|
حركة التغيير الكردية، من القمة إلى القاع!
درباس إبراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 8143 - 2024 / 10 / 27 - 22:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة: في أواخر العام ٢٠٠٦ انشقَّ السياسي الراحل (نوشيروان مصطفى) مع مجموعة من رفاقه عن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بسبب الفساد و التخبطات والاستياء من الانقسامات الداخلية الكثيرة التي عصفت بالاتحاد الوطني على حد وصفهم. وبعد خروجه من حزب الاتحاد الوطني تفرغ مصطفى لإنشاء مؤسسة وشه (الكلمة) المعنية بالثقافة والإعلام، والتي أصدرت صحيفة أسبوعية باللغة الكردية، وأصبحت فيما بعد النواة الحقيقية للحركة. وفي بداية العام ٢٠٠٩ أعلن رسميا عن تأسيس حركة التغيير الكردية بغية المشاركة في الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان، والتي جرت في العام ذاته. وفي العام ٢٠١٠ أصبحت الحركة تنظيما سياسيا رسميا بعد أن منحها حكومة إقليم كردستان الإجازة الرسمية من قبل وزارة الداخلية.
الصعود إلى القمة:
كان نوشيروان مصطفى ورفاقه يحظون بشعبية كبيرة في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، لذلك عندما انشقوا عن الحزب سحبوا البساط من تحت حزب الاتحاد الوطني، الذي خسر الكثير من قواعده الشعبية في السليمانية لصالح حركة التغيير الفتية وقتذاك. ومن أجل ذلك حاول الرئيس العراقي الراحل مام جلال مرارا وتكرارا إقناعهم بالرجوع إلى خيمة الاتحاد لكن مساعيه باءت بالفشل.
لقد تبنت الحركة منذ نشأتها خطاب المعارضة، حيث رفعت شعار محاربة الفساد، والدعوة إلى توحيد قوات البيشمركة تحت راية إقليم كردستان، وسن دستور للإقليم، كما دعت إلى إصلاح النظام الانتخابي، واستقلال القضاء، والشفافية في إدارة موارد الإقليم، وتحسين الظروف الاقتصادية، من خلال خلق فرص العمل وتعزيز التنمية المستدامة، والاهتمام بالشباب، وحقوق المرأة. استقطب هذا الخطاب فئات كثيرة ومختلفة من الشعب الكردي الذي كان ممتعضا من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي ضربت الإقليم في ذلك الوقت. لذلك كانت الحركة تلجأ دائما إلى الشارع الذي كان يخرج بأعداد كبيرة للاعتراض على القرارات الحكومية التي لا تنسجم مع مبادئ الحركة.
إن الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان عام ٢٠٠٩ كانت الاختبار الأول والحقيقي لمعرفة حجم الشعبية التي تمتلكها الحركة في الإقليم. وقد نجحت في هذا الاختبار بامتياز بعد أن جاءت في المرتبة الثانية خلف القائمة الكردستانية التي كانت تضم حزبي (الاتحاد الوطني، و الديمقراطي)، حيث حصلت الحركة الجديدة على ٢٥ مقعدا في أول انتخابات تخوضها في الإقليم. إن هذه النتيجة كانت تعتبر مفاجأة كبرى، وشكلت صدمة لدى المراقبين للشأن السياسي الكردي، وعززت العلاقة القوية بين الحركة والشارع الكردي الذي بدأ يسير خلف الحركة بثقة عمياء. ثم نجحت في الحصول على ثمانية مقاعد من أصل ٣٢٥ مقعدا في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت عام ٢٠١٠. وانطلقت الحركة بسرعة الصاروخ نحو القمة في الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان عام ٢٠١٣، حيث تمكنت من حصد ٢٤ مقعدا، لتصبح الحركة في المركز الثاني بعد الحزب الديمقراطي وقبل حزب الاتحاد الوطني الذي خاض الانتخابات منفردا . علاوة على ذلك، استمرت الحركة بالصعود في الساحة السياسية العراقية، حيث حصدت ٩ مقاعد في الانتخابات البرلمانية العراقية عام ٢٠١٤. بلا شك أن حركة التغيير قد كسرت الرتابة السياسية في الإقليم، الذي كان يتكون من حزبين رئيسيين كبيرين هما (الاتحاد الوطني، والديمقراطي)، ومعارضة تقليدية ضعيفة متمثلة بالأحزاب الدينية، إضافة إلى أحزاب أخرى صغيرة وغير مؤثرة في المشهد السياسي الكردي. ببساطة شديدة، أصبحت الحركة رقما صعبا في الساحة السياسية الكردستانية والعراقية.
السقوط إلى القاع:
يقال إن المحافظة على القمة أصعب من الوصول إليها. وهذا القول ينطبق إلى حد بعيد على حركة التغيير. فنشوة الانتصارات والصعود إلى القمة لم تدم طويلا وسرعان ما سقطت الحركة نحو القاع بسرعة فائقة.
ولعل السبب الأول الذي أدى إلى هذا السقوط الحاد هو مشاركة الحركة في الكابينة الحكومية الثامنة لإقليم كردستان عام ٢٠١٤. إن تحويل حركة التغيير دورها من حركة معارضة إلى شريك في الحكم، كان له تداعيات كبيرة على شعبيتها ودورها السياسي في الإقليم. فالحركة كانت قد كسبت شعبيتها من خلال معارضتها الأحزاب الحاكمة داخل الإقليم، وبمجرد مشاركتها في الحكومة مع الأحزاب التي كانت تتهمها سابقا بالفساد، تخلت عن دورها الرقابي و المعارض الشرس للحكومة، وضربت مبادئ وشعارات الحركة عرض الحائط من أجل مكاسب السلطة المغرية. هذه الخطوة صدمت الشارع الكردي، الذي بدأ يشعر أن كل تلك الشعارات التي رفعت في السابق كانت في سبيل الوصول إلى السلطة، والحصول على الامتيازات فقط. من هنا بدأت شعبية الحركة بالتراجع تدريجيا، وتمت معاقبتها شعبيا في الانتخابات النيابية التالية سواء في الإقليم أو العراق، وانخفض عدد مقاعدها النيابية بشكل ملحوظ، وباتت رقما ضعيفا وغير مؤثر في المشهد السياسي داخل الإقليم وخارجه. وأدى هذا التراجع إلى استقالة عدد كبير من أعضاء الحركة.
أما السبب الثاني، فهو وفاة مؤسس الحركة (نوشيروان مصطفى). فبعد وفاته دبت الخلافات أو اشتدت حدتها داخل الحركة التي انقسمت إلى فئتين. فئة أبناء مؤسس الحركة نوشيروان مصطفى، وجلها من كبار السن، الذين فضلوا المشاركة في السلطة. وفئة الشباب المندفع الذي يريد التمسك بقوة بمبادئ الحركة والمعارضة. إن هذا الانقسام كان متوقعا نظرا لارتباط الحركة بشخصية نوشيروان مصطفى. فعندما يرتبط مصير حركة سياسية بشخص واحد، يصبح من الصعب الحفاظ على وحدة الصف بعد رحيله. إن الصراع الداخلي بين الفئتين، زاد من سوء نشاط وأداء الحركة على مختلف الأصعدة.
والسبب الثالث، هو صعود حركة الجيل الجديد بقيادة شاسوار عبد الواحد. حيث إن نسبة كبيرة من الجماهير التي كانت تدعم حركة التغيير في بادئ الأمر اتجهت لاحقا إلى حركة الجيل الجديد الصاعدة، والتي أخذت مكان حركة التغيير. واتضح ذلك جليا في الانتخابات النيابية لإقليم كردستان عام ٢٠٢٤، حيث حصد الجيل الجديد ١٥ مقعدا، فيما حصدت حركة التغيير مقعدا يتيما لا قيمة له. ولو قارنا هذه النتيجة مع نتيجة أول انتخابات خاضتها حركة التغيير، سنجد أنها فقدت ٢٤ مقعدا. وهذا مؤشر واضح على تراجع شعبيتها. ختاما نقول إن حركة التغيير الكردية قد دخلت اليوم غرفة الإنعاش، وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، وقد تفارق الحياة السياسية في أي لحظة.
#درباس_إبراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التعبير الصامت في الزمن الصاخب!
-
عندما يتحول المستشار العراقي إلى طبّال!
-
العلاقة بين السوداني والكردستاني!
-
الخلافات الكردية، والقلق الأمريكي!
-
السلطة العراقية الرابعة الفاسدة!
-
الصراع الكردي_الكردي على رئاسة الجمهورية!
-
الإعلام الكردي الحزبي ومعضلة المهاجرين!
-
الصدر والإطار التنسيقي وإيران !
-
هجرة شباب إقليم كردستان إلى أوروبا!
-
إقليم كردستان، أزمات كثيرة وحلول عقيمة!
-
حلبجة ما بين الفاجعة والإهمال!
-
جو بايدن والقضية الكردية!
-
الكاظمي في ١٠٠ يوم!
-
أرنب السباق، وأرانب الأحزاب !
-
الحرب العالمية الثالثة بين كورونا و البشرية !
-
د.برهم صالح، والمحور الإيراني في العراق!
-
جغرافية كردستان !
-
كردستان، بين نار أميركا وإيران!
-
إيران خسرت سليماني، لكن ماذا كسبت؟
-
السلطة العراقية الرابعة الفاسدة !
المزيد.....
-
بعد تحرره من السجون الإسرائيلية زكريا الزبيدي يوجه رسالة إلى
...
-
أحمد الشرع رئيساً انتقاليا لسوريا...ما التغييرات الجذرية الت
...
-
المغرب: أمواج عاتية تضرب السواحل الأطلسية وتتسبب في خسائر ما
...
-
الشرع يتعهد بتشكيل حكومة انتقالية شاملة تعبر عن تنوع سوريا
-
ترامب: الاتصالات مع قادة روسيا والصين تسير بشكل جيد
-
رئيس بنما: لن نتفاوض مع واشنطن حول ملكية القناة
-
ظاهرة طبيعية مريبة.. نهر يغلي في قلب الأمازون -يسلق ضحاياه أ
...
-
لافروف: الغرب لم يحترم أبدا مبدأ المساواة السيادية بين الدول
...
-
الشرع للسوريين: نصبت رئيسا بعد مشاورات قانونية مكثفة
-
مشاهد لاغتيال نائب قائد هيئة أركان -القسام- مروان عيسى
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|