|
نظرة في قرار المحكمة الاتحادية العليا ذي العدد 89/اتحادية/2024
عزيز صادق سنبه
الحوار المتمدن-العدد: 8141 - 2024 / 10 / 25 - 09:47
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا تفسيريا للمادة (1) من الدستور يتعلق بمعنى عبارة (كامل السيادة) التي وردت في هذه المادة. القرار ذا العدد 89/اتحادية/2024 صدر بتاريخ 25/9/2024. حمل القرار ابعادا سياسية وأخرى دستورية على النحو الاتي: 1- طلب التفسير مقدم للمحكمة بتاريخ 12/3/2024، اهملته المحكمة أكثر من ستة اشهر، واجابته في 25/9/2024. ولا مبرر لهذا التاخير من الناحية القانونية، مما يدعو أن تكون الأسباب سياسية. فالظروف الإقليمية المتسارعة بالتغيير، وتحديدا ما يحدث من حرب بين "اسرائيل" من جهة وقوى محور الممانعة من جهة أخرى وما تخلله من هجمات متبادلة فيما بين القوات الامريكية في العراق وفصائل تنتمي لهذا المحور، دفع القوى السياسية العراقية الفاعلة المرتبطة بهذه القوى ومن خلال مجلس النواب للضغط على الحكومة للعمل على اخراج القوات الامريكية من العراق باعتبار ان وجودها يمس "السيادة". في وقت ان الحكومة لها وجهة نظر أخرى. هذه الثنائية فيما بين القوى السياسية والحكومة وضعت المحكمة بين المطرقة والسندان. من هنا يتضح تلكؤ المحكمة اصدار القرار خلال هذه المدة. 2- المحكمة كانت واعية، للاهداف من تقديم الطلب. الهدف الاول حصول رئيس مجلس النواب على إقرار من المحكمة بان هناك تجاوز على "السيادة"، والهدف الثاني منح مجلس النواب اختصاصات تنفيذية بحجة التزام أعضائه بالحفاظ على "السيادة"، لذلك رفضت الإجابة خلال هذه المدة، وحين اضطرت لذلك فانها قدمت قرارا لم يمنح رئيس مجلس النواب مبتغاه، في الوقت نفسه لم تَجرؤ للقول بان ملف "السيادة" هو شأن حكومي وفقا للدستور.
3- لقد اختارت المحكمة تعريفا اكاديميا عاما "للسيادة"، بان لاتخضع الدولة في شؤونها الداخلية والخارجية لهيمنة دولة أخرى، وان تمارس كامل سلطاتها على جميع مساحتها. الا انها لم تستنبط لنا من نصوص دستور عام 2005 ومبادئه تفسيراً لهذا المفهوم. فواجبات المحكمة حيال اختصاص (تفسير الدستور) يلقي عليها واجب الاجتهاد لتقديم التوضيح والابانة والبيان لمفردة "السيادة"، على وجه يكشف "الغموض" ويكون مانعاً من تداخل معانٍ أخرى فيه، وهذا مالم يتحقق. 4- وبدل ذلك، فانها ركّزت على بيان "واجب" السلطات الاتحادية والمحلية في الحفاظ على السيادة، مع انها مسألة واضحة ولاتحتاج أي بيان، لانها مبدأ حاكم تَردُ في جميع الدساتير وعلى مختلف الأنظمة، بهدف تشديد الالتزام بما يرد من قانون وأنظمة "تعزز السيادة"، وليس الكشف عن مفردات "السيادة". أي ان المحكمة استندت في تفسيرهاعلى نصوص دستورية عَرَضية لاتمس جوهر "السيادة". 5- كان الاجدى للمحكمة ولاجابة الطلب المقدم اليها ان تخوض في جانبين،. الأول بيان معنى السيادة من حيث المفهوم، مع تجنب الدخول في التفاصيل التي تحمل الجانب الاجرائي، والثاني بيان الجهة الدستورية المختصة بالتعامل بهذا الملف. وقد دخلت في الجانب الأول وأهملت الثاني. 6- كان الاجدى بالمحكمة عند بيانها لمفهوم السيادة التصريح بما لالبس فيه، بانه مفهوم خاضع لتقدير صناع القرار في اختيار ايهما انفع لتحقيق مصلحة الدولة، فالسيادة نتيجة، يتم تحصيلها عبر اليات تُعدّ وفقا للسياسة العامة للدولة الداخلية والخارجية، وهي من اختصاصات السلطة التنفيذية المتمثلة بالحكومة حصراً، وفقا للمادة 80/أولا من الدستور (يمارس مجلس الوزراء الصلاحيات الاتية: اولا: تخطيط وتنفيذ السياسة العامة للدولة،). 7- ان طلب مجلس النواب من المحكمة بيان الاجراء الدستوري الواجب اتخاذه من قبله في حالة "تراخي" الحكومة بإنهاء عمل وتواجد القوات الأجنبية، هو سؤال لاينبغي طرحه من قبل المجلس في ظل النظام البرلماني، لانه يمتلك اقوى الاختصاصات الدستورية، وهما استجواب رئيس الوزراء والتصويت على حجب الثقة عن حكومته متى ما وجد البرلمان انه خرج عن الرؤية الخاصة بالأغلبية السياسية الحاكمة التي شكلت الحكومة، وذلك وفقا للمادة 61/ثامناً/2 و3 من الدستور. 8- ان هذا الطلب وغيره الكثير مما يقدم للمحكمة الاتحادية العليا هو نتاج عشوائية النظام السياسي الحاكم للعراق من حيث عدم اتباعه الأسس الصحيحة للنظام البرلماني الذي اقره الدستور، التي من أبرز متطلباته، قيامه على حكومة تعمل وفق رؤية الأكثرية السياسية الممثلة في مجلس النواب، وعدم الالتزام يعني حل الحكومة من قبل مجلس النواب وترشيح حكومة اخرى. اما في الواقع العراقي فان الحكومة تنفصل في رؤيتها وبرنامجها عن مجلس النواب بمجرد حصولها على الثقة، وفي الوقت نفسه تتحشى القوى السياسية داخل البرلمان التي تمثل الأكثرية اللجوء الى حجب الثقة، خوفا من عدم الحصول على الأغلبية المطلقة لسحب الثقة، او الخوف من عدم حصول التوافق فيما بين القوى السياسية لاختيار رئيس وزراء جديد. هذه المعادلة الشاذّة للنظام السياسي الحاكم هي المحرك لاغلب طلبات "التفسير" التي تقدم من قبل مجلس النواب.
الملخص...المحكمة لم تقدم أي تفسير لبيان معنى"السيادة"، سواء من حيث المفهوم، أو من حيث بيان الجهة المختصة بوضع الرؤية المحرك لمحددات السيادة والتي لها ان تقرر بان وجود القواعد الأجنبية في العراق تعد ماسة بالسيادة من عدمه، ولها اختصاص اتخاذ الإجراءات التي تهدف الى اخراج القوات الأجنبية.
#عزيز_صادق_سنبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَدى إستِيفاء تسبيب الأحكام لدى المحكمة الإتحادية العليا
-
لَو كُنتُ عُضواً في المَحكَمة الاتّحاديَّة العُليا...لَكانَ
...
-
دورُ الحُكومة في تَنفيذ القَرارات القضائيَّة ضد الارهابيّن
-
المَحكمة الاتحاديَّة العُليا تُوقف المادة 71 -إنهاء الإدارة
...
المزيد.....
-
وفد قيادي من حماس يلتقي أردوغان في أنقرة ويبحث آخر التطورات
...
-
ترامب يوقع مذكرة رسمية تمهد لاحتجاز المهاجرين في غوانتانامو
...
-
الأونـروا: مـا الـعـمـل بـعـد الـقـرار الإسـرائـيـلـي؟
-
إعلان أسماء الأسرى المحررين من سجون الاحتلال ضمن الدفعة الثا
...
-
الأمم المتحدة: أكثر من 423 ألف مهجّر فلسطيني عادوا إلى شمال
...
-
بدعم -البديل-.. البرلمان الألماني يوافق على زيادة عمليات إعا
...
-
ترامب: أسوأ المهاجرين غير الشرعيين سيتم إرسالهم إلى خليج غوا
...
-
عدنان أبو حسنة: لا بديل عن الأونروا وإسرائيل تحتفل بإغلاقها
...
-
-شيخ العربية- الذي حذر من تغييب الفصحى وسجن لمعارضته إعدام س
...
-
الجيش السوداني يسيطر على الخرطوم بحري والمجاعة تنهش الشعب
المزيد.....
-
الوضع الصحي والبيئي لعاملات معامل الطابوق في العراق
/ رابطة المرأة العراقية
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|