|
الانتخابات عدو المستبدين من موسوليني الى ترامب
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8141 - 2024 / 10 / 25 - 07:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة/ محمد ناجي
كان معيار الأنظمة السياسية الديمقراطية في السابق هو الانتخابات ، وغالباً ما كانت ممارسة إجراء الانتخابات تُستخدم لتحديد ما إذا كان يمكن تصنيف بلد ما على أنه ديمقراطي . أما اليوم ، ومع انتشار "الأوتوقراطيات الانتخابية" في مختلف أنحاء العالم ، لم يعد الأمر كذلك . فالعديد من القادة غير الليبراليين يصلون إلى السلطة من خلال الانتخابات ، ثم يتلاعبون بالنظام الانتخابي للحصول على النتائج التي يحتاجونها للبقاء في مناصبهم .
ومع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية ، من المفيد أن نتذكر أن تاريخ الاستبداد هو تاريخ الحرب على فكرة وممارسة الانتخابات الحرة والنزيهة . بالنسبة للقادة المستبدين من اليمين واليسار ، فإن السماح للسكان بأن يحددوا من خلال أصواتهم من سيتولى الحكم وإلى متى هو أمر لا يمكن تصوره . فلماذا تقرر كائنات أقل شأناً مصير الرجل القوي ، الذي وحده قادر على قيادة الأمة إلى العظمة ؟
لقد سخر الدكتاتور الفاشي بينيتو موسوليني من الانتخابات ووصفها بأنها "لعبة صبيانية" "أذلت الأمة لعقود من الزمان" . واستبدل الدوتشي الانتخابات الديمقراطية باستفتاءات عامة من حين لآخر . في عام 1934 ، وبينما كان يستعد لغزو إثيوبيا ، وكان يتعامل مع الاضطرابات الداخلية المتزايدة ، حيث كان الإيطاليون في الواقع يضغطون في عملية لتطهير الطبقة السياسية ، قام بتنظيم استفتاء ، عرض فيه قائمة واحدة من المرشحين لمقاعد البرلمان ، مع خيارات "نعم" أو "لا" .
كان الهدف الحقيقي من هذه العملية هو أن يُظهر للإيطاليين والعالم أنه يحظى بموافقة شعبية على إجراءاته الحكومية . ولتحقيق هذه الغاية ، كان التصويت "بمساعدة" "مراقبي الاقتراع" الفاشيين (فرقة من رجال الشرطة يرتدون قمصاناً سوداء ومسلحين بالسكاكين) ، ويمكن تلخيص حملة تواصل النظام حول التصويت بـ "صوّتوا بنعم وإلاّ" ، على الطريقة الفاشية .
صوّرت هذه القطعة الدعائية ، على واجهة قصر براسكي في وسط روما ، وجه موسوليني على شكل قناع الموت ، مما يشير إلى ما قد يحدث لأولئك الذين صوتوا بـ "لا" . تشير نتيجة الاستفتاء - 99.85٪ نعم ، و 0.15٪ فقط لا - إلى أن الإيطاليين قد فهموا الرسالة .
https://substackcdn.com/image/fetch/f_auto,q_auto:good,fl_progressive:steep/https%3A%2F%2Fsubstack-post-media.s3.amazonaws.com%2Fpublic%2Fimages%2F63b54955-0ce0-4892-949f-28651214b8ef_854x642.png?utm_source=substack&utm_medium=emailالدعاية لاستفتاء عام 1934، روما، 1934. ويكيميديا كومنز.
قد يحافظ الحكام المستبدون اليوم على استمرار إجراء الانتخابات ، لكنهم لن يترددوا في التلاعب بالمنافسة من خلال إيجاد طرق لإسكات المنافسين . ها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في عام 2018 عندما سألته شبكة سي إن إن عما إذا كان ديكتاتوراً : "هنا لدينا صندوق اقتراع ... الديمقراطية تستمد قوتها من الشعب . هذا ما نسميه الإرادة الوطنية" ، ولكن قبل الانتخابات الرئاسية التركية لعام 2023 ، حكم أردوغان على عمدة إسطنبول ، الذي يحظى بشعبية ، أكرم إمام أوغلو بالسجن لعدة سنوات . بهذه الطريقة لا يمكن لإمام أوغلو أن يكون مرشح المعارضة .
إن التكتيك الاستبدادي الأحدث ، والذي يسوّقه التضليل الإعلامي ، هو تشويه سمعة الانتخابات قبل إجرائها حتى يصدقك الجمهور عندما تقول ، في حالة الهزيمة ، إن المنافسة برمتها كانت "مزورة" ضدك أو باطلة بالتزوير . إذا كان المستبد قادراً على حشد حزبه وحلفائه لدعم هذه الأكذوبة في العلن ، فإن فكرة الانتخابات غير الشرعية يمكن أن تكتسب زخماً .
هذا ما يسمى بالكذب المؤسسي : عندما تصبح الكذبة ذات الأهمية الخاصة للزعيم وبقائه في السياسة عقيدة حزبية . وعندها يجب على أي شخص يريد أن يكون له مكانة في الحزب أو الدولة الاستبدادية أن يؤدي الكذبة علناً ، أو على الأقل يرفض دحضها . يعرف مروّجوا الدعاية أن الكذبة ، عندما تتكرر كثيراً ، تصبح مألوفة ويمكن في النهاية اعتبارها حقيقة .
لذا ، في القرن الحادي والعشرين ، لم يعد وجود الانتخابات كافياً لإعلان أن بلداً ما دولة ديمقراطية ، بل يجب أن تكون قادراً على الإدلاء بصوتك في نظام متعدد الأحزاب حقيقي ، دون خوف من الأذى أو الترهيب ، ويجب أن يكون احتساب هذا الصوت ممكنا ، ويجب أن يعمل نظام الانتخابات ككل دون تعطيل أو تلاعب .
ثم يتعين على الخاسر في المنافسة أن يقبل النتائج ويحترم الانتقال السلمي للحكم . إذا لم يفعلوا ذلك ، فإنهم لا يعملون وفقاً لقواعد الديمقراطية .أما إذا قاموا بتمرد لمحاولة البقاء في السلطة بشكل غير قانوني ، فإنهم يعملون بالتأكيد في إطار استبدادي .
تقدم نتيجة السيناريو الذي حصل في البرازيل مثالاً على لعب دور حارس البوابة لحماية الديمقراطية . فبعد أن خسر الرئيس جايير بولسونارو انتخابات عام 2022 ، قرر أن يحاول استنساخ سيناريو دونالد ترامب ، مدعياً أن الانتخابات كانت مزورة وخطط للتمرد في يناير . وكان ستيفن بانون وجيسون ميلر من بين مستشاريه .
كان عدم مشاركة الجيش من بين أسباب فشل تمرد بولسونارو . فقد شهدت البرازيل انقلاباً عسكرياً في عام 1964 ، مما أدى إلى دكتاتورية عسكرية لم تنته إلا في عام 1985 . وتحرك الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا على الفور لمقاضاة المشاركين في التمرد . في عام 2023 ، أدين بولسونارو بإساءة استخدام السلطة في منصبه ومنع من الترشح لمنصب حتى عام 2030 لنشره أكاذيب حول تزوير الانتخابات .
في أمريكا ، يواصل ترامب ، الذي حرض على تمرد أكثر دموية ، التأكيد على أنه فاز في انتخابات عام 2020 ، بينما يستعد ربما للطعن في نتيجة عام 2024 . لقد عمل ترامب جاهداً على مدى ما يقرب من عقد من الزمان تقريباً لإقناع الأميركيين بالتخلي عن أفكارهم الغريبة حول التصويت كحق ديمقراطي ذو قيمة . لقد قام بتدريبهم على رؤية الديمقراطية كنظام فاشل ، وأن ينظروا إلى الانتخابات على أنها وسيلة رديئة وغير موثوقة لاختيار القادة .
ومع تزايد استبداد ترامب في خطابه بشكل علني ، كشف هو وحلفاؤه عن موقفهم من الانتخابات . قال ترامب في حدث انتخابي في فلوريدا في 26 يوليو/تموز للمسيحيين الإنجيليين : "فليخرج المسيحيون ويصوتوا هذه المرة فقط . لن تضطروا للقيام بذلك بعد الآن . هل تعلمون لماذا ؟ سيتم إصلاح الأمر . سيكون على ما يرام . لن تضطروا إلى التصويت بعد الآن يا مسيحيي الجميلين" .
كان السيناتور تومي توبرفيل (جمهوري من ألاباما) أكثر إيجازاً . قال لنيوزماكس في عام 2023 ، "يجب على الشعب الأميركي أن يقف ويقول كفى ، دعونا لا نجري انتخابات بعد الآن" .
إن الهدف النهائي لإنكار الانتخابات من خلال شعار "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" لا يتلخص في الطعن في هذه الانتخابات أو تلك ، بل في إقناع الأميركيين بأن الانتخابات كممارسة غير ضرورية ، فالتصويت في انتخابات حرة ونزيهة هو عمل روتيني سيعمل ترامب بكل سرور على تخليصنا منه ، كما فعل موسوليني مع الإيطاليين قبل قرن من الزمان .
روث بن غيات
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ضياع الإنسان والعقل والمنطق بين الردح والنواح والانشراح !
-
*الفاشي دوغين يغرد ويكتب : دروس من كتاب الصهيونية
-
غضب الله هو الذي دفع أوكرانيا إلى الغزو !
-
الحلم الإثيوبي قد يشعل حرباً كبرى
-
ما الذي سنراه في مناظرة الليلة ؟
-
وقفة مع دوغين -عقل بوتين-
-
الفاشية على قيد الحياة … في روسيا
-
الجنرال -الأكثر سوفيتية- الذي قاد عملية التوغل في كورسك !
-
حركة واحدة تكشف القصة بأكملها
-
مشاكل الشرق الأوسط أكبر بكثير من حرب غزة
-
مراوحة خارج سيرورة الزمن
-
14 تموز/يوليو تبرير وتمرير الخطايا برطانة الخطاب !
-
بوتين على نهج هتلر ومن سبقه !
-
مناهضون للحرب يخدعون المسؤولين الروس بترجمة الشعر النازي*
-
روسيا على طريق الفاشية
-
الكرملين : بوتين كان يشخر خلال مناظرة بايدن الكارثية
-
اتجاه جديد ؟ إرسال المهاجرين إلى بلدان ثالثة
-
لا تقعوا في فخ الشعبوية المزيفة ل -فريق ميلودي-
-
مقامرة ماكرون : كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال ؟
-
نهاية هتلر : دراسة في الخلل الوظيفي للرجل القوي
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|