|
أنصار الدولة الكهنوتية الاسلامية
خليل اندراوس
الحوار المتمدن-العدد: 1779 - 2006 / 12 / 29 - 12:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما يجري في العالم العربي، من ردة رجعية، سلفية، تنادي بإقامة دولة الشريعة، ودولة الدين، هو استمرار للمناخ القديم، المعادي للعقل، والحرية، والعلم، ومساواة المرأة وعلمنة الفكر، وتطوير المجتمع العربي باتجاه التقدم الحضاري الانساني العام.
عندما أشاهد بعض الهرطقات من بعض رجال الدين، الغيورين على العروبة والاسلام المهدد والمستهدف، أتذكر عصور محاكم التفتيش في القرون الوسطى التي أقامتها الكنيسة المسيحية الغربية ضد المستنيرين في الغرب.
هؤلاء الظلاميون الذين يريدون، بصكوك الحق الإلهي، وكأنهم ديانون على الأرض استرجاع محاكم التفتيش في مواجهة المثقف العربي المستنير، الداعي إلى ضرورة ترسيخ الدولة المدنية، وإزاحة مفهوم الدولة الدينية التي انقرضت عصورها البائدة.
لا شك بأن وضع المثقف والمستنير العربي محرج للغاية لأنه يوضع بين حجري الرحى، حجر السلطة السياسية للأنظمة العربية الفاسدة، غير المنطوي تحت لوائها، وحجر السلطة الدينية، التي أخذت في الفترة الأخيرة توسيع نشاطها وقوتها بين الجماهير الواسعة المظلومة والفقيرة والمهمشة إجتماعيا، والتي يرفض مفاهيمها المغلقة ثقافيا وحضاريا ، وعلميا وسياسيا وحتى أخلاقيا.
وصل التمادي عند البعض محليا، بالهجوم على المستنيرين العرب في عصر النهضة في القرن الماضي، أمثال قسطندي زريق، وميشيل عفلق وغيرهم من قياديي الحركة القومية العربية، والفكر العلماني العربي.
ولذلك دائما يجب أن نسأل لمصلحة من هذه المواقف، الظلامية، السلفية وغير الموضوعية من ناحية فكرية، لأنها ترفض لغة الحوار.
إنها حملة إنكار ورفض لحرية الحوار لحرية الثقافة وحرية الإبداع والتعبير وحرية الإنسان. ففي نهاية المطاف هذه المواقف تخدم أعداء الأمة العربية من الخليج إلى المحيط، وتكرس الغيبية، والجهل، والحقد، وتكرس خروج الشعوب العربية خارج الحضارة الإنسانية.
فهذه الأفكار معادية للحرية وكابحة لقوى التقدم والاستنارة.
في سنوات التسعين عندما نشرت رواية "وليمة لأعشاب البحر" صورها بعض الظلاميين على أنها مؤامرة صهيونية أمريكية، على الاسلام.
في تلك الفترة جرت أفدح هزيمة لسياسة العدوان الإسرائيلية عندما انسحبت من لبنان، وبدل انشغال الإعلام العربي بهذا الحدث الهام، إنشغلت الفضائيات والصحف الصفراء في العالم العربي بالتحريض على الكتاب والكاتب .
وهنا أتذكر أيضا ما جرى في الجامعة الأمريكية بالقاهرة لرواية محمد شكري "الخبز الحافي"، ولنتذكر اغتيال عشرات الفنانين والكتاب والمبدعين في الجزائر في تلك الفترة.
وفي الأردن قبل عدة سنوات جرت محاكمة الشاعر "موسى حوامدة" جنائيا بعد أن قرر" القاضي الشرعي أنه "مرتد" وكل هذا بسبب ديوانه "شجري أعلى" والذي طبع في بيروت، هاجمه الوعاظ في المساجد وهاجمه الخطباء بسبب قصيدة "يوسف". ولو ثبتت عليه تهمة "الإرتداد" كان سيتم تفريقه عن زوجته ومنعه من التصرف في أمواله ثم إستتابته، وإلا فمصيره القتل!!
وقد أثيرت قضية "حوامدة" في عمان في نفس توقيت الوليمة بالقاهرة. ولقد أعلن "حوامدة" أنه استلهم قصيدة يوسف التي أثارت الضجة من قصة يوسف كما رواها القرآن الكريم. وأن استلهامه هذا تعبير عن الرفض العربي لمحاولات الهيمنة الصهيونية على المنطقة. ولكن أحدا لم يلتفت إلى تلك التصريحات والإيضاحات، لأن الهدف بات واضحا وهو إدانة الشاعر وتخويف سائر الكتاب والمبدعين.
لا شك بأن ما يميز الخطاب الديني النصوصية عبر إهدار السياق، وأن الحقائق موجودة في كتب السلف الصالح، وما علينا إلا أن نفتش عليها لكي يصلح أمر الأمة في الحاضر، قياسا على صلاحها في الماضي، معتبرين الماضي الكمال الذي يجب أن نصبو إليه ونسعى إليه.
مع العلم، من خلال التجربة التاريخية، خلال مئات السنين عاشت الأمة العربية الكثير الكثير من الفشل، والتراجع، بسبب العودة السلفية، عبر إهدار التطورات الحاصلة في المجتمعات الأخرى، وعدم التفاعل مع التطور الثقافي والحضاري الإنساني العام.
يقول العلامة حسين الطباطباني في كتابه الشهير (الميزان في تفسير القرآن) ما يلي: "إن الحق حق أينما كان، وكيفما أصيب وعن أي محل أخذ، ولا يؤثر فيه، إيمان حامله أو كفره، ولا تقواه أو فسقه، والإعراض عن الحق بغضا لحامله، ليس إلا تعلقا بعصبية الجاهلية، التي ذمها الله سبحانه، وذم أهلها في كتابه العزيز وبلسان رسله عليهم السلام".
من هنا فالحقيقة لا تسكن في بطون الكتب الدينية، فهي حقيقة ولو من أي محل أخذت، ولا يؤثر فيها إيمان الحامل لها أو كفره، هذه الرؤية الحضارية للمعرفة الإنسانية هي التي أعطت المعنى لتاريخ الحضارة الإسلامية عندما سطعت شمس العرب والإسلام على العالم، المتمثل بالإنفتاح على كل الثقافات الإنسانية (يونانية أو فارسية أو هندية بل وحتى صينية). فالنبي محمد قال: أطلبوا العلم ولو في الصين.
لذلك إحداث نهضة حضارية عربية أو في العالم الإسلامي لا يمكن أن تتم من خلال إسلام سلفي، معياري ينطق بأقوال ومفاهيم سلفية، بل من خلال الإنفتاح على الثقافات العالمية، من خلال التسامح الذي ميّز الإسلام في فترات نهضته، وتحوله إلى مركز الحضارة الإنسانية في الشرق في بغداد وفي الغرب في الأندلس، ولحظة التدهور بدأت عندما رفضنا الإنفتاح العقلي والثقافي والحضاري ولفظنا ابن رشد في حين كانت أوروبا المتخلفة تستقبله بتعطش وإندفاع وعمق.
#خليل_اندراوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عملية السلام وبسيخوزا المجتمع الاسرائيلي
-
دور اليسار في مكافحة هيمنة رأس المال
-
البديل الإنساني الوحيد
-
ألصهيونية المسيحية - دين في خدمة العنصرية ورأسمال
-
ألثورة العلمية والتناقضات بين العمل والرأسمال
-
حول الطائفية والعودة إلى السلفية
-
علمنة التراث ودمقرطة العالم العربي
-
إمبراطورية الشر - من وجهة نظر ماركسية
-
بعض ملامح مملكة الحرية - مجتمع المستقبل
المزيد.....
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|