|
هواجس أدلبة 329
آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8142 - 2024 / 10 / 26 - 23:36
المحور:
قضايا ثقافية
السويد الجميلة الرائعة تحتاج إلى حكومة وطنية تقوم بواجبها اتجاه المجتمع. أرى أن هذه الحكومة، تنفصل عن المجتمع رويدا رويدا، وهذا يسبب للطبقة الوسطى مخاوف انقسام المجتمع إلى طبقتين، طبقة أصحاب المال والمستغلين، وطبقة الفقراء والمحتاجين. السير باتجاه تدمير المجتمع لحماية الأغنياء والجشعين سهل جدًا أما العودة إلى الوراء فهو محفوف بالمخاوف الصعوبات. الحكومة تركت المجتمع دون رقابة، أقرب لشريعة الغاب، تركته دون حماية. خلال السنة الماضية تحول مئة ألف مواطن سويدي إلى مليونير، بينما الطبقة الوسطى والفقيرة تهبط، تنزل إلى مصاف المحتاجين. ماذا يعني أن أجار البيت يأخذ نصف راتب الموظف، لماذا، لماذا لا تعمل الدولة على بناء مساكن تنافسية مع القطاع الخاص. الحكومات اليمينية أقرب للدوغما، ضجيج كثير وعمل قليل، وبروبغندا كاذبة، هي للعب على مشاعر الناس، للمقامر على مصائرهم. ماذا يعني أن تطلق الحكومة الحرية لرجال الأعمال أن ينهبوا وفق ما يريدون، وبالتأكيد أنهم شركاء في النهب وتكبل البقية. الليبرالية المتوحشة، أقذر إنتاج اقتصادي عرفه التاريخ، أن تتحول الدولة إلى شريك مع طبقة اللصوص، لضرب المجتمع ومصالحه، هل يحتاجون إلى ثورة الجياع حتى يتوقفوا عن سلوكهم القذر؟
الكثير من المستلبين يحتاجون إلى حماية الأب السياسي، ليحمي عجزهم وضعف ثقتهم بأنفسهم. لا يستطيعون أن يقفوا على أقدامهم إلا بوجود هذا الأب الضامن لهم، ليرضعهم حليبه ويقدم لهم الحماية والسند. يجلسون في حضرته عند مدخل الباب، بالقرب من القنادر، ويصغوا له بدقة شديدة وكأنهم في الروضة ليتلقوا الدرر من فمه ليحولوها إلى قوانين يفتوا بها للآخرين. مدرسة الاستبداد منتجة للشخصيات المستلبة الضعيفة الذليلة التابعة. وإذا لا تصدقوا أنظروا إلى أي رئيس أو قائد سياسي وشوفوا الأطفال كيف ينظرون إلى قائدهم أو أبوهم السياسي بشبق وكأنهم يريدون أن يأكلوه عشقًا. وإذا أراد منهم ان يديروا مؤخرتهم له فلن يمانعوا. الأمر ليس بيدهم، الصغار في الوعي كالصغار في السن، يمكن إعادة صياغتهم كما يريد الأب
من أكبر المهازل في التاريخ هي الانتخابات الأمريكية الفارغة من أي مضمون يذكر، أو تمثيل حقيقي سياسي أو اجتماعي أو إنساني. إنتخابات شكلانية فارغة، يجلس في قممها رجلان لا مبادئ لهما ولا قيم، ولا تمثيل فكري أو قيمي. المهزلة عندما يقف رجلان على المنصة، يكذبان بعضهما، يشتمان بعضهما ويحتقران بعضهما ويتهمان بعضهما بالسرقة والرشوة والهرب من الضرائب. ووراء هذه المهزلة يقف رجال المال والبنوك والشركات العملاقة والإعلام والطفييليين والمرتزقة يقررون النهاية السخيفة لهذه المهزلة السخيفة. والعالم كله بشرقه وغربه وشماله وجنوبه يحبس أنفاسه، ويطبل ويزمر ويرقص ويغني ويحلل وويحرم، يكتب ويتفنن في إنتاج التفاهة الرخيصة. لا ترى في المناظرة أي حوار يستحق الاحترام، لا فكر، لا ثقافة، لا روح لا أخلاق لا عقل. هذه المناظرة ستنتج الرئيس الأكثر فاعلية في تدمير الحياة والطبيعة وسحق إنسانية الإنسان ووجوده. منذ أن تبؤات الولايات المتحدة قيادة العالم وهو ينحدر من موقع سيء إلى اسوأ. هي ثقافة عززت الإستهلاك المدمر لإنتاج آلات جديدة، تبعد الإنسان عن إنسانيته وتحل الآلة محله. لا جديد في الانتخابات الأمريكية، لا معالجة للشؤون الدولية، ولا لشؤون الفقر أو لإيقاف الحروب، ولا داعمة لأي مسار تغييري في العالم السياسي. الديمقراطية الأمريكية كذبة كبيرة. هذا الذي أريد قوله، وهذا غيض من فيض
في الدولة الديمقراطية التناقضات بين النخب، بين القوى المتنافسة لا توثر على البيت الواحد المتداعي. هي تسوية بين الشركاء أو الفرقاء حول كيفية توزيع الثروة والسلطة بينهم، لولن يختلفوا كيف ينهبون أو يدمرون. التناقض الحاد والدموي يكون بين نقيضين متفارقين، لا يمكن تحقيق أية تسوية، وقتها تتعطل الديمقراطية أو تتوقف إلى أن يحسم أحد الفرقاء التناقض لصالحه. هذا الحسم المصيري، أما أن تتحول الدولة تحولات عميقة، في بنيتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بشكل عمودي وأفقي.
نا ننتظر مولودًا جميلًا، مملوءًا بالحيوية والنشاط، لكنه خرج مشوهًا، نتنًا، لا حياة فيه. يا خسارة هذا الانتظار، ربما الخلل فينا، قرأنا تاريخ الأب والأم، وعرفنا أمراضهما المزمنة، بيد أننا رمينا هذا، لاعتقادنا أن القدر ربما يصلح الخطأ. الخطأ فينا، وليس في الأخر، فهذا الأخر، عاهر يعرف ماذا يريد.
القضية الأرمنية إنسانية بامتياز، ثم تم تسييسها، نفذوا الإبادة بحرفية عالية، بتخطيط مسبق وبالسر. الإبادة نفذت بناء على خوفهم الوجدوي، على تكوينهم المهزوز النفسي. الارمن وقفوا منذ البدايات مع القضية الفلسطينية والعربية، اعتبروا أن قضية فلسطين تمسهم، لأنها قضية شعب ظلم مثلم ظلموا من قبل الطغم السياسية والعسكرية في العالم. السؤال: هل سمعتم أن فلسطينيًا واحد أو مسلم أو عربي وقفوا إلى جانبهم أو أشاد بمواقفهم منذ عشرات السنين وإلى اليوم؟ أليست قضية الشعوب المقهوة هي قضية واحدة، إذا لماذا أنت أنانيون، نرجسيون، عشاق لدينكم ولعروبتكم، ولا يعنيكم غير قضيتكم؟ على كل حال، الإنسان يقيم بقيمه وأخلاقه ونكران ذاته حتى يرتقي ويسمو.
مضى على صراعنا مع إسرائيل منذ تأسيسها وإلى اليوم خمسة وسبعون سنة، اليوم أتسأءل، ما هو هذا الصراع، هل هو من أجل الأرض، القومية، الدين، الوطن؟ وما هو الوطن في ظل النظام الدولي المقرر لمصير دوله؟ وكلنا يعلم أن إسرائيل خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والنظام الدولي المأزوم والمخصي. خسرنا أجمل أيام حياتنا من أجل هذا الصراع، أزددنا تراجعًا، فقرًا، تخلفًا. استنزفنا طاقاتنا كلها، ثرواتنا، خسرنا إقامة دولة ديمقراطية، زادت الأحكام العرفية وقوانين الطوارئ في حقنا، وامتلأت السجون، وقضى خيرة الناس فيها، خسروا حياتهم وأعمالهم، وزوجاتهم وتشرد أولادهم، ثم خرجوا من المولد بلا حمص. تاجر بهذه القضية فصيل من الأنظمة أقرب لقطاع الطرق، خرجوا من جوف المزابل الأكثرة سمية وجرثمة، لعبوا بنا، سخروا من عقولنا البسيطة، مثل حافظ الأسد وأبنه وحزب نصر الله وصدام حسين وعبد الناصر وإيران واليوم حماس والجهاد الإسلامي. أين نحن اليوم من الأمس؟ لم نغير في تكتيكنا ذرة واحدة، ولا في استراتيجيتنا، وأصبحنا لاجئين في بلاد العالم بالملايين، وتم وصفنا باسوأ الأوصاف، أقلها إرهابيين. واليوم نسمع بالترحيل، كل دقيقة وثانية، أصبحنا نخجل من أنفسنا، من بقاءنا وكأننا حمل ثقيل على قلوبهم. ويأتيك واحد، زعيم حزب يميني في أقصى اليمين، في السويد، إنسان غبي وتافه وجاهل وفاجر وعنصري، ويهددنا يوميًا بكل خسة وحقارة أنه سيرحلنا. والسبب لأننا سلمنا بلادنا ورقابنا إلى الخنازير البرية أو الأهلية للعبث بنا. المشكلة أننا وثقنا بهم، وجعلناهم يتاجروا بنا وبمستقبلنا، وفي النهاية خرجنا من أنفسنا أشقياء.
القاعد في الماخور، لا يحق له أن يفتي بالفضيلة والأخلاق والمبادئ. مفهوم الحرية قائم بذاته ولذاته، لا يمنح ولا يعطى ولا يؤخذ. إنه كلي القدرة، متناغم مع ذاته، قابع في الخلود، في الأبدية، في الوجود منذ أن وجد، لا يمكن امتلاكه أو تحقيقه أو توريده عبر أي أداة. إن الحرية جزء من الطبيعة مثل الفن أو الموسيقى أو الحجر أو البحر أو الزمن. إنه مفهوم غير قابل للتعريف، كالوعي مثلًا. وإن محاولة البحث فيه عبث. فأما حرية أو لا حرية، والتكوين النفسي للإنسان يتناقض مع الحرية.
قلت له: أنا كاتب تنقصه الكثير من الأوراق، ، مقطوعة منه، يرى الحياة من زاوية ضيقة جدًا. أستطيع القول يراها من نصفها الميت، ويضيع النصف الاخر، السليم في المتاهات لوجود خلل في البلاط المعبد لهذه الذاكرة المريضة. ـ كيف تقول هذا عن نفسك يا رجل، ألست حرًا؟ ـ لست حرًا ولن أكون. ـ كيف؟ من لا يملك الحرية لا يستطيع أن يكون كائنًا طبيعيًا. ولست مستقلًا. هناك الكثير من الجراثيم تنغل في سقف جمجمتي تلعب بالذاكرة وتشوه الطريق. ولا يوجد من ينقب هذه الجراثيم كما تفعل الطيور التي ترسو على ظهر الجواميس، لإنهم قابعين تحت القحف، في العمق، في التلافيف. ـ وكيف ترى غيرك؟ ـ لا أستطيع الإجابة، دع كل واحد ينقب ذاكرته لوحده علّه يفعل شيئًا.
الترجمة ثم الترجمة، ثم الترجمة، لأنها أساس أي نص منقول من نص أخر. الترجمة هي نص جديد، عمل إبداعي حقيقي، فيه رهافة وإحساس عميق وعمق. ومن ليس لديه موهبة عليه أن يتوقف عن الترجمة. بدأت برواية أسمها، قناع مختلف، عن الأدب الياباني، وكنت متلهفًا لقرأتها، بيد أني توقفت عن قرأتها بعد عدة صفحات. وبدأت برواية لتوماس مان، آل بودنبروك، طبعة العام 1961، قرأت عشرين صفحة وتوقفت عن القراءة لرداءة، وسوء الترجمة. الترجمةهي روح، وعقل النص، وحضوره يحتاج إلى ثقافة وفهم عميقين ليخرج لنا عمل ممتع وجميل.
كنت في مرسمي غارقًا في وضع اللمسات الأخيرة على اللوحة التي تنزع نحو الظل المائل إلى الانحسار. في الحقيقة، كنت أمسك بتلابيب الزمن لأحوله إلى لوحة، إلى كائن من روح ودم وزمن. فأنا إنسان مزاجّي الطبع، سوداوي الرؤية للحياة والناس، وأحب العزلة وخاصة أثناء الرسم. في لحظات العمل أغرق في وحدتي، وأعيش لحظات اللوحة، اندغم فيها وأحلق بعيدًا عن مشاعر الحزن والقهر، لأبدأ حزنًا من نوع أخر. فهذا المرسم هو المعبد الذي ألجا إليه عندما تجتاحني الرغبة في المرأة، فأرى الحياة لذة ما بعدها لذة، فاستعيدها في الألوان. واللوحة هي الذاكرة، فيها أعشق عمري واستمرار حياتي. قبل هذا أو ذاك أضع المؤشر على قطعة موسيقية هادئة تنسجم مع ضربات الفرشاة على الورق المقوى لتوحدني مع ذاتي وذات اللوحة. مع الفن انفصل عن الذات لأدخل إلى ذات أخرى، في الحقيقة أنا لا أبقى ذلك الإنسان، وأنما كائن أخر، من النوع الغامض والغريب، لا أستطيع وصفه أو أكتبه.
طوال حياتنا، كنّا خدام القمع المعنوي الذي عشناه في بلادنا: العيب، الحرام، هذا حلال زلال وهذا لا، لا تفعل هذا ولا ذاك، لأنه مخالف للحس العام الاجتماعي، وخوفًا من النبذ الاجتماعي والديني كنّا حراس السجن الاجتماعي، العادات والتقاليد، هذا يجوز وهذا لا يجوز، الخضوع لهذا أو ذاك، احترام التراتبية الاجتماعية التافهة. مارسنا القمع المعنوي على أنفسنا، وغيرنا أنفسنا من أجل إرضاء هذا النكرة او ذاك، إلى أن أضحى المجتمع كله ورشة مرضى يطبطبون على اكتاف بعضهم البعض كذبًا، ونفاق. كنّا سعداء بممارسة مشاعر العجز والضعف والتبعية، والدينامية التي فعلت فعلها بنا على أنها فضائل، وأدب اجتماعي جم، إلى أن خرجنا من أنفسنا مهزومين، مكسورين. لم نفرح بأنفسنا وأحلامنا وأفكارنا وأعمارنا، عندما التفتنا إلى الوراء اكتشفنا أنفسنا بقايا بشر لا قيمة لنا، ولا لمجتمعنا ولا لبلادنا أية قيمة. فلتفرح هزائما بنا أيما فرح
أغلبنا يحلل السياسة المعاصرة بعقلية الحرب الباردة, نسينا أو تناسينا ان التحالف بين الدول غدا موضوعيًا, لعدم قدرة كل دولة على حدا على إدارة شؤون العالم عبر الهيمنة, لهذا يلجأون إلى السيطرة لإدارة مصالح الاحتكارات العالمية, ولامتصاص التناقض بين الدولة والمجتمع على المستوى الدولي, ولامتصاص الازمات الاقتصادية المستفحلة على حساب المهمشين في البلدان الهشة. منذ أربعة أعوام, منذ الفيتو الروسي الأول بخصوص بلدنا, قلت, أن الرضا الامريكي هو وراء القرار الروسي, وكتبت, أن هناك نسقين في السياسة الدولية, الأول خفي, باطني, تحت الطاولة, يدير العالم عبر شبكة المخابرات, تعاون كامل على مستوى دول العالم كله, وأخر على السطح مجرد واجهة للدولة الخفية. إننا في عالم مرعب جدا, الدولة لم تعد دولة. نحن في زمن انحسار عملي للهوية, ومفهوم الوطن يتأكل, ومفهوم الدولة يضمحل. من يرحل إلى أوروبا أو الغرب اليوم, عليهم أن لا يفتحوا حقائبهم, ربما تأتي أيام قادمة, يعودوا لحملها مرة ثانية إلى أماكن أخرى مجهولة. الإنسان العادي والمهمش, أضحى كائن فائض عن الحاجة, مثل الكثير من الكائنات التي في طريقها للإنقراض.
نحن عائدون من المقصلة، رؤوسنا مقطوعة وتتكلم.
المبدع يعيش قلقًا، وسيبقى قلقًا، لديه قناعة أن العمل الجميل لا يمكن الوصول إليه، ولن يكتمل ابدًا، لهذا لا بد أن يبقى مفتوحًا على كل الاحتمالات القائمة. إنه يعمل للوصول إلى الكمال، لهذا يحذف ويعيد الكتابة، ويحذف، وكأنه يريد القبض على الخلود. والخلود نائم في التكوين النفسي للمبدع، لا يريد أن يبرح مكانه، لا يذعن أو يستكين، أنه كامن في العقل الكلي للوجود. لا شيء نهائي في أي عمل يقوم به، لا بد من وجود إضافات أخرى أو لمسات أخرى وأخرى إلى لا نهاية. واللانهاية حساب مفتوح على اللانهاية، قابع في الزمن المفتوح.
إلى هذه الدقيقة لم تدخل الولايات المتحدة في تحالفات ندية مع شركاءها. دائما تتعامل مع الشركاء كتوابع، تتعامل معهم بفوقية واستعلاء، وكأنها ما زالت في الحرب العالمية الثانية، وكأن الزمن لم يتغير، وكأن دول العالم ما زالوا يبغون الاستقلال أو أنهم لا زالوا تحت الوصايا. هناك تحالفات تصاغ بين دول كبيرة جدا وكتل اقتصادية ضخمة كالصين الديكتاتورية والهند الديمقراطية، بين روسيا الديكتاتورية وجنوب أفريقيا الديمقراطية، وتركيا الديمقراطية وإيران الديكتاتورية، والبرازيل والارجنتين والمكسيك، وهناك دول كثيرة مرشحة للدخول في بريكس، وستكبر بريكس يوما بعد يوم. هل سيعيش العالم السياسي في النظام الرأسمالي دون هيمنة أو سيطرة في الزمن القادم، هذا سؤال مهم للغاية؟ بمجرد أن تنضم عدد كبير من الدول إلى تحالف يرقى إلى مستوى أن يشكلوا كتلة اقتصادية سياسية اجتماعية، هذا يشير إلى أنهم يتذمرون من الهيمنة الأمريكية، وبالتالي يستشعرون أن الهيمنة الامريكية في طريقها للانحسار، وبدأوا يعدون العدة ليملأوا الفراغ، ويسدوا العجز في المستقبل القادم. نتائج الحرب الأوكرانية الروسية ستسرع النتائج، سواء انتصرت امريكا أو لا، سواء توقفت هذه الحرب أو لا. هذه الحرب الكارثية ستكون مفصلًا استراتيجيًا عالميًا على كل المنخرطين فيها، ولن يخرج منها أحد دون دفع تكاليف سياسية واقتصادية ومواقع استراتيجية أولهم الولايات المتحدة، ويمكننا أن نشير إلى تماسك حلف الناتو في المستقبل ودوره، وأن تماسكه سببه اليوم هو الحرب. أوروبا والناتو متماسكين إلى هذه اللحظة ويقبلان الهيمنة الأمريكية، لكن في حال توقفت الحرب دون نتائج إيجابية لهما سيكونان على المحك، ربما سيتفككان.
أكثر ما كان يبهجني في تلك الفترة، في قرية دبانة المتأخمة لمدينة القامشلي هو وقت الغروب. عندما كانت الشمس تطوي جناحيها لتنام وترتاح، وتتحول إلى جمر منطفأ، إلى بقايا رماد. ويغيب الضوء خلف تلال الذاكرة والزمن. أرى نفسي عصفور نائم على خدود الأفق. تبقى عيناي عالقتان على عودة القطيع إلى الحظيرة. أراه من البعيد، من الغبار العالق بين الأرض والفضاء في رحلة العودة. ما أن يقترب من حدود دبانة حتى يبدأ صوت ثغاء الأغنام وخوار البقر يتصاعد. تركض تلك الكائنات الجميلة بلهفة الملهوف إلى البيت. وتقترب من جدي وجدتي. كانوا يعرفون البيت وأهل البيت، كالأطفال المشتاقين لأسرههم. تبدأ عمتي أو جدتي بحلبهم. كأن الغنم يكون متعبًا من هذا الحمل. ما أن تتفرغ الضروع حتى أرى وأشاهد الفرح بعيونهم، يبحثون عن طريق الزريبة ليناموا فيها. ويتحول الحليب إلى لبن في الصباح. كنت استيقظ مرات كثيرة على أصوات عمتي وجدتي في الصباحات الباكرة قبل أن يشقشق الضوء ويفتح عينيه على الملأ. يعملا بهمة ونشاط. كان في حوزتهما قربة من الجلد يضعان فيه الحليب ويخضانه فترة طويلة من الزمن. يتحدثان بأصوات عالية جدًا عندما. وأحيانًا كثيرة يتشاجران دون سبب. كنت أبقى في الفراش قلقًا من توترهم وصراخهم الذي لن أر له سببًا مقنعًا. ويسخنون الماء على نار الجلة بأدوات بدائية جدًا. حتى المغرفة كانت مصنوعة من القرع المفرغ أو المجفف، له يد يحملون الماء فيه وينقلوه من حوض الماء الغالي إلى طشت غسيل الثياب. رائحة التايت تتقافز في الهواء رائحة منعشة ممزوجة بالماء المغلي والهواء الطلق قبل أن تبدأ الشمس في رحلتها الأبدية بالصعود في قبب السماء واللعب في جنبات الدنيا. لم يكن جدي أو جدتي أو عمتي يحسنون القراءة والكتابة. كانوا أميين مثل بقية أهل الضيعة وبقية القرى في ريف الجزيرة السورية في ذلك الوقت. كان جدي مفتول الشاربين، متوسط القامة. فيه انحناء بسبب لفض الزمن بقايا جسده. يستيقظ باكرًا على الصوت الصارخ الصادر من عمتي وجدتي، يقول لهم: ـ لماذا تتشاجران؟ ماذا حصل لكما والشمس لم تمتلئ بعد من عتمة الحزن والصمت. خفضا أصواتكما. لماذا تصرخان من عند باب الصباح وثوبه ما زال مبتلًا ببقايا العتمة؟ لا يردان عليه. كانت النساء قاسيات لا يعملن له حسابًا. ربما لكبر سنه. مثلهم مثل بقية نساء القرية. لم تهذبهم هذه الحضارة المدنية المزيفة. كن حرائر في ممارستهن لحياتهن. دون خوف أو رد فعل من أي كائن. قويات صلبات معطرات الروح لم يدخل في حسابهن هشاشة هذا الواقع الهش. يعملن في الأرض من الصباح إلى المساء، يجلبن الماء من البئر ويحلبن المواشي. وفي الضحى يجلبن روث الأبقار ويقطعوهم ويضعوهم في إطار دائري ثم يتركوهم تحت الشمس الحارقة إلى أن يجفوا ويتحول إلى وقود يوضع في التنور أو المدفأة في الشتاء. يبقى جدي في مكانه. يضع عمامته البيضاء فوق رأسه ويجلس القرفصاء يدخن وحيدًا. ينظر إلى الفضاء المفتوح عبر الباب أو النافذة. ويكش الذباب الذي يملأ البيت والفناء المجاور للمنزل. ربما يتناول كسرة خبز من الرغيف السميك الذي عجنته وخبزته عمتي قبل وقت الغروب بساعة أو ساعتين على التنور. وبجوارها كلبهم الكبير يجلس بقربها ويحرك ذيله نحو اليمين واليسار. كان قطر الرغيف الواحد حوالي ثلاثين سم وسماكته ثلاثة سنتمترات. كانوا انقياء إلى نقي العظام في صراخهم وشتائمهم. في أوجاعهم. في كلماتهم وشهيق أنفاسهم. لم يكن يعرفوا الزيف أو ممارسة الكذب أو اللف والدروان. كلماتهم كانت مباشرة خشنة واضحة قاسية عنيفة مثل أغلب أبناء أهل الريف في الأناضول في علاقاتهم مع بعضهم أو مع الأخرين. يتبادلون الأحاديث بصوت عالي دون مجاملة أو رقة أو لين. كان البيت يطل على الشمال، يجاوره على اليمين بشكل طولاني عدة بيوت فارغة لأن أهلها سافروا عبر قوافل الراحلين إلى أرمينيا في أعوام /1965/، /1966/ وتركوا كل شيء وراءهم: الفراغ والصمت والغربة. والحسرة لمن تبقى في دهليز الهواجس والترقب. وإلى اليسار كان هناك غرفة تم بناءها لتكون اسطبلًا للحيوانات للأبقار والأغنام والخيول. والدي حاز على هذا الاسطبل، نظفها جيدًا وسكن فيها مدة قصيرة من الزمن أثناء فقدانه للعمل وعدم قدرته على الإقامة في المدينة. كان زمن البطالة والتعتير ككل مراحل سوريا. في ذلك البيت البسيط ولدت كما تلد الحيوانات. قالت لي والدتي فيما بعد: ـ بمجرد أن أحسست بالطلق رأيتك قد خرجت إلى الحياة قبل أن تأتي عمتك أو غيرهن لمساعدتي في ولادتك. لم تعذبني أثناء الولادة ولكنك عوضتها فيما بعد أثناء حياتك وسجنك. وأردفت: ـ أنت في منتهى القسوة يا ولدي. ليس في قلبك رحمة أو شفقة على أي إنسان. أنت قاسي جدًا على نفسك. يردف والدي ويقول: ـ أنه ذئب. إنه ابن البراري العذبة. قلت: ـ السجن قلم اظافري وخرب أشياء كثيرة جميلة كانت مسكونة في أعماقي. لم يبق مني الا صورتي الأخرى، شكلي المخفي وراء ذلك الكائن الأخر. لا تنغروا بملامحي أو شكلي. ففي وراء الفاظي النائمة بين جنبات الكلمات ماتت أجزاء كثيرة من كينونتي. هذا شكلي الجديد، بيد أنكم لا تعرفونه، وأنا لا أعرفه
التسامح فيه استعلاء وفوقية، وانكسار نفسي للضعيف أمام القوي، حبذا لو طلب العقلانية كبديل عن هذا المفهوم الغير واضح. ثم من الذي يجب عليه أن يسامح؟ ولماذا؟ التسامح يفترض أن يتم بين فريقين متكافئين في الموقع والقدرة، وأن لا يتصدق أحدهم على الأخر. التسامح جاء في زمن أعرج، كان المطلوب من الإنسان العادي أن يخضع للحاكم، ويكون رهن اشارته، كتابع ذليل. في عصرنا الحالي، يفضل أن نطالب بحقوقنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن يكون القانون هو الفيصل بين الناس.
الكثير من الناس يبحثون في حبيبهم القادم، النواقص الذي فيهم، يريدون منه أن يعبئها. الأغلب الأعم منّا، يرى في نفسه مركزًا للكون، وأنه الأهم، وله مكانة عالية، وفيه بعض الأشياء الصغيرة والبسيطة التي تحتاج أن يملأها القادم على حصانه الملون. أغلبنا في داخله خواء متراكم منذ أجيال طويلة، ولأنه عاجز عن تحقيقها، يرى في الحبيب القادم، حصانه المطلوب، يمكن امتطاءه والذهاب به إلى نواحي الشمس أو النجوم في رحلة الحياة المملوءة بالأحلام المخملية. في هذا الطريق الطويل الشاق من البحث، يقع الحبيب في الحفر، في الخيانة، في عدم الانسجام مع الذات، وعدم الرضى عن النفس، وحالة التأفف والضيق والبكاء. ويعيش الشعور بالخواء والوحدة والفراغ، في انتظار الحبيب القادم النائم في اللاشعور المرضي. قلنا أن المتكبر سيبقى منفصلًا عن الواقع، ينسج من الخيال أحلامًا مرضية، لا يمكن التخلص منها إلا بالخضوع للواقع، لأن التكبر علاقة بين الدونية والخضوع ومحاولة الاظهار بمظهر مختلف. كل هذه الكوابيس التي نعيشها اليوم، لم تدفعنا أن ننزل من على هذا الحصان الوهمي، ولم تغير في سلوكنا شيئًا، وكل هذه الصدمات التي تقع فوق رؤوسنا ما زالت لم تفعل بنا شيئًا. ما زلنا نعتقد أن لدينا مهمة من جهات عليا، أن نبشر بأنفسنا على أننا أفضل الخلق. لا أعرف متى نتخلص من هذه الأزدواجية القاتلة.
ابق حيث الغناء في الأردن كنت في وضع مادي مزري للغاية، ولم يقبل نجيب أن أعمل في أعمال خدمية كالمطاعم على سبيل المثال. كنّا معًا في إحدى المكتبات الخاصة، وتحادثنا مع صاحبها، إذا كان يعرف أحد أصدقاءه للعمل لديه. قال: ـ لحظة. كان في المكتبة أحد أعيّان الأردن النافذ في المعادلة السياسية للحكومة الأردنية. كان رجلًا مهندمًا، لبقًا وسيمًا في عمر متقدم ربما يصل إلى السبعين، وعلى وجهه علامة الغنى والراحة النفسية، ابن نعمة، كما نقول في لغتنا المحكية، قال له: ـ سيدي، هذا الأخ من سوريا، ومعتقل سابق مدة ثلاثة عشرة عامًا، ويبحث عن عمل؟ دقق الرجل في وجهي بعمق، درس قسماتي جيدًا. من الواضح أنه كان قارئًا ممتازًا، خبرته الحياة العملية والعلاقات الشخصية. سألني: ـ من تعرف من الكتاب والمثقفين الأردنيين؟ ـ لماذا؟ ـ يوجد في الأردن الكثير من الكتاب التابعين للنظام السوري في هذا البلد. مستفيدين. ـ مستفيدين؟ ـ نعم. أنهم انته ازيون، مر تزقة. لديهم مصالح مع النظام السوري، قسم منهم بعثيون وقسم كبير منهم قوميون، ومنهم من يبحث عن أجر أو مقعد في الجامعة لأولاده أو أقرباءه. إنها الأيديولوجية التي تقرب البعيد والقريب وتضعهما في موقع واحد. ـ أنا لا أعرف أي واحد من هؤلاء الذين تتحدث عنهم. ـ هذا واضح. أنا متأكد أنك لا تعرفهم وإلا لما سألت صاحبة المكتبة عن عمل. أنت محتاج لعمل. هذا مؤكد، سأساعدك. هذا رقم تلفوني، وهذا عنواني، سأنتظرك في مكتبي. كان صاحب المكتبة واقفًا بخ شوع وخ نوع ورضا، ويريد رضا الرجل العيّن. قلت: ـ خير إن شاء الله. قال لي نجيب: ـ جاءت الفرصة يا آرام. عليك بالذهاب إليه وسيجد لك عملًا مريحًا وجيدًا، ستعيش بأمان طالما أنت هنّا في الأردن. قلت له: ـ حسابات العيّن لا تتوافق مع حساباتي يا صديقي. لن أذهب إليه. هذا ليس مكاني. ـ أوف، لماذا؟ أنت محتاج للعمل وليس بحوزتك المال لتعيش وجاءتك الفرصة. ـ لن أذهب إليه. العمل مع الحكومات ضريبتها غالية وثقيلة. الإنسان المحترم لا يعمل ق وادًا. الموت أقل كلفة من السقوط. أغلب الطاقم الحاكم في لبنان وسوريا والعراق والجزائر والسودان والخليج واليمن وإيران وغيرهم، يريدون لهم مجرد اجراء، يعتبرون أنفسهم أسياد وعلى الأخرين الخضوع لسياساتهم ونهجهم، أما الناس العاديون من أمثالنا فلا حاجة لهم بهم. إنهم يتعاملون مع ق وادين مأج ورين، منفذين، سهل التعامل معهم لأنهم بلا كرامة أو شرف. وهذا أسهل وأكثر جدوى على كل مختلف الأصعدة.
الدين عمليًا، هو تنظيم سياسي تحت السياسي ينتمي إلى المجتمع المدني، له مقرات وأنصار وتبع وتوابع، وله تراتبية اجتماعية ومالية ومكانة، وله كتابه ومفكريه، وله طقوسه اليومية والأسبوعية والشهرية والسنوية. وهو ظل، وسيبقى في الظل كالعانس، إلى حين يأتي صاحب الظل ويمنحه وظيفة في السابق كان يأتي الملك أو الأمير أو السلطان ويوظفه ويغدق عليه حمولات ثقافية وسياسية ومالية ومكانة، ويضعه إلى جانبه أو بالقرب من مجلسه، وكان الطرفان، أي السلطة والدين، والجمهور في سعادة وفرح ومرح. وكان كل شيء تمام التمام. جاءت الحداثة وخربت كل شيء ولم تبق حجر على حجر، لا رموز ولا دين ولا ثقافة ولا مكانة إلا مكانة المال. نقول أن الدين يعيش في أزمة لأنه فقد مكانته كظل في السياسة، وأنه خارج الإنتاج السياسي والثقافي والفكري والفني والقيمي، وأزمته الخانقة أنه يبحث له عن مكانة، ومكان تليق فيه كما كان، لكنه شاخ وكبر في السن ولم يعد يستطيع أن يقوم بالأدوار التي كان يقوم بها في قديم الزمان. عندما تلفظ السياسة أحدالعجائز سيكون مكانه الطبيعي التقاعد. البعض لا يريد أن يصدق أن الدين فقد وظائفه الحقيقية، أن يكون ظل السياسة، وأنه لم يعد صالحًا للقوى المسيطرة في العالم. وإنه تحول إلى مجرد استثمار من خارجه يلعب فيه هذا او ذاك حسب درجة الاستثمار. لهذا فإنه في أزمة وسيبقى إلى أن يتأكل ويموت. وكل شيء لا يعمل يضمر ويتلاشى. سنقول بوضوح للفئة السياسية المسلمة في أوروبا: ماذا تريدون القول عندما تؤسسون لجماعة سياسية موازية للدولة والمجتمع في هذه البلدان؟ ما هو الفكر البديل عن السائد؟ لا نقول أن الديمقراطية السياسية هي نهاية المطاف، وأنها كاملة مكملة، بيد أننا نسعى أن نطورها نحو ديمقراطية اجتماعية تكون أكثر تجذرًا في الدولة والمجتمع. هذا القول الأخير اعتبره صحيحًا، هل نسعى، تسعون نحو تحقيق واقع اجتماعي سياسي أفضل أم سنعود معكم إلى الوراء؟ هذا هو السؤال.
الانتماء إلى بنية دينية ما في الشرق يبدأ من الرحم، من الولادة، كجنين عنيف، شرنقة عنف أو قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار. يبدأ المولود قلقًا مضطربًا متوجسًا من الأخرين يملأه الشك والخوف من المحيط، ولديه إحساس مرهف على موت دينه الوجودي. إنه في حذر شديد، لا يثق في أحد، ولا بنفسه، ولا يرتاح باله إلا بعد أن يطلق رصاصة الرحمة على كل من يقف في طريق تبلوره إلى كيان واحد وحيد. في تبلور هذا الدين وأكتمال نموه يتحول إلى كتلة سياسية فاشية كاملة، عندما يأخذ مسارًا سياسيًا، كيان متعطش للدم، ينغمس فيه يومًا بعد يوم بعد توفر الظروف الموضوعية له. الفاشي كائن مغموس بالدم الأسود، ولا يرتوي إلا بالدم، وطريقه مرصوف بالدم. وإن لم يصادف من يشرب دمه، يفتح جبهة في عشقه لنفسه المريضة، ويبدأ بقضم القلب أو الكبد ليأكله نيئًا. الأديان التي لا تستطيع هضم الرأسمالية، آلياتها وآليات عملها وفهمها ستبقى على الرف كالديك المذبوح الذي ينطنط ويتوجع ولا يعرف له طريق إلا الموت.
الطائفة تبدأ من الرحم، من الولادة كجنين عنيف، شرنقة عنف أو قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار. تولد الطائفة قلقة مضطربة متوجسة من الأخرين يملأها الشك والخوف من المحيط. لديها إحساس مرهف على موتها الوجودي. إنها في حذر شديد، لا تثق بأحد، ولا بنفسها، ولا يرتاح بالها إلا بعد أن تطلق رصاصة الرحمة على كل من يقف في طريق تبلوره إلى طائفية سياسية. في تبلورها وأكتمال نموها تصبح الطائفية السياسية فاشية كاملة، كيان متعطش للدم، تنغمس فيه يومًا بعد يوم بعد توفر الظروف الموضوعية لها الفاشي كائن مغموس بالدم الأسود، ولا يرتوي إلا بالدم، وطريقه مرصوف بالدم. وإن لم يصادف من يشرب دمه، يفتح جبهة في عشقه لنفسه المريضة، ويبدأ بقضم أقرب قلب أو كبد ويأكله نيئًا
دون علمانية تتضخم العلمنة وتتحول إلى فيل كبير برأس فأر صغير. حاولت السلطنة العثمانية وروسيا القيصرية من بعدها قبل أكثر من ثلاثة قرون على علمنة الدولة دون علمنة المؤسسات السياسية فوصلت إلى طريق مسدود. العلمانية هي الفضاء الأوسع يحتاج إلى عقل حضاري مدني منفتح على الحياة لينتقل إلى ضفة وعي الحرية.
الكثير من الناس في بلادنا, يعتقدون أن الدولة, ملكية خاصة, لهم أو لأولادهم, زلمهم, عشيرتهم, دينهم, قبيلتهم, قوميتهم, حزبهم. ويجب أن يحولوها إلى ملكية خاصة. الدولة مؤسسة, تجريد عالي, شأن عام, يدور حولها كل الناس, أحزاب وقوى وفئات اجتماعية متصارعة, متنافرة المصالح. يمكن التوصل من خلالها إلى صيغة توافق, يعطي المجتمع توازن ما, يبعد الجميع عن الصراع المسلح.
حتى المعابد, تجريد عالي, خصوصيتها تنتقل من شعب إلى شعب. ومع هذا, الإنسان يقتل ويدمر من أجل الملكية, مع أن كل شيء في الحياة, مجرد حيازة. الثقافة تحتاج إلى جلد, نكران ذات, حب المعرفة. ويجب أن يقرأ الإنسان كثيرًا, في التاريخ, الأدب, الفن, الموسيقا, السياسة والفكر, الفلسفة, وبقية العلوم الإنسانية. الثقافة, هي المدخل إلى المعرفة, إلى وعي الذات والأخر.
سعادة الكاتب أو الفنان, تكون بقراءة أعماله, باهتمام الناس, بانتاجه. نقول دائما أن الأدب والفن جزء من الوجود, مثل الحجر, الشجر, الضوء, الريح والضباب. أحرف متناثرة, مبعثرة, هنا وهناك, تحتاج إلى من يفك رموزها. يحاول المبدع, الدخول إلى الأماكن المعتمة, إلى الأبدية المغلقة, إلى الفردوس المهزوم, الضائع. يخربش ويبحبش, يتلمس الطريق في تلك الظلمة, ليفك الالغاز والأسرار المركونة في الانفاق البعيدة عن متناول الأيدي.
الأحزاب السياسية في سورية والمنطقة, عاجزون تمامًا على مواكبة التطورات المحلية والإقليمية والدولية, لعطالة ذاتية عميقة من جهة وموضوعية من جهة ثانية. أي, ليس لديهم قدرة سياسية على حمل التطورات القائمة, وليس لديهم القدرة على بلورة رؤية سياسية ذات محتوى اجتماعي وسياسي ووطني. إن الثقل السياسي الداخلي والخارجي, رمى بوزنه على الجميع, ووضعهم في حالة تشوش وإرباك وانعدام وزن سياسي. إن القوى السياسية إلى الأن يفتقد لوعي المرحلة, وعمق الأزمة القائمة, بين, تيار تقوده الأنظمة, متماسك ويتمتع بكل الامكانيات المادية والسياسية والإعلامية, وتيار المجتمع. أي أن وعي الحركات الاجتماعية في سورية والمنطقة لم ينضج لذاته, ولم يتضح لهم بعد, مدى التحدي الحقيقي الذي تواجهه المجتمعات.
عندما يكتب الروائي أو الشاعر، أو يعزف الفنان، تتصاعد اللذة منه إلى القمم، تلتحم بين جنبات الكلمات أو الألوان أو النغمات. إن الكتابة رعشة، فعل إيروسي أو امتزاج إلى درجة الالتحام التام بين ذات وذات أو تصعيد فوق التوحد للوصول إلى النهايات، فالفراغ.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس ثقافية 328
-
هواجس قديمة 327
-
هواجس في الأدب ــ 326 ــ
-
هواجس اجتماعية فكرية أدبية 325
-
هواجس فنية وسياسية واجتماعية ــ 324 ــ
-
هواجس وأشياء من الذاكرة 323
-
هواجس ثقافية ــ 322 ــ
-
هواجس ثقافية وفكرية ــ 321 ــ
-
هواجس عامة ــ 320 ــ
-
هواجس أدبية ــ 319 ــ
-
هواجس أدبية وفكرية وسياسية ــ 318 ــ
-
هواجس أدبية 317
-
هواجس ثقافية ــ 316 ــ
-
هواجس ثقافية 315
-
هواجس عامة وخاصة 314
-
هواجس سياسية 314
-
هواجس عامة 313
-
هواجس فكرية وسياسية وأدبية ــ 312 ــ
-
هواجس متعددة ــ 311 ــ
-
هواجس فكرية وسياسية ــ 310 ــ
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
|