جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية
(Jadou Jibril)
الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 07:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تأريخ القرآن و"مدارسه الاسلامولوجية"
نظرًا لعدم وجود مخطوطة تحمل توقيع محمد، ولا قرآنًا كاملاً قبل القرن التاسع، كان على الباحثين دراسة القرآن باستخدام أساليب النقد التاريخي، وفقه اللغة، وانتقاد المصادر الإسلامية، وما إلى ذلك. ولم تعد العديد من المدارس تتميز بالمناهج ولكن تشابه الفكر موجود في الإسلام. اتخذ على المؤلفون، أسماء أو أشكالًا مختلفة. وهكذا يقسم أمير معزي البحث إلى ثلاث مجموعات، تلك التي تدافع عن تاريخ مبكرللاسلام (نولديكه- Nöldeke -، شوالي- Friedrich Schwally-،... تتوافق مع المدرسة الألمانية)، وتلك التي تدافع عن تاريخ متأخر (وانسبرو- Wansbrough-... تتوافق مع المدرسة النقدية المفرطة). ). بالنسبة له، “بين هذين التيارين المتطرفين يقف أصحاب الطرح الوسطي، وهو النهج النقدي المحايد. »1 ومع ذلك فإن مصطلحي «النقد» و«المفرط في النقد» يطرحان صعوبات، ويحملان دلالات. قد يكون من الأفضل استخدام المصطلحين "الحد الأقصى" و"الحد الأدنى".
---------------
1 - كلود جيليو، "أصول النص القرآني وتثبيته"، مجلة الدراسات، المجلد الأول. 409، - 2008
Claude Gilliot, « Origines et fixation du texte coranique », Études, vol. 409, no 12, 2008, p. 643–652
--------------------------
"المدرسة النقدية" أو "المدرسة الألمانية" -
وتؤيد هذه المدرسة، التي تستخدم موقفا نقديا.
يستشهد جيليوت – Gilliot- على وجه الخصوص بـ أ. نيوورث- A. Neuwirth وأبحاثه حول التركيبة ما قبل التنقيح للقرآن. لقد تعرض اعتماد هذه المدرسة المفرط على مصادر السردية الإسلامية التقليدية دون تمحيص سابق لانتقادات شديدة، خاصة فيما يتعلق بمسائل التسلسل الزمني2.
-----------------
2 - Reynolds G. S., "Le problème de la chronologie du Coran" Arabica 58, 2011, p. 477-502.
--------------------------
إن "النموذج النيولديكي"- نسبة لــ Nöldeke - الذي تقوم عليه هذه المدرسة هو "علمنة" بسيطة للقصص الإسلامية. "لقد تم إخلاء ما هو خارق للطبيعة، أما بالنسبة للباقي، تم نسخ فقط "السردية الكبرى" للتقليد الإسلامي السني، لأن المصادر الشيعية ظلت شبه مهمشة) وهذا جزء من الرؤية القديمة للدراسات التاريخية-النقديه التي تم تطبيقها على أسفار موسى الخمسة ولكن ليس على الكتب النبوية الكتابية. وقد تطور هذا النهج في مجال الدراسات الكتابية وهذا تم استيراده إلى الاسلامولوجيا بواسطة نولديكه3.
----------------------------------
-3 G. Dye- Coran des historiens, « Le corpus coranique
---------------------------------------
يطلق غيوم داي - Dye - على هذه المدرسة "المحافظة" اسم "المدرسة الألمانية" وتتكون من باحثين مثل نولديكه وسبيتالر- Spitaler وباريت - Paret ونويورث- Neuwirth. ويشير المؤلف إلى أن منهجها في الدراسات الكتابية هامشي ولكنه ظل "معتدلاً" في الدراسات القرآنية. وغابت هذه المدرسة عن بعض المراجع العالمية مثل الكتاب الجماعي "قرآن المؤرخين".
إن نموذج نولديكه الذي كان مهيمنًا في مجال الدراسات الإسلامية لفترة، أصبح "حاضرًا جزئيًا" فقط. وتعتبر أسسه اليوم ضعيفة بالنسبة للكثيرين. ومع ذلك، لم تعد أنجليكا نيوفيرت- Angelika Neuwirth منغلقة بخصوص التعديلات عند الاقرار بالصيغة النهائية للمصحف المعتمد القرآن الذي في حوزتنا حاليا-، وعلى الرغم من وفائها بالموقف التقليدي للجمع العثمان، يبدو أنها "اعترفت بشكل أو بآخر بإمكانية أن نص القرآن ظل في حالة تغير مستمر وكان موجودًا". ولم يتم اعتماد صيغة موحدة رسمية إلا في عهد عبد الملك”.
"مدرسة النقد المفرط"
هذا التيار الفكري، التف حول عمل وانسبرو- Wansbrough ،الذي انتقد بشدة روايات السردية الاسلامية التقليدية. بالنسبة له، يعود تاريخ القرآن إلى نهاية القرن الثامن أو بداية القرن التاسع.
في القرن التاسع عشر، اقترح ألويس سبرينغر- Alois Sprenger- تأريخًا متأخرًا (القرن الثامن إلى القرن التاسع) للنص القرآني، المكون من نصوص صغيرة وأقدم. هذه الأطروحة تناولها جولدتسيهر- Ignaz Goldziher. وكانت هذه الأطروحة تشكل الأغلبية في عالم البحث حتى منتصف القرن العشرين. بينما كانت الدراسات القرآنية متوقفة منذ الثلاثينيات، وكان ج. وانسبرو- Wansbrough ، في السبعينيات، أحد الباحثين الذين أعادوا إطلاق البحث في أصول القرآن.4
------------------
4 انظر
- Mehdi Azaiev et Sabrina Mervin, Le Coran. Nouvelles approches: Nouvelles approches, CNRS, 28 novembre 2013
---------------------
وهذا التوجه الذي اعتمد تاريخ نهاية القرن الثامن، أو حتى بداية القرن التاسع، يعتبر متأخرا جدا في نظر غالبية الباحثين، الذين أطلق بعضهم على هذا التوجه اسم التيار “التنقيحي”[5]. هذا التأريخ مرفوض اليوم من قبل كل من معارضي هذه الطريقة وخلفاء وانسبرو وكرون وكوك. بالنسبة لأمير معزي، "على الرغم من أن حجج وانسبرو غالبًا ما تكون مقنعة ونظرياته ذات صلة ومثيرة للذكريات، إلا أن تأريخه للنسخة النهائية من القرآن لم يعد قابلاً للاستمرار"، على وجه الخصوص، بسبب الاكتشافات الأثرية والمخطوطة الجديدة.
-----------------
[5] – انظر
Claude Gilliot, Origines et fixation du texte coranique
----------------
"مدرسة نقدية للغاية" - أصل قديم أعيد تفسيره في وقت متأخر
يمثل هذا التيار باحثان هما - لولينغ ولوكسنبرغ. بالنسبة لهما، فإن القرآن أقدم مما يتم طرحه عادة، حيث أن القرآن البدائي كان، جزئيًا على الأقل، وعبارة عن مجموعة من النصوص كانت موجودة قبل الإسلام، ومعظمها نصراني، والتي كانت قد خضعت لتعديلات لاحقة. "لقد تم تجاهل أطروحات لولينغ إلى حد كبير، خاصة في ألمانيا" 6. وعلى العكس من ذلك، فقد تم التعليق على أطروحة لوكسنبرغ على نطاق واسع، وانتُقدت جزئياً.
------------
6- Claude Gilliot, « Origines et fixation du texte coranique »
-------------------
“المدرسة المتشككة” – مدرسة المشككين-
ظهرت منذ نهاية القرن التاسع عشر وقد سلطت الضوء على الدور الأساسي للأمويين في الصياغة النهائية للقرآن ونقد مصادر السردية الاسلامية التقليدية[7].
--------------
[7] – المرجع السابق
---------------
وصاحب أبحاث أعضاء هذه المدرسة تدويل فرق البحث، مما أدى إلى بناء شبكات دولية ومتعددة التخصصات بغرض توحيد وتكامل مجهود الباحثين. وهكذا، اجتمع حول محمد علي أمير معزي، مدير الدراسات في المدرسة العملية للدراسات المتقدمة (EPHE)، المتخصص في المذهب الشيعي، فريق من الباحثين الذين ينتمون إلى مدارس وتخصصات مختلفة بغية توحيد الجهد البحثي وتوسيع مداه.
القراءة السريانية الآرامية للقرآن
يبدو أن نظرية الأصل اليهو –النصراني للقران قد تم تعزيزها من خلال عمل اللغويين المتخصصين لاسلامولوجيين واللاهوتيين الذين تلتقي استنتاجاتهم في هذا الاتجاه. وهذا هو حال كريستوف لوكسنبرغ، الذي نشر في عام 2000 تحت هذا الاسم المستعار أطروحته حول القراءة السريانية الآرامية لكتاب القرآن والتي لا تزال مرجعية في هذا المجال اليوم على الرغم من بعض الانتقادات.
فرضية Ur-Koran
Hypothèse du Ur-Koran
إنه نموذج تحليل يتم من خلاله إعادة صياغة مستند بدائي من مصادر مختلفة. ويحاول الباحث التعرف على طبقات الكتابة المختلفة وترتيب تعاقبها. لقد تم بالفعل استخدام هذا النموذج و انتقاده في سياق الأبحث العلمية للكتاب المقدس.. نحن نعرف بشكل رئيسي ممثلًا واحدًا، وهو ومن الذين اهتموا بهذا النهج التحليلي -غونتر لولينغ- Gunter Lüling ، وعالم الآثار الكتابي- فريديريك إمبرت -علما أن عمل الأخير دعم هذه الفرضية إلى حد ما.
في أحد أبحاثه سنة 1970 ركز - غونتر لولينغ- Gunter Lüling- أطروحته على تفسير بعض السور على أنها ترانيم مسيحية قديمة من أصل آريوسي. وفقًا للولينغ، كان محمد مسيحيًا وانفصل عن مجموعته عندما أصبحت النصرانية ثالوثية.8
-------------------------------
8 - نشأت "الأريوسية" فى القرن الرابع الميلادى، وعند ظهورها أثارت جدلا حادا فى الأوساط الكهنوتية المسيحية، وقد انتهى المجمع المسكونى الى إعتبارهرطقة عام 325 م . وتنسب الأريوسية الى "أريوس" أحد كهنة الإسكندرية و هو الذي بنى مبدأ التبعية الذى نادى به حول علاقة الابن يسوع بالاب حيث يقول : على الرغم من أن المسيح له وجود سابق إلا أن وجوده لم يكن أزلي. زتعتمد الأريوسية على المحافظة ضمن الاقانيم الثلاثة على أفضلية الأب فهو الوحيد الذى يكون غير مولود وغير متغير والأزلى والوحيد فى الكينونة، والوحيد الذى لا بنية له، وهو الإله الوحيد الحقيقى لأنه هو الكائن الوحيد الذى خلق كل الكائنات. كان آريوس يقول بأنّ الكلمة ليست بإله، بل بما أنه "مولود" من الله الآب فهو لا يُشاركه طبيعتهِ، بل تقوم بينهما علاقة "تبنّي"، فالكلمة إذاً ليست بأزلىة بل هي مجرد خليقة ثانويّة أو خاضعة.
أما عقيدة الثالوث في المسيحية ترى أن الله هو إله واحد لكن في ثلاثة أقانيم— الآب، الابن (يسوع) الروح القدس—أي أن «الله واحد في ثلاثة أقانيم إلهية». الأقانيم الثلاثة مستقلة ولكنها «واحدة في المادة، الجوهر والطبيعة». في هذا السياق فإن «الطبيعة» هي ما يكونه الشخص، في حين أن «الأقنوم» هو من يكونه الشخص. والعلاقة بين عناصر الثالوث متكاملة، فبينما أرسل الآب الابن إلى العالم، تم ذلك بواسطة الروح القدس، وبينما يعتبر الروح القدس أقنومًا خاصًا يطلق عليه في الوقت نفسه روح الآب وروح يسوع.
-------------------------------------
في فرضيته، درس - غونتر لولينغ- Gunter Lüling - إمكانية وجود ركيزة مكونة من ترانيم نصرانية تم جمعها وأعاد صياغتها. ويميز الباحث بين 4 طبقات متتالية من الكتابة:
أ) الطبقة الأولى: مقاطع تراتيل ذات محتوى باللغة السريانية، منتشرة تفي الأوساط المسيحية النصرانية- في مكة
ب) الطبقة الثانية: بعد الجمع تم تطويع ما جمع مع اللسان القرشي لأسباب ترجع إلى صوتيات هذا اللسان نطقا و أسلوبا
ج) الطبقة الثالثة: مقاطع مؤلفة مغترفة من التراث اليهودي و النصراني9
------------------------------------
9 - هناك أطروحة الباحث التونسي حسن بلكين في طور الاعداد للنشر ربما تنحى مثل هذا المنحى مفادها كان هناك ما أسماه الباحث - الكتاب النواة - ومنه انبسج المصحف الذي بين أيدنا اليوم وهو نقطة الانطلاق الاولى للقرآن- وربما هذا ما يشير إليه الاسلامولوجين حاليا بــ lectionnaire– - الاصلي .
وفي هذا الصدد يقول حسن بلكين :
الكتاب النواة هو مجموعة من النصوص منها ما هو مستورد من الشام و الرأي عنده أن قصة جمع القرآن كما هى اليوم مثبتة في السردية و الموروث الاسلاميين رواية مبتكرة و موضوعة كان الغرض منها التغطية على طبيعة النصوص التي أبادها عثمان إبان حصاره وقبل اغتياله. لا أثريذكر اليوم لــ -الكتاب النواة - الذي يسميه أيضا بـــ - القرآن الشمالي – وذلك لأنه هو نفسه الذي تحول إلى مصحف عثمان. ويرى حسن بلكين أن محمدا حاز بعض الصحف من المشناه وصحفا مسيحية عتيقة كتبت قبل الاسلام بالعربية الفصحى وكان أصحابه الاوائل على علم بالكتاب النواة ويشاركونه في قراءته – وظل هذا السر مكتوما بينهم وتخلصوا منه بعد أن أعدمه عثمان قبل حتفه مغتالا- وأن زيد بن ثابت هو من قام بترجمة صحف المشناه التي شكلت مادة لجل السور الطويلة في المصحف. فجل أصحاب محمد الأوائل كانوا على علم بحيازته لصحف لم يطلع عليها إلا أقرب المقربين له ومع فتنة الجمع العثماني للقران اتدلق هذا السر إلى سمع البعض وتمت محاصرة عثمان في منزله وطالبوا بإطهارها لهم لكن عثمان تمكن من إعدامها قبل الهجوم عليه والممحص للأحاديث المتعلقة بفتنة جمع القران و اغتيال عثمان قد يستشف أن هناك أمرا أريد التستر عليه. وحسب أطروحة بلكين لم يكثم محمد أمر تلك الصحف عن أصحابه الأولين وهناك رواية في مراجع السردية الاسلامية التي وصلتنا تقر قيام عثمان بإتلاف صحف بحوزته على وجه السرعة محاصروه على وشك النيل منه
ملاحظة: استنتج الباحث الاسلامولوجي – غيرد بوين- ما يصب في مجرى اطروحة الباحث التونسي بلكين إذ ذهب إلى القول إن القرآن مجرد كوكتيل أو كاشكول من النصوص سابقة للاسلام ولمحمد بمئات السنين و أيضا هذا ما دهب إلى قوله الاسلامولوجي – وانسبرو- من أن القران مركب من ألفاظ ونصوص تم جمعها من التلاوات التعبدية . وأيضا كما دهب إلى القول الاسلامولوجي – جاي سميت – كتابه – القران المنحول- والذي ورد فيه ما معناه أن القران يوشي باعتماده على مصادر مختلفة ومتباينة و متفرقة وما هو منحول من قصص وروايات شفهية كانت شائعة ومنتشرة في القرنين 6 و 7 جرى تطعيمها ،وقد يكون المنطلق القراءات الطقوسية الليتورجية النصرانية المنتشرة وقتئذ في المنطقة والمكتوبة أصلا بالسريانية قبل أن تتحول إلى العربية
----------------------------------------
وجدت هذه النظرية انتقادات كثيرة، ولا سيما من قبل أنطون سبيتالر - Anton SpitalerNote -الذي طعن في أعمال غونتر لولينغ.
إن دراساته المبنية على "الطبقات التحريرية" أصبحت محل نزاع متزايد في الأبحاث القرآنية لكن عادت للظهور بفضل أبحاث لاحقة
المدرسة اللغوية
جيرد روديجر بوين، مانفريد كروب
Gerd-Rüdiger Puin, Manfred Kropp
بفضل تحسين الدراسات والتأملات، طورت المدرسة اللغوية نظريات مختلفة مع باحثين مثل جيرد روديجر بوين- Gerd-Rüdiger Puin ، ومانفريد كروب- Manfred Kropp ، اللذين اهتما بالمصادر الكتابية للقرآن (العهد القديم والجديد).
وعلى وجه الخصوص، أضاف مانفريد كروب النبطية والآرامية والجيزية والكتابات العربية إلى مجال دراسته؛ وهذا قاده إلى استحضار إمكانية إدراج نصوص من الكتاب المقدس الإثيوبي في القرآن ، والاهتمام بفرضية وجود قرآن أولي كما توحي دراسة النقوش داخل قبة مسجد عمر35. وهو يفهم أن هذا النص، الذي يختلف عن النسخه العثمانية من حيث النقاط الدلالية والنحوية، يأتي من نص رسمي بما فيه الكفاية حتى يتم السماح بنقشه في القبة.
_____________ يتبع _______________
#جدو_جبريل (هاشتاغ)
Jadou_Jibril#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟