لديه لعب أو لإملاء الفراغ الروحي الكامن في النفس من فترة الطفولة.
هؤلاء البسطاء، الجهلاء يجعلوني أشعر بالشفقة عليهم، وحقيقة يحتاجون إلى الشفقة
المشكلة عندما يخرجون من سجنهم أو قوقعتهم يضرون أنفسهم قبل غيرهم.
الثورة في أي دولة من هذا العالم لا تقاوم نظامًا سياسيًا محليًا فحسب، أنما تقاوم منظومة عالمية معقدة مترابطة البنيان والمصالح، ومتشابكة العلاقات.
المشوار طويل والصراع مستمر وسيكون على أشده.
تحت الجبة أو العمامة تقبع الفاشية.
نصر الله الفاشي ليس لديه ما يقدمه للبنانيين سوى السيف، بعد أن توقف تسويقه لنفسه.
مهما طال الزمن سيذوب الثلج ويبان المراج، والمخادع لن يفوز في التغطية على كذبه ونفاقه.
كنّا نقول أن الطائفي ليس له إنتماء وطني أو إنساني.
إنه وحش مغلف بجبة أو عمامة.
اليوم تبرز الحقائق جلية في العراق وإيران وسوريا والسعودية ولبنان وفي اكثر من مكان من العالم.
لبنان في خطر
كل الطوائف السياسية فاشية سواء أردنا أم لم نرد.
اعتبر قرار الرئيس التونسي قيس سعيد إحالة زوجته القاضية إشراف شبيل على إجازة بدون راتب لمدة خمس سنوات وصايا ذكورية على المرأة لحماية نفسه قبل غيره.
إن هذا البادرة سيئة ولا تبشر بالخير، وتدل على فوقية وسلوك رجولي سخيف.
ويدل تصرفه على إنه رجل شرقي مغرق في تخلفه وجهله.
ليس من حق أي إنسان مهما علا منصبه أن يعفي موظفًا حكوميًا من منصبه تحت أي إدعاء سوى لإبرز نفسه وذاته المريضة القلقة، وفوقيته على حساب شريكه.
في الخامسة من العمر بدأت ذاكرتي الثانية تنبت وتشتعل، تفتحت على العالم الخارجي عندما رحلنا إلى ناحية المناجير في العام 1963، إلى المكان الذي يعمل فيه والدي.
المكان، كراج للسيارات مأمم للدولة، فيه عدد كبير جدًا من الحرفيين.
الكراج كان عالمي الخارجي الأول.
لم يكن هناك رجل واحد أو امرأة يعرف القراءة والكتابة، كلهم بلا استثناء كانوا أميون، باستثناء مدير المزرعة الأستاذ فايز.
في هذه السنة أو التي بعدها جاء إلى هذا المكان عبد الكريم الجندي وزير الزراعة. في اليوم الثاني طلبوا من والدي أن يذهب للبحث عن الوزير الذي ضاع أثره.
مضى في البحث عنه إلى أن وجده نائمًا في ساقية جافة من أجل الرطوبة، قال لوالدي:
ـ ماذا تريد؟
ـ إنهم يبحثون عنك.
ـ أذهب من هون، دعني أنام.
فتحت عيني وعقلي على هذا العالم الصغير والمحدود، عالم الصناعة، السيارات بأنواعها، الجرارات، الحصادات، تصليح المحركات وتصليح كهرباء السيارات، لحام أوكسيجين ولحام عادي، تصويج سيارات، تصليح دواليب، المراش والدينمو، الشتائم بين الرجال بالجملة والمفرق، الصراخ بسبب ودونه، اللعب بمؤخرة بعضهم مع الضحك الرخيص.
جو غني بالمفارقات الغريبة والمختلفة، والجميع سعداء ويضحكون ويتغامزون ويطلقون النكات المشبعة بالرموز الجنسية، مع غمز رخيص أن هناك طفل صغير بيننا يسمعنا.
عشت في محيط كبير لا قراءة فيه ولا كتابة. عالم فيه حياة غنية جدًا بكل شيء، ولكن دون ثقافة أو علم أو أي اهتمام بالثقافة أو العلم.
وهنا تعلمت كرة القدم لوحدي لأن اهتمامات الأطفال في مثل عمري كان بعيدًا عن اهتماماتي.
ودرست الصف الأول في هذا المكان الفقير والبائس.
إن حراس المقدس والمدافعون عنه، يتعاملون معه كأنه ملكية خاصة لا يجوز الاقتراب منه.
يخافون عليه، كخوفهم على طفل صغير لا يقوى على حماية نفسه والدفاع عنها. يخافون أن يخدش أو يمس بسوء.
يريدونه متعاليًا، كتلة صماء، طاقة معطاءة لا تجف ولا تنضب، معزول عن شرطه ووجوده، ولهذا يرفعونه إلى مكان متواري لا يلمس ولا يشم ولا ينقد.
هذا المقدس، الصنم يلغي الإنسان وكينونته ويحوله إلى مجرد كائن مستلب لا حول له ولا قوة.
إن فضاءات النقد مطلوبًا، يعري المتواري والمخبأ، الملتبس والمتقوقع في خموده. ويفتح الباب واسعاً على مجالات كثيرة لدخول الحياة والحرية.
كل النصوص التي تفكك قابلة للحياة وما عداه موت سريري طويل الأجل.
نصوصكم الجميلة من الخارج لن يكتب لها الحياة إن لم تدخلوا في جوفها وتعروها وتعرفوا إلى أين يؤدي طريق ممراتها.
لا يغوينك لغتها أو جمالياتها فليس كل جميل يمكنه أن يسمو ويرتقي إلى العلا.
ستبقى الدولة العلمانية خادمة للنخبة المالية والنفوذ والسلطة وقاصرة وضيقة وعرجاء طالما كانت حكراً على دول محددة ومجتمعات محددة.
عندما تعم الدولة العلمانية وتصبح جزء من برنامج دولي وتتحول العلاقة بين المجتمع والدولة إلى علاقة تمثيلية وقتها سيتم الانتقال النوعي في مسيرة البشرية.
ما زالت الديمقراطية مأزومة لأنها مقتصرة على النخبة الضيقة المتحكمة في القرار الداخلي والخارجي للدول.
كل النصوص التي تفكك قابلة للحياة وما عداه موت سريري طويل الأجل.
نصوصكم الجميلة من الخارج لن يكتب لها الحياة إن لم تدخل في جوفها وتعريها وتعرف إلى أين يؤدي طريق ممراتها.
لا يغوينك لغتها أو جمالياتها فليس كل جميل يمكنه أن يسمو ويرتقي إلى العلا.
النص المقدس واقع موضوعي, لا يمكن القفز عليه أو تجاوزه أو اهماله. إنه كائن حي يعيش بيننا. ومن الخطأ تركه بيد الجهلة يشكلوه على مقاسهم. ففي تحنيط النص, موات, مأساة, تحنيط المجتمع, بناءه الثقافي. وإن إعادة بناء النص معرفيًا, تأويله وفق العصر, في بلداننا, يجب أن يقع على عاتق الجميع, مؤمنين وغير مؤمنين. ففي احيائه, تأويله بما يتوافق مع الحداثة, احياء للمجتمع, وتطويره.
اليسار العالمي خرج من رحم اللينينية, من القبضة الحديدية للتنظيم الذي أسسه لينين في العام 1903, على أثر انقسام حزب العمال الديمقراطي الروسي إلى مناشفة وبلاشفة, وكرس من خلال هذا التنظيم الحديدي, عبادة الفرد, وخضوع القاعدة للقيادة بشكل دوغما وتلقائية.
إن هذا الشكل من التنظيم, يتناغم مع العقل الشرقي, مع ثقافة الشرق, بيد أن ما يحير, أن اليسار العالمي سار هو الأخر بشكل دوغما وراءه دون فهم عميق لإسس هذا الفكر وحديدية ومرامي هذا التنظيم المسلح بالخضوع, لهذه الأزمة العميقة.
طرح مارتوف, التنظيم الفضفاض, كان الأجدى لأوروبا والعالم المتمدن.
ودافع عن هذا الطرح, أي عن تنظيم مارتوف, المفكر الماركسي الروسي الفذ جورجي بليخانوف, باستماتة, أي عن الثورة الوطنية الديمقراطية. وكان لو قدر له النجاح, أي بقاء المناشفة في السلطة, أن يتغير مجرى التاريخ كله, ولانتقلت روسيا إلى عصر الرأسمالية, دون إجهاد أو لوي عنق التاريخ.
الاصنام ليست في الحجارة الصماء, إنما في العقول المتحجرة, الفارغة.
المال صنم, والخضوع للنص المقدس دون فهمه وتفكيكه هو صنم. وعدم قراءة النص الديني قراءة تاريخية هو نص صنم على مقاس التماثيل التي تدعون أنكم تكرهونها.
أي إيمان في فكر أو عقيدة أو قضية دون اطلاع أو قراءة متأنية وعميقة هو صنم.
من السهل تحطيم المجسم الواضح, بيد أن تحطيم المضمر والمبطن يحتاج إلى شغل كثير كثير, يبدأ من التفكير الحر والنقدي لكل ظاهرة من ظواهر الحياة, والشك والبحث عن الحقيقة وراء كل مخفي ومستور.
المؤسسة, تجريد عالي, تجرد الإنسان من نفسه, تفصله عن ذاته, وتحوله إلى مجرد تابع. ودون شعور منه ينفصل الإنسان بالكامل عن ذاته, ويتماهى مع هذه الآلة الهاضمة لحيوات البشر. ينفذ طلباتها دون أن يمسها, يعمل بحيادية مطلقة, بيد خائفة, مهزومة.
يقدم الإنسان خدماته لها, ثم ينفصل عنها, بيد أنه لا يعود إلى ذاته, يتحول إلى شيء, جماد, آلة, خالي من العواطف, المشاعر, الذات الفاعلة, لينغمس دون شعور منه في اللاشيء.
هذا الاستلاب, الاغتراب, لا يمكن أن ترممه الحياة المعاصرة. ولا يوجد في الأفق, بديلا عن المؤسسة التي تبتلع الجميع, دون أن تترك له أي أثر جميل أو ايجابي.
يوجد ناس سقطوا من أول كف. ويوجد ناس بعد كفين. وناس سقطوا بعد سنة من الاعتقال. وناس بعد خمسة اعوام. وناس بعد عشرة اعوام. وناس بعد عشرين عاما. الإنسان ليس واحدا في كل مراحل العمر. كل يوم أو شهر يطرأ عليه تغيرات كثيرة. كل إنسان معلق من كرعوبه. أنا شخصيا, كنت ضعيفا في أول الاعتقال, لكني اكتسبت القوة مع الزمن. يوجد ناس وقعوا على بياض من أجل الخروج. ويوجد ناس ذهبوا الى سجن تدمر لانهم رفضوا. وناس كملوا المشوار إلى الأن. الرجاء عدم شمول الجميع. التعميم خطأ. يجب ان يدان كل انسان لسلوكه. الاعتقال السياسي, تاريخ البلد, والسقوط هو شيء فردي.
عشرات المرات, أخذونا إلى محكمة أمن الدولة, مكبلين, من وإلى السجن. لم نر ابن امرأة شريفة أو عاهرة, في الشارع كله, ينظر إلينا أو يتعاطف معنا. الجميع كانوا في جحورهم, يموتون رعبا.
كانوا خائفين, لهذا, لم يبعثوا لنا سلاما أو تضامنا أو زوج جوارب.
اليوم, الجميع أصبحوا شجعانا, وعم يبيضوا علينا شرق وغرب. وعم يتهموا السجناء السياسيين السابقين بالفاظ كريهة.
الخرية على المرتكي سهلة
البعض لديه عقدة اضطهاد من السجين السياسي السابق, ويحاول أن ينال منه. اقرأ مرات كثيرة, وبكلمات مبتذلة, أن السجن السابق كان سياحة بالمقارنة بما يحدث. أو لا تحاولوا ان تبتزونا بسجنكم.
يا ابن الحرام, جرب السجن, ثم تعال وبيض علينا. ولم يطلب منك أي سجين سابق اعترافا منك بسجنه. ثم, من أنت حتى تتكلم عنه بهذا الابتذال المقرف. حقيقة, كل يوم نسمع قرف فوق القرف الذي نعيشه.
بالعموم, الإنسان لا يتعمق في معرفة الحدود والمفاهيم. يحتاج هذا الأمر, أن يقف المرء بعيدا عن نفسه, يتأمل, ويرى ويفكر. نحن لا نفكر, الغريزة تقودنا. نحب التكرار على الابداع. نحب التكرار على معرفة انفسنا والمفاهيم والكلمات والحدود التي نتداولها.
اعتقد, عندما نفكر بعمق في المفاهيم المتداولة. وإلى أين تقودنا. سنخرج من هذه الحضارة الاستبدادية. ربما إلى عالم أرحب.
لا يوجد لدينا من لديه اذن ليسمع, هناك انفعال من الكثيرين, تصيد البعض للبعض الأخر من أجل رجمه. هناك قلة أدب وأخلاق من كثيرين أثناء تحليلهم لمواقف البعض. على الأقل لا يوجد من ينطلق من موقع وطني وحرص وانما من حقد وكره ونذالة. والجميع يتحجج أنه يدافع عن الثورة.
عدا عن لغة التخوين
الدفاع عن الثورة يتم بالحوار الهادئ, الرصين للوصول إلى نتيجة وليس بالزعيق والضجيج والشتائم.
في السويد, عندما يريدون شق طريق, يجلسون, المعارضة او في السلطة ويتحاورون للوصول إلى صيغة مضبوطة النتائج.
في بلدنا كارثة وطنية بامتياز, مع هذا رماه الكثير خلف ظهره ومضى يشتم ويلعن صديق قديم أو رفيق درب قديم أو كاتب ما, وكأنه الحق كله, لا يأتيه البطلان أو الخطأ والأخر شيطان رجيم يجب رجمه.
معليش, كل واحد يطلع الوسخ القابع في داخله. جاء الوقت للتفريغ.
الكثير يتعامل مع الدين كأنه كيان مستقل عن الحياة, قائم بذاته, ولذاته, في عزله عن شروط الواقع الذي انتجه.
بهذه الحالة, يتحول الدين, لديهم, إلى لعبة, فرجة, تزجية للوقت, تسلية يلعب بها من ليس لديه لعب أو لإملاء الفراغ الروحي الكامن في النفس من فترة الطفولة.
مرات كثيرة يجعلوني أشعر أنهم أطفال صغار بحاجة إلى الشفقة
الكثير يريد أن يعبر عن حبه لله والدين الإسلامي بكسر أو تحطيم تماثيل المسيح أو العذراء في عملية استعراضية مفتعلة. قلت سابقًا:
الاصنام ليست في الحجارة الصماء, إنما في العقول المتحجرة, الفارغة.
المال صنم, والخضوع للنص المقدس دون فهمه وتفكيكه هو صنم. وعدم قراءة النص الديني قراءة تاريخية هو نص صنم على مقاس التماثيل التي تدعون أنكم تكرهونها.
من السهل تحطيم المجسم الواضح, بيد أن تحطيم المضمر والمبطن يحتاج إلى شغل كثير كثير, يبدأ من التفكير الحر والنقدي لكل ظاهرة من ظواهر الحياة, والشك والبحث عن الحقيقة وراء كل مخفي ومستور.
لماذا لم تستطع الثورة السورية أن تفرز قوى سياسية يكون نتاجًا لمخاضها وحملها الحقيقي؟
كل مولود لا يعبر عن روح وعقل الثورة سيكون هجينًا, شاذًا وغير
قادر على مواصلة الحياة في بلادنا.
أول شرط للديمقراطية, الاعتدال, أن لا تحس أنك كبير, عظيم. عليك أن تحس أنك إنسان عادي, لا كبير ولا صغير.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟