|
الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي: المدرسة النمساوية
أشرف حسن منصور
أستاذ الفلسفة بكلية الآداب - جامعة الإسكندرية
الحوار المتمدن-العدد: 1782 - 2007 / 1 / 1 - 08:29
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة: يسيطر على علم الاقتصاد منذ النصف الثاني من القرن العشرين اتجاه يسمى بالاقتصاد النيوكلاسيكي، وهو اتجاه يختزل العملية الاقتصادية إلى آليات السوق من عرض وطلب، وينظر إلى السوق على أنه مجال مستقل بذاته ومسيرا ذاته بذاته، عازلا بذلك أي تأثير من المجتمع أو بنائه السياسي؛ كما ينظر هذا الاتجاه إلى المجتمع ذاته على أنه ليس إلا ملحقا للسوق، ويقدم توصياته بحيث يتم تنظيم المجتمع بكيفية تضمن استقلال السوق وسيره وفق قوانينه الخاصة التي يعتقد في انفصالها عن البناء الاجتماعي. وقد تحول الاتجاه النيوكلاسيكي في الاقتصاد إلى عقيدة ورؤية للعالم تبنتها المنظمات المالية والسياسية الدولية من الأمم المتحدة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكانت هذه العقيدة هي ما يكمن تحت برامج التحرير الاقتصادي والخصخصة والتحول إلى اقتصاد السوق الحر والتي فرضتها تلك المنظمات الدولية على العالم النامي والدول الاشتراكية السابقة. نشأ الاتجاه النيوكلاسيكي من أعمال عدد من علماء الاقتصاد المنتمين إلى جنسيات متعددة، وظهرت أعمالهم في فترات متقاربة تمتد عبر العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين. وينقسم الاقتصاد النيوكلاسيكي إلى عدد متنوع من المدارس، أبرزها المدرسة النمساوية التي أسسها كارل منجر وتضم بوم بافرك وفون فيزر، والمدرسة الفرنسية التي أسسها والراس، والمدرسة الإنجليزية التي أسسها جيفونز ومارشال، وللأخيرة أتباع أمريكان من أمثال جون بيتس كلارك. والمدرسة النمساوية جزء من الاتجاه النيوكلاسيكي، وتكتسب أهميتها من أنها كانت تمثل البدايات الأولى لهذا الاتجاه منذ صدور كتاب كارل منجر. كما أن أتباع الاتجاه النيوكلاسيكي في إنجلترا وأمريكا طوال القرن العشرين ظلوا يأخذون أعمال المدرسة باعتبارها مصدرا رئيسيا يعتمدون عليه في تلمس الأسس النظرية والمنهجية لتحليلاتهم. والحقيقة أن ما يجمع المدرسة النمساوية وممثلي الاتجاه النيوكلاسيكي من الجنسيات الأخرى إستراتيجية بحثية تقوم على المبادئ الآتية: 1. الوحدة الأولى للتحليل والتنظير الاقتصادي هي السلوك الفردي الساعي إلى الحد الأقصى من المنفعة والمصلحة الشخصية. 2. يكشف سلوك الأفراد عن ثبات في الاختيارات يتجه نحو الاختيار الاستهلاكي بصفة دائمة؛ وهذا الثبات هو ما يمكن العلم الاقتصادي من التنظير لمثل هذا السلوك ووضع قوانين تكشف عن انتظامه الثابت. 3. السعي نحو إثبات توازن السوق نظريا وتحليليا. والحقيقة أن ما يفرق المدرسة النمساوية عن النيوكلاسيك الإنجليز والأمريكان هو أنها وضعت في اعتبارها أننا نعيش في عالم لا يتطابق تماما مع النظرة المثالية النيوكلاسيكية للسوق وللعملية الاقتصادية. فإذا كنا نعيش في عالم يتحصل فيه الأفراد على المعلومات الكاملة ويتم فيه التبادل بين عدد لانهائي من البائعين والمشترين ويعمل فيه السوق بانتظام تام فمن الممكن أن تنطبق عليه نظريات النيوكلاسيك الأنجلوساكسونيين. لكن اختلاف المدرسة النمساوية يكمن في أنها وضعت في اعتبارها أن الواقع به انحرافات كثيرة عن مثال السوق الكامل، ومن هنا أسست نظرياتها بحيث تصل إلى هذا النموذج في نهاية تحليلاتها متخذة منه مثالا تقيس عليه تلك التحليلات، وكان ما يوجهها سؤال أساسي هو: كيف يمكن أن نتوصل إلى سوق حر تماما؟؛ في حين أن النيوكلاسيك الأنجلوساكسون قد بدأوا تحليلاتهم بوضع السوق الحر كمسلمة أساسية لا تقبل النقاش. لكن يبقى أن هذا الاختلاف منهجي وحسب، ويظل النمساويون والأنجلوساكسون يعتقدون في السوق الحر سواء كمسلمة في بداية التحليل أو كمعيار أثناء التحليل، سواء كان افتراضا ينطلق منه البحث باعتبار وجوده متحققا، أو كان مثالا يتم السعي إليه. لكن ما هي الظروف التاريخية التي أدت إلى ظهور المدرسة النمساوية في الاقتصاد السياسي؟ نستطيع تلمس الإجابة على هذا السؤال من أحد أهم أعلام المدرسة والذي كان له الفضل في نقل أفكارها إلى الولايات المتحدة وتأسيس مدرسة خاصة به هناك تتبع الاتجاه النمساوية وهو لودفيج فون ميسز. يستعرض فون ميسز السياق التاريخي والسياسي الذي ظهرت فيه المدرسة النمساوية، ويتضح من استعراضه أن ما أدى إلى ظهورها بتوجهاتها الليبرالية القوية مثل أفكارها عن السوق الحر ورفض سياسة تدخل الدولة في الاقتصاد هو خبرتها التاريخية بما كان حادثا في إمبراطورية النمسا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكذلك في ألمانيا في نفس الفترة، إذ كان النموذج المطبق آنذاك هو دولة الرفاهية المنظمة للاقتصاد. وما أدى إلى اغترابهم أن السلطات الثقافية والتعليمية في النمسا وألمانيا كانت تمنع تعليم أي مذهب اقتصادي أو سياسي يتعارض مع هذه السياسة، ومن جراء ذلك تم تجاهل الاقتصاد السياسي الإنجليزي الداعي إلى حرية التجارة والسوق الحر وعدم تدخل الدولة، وبالتالي تم تجاهل أعمال المدرسة السائرة في نفس الاتجاه ولم يقدر لها الإنتشار وذيوع الصيت إلا خارج النمسا. هذا بالإضافة إلى أن النمسا شهدت حركة ليبرالية قصيرة العمر في ستينات القرن التاسع عشر لكنها كانت ذات تأثير قوي حيث استطاعت فرض دستور جديد على إمبراطورية النمسا، لكن سرعان ما انتهت هذه الحركة، وعاد الوضع على ما كان عليه. وهذا ما دفع المدرسة النمساوية نحو مزيد من التمسك بالمبادئ الليبرالية في مجال الاقتصاد. إن المدرسة بذلك تكون محاولة فكرية وأكاديمية للاستمرار في نشر مبادئ الحركة الليبرالية. فما لم تستطع الحركة السياسية تحقيقه عمليا حاولوا هم تحقيقه نظريا في نظرياتهم في الاقتصاد السياسي. وهذا هو السبب في عودة مبادئ الليبرالية الاقتصادية بعد النقد الماركسي اللاذع الذي وجه لها وفي أوج عصر الحركات الاشتراكية الواسعة. إن هذا السياق التاريخي-السياسي لظهور المدرسة النمساوية يجعلنا نتفهم السبب في كونهم كانوا من أتصار أشد أنواع الليبرالية تطرفا ولماذا لم يقبلوا حلولا وسطى أو أي نوع من التعايش السلمي بين فكرتهم عن اقتصاد السوق الحر وأي نوع من الإشراف أو التخطيط. إن نفس هذا السياق التاريخي-السياسي ونفس نموذج التخطيط المركزي للاقتصاد من قبل الدولة والذي كان سائدا في النمسا وألمانيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والذي أقامت المدرسة النمساوية اقتصادها السياسي بالضد معه عاد إلى الظهور على نطاق عالمي في القرن العشرين في دول غرب وشرق أوروبا والولايات المتحدة ذاتها في شكل دولة الرفاهية، وفي شكل الأنظمة الاشتراكية، وكان ذلك يعد استمرارا للبواعث التي أدت بالمدرسة إلى الظهور منذ البداية، إذ وجدت أن مناخ ظهورها يتكرر على نطاق عالمي. وهذا ما أدى إلى استمرار المدرسة في الحياة في الولايات المتحدة ذاتها في أشخاص الجيل الثاني منها وأهمهم لودفيج فون ميسز وفريدريك فون هايك. 1.النظرية الذاتية في القيمة: إن أهم ما يميز المدرسة النمساوية في الاقتصاد السياسي عما سبقها من الاقتصاد السياسي الكلاسيكي ونظرية العمل في القيمة Labor Theory of Value نظريتها الذاتية في القيمة Subjective Theory of Value والتي تتمثل في القول بأن القيمة يمكن أن تحدد من خلال إدراك الفرد وتقييمه على أساس ما يعود عليه من منفعة، وبذلك ربطت بين القيمة والمنفعة الفردية، وكان هذا الربط بداية لظهور المنظور الذاتي للقيمة والذي استمر ملمحا أساسيا لدى الاتجاه النيوكلاسيكي كله. ويتضح من هذه النظرية الجديدة في القيمة أن المدرسة النمساوية تعود إلى أفكار ومسلمات الليبرالية التقليدية؛ ومن العجيب أن تتم العودة إلى ذلك الإطار الفكري الليبرالي القديم الذي تعرض للنقد طوال القرن التاسع عشر وخاصة لتجلياته في النظريات الاقتصادية على يد ماركس، إلا أن الليبرالية التي كان يعتقد أنه قد فات أوانها كانت تقدم خدمة علمية للمدرسة النمساوية متمثلة في تمكينهم من التعامل مع نظرية النقد Money Theory في استقلال تام عن أي إحالات أو متضمنات ماركسية أو اشتراكية. كذلك يقدم لهم ذلك الإطار الليبرالي الذي كان يعتقد أنه قد فات أوانه بخدمة أيديولوجية تمكنهم من التوصل إلى النتيجة التي يهدفون إليها وهي أن السوق هو المحدد الأساسي للعملية الاقتصادية. تقدم لنا المدرسة النمساوية نماذج عديدة لنظريات اقتصادية مستقلة تماما عن مفاهيم الطبقة والصراع الطبقي ومفهوم العمل باعتباره مصدر كل قيمة والسائد لدى الماركسية والاقتصاد الكلاسيكي على السواء ابتداء من آدم سميث مرورا بريكاردو وحتى جون ستيوارت ميل. وعلى العكس من ذلك تأخذ المدرسة النمساوية المستهلك الفرد باعتباره الوحدة الأولى في تحديد القيمة، وهذا ما يمكنها من التميز عن الكلاسيك والماركسيين في نفس الوقت، ويمكنها كذلك من إقامة نظرية في السوق باعتباره مركز العملية الاقتصادية. تتضح النظرية الذاتية في القيمة ابتداء من أعمال كارل منجر مؤسس المدرسة. يذهب منجر إلى أن ما يحدد القيمة ليس الشئ النافع أو السلعة ذاتها بل علاقة الفرد بها، وهذه العلاقة تدخل فيها محددات كثيرة مثل الفرص المتاحة للحصول عليها والمعلومات المتوافرة للفرد عنها. القيمة عند منجر علاقة بين الأفراد والسلع؛ ومعنى هذا أنه يحدد القيمة باعتبارها قيمة استعمالية ويحدد القيمة التبادلية للسلع على أساس استعمالها أو فائدتها. هذه النظرية تمكن المدرسة النمساوية والاتجاه النيوكلاسيكي كله من تجاوز قضية القيمة الزائدة التي يضفيها العمل على المادة الخام في إنتاجه للسلعة، ذلك لأنهم يؤسسون القيمة، التي يفهمونها على أنها هي السعر، على فائدتها الاستعمالية متجنبين بذلك القيمة الأخرى الزائدة التي لا تتلقى العمالة المنتجة لها أجرا مقابلها. عندما تساوي بين القيمة الاستعمالية للسلعة بقيمتها التبادلية وتنظر إلى هذه الأخيرة على أنها سعر السلعة فكأنك بذلك تقول أن سعر السلعة وقيمتها هي ذاتها فائدتها للمستهلك؛ وبذلك تلغي علاقة أخرى بين السلعة ومنتجيها المباشرين وما يضفون عليها من قيمة زائدة بفضل عملهم على المادة الخام. إن النظرية الذاتية في القيمة هي السبب وراء نجاح المدرسة النمساوية في بداياتها ووراء عودة الاهتمام بها في النصف الثاني من القرن العشرين، ذلك لأنها كانت جذابة بالنسبة للاقتصاديين الانجليز والأمريكان، إذ جعلتها نظريتها الذاتية في القيمة أداة نظرية ناجحة وفعالة في إقامة اقتصاد سياسي للمستهلك وللسوق الاستهلاكية، وهو ما يناسب الطموحات العلمية لأساتذة الاقتصاد الراغبين في إقامة نظريات اقتصادية في تجنب للاقتصاد الماركسي. فعندما حدد منجر القيمة بمعايير ذاتية واستهلاكية وأدخل فيها مفاهيم التفضيلات والقرارات الفردية والفرص المتاحة أمام الأفراد..إلخ، أصبح من الواضح أنه يقيم نظرية في القيمة على أساس معيار السوق الاستهلاكي. أما يوجين فون بوم بافرك Eugen Von Bohm-Bawerk (1851-1914) فهو يعد الشخصية الأهم في المدرسة النمساوية بعد منجر وفيزر، وقد أكمل عملهما في وضع نظرية ذاتية في الفيمة. وما دفعه لوضع مثل هذه النظرية اعتقاد منهجي لديه بأننا إذا أردنا فهم الاقتصاد الكلي ووضع نظرية اقتصادية عامة فيجب أن نبدأ بما هو بسيط وأولي، والبسيط والأولي عنده هو المستهلك، ذلك لأن القيمة محددة عن طريقه. ويتضح من ذلك أن الأساس المنهجي لبوم بافرك هو الفردية المنهجية Methodological Individualism والتي تميز الاتجاه النيوكلاسيكي كله، مضاف إليها نزعة تحليلية وذرية تجعله يبدأ بالقيمة الذاتية باعتبارها بسيطة وأولية. والحقيقة أن البساطة والأولية التي يدعيها بوم بافرك زائفة، لأن القيم الذاتية تحددها عوامل موضوعية. ليس التقييم الفردي والاستهلاكي للسلع متغيرا مستقلا نستطيع الاعتماد عليه في تأسيس نظرية اقتصادية بل هي مشروطة دائما بعوامل أخرى تحدد السلوك الاستهلاكي للأفراد وتفضيلاهم السلعية. تظهر نظرية القيمة لدى النمساويين على أنها تعطي الأولوية للقيمة الذاتية واختيارات وتفضيلات المستهلك والمنتج الصغير، إلا أنها في حقيقتها طريق جانبي لتناول إشكالية السلع. إن ما يهم النيوكلاسيك حقيقة هو السلع ووضعها في السوق، وهم يتحدثون دائما عن القيمة الذاتية التي هي تفضيلات واختيارات المستهلك وهم في الحقيقة بقصدون السلع وأسعارها. إنهم لا يهتمون بالمستهلك كما يظهر من أعمالهم بل بالسلعة وكيفية تحديد سعرها، ولا ينشؤون نظرية ذاتية في القيمة إلا رغبة منهم في الربط بين سعر السلعة وآليات العرض والطلب في السوق باعتبارها المحدد النهائي للسعر، وهم بذلك يحذفون العوامل الأخرى في تحديد القيمة مثل القيمة الزائدة التي يضفيها العمل على المنتج. 2. نظرية المنفعة الحدية: أقام النيوكلاسيك على أساس نظريتهم الذاتية في القيمة نظرية أخرى عرفت بنظرية المنفعة الحدية Marginal Utility Theory وتذهب إلى أن أول وحدة من السلعة تحوز على أعلى قيمة، إذ يكون الاحتياج لها شديدا وبالتالي يكون سعرها أعلى، ويقل احتياج الفرد مع الوحدة الثانية والثالثة من نفس السلعة، وبالتالي تقل قيمة كل وحدة زائدة حتى نصل إلى وحدة أخيرة تحوز على أقل نفع وبالتالي أقل سعر ممكن تصوره. ويقول النيوكلاسيك إن الإنتاج ينظم حسب أقل سعر وفقا لهذه النظرية. لكن يخلط النيوكلاسيك بذلك مجال الإنتاج مع مجال التوزيع. إن نظرية المنفعة الحدية يمكن أن تكون صحيحة ونافعة لتاجر التجزئة، لكنها لا تصلح أساسا لصياغة نظرية اقتصادية. إنها تصلح لتفسير سلوك البقال، لكنها لا تصلح لتفسير سلوك المنتج. صحيح أن فائدة الوحدات المتتالية لنفس السلعة تتناقص، لكن هذا لا ينطبق إلا على المستهلك وفي حالات خاصة، ولا ينطبق على المنتج. تعطينا نظريات النمساويين وهما بأنهم يعطون الأولوية للقيمة الاستعمالية (الفائدة والنفع الفردي الاستهلاكي) ويلحقون بها القيمة التبادلية (سعر السلعة في السوق)، وهم بذلك كأنما يصدرون وعدا بألا يعاملوا السوق على أنه مجرد وسيط للحصول على قيمة تبادلية وحسب، أي على أرباح وتراكم رأسمالي بالتالي، بل على أنه كذلك وسيلة لإشباع حاجات الأفراد. وهم بذلك إنما يحاولون وضع بديل عن التحليلات الماركسية للقيمة الزائدة التي تختفي تماما من أعمالهم اختفاء مقصودا ومنهجيا، نظرا لأن مناقشة قضية القيمة الزائدة سوف يجرهم رغما عنهم إلى الأرضية الماركسية، وهو ما كانوا يتجنبونه بحذر. وقد تعرضت هذه النظرية لنقد حاد على يد عالم الاقتصاد والاجتماع الأمريكي ثورشتاين فبلن. يذهب فبلن إلى أنه إذا كانت كل وحدة جديدة من نفس السلعة تقل في منفعتها عن الوحدة السابقة لدى المستهلك، فإن المنتج تزيد لديه قيمة كل عنصر جديد مضاف لعملية الإنتاج. لكن يطبق النيوكلاسيك المنفعة الحدية على الإنتاج ويقيمون نظرية في الإنتاج الحدي، ويعتقدون أن كل عامل مضاف إلى العمال السابقين يكون إسهامه أقل في الإنتاج وبالتالي يكون أجره أقل، وهم بذلك يبررون خفض الأجور بحيلة نظرية. في العالم الحقيقي يتم خفض الأجور لا لأن إسهام العامل المضاف يكون أقل من سابقه بل للمحافظة على هامش ربح مناسب لرأس المال. ويتم التعبير عن المحافظة على الأرباح في علم الاقتصاد لا بنفس الاسم الصريح بل بإسم آخر يصرف النظر عن الربح ويوجه الانتباه للسعر، إذ تصبح "المحافظة على الأرباح" "محافظة على الأسعار" Maintaining Prices ، لأن المحافظة على الأسعار السائدة يضمن المحافظة على الأرباح التي حددها رجال الأعمال. يكشف فبلن عن مسلمة ضمنية في نظرية المنفعة الحدية بتناوله لصيغتها لدى المدرسة النمساوية وخاصة لدى مؤسس المدرسة كارل منجر، إذ افترضت أن المنتج بائع مباشر للمستهلك، والشاري مستهلك مباشر وأخير للسلعة. وهذا في نظر فبلن يلغي دور السوق وينظر إلى المعاملات النقدية على أنها مجرد وسيط للتبادل، وبالتالي تأتي نظرية المنفعة الحدية وتقول إن سعر السلعة، بما يتضمنه هذا السعر من تكاليف إنتاج، يتحدد بالقياس على أقل سعر لآخر وحدة منها، وأقل سعر هو أقل ما يمكن أن يدفعه المستهلك فيها، وهي بذلك تفترض أن المنتج هو الذي يباشر عملية البيع مباشرة للمستهلك، وهذا غير صحيح. هذا الإلغاء للسوق باعتباره وسيطا بين المنتج المباشر والمستهلك الأخير يتم على مستوى النظرية فقط والواقع عكس ذلك تماما. لكننا نستطيع تطوير وجهة نظر فبلن هذه ونقول إن الاحتكار يعمل على اختزال المسافة بين المنتج المباشر والمستهلك الأخير، لأنه يعمل على السيطرة على كل مراحل دوران السلع، فالاحتكار هو أن يسيطر المنتج، الذي هو الشركة الاحتكارية، على السوق وعلى حركة النقود، والسيطرة الاحتكارية على السوق تعني إلغائه باعتباره مجالا محايدا لتحديد السعر، وتعني كذلك أن يمارس المنتج الاحتكاري دور تاجر التجزئة ولا يترك أي مرحلة في دورة السلع لغيره؛ ولذلك لاقت نظرية المنفعة الحدية رواجا مذهلا ابتداء من العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر وطوال القرن العشرين، وهي نفس فترة ظهور الاحتكارات، لأن هذه النظرية تخدم الاحتكار جيدا بكشفها عن مبدأ جديد لإدارة السوق والسيطرة عليه، فهي تلغي السوق المحايد على المستوى النظري بإعطائها توجيها للمنتج بكيفية تحديد سعره إذا أراد أن يسيطر على السوق. لقد ألغت المسافة بين المنتج المباشر والمستهلك الأخير على مستوى النظرية، وكان هذا الإلغاء هو ما تحاول الاحتكارات الناشئة القيام به بالفعل، وبذلك تلاقت النظرية مع الواقع في نوع من التشابه العضوي أو المختار Elective Affinity . ولذلك تبنى علم الاقتصاد السائد تلك النظرية وهو مدعم بسند واقعي مما كان يحدث بالفعل. لا يمكن أن تُلغى المراحل الوسيطة بين المنتج والمستهلك إلا في ظل السيطرة الاحتكارية عليها، أي على السوق. وهكذا أصبحت نظرية المنفعة الحدية هي الأداة النظرية والحسابية الأساسية لعلم الاقتصاد المعاصر الذي هو اقتصاد احتكارات في الأساس. تعبر نظرية المنفعة الحدية عن الوعي العام الشائع لرجال الأعمال، إذ يمكن التعبير عنها بكلمات عامة كما يلي: المنتج ينتج سلعا بهدف الربح، لكنه يحسب هذا الربح على أساس القدرة الشرائية للمستهلك، وكلما كان المستهلك مستعدا لدفع سعر أعلى في السلعة كان ربح رجل الأعمال أعلى؛ ويستعد المستهلك لدفع سعر أعلى في السلعة كلما كان أكثر احتياجا لها. وأخشى ما يخشاه رجل الأعمال هبوط الأسعار لأنه يعني هبوط أرباحه، وهبوط الأسعار يأتي من زيادة عرض السلع، وبالتالي يمنع رجل الأعمال هبوط الأسعار بحبسه للإنتاج والسيطرة عليه. ولأن هدف رجل الأعمال الربح فإن القضية التي تشغله هي أقل سعر يمكن أن تباع به السلعة في السوق. ولأن السوق حر ويسير نفسه بنفسه فيجب بالتالي البحث عن السبب الذي يجعل سعر السلعة يهبط إلى أدنى حد لها. وأدنى حد لسعر السلعة هو أدنى حد لاحتياج المستهلك لها. عندما لا تكون سلعة معينة نافعة للمستهلك فلن يشتريها أصلا، وبذلك لن تتصف تلك السلعة بالمنفعة الحدية لأنه ليس لها نفع من البداية؛ سلعة المنفعة الحدية هي السلعة ذات المنفعة لكنها المنفعة القليلة للغاية التي تؤدي إلى هبوط أسعارها. وهنا تتحول النظرية الاقتصادية إلى الرياضيات؛ فعن طريق المسائل الرياضية والرسوم البيانية وخطوطها المنحنية الصاعدة والهابطة توضح النظرية اتجاه الأسعار نحو الصعود أو الهبوط بالتناسب مع الكمية المعروضة من السلع والطلب عليها، ذلك الطلب الذي هو الاسم الآخر للمنفعة الحدية. وهنا بالضبط يكمن خطأ الاقتصاد النيوكلاسيكي، لأن المنتج في العالم الحقيقي لا ينتج سلعته ويبيعها حسب منفعتها الحدية، أي حسب أقل سعر لها في السوق. إن المنفعة الحدية هي الكارثة التي يتجنبها المنتج باستمرار لأنها تعني أقل سعر لسلعته وبالتالي تقلص واختفاء هامش ربحه، إذ يمكن أن تصل المنفعة الحدية للسلعة إلى أقل من سعر إنتاجها. تعبر نظرية المنفعة الحدية عن النقطة التي يخسر عندها رجل الأعمال، وكأنها تقول له: "هنا تخسر ولذلك تجنب الوصول إلى هذه النقطة"، ويتم تجنب الوصول إلى المنفعة الحدية بحبس الإنتاج خوفا من أن يؤدي الإنتاج الوفير إلى هبوط في الأسعار. إن نظرية المنفعة الحدية هي في حقيقتها توجيه لرجال الأعمال. 3. نظرية سلوك المستهلك: على أساس النظرية الذاتية في القيمة أقام النيوكلاسيك نظرية أخرى عرفت بـ"نظرية سيادة المستهلك" Consumer Sovereignty ، والتي تعرف أيضا باسم "نظرية سلوك المستهلك" Consumer Behavior ، وتنص على أن الهدف النهائي لنظام الإنتاج هو بيع السلعة للمستهلك، وبذلك يكون هو النقطة الأخيرة والمحطة النهائية لكل العملية الاقتصادية. والسعر يتحدد بناء على درجة احتياج المستهلك للسلعة، وبالتالي تتحدد تكاليف الإنتاج بناء على السعر الذي يقبل أن يدفعه المستهلك. المستهلك بقراره الشرائي هو الذي يحدد كل عملية الإنتاج، وبذلك تكون له السيادة • . الحقيقة أن المستهلك في ظل الإنتاج الصناعي ليست له تلك السيادة المدعاة، لأنه مجبر على تطويع احتياجاته مع ما يطرحه الإنتاج، إذ تتعرض السلع الاستهلاكية لتوحيد المقاييس Standardization ، وعلى المستهلك أن يتكيف معها، وسلوكه تابع دائما لهذه العملية ولكل تجديد أو تغيير في السلع، وليس سلوكه مستقلا أبدا تجاه الانقلابات التي تحدثها فنون الإنتاج على السلع. يقول فبلن عن السلع: "إن درجتها ودوامها ومستواها وتتابعها ليست مسألة اختيارية لدى الأفراد، بل إن العملية الإنتاجية هي المتحكمة في ذلك، إذ تجبر السلع وبالتالي منتجيها ومستهلكيها معا على الالتزام بمقاييس واحدة.. ثم تأتي بعد ذلك مرحلة من التنميط والتحول الآلي لتفاصيل الحياة اليومية". لا معنى بعد ذلك للحديث عن حاجات بشرية أولية سائدة لدى كل الأفراد، فالحاجات أصبحت خاضعة لما تقدمه الصناعة من سلع. إن فكرة سيادة المستهلك خرافة، لأن السيادة الحقيقية للمؤسسة الاحتكارية وما تنتـجه من سلع. ليس المستهلك سوى نتاج الممارسات التسويقية للشركات من دعاية وإعلان وما يصاحبها من دراسات في علم النفس وعلم التسويق. عندما يتحدث النيوكلاسيك عن سيادة المستهلك ويتخذونه النقطة الأساسية للتحليل الاقتصادي فهم بذلك يسيرون في نفس الطريق الأيديولوجي الذي رسمه النظام الرأسمالي، إذ يتم نفاق المستهلك وإيهامه بأنه هو السيد. إن اتخاذ المستهلك عنصرا أساسيا في التحليل يعني أن النيوكلاسيك قد أخذوا صنيعة أيديولوجية زائفة للنظام الرأسمالي كمبدأ في التحليل. صحيح أن المستهلك موجود بالفعل، وصحيح أن سلوكه قابل لأن يقاس ويحلل، إلا أنه السطح الظاهري الأيديولوجي للمجتمع الرأسمالي كما ذهب ماركس من قبل، لا حقيقته الباطنة. ويوضح فبلن أن نظرية سلوك المستهلك تكشف عن التحيز الفردي للاقتصاد النيوكلاسيكي ونزعته النفعية، ويقول في ذلك: إن نظرية دقيقة للسلوك الاقتصادي لا يمكن استقائها من الفرد ببساطة، حتى للأغراض الإحصائية –كما هو الحال في اقتصاديات المنفعة الحدية- لأنها لا يمكن أن تـُستنج بمفردات الطبيعة البشرية؛ ذلك لأن الاستجابة التي تشكل السلوك الإنساني تحدث في ظل معايير مؤسسية (إجتماعية) وتحت مثير ذي طابع مؤسسي". ينقد فبلن في هذا النص الآتي: 1. رد الأداء الاقتصادي إلى سلوك الأفراد. 2. النظر إلى سلوك الأفراد على أنه يصدر عن طبيعة بشرية سابقة في وجودها على المجتمع ومؤسساته. 3. تصوير هذه الطبيعة البشرية على أنها نفعية وأنانية. 4. تجاهل السياق المؤسسي أو الاجتماعي الذي يشرط السلوك الفردي ويشكل له مثيرا. 5. اعتماد سلوك الأفراد باعتباره دالة إحصائية بحجة أنه يمكن حصره وقياسه، حيث يقام على هذه الدالة نظرية في الأداء الاقتصادي لمجتمع بأكمله. وبناء على أن سلوك المستهلكين يمكن حصره وقياسه فقد وجدت ظاهرة ترييض الاقتصاد Mathematization of Economics طريقها لعلم الاقتصاد الحديث. إن هذه الظاهرة مستندة هي الأخرى على أيديولوجيا سلوك المستهلك. إذا كان المستهلك يكشف في سلوكه عن انتظام ما يمكن حصره وقياسه والتعبير عنه بالأرقام ولغة المعادلات الرياضية فما ذلك إلا لأن سلوكه خاضع هو نفسه للتقنين والسيطرة الإعلامية ولنظم إدارة السوق في الشركات الكبرى. هذه النظم تضع للأفراد قواعد تفرض عليهم قيامهم بسلوك المستهلك، وبالتالي فليس سلوك المستهلك مبدأ أوليا يمكن الانطلاق منه للتحليل الاقتصادي، لأنه نتاج النظام الذي ينبغي دراسته. ما لم ينتبه إليه النيوكلاسيك وهم يصوغون نظرية سلوك المستهلك أن هذا المستهلك هو في نفس الوقت منتج، إنه ينخرط في إنتاج نفس السلع التي يستهلكها. فسواء كان المرء منشغلا بعمل إنتاجي أو خدمي فهو يساهم بنصيب في مجموع ثروة المجتمع كله، لأن العمل في ظل العصر الصناعي عمل اجتماعي يسهم فيه الكل. الفرد منتج ومستهلك في نفس الوقت، لكن يعتم علماء الاقتصاد على هذه الحقيقة ويعزلون جانب الإنتاج عن الفرد ولا يركزون إلا على كونه مستهلكا، أي يستبعدون ثلاثة أرباع ساعات يقظة المرء التي يقضيها في الإنتاج ويركزون على الساعة الواحدة التي يكون فيها مستهلكا. إذا نظرنا إلى أفراد المجتمع على أنهم منتجين ومستهلكين في نفس الوقت فسوف يتبين أن من حقهم نصيبا أكبر من السلع التي ينتجونها، لأن ما يحصلون عليه من سلع لا يتناسب مع الكمية التي ينتجونها. وعلى أساس نظرية سيادة المستهلك يقيم النيوكلاسيك نظرية أخرى في سلوك المنتج، وتتضح هذه النظرية ابتداء من بوم بافرك، إذ يذهب إلى أن نفس القواعد التي تحكم المنتج هي التي تحكم المستهلك، والسبب أن المنتج ينتج السلع التي يستهلكها المستهلك ويقيمها ويحدد أسعارها بسلوكه الشرائي. وهذا أسلوب مراوغ لإعطاء الأولوية لنظرية القيمة الذاتية. الحقيقة أننا بالربط بين سلوك المنتج وسلوك المستهلك إنما نقف على السطح الظاهري للمجتمع الرأسمالي، ففي هذا المستوى الظاهري نجد أن المنتج ينتج بالفعل تلك السلع التي يستعد المستهلك لدفع سعرها، وهذا مستوى جزئي في التحليل لا يصلح إلا لوصف سلوك المنتج الصغير وللإنتاج السلعي في كل نظام اقتصادي سابق على الرأسمالية. أما الإنتاج السلعي في النظام الرأسمالي فلا يحتل فيه المستهلك تلك الأهمية المدعاة، لأن المستهلك كما قلنا نتاج لنظام الإنتاج، ذلك النظام الذي لا ينتج السلع وحسب بل ينتج مستهلكيها في نفس الوقت. إن أفعال المنتج لدى المدرسة النمساوية يحددها سلوك المستهلك، بحيث يصبح الإنتاج كله مشروطا بالاستهلاك، وهذا ما يتيح للمدرسة أن تعالج تكاليف الإنتاج في ضوء منفعة السلعة. ويعد هذا تغييرا كبيرا في أفكار الاقتصاد الكلاسيكي، لأنه يجعل الإنتاج مشروطا ومحددا بالقيمة الإستعمالية، ورابطا القيمة التبادلية أو السعر بنفس تلك القيمة الاستعمالية. إن الإسهام الأساسي للمدرسة النمساوية يتمثل في أنها خرجت عن الكلاسيك في تحديدهم للإنتاج على أساس القيمة التبادلية، فالسعر لدى الكلاسيك يتحدد على أساس القيمة التبادلية للسلع في السوق، أما النمساويون والنيوكلاسيك من بعدهم فعلى العكس، إذ حددوا الإنتاج بالقيمة الاستعمالية، والقيمة التبادلية ذاتها بالفائدة أو المنفعة وذلك في اتفاق مع نظريتهم الذاتية في القيمة والمنفعة الحدية. لكنهم لا يزالون معرضين للنقد الماركسي رغما عن ذلك، لأن القيمة الاستعمالية ذاتها من إنتاج النظام الرأسمالي ومشروطة به ولا يمكن أن تكون متغيرا مستقلا. فكما قال ماركس في "معالم نقد الاقتصاد السياسي"، فإن رغبات وتفضيلات واختيارات المستهلك تخلقها السلع، تلك السلع التي يخلق مجرد ظهورها في السوق حاجات جديدة، وكأن السلع تأتي معها بالحاجة إليها في السوق: لا تنشأ الرغبة في الشئ ما لم يكن هذا الشئ معروضا في السوق من قبل. 4. نظرية التوازن: من أشهر نظريات الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي نظرية التوازن Equilibrium Theory، وتهدف هذه النظرية في صياغاتها المختلفة إثبات أن السوق الحر المتروك لقوانينه الخاصة سوف يصل إلى استقرار ما في الأسعار وتوازن بين العرض والطلب وبين الموارد المتاحة والقدرة على تعبئتها وتشغيلها، وبين أرباح المجالات الصناعية المختلفة، وبين قدرة المجتمع على العمل وقدرة رأس المال على تحقيق الربح. تظهر نظرية التوازن ابتداء من منجر مؤسس المدرسة، وقد بدأت النظرية حسب صياغته لها باعتبارها إعادة طرح للتناول الليبرالي التقليدي لمشكلة النظام وكيف ينتج تلقائيا عن أفعال الأفراد دون تخطيط مقصود، ولمشكلة الخير العام الذي يتحقق من خلال الأفراد. يتسائل منجر: "كيف يمكن للمؤسسات التي تخدم الرفاهية العامة والضرورية لنمو هذه الرفاهية أن تظهر إلى الوجود دون إرادة عامة موجهة نحو تأسيس مثل هذه المؤسسات؟". ويجيب منجر على نفسه قائلا أن الرفاهية العامة تتحقق عن طريق إشباع الأفراد لاحتياجاتهم، والإشباع متبادل بين الأفراد، بحيث يشبع الواحد منهم احتياجاته عن طريق الآخر، وهذا الإشباع المتبادل يتم عن طريق السوق. السوق إذن هو المؤسسة العامة التي تحقق الخير العام، ولضمان هذا الخير العام يجب ضمان عمل هذا السوق حرا من أي تدخل لأنه بطبيعتته مجال محايد ووسيط لتحقيق الإشباع المتبادل للحاجات ويجب أن يظل محايدا للمحافظة على طابعه العام والكلي. السوق حسب منجر إذن ليس في حاجة إلى تنظيم Regulation لأنه ذاتي التنظيم، بل هو في حاجة إلى تنسيق Co-ordination بين عملياته والأطراف الفاعلة فيه. ثم يتوصل منجر إلى صياغة سؤال جديد: "كيف يكون التنسيق المتبادل للسوق ممكنا؟"، ويجيب قائلا أن هذا التنسيق المتبادل هو النتيجة التي يحققها السوق إذا ما ترك حرا وليس أبدا البداية التي يبدأ منها. ويحقق السوق التنسيق المتبادل إذا ما ترك حرا وظل يعمل في ظل حرية كاملة. وكانت فكرة التنسيق المتبادل Mutual Coordination كنتيجة لآليات السوق الحر هي بداية صياغة المدرسة النمساوية لمفهومها عن التوازن Equilibrium . سميت نظرية التوازن في بدايات الاتجاه النيوكلاسيكي بنموذج التوازن العام General Equilibrium . ظهرت بدايات هذا النموذج عند والراس ثم فيزر وفون ميسز في أواخر القرن التاسع عشر، وفي بداية القرن العشرين سادت الاتجاه النيوكلاسيكي كله. وينص هذا النموذج على أنه في عالم يحتوي على تجار يحاولون الحصول على أقصى ربح تجاري ومالكي موارد يحاولون الحصول على أكبر عائد من مواردهم (وهؤلاء يشملون من يملكون سواعدهم كمورد وحيد لهم)، فمن الممكن "تخيل" نظام في "أسعار" الموارد والسلع يتيح الآتي: 1. يتيح لكل الأطراف الداخلة في التبادل أن تبادل كل ما تملكه دون أن يبقى لديه شئ، وبالتالي استبعاد خطر فرط الإنتاج Over-Production. 2. يتيح لكل أطراف التبادل أن تحسن من رفاهيتها معا وفي نفس الوقت ودفعة واحدة، أي دون أن يكون مكسب الواحد منهم على حساب خسارة الآخر كما يحدث في العالم الحقيقي. ويستند هذا النموذج في التوازن العام على عدة افتراضات، منها أن المستوى القائم من التطور التكنولوجي متاح للجميع ومفتوح بالكامل أمام الكل، أي مشاعية التكنولوجيا وعدم تمكن طرف ما من احتكارها ومنعها عن الآخرين بحجة حق الملكية الفكرية كما يحدث في العالم الحقيقي، واستبعاد نهائي للملكية الخاصة للاختراعات العلمية والتكنولوجية وما يحكمها من قوانين السوق الاحتكارية؛ كذلك افتارض ثبات في الطلب يعتمد على ثيات في خيارات المستهلك؛ وافتراض بأن الموارد متاحة للجميع في ظل منافسة عادلة وليس احتكارا لها عن طريق الملكية الخاصة لمصادرها كما يحدث في العالم الحقيقي. وبالإضافة إلى الانتقادات المتضمنة لهذا النموذج من خلال افتراضاته السابقة فإن لنا ملاحظات أخرى عليه: 1. يعامل النموذج المنتجين باعتبارهم تجارا ولا يميز بينهم، أي يساوي بينهم باعتبارهم داخلين مباشرة في عملية التبادل بعد أن ينتجوا منتجاتهم، وهو يفترض أن المنتج يمارس البيع المباشر للمستهلك دون وسيط، ويفترض تساوي بائع الموارد وبائع السلع وبائع قوة العمل بما أنهم جميعا يدخلون في علاقة تبادل، لاغيا بذلك الفروق الجوهرية بين الرأسمالي والعامل وتاجر الجملة وتاجر التجزأة..إلخ. 2. تتسع في هذا النموذج فئة مالكي الموارد حتى أنها تشمل العمال بما أنهم يملكون موردا هائلا هو قوة العمل، وبالتالي فالنموذج يعامل قوة العمل على أنها من موارد الإنتاج مثلها مثل المواد الخام والطاقة، ومن ثم ينظر إليها على أنها سلعة تتم مبادلتها نظير سعر؛ وفي النهاية يعامل العمال كما لو كانوا طرفا من أطراف التبادل، وكما لو كان الجميع تجارا. 3. يحاول النموذج الإيحاء بأن التوازن المرتجى يمكن أن يتحقق عن طريق نظام متوازن في أسعار السلع. فبما أن الجميع تجار، وبما أن العمال أيضا يملكون سلعة هي قوة عملهم، فإن الكل لديه شيئا يبادله، وبالتالي فالتوازن بينهم يمكن أن يتحقق عن طريق نظام متوازن في أسعار السلع الداخلة في عملية التبادل. 4. وبالتالي يتحقق التوازن العام عن طريق سياسة نقدية في التسعير. ولا تتمثل هذه السياسة النقدية في فرض أسعار معينة على السوق، بل في ترك السوق حرا من أي تدخل حتى يثبت أسعاره بنفسه، وبالتالي يكون توازن الأسعار علامة على توازن المجتمع والنظام الاقتصادي كله. السياسة النقدية إذن هي السبيل نحو إحداث توازن عام في المجتمع. تحولت هذه النتيجة إلى إحدى العقائد الثابتة لليبرالية الجديدة وللمؤسسات المالية العالمية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فالأداة الناجعة لحل جميع مشكلات المجتمعات البشرية حول العالم في نظر هذه المؤسسات هي تطبيق توصياتها في مجال السياسات النقدية فيما يخص أسعار الصرف والفائدة. إن ما يسيطر على النيوكلاسيك وهم يبحثون في موضوع التوازن هو رغبتهم في التركيز على مجال التبادل وعلى السوق، فما يراد له التوازن عندهم هو السوق، عمليات البيع والشراء، وما يخشونه هو الكساد أو فرط الإنتاج: وجود بضاعة لا يتمكن الناس من شرائها، أي أن يكون معدل الإنتاجية أعلى من احتمال السوق وقدرته الاستيعابية. ومن هذا المنطلق يأخذون في بحث كيفية حدوث توازن، وهذا ما يجعلهم يتناولون الأسعار والدخول والتقييم الذاتي للسلع واختيارات المستهلك. وهم يسلمون بأن التوازن في مجال الإنتاج نفسه وبين مجال الإنتاج ومجال التوزيع يتحقق إذا ما توصلنا إلى توازن السوق. 5. منهجية الاقتصاد النيوكلاسيكي: يكشف الاقتصاد النيوكلاسيكي عن عدد من الملامح المنهجية السائدة لدى أعلامه والمنتشرة بينهم على الرغم من القليل من الاختلافات النوعية بين عالم وآخر. ولأن الاقتصاديين الينوكلاسيك تسيطر عليهم الأيديولوجيا، وهي المتمثلة في تحويل العلم الاقتصادي إلى مبرر للنظام الرأسمالي كما رأينا في الصفحات السابقة، فإن هذا الطابع الأيديولوجي لعلمهم ينعكس على المنهجية التي يسيرون عليها ويؤدي إلى تشويهها في النهاية، وذلك بأن تسيطر عليها نزعات صورية وفردية ووضعية كما سيتضح فيما يلي. أ. الإبستمولوجيا الوضعية: نتيجة لسعي علماء الاقتصاد الينوكلاسيك نحو جعل العلم الاقتصادي علما دقيقا منضبطا، وضعوا أمام أعينهم نموذج العلم الطبيعي الذي حاز على الدقة ودرجة الصدق العالية استنادا على اعتماده على الرياضيات، وهو الفيزياء النيوتونية. لكن محاولة التشبه بالعلم الطبيعي في إقامة علم اجتماعي إنساني مثل الاقتصاد تؤدي في النهاية إلى نزعة وضعية تختزل الحياة البشرية في قوانين تشبه القوانين الفيزيائية، وهذا ما حدث بالفعل مع النيوكلاسيك. يستند الاقتصاد النيوكلاسيكي على ابستمولوجيا مستقاة من نموذج العلم الطبيعي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أو ما يعرف بالفيزياء النيوتونية. يتكون هذا النموذج من قوانين حول حركة الأجسام واتجاهات وسرعات هذه الحركة بناء على قوانين الجاذبية والكتلة والطاقة. واعتماد الاقتصاد النيوكلاسيكي على هذا النموذج يجعله يعامل موضوعه كما لو كان أجساما وطاقة ومادة، وكما لو كان يشكل نسقا مغلقا ينـزع دائما نحو التكامل، والملاحظ أن مفهوم التكامل ظهر لأول مرة في فيزياء نيوتن لوصف ما يحدث داخل نسق جاذبية مغلق مثل المجموعة الشمسية. يصرف الاقتصاد النيوكلاسيكي نظره عن أن موضوعه الحقيقي ليس حركة فيزيائية لأجسام داخل نسق مغلق بل هو حركة البشر التي لا يمكن فهمها بالتوازي أو التشبيه بحركة الأجسام الفيزيائية. وتظهر نتيجة هذه المنهجية في تعامل الاقتصاد النيوكلاسيكي مع الإنتاج كما لو أنه طاقة، ومعاملة دوران السلع باعتبارها تسير في قنوات مثل سريان الطاقة والتي تنـزع دائما نحو التكامل، أي نحو التوزع العادل حسب قوانين الطاقة. والملاحظ أن نموذج الفيزياء النيوتونية هذا قد تجاوزه العلم المعاصر عن طريق النظرية النسبية ونظرية الكوانتم، ولذلك فإن العلمية التي يدعيها الاقتصاد النيوكلاسيكي كاذبة، نظرا لتجاوز العلم المعاصر للنموذج العلمي الذي يقلده النيوكلاسيك. لكن يظل النيوكلاسيك متمسكين بالنموذج العلمي للفيزياء النيوتونية نظرا لحاجتهم الأيديولوجية إليها، إذ تخدمهم جيدا في هدفهم الأساسي وهو إضفاء العقلانية على نظام غير عقلاني، وإضفاء الطابع العلمي على ما ليس إلا تبريرا أيديولوجيا للرأسمالية. ب. النـزعة الصورية والهوس بالرياضيات: يسعى النيوكلاسيك نحو جعل علم الاقتصاد علما تصنيفيا Taxonomic مولع باختراع الفئات والأصناف والمقولات، وبتقسيم وتوزيع كل الواقع بتنوعاته الهائلة على هذه الفئات: الإيجار العقاري والفائدة وأجر العمل، الأرض ورأس المال وقوة العمل، مقاول الأعمال والسوق الحر..إلخ. صحيح أن هذه الفئات تعبر عن شئ من الواقع، إلا أنها لا تعبر عنه كله وبدقة. فغالبا ما يعمل علماء الاقتصاد على فهم الواقع الاقتصادي بناء على هذه التصنيفات المسبقة لا بناء على البحث الواقعي، وبذلك فهم يحشرون الواقع في هذه التصنيفات المقولية بصرف النظر عما إذا كانت تستجيب للواقع أم لا. تكشف تلك النـزعة التصنيفية عن فلسفة في الماهيات وعن مفهوم عن طبيعة إنسانية ثابتة ذات حاجات بيولوجية فردية، وعن تبنيهم لمفهوم عن قانون طبيعي ثابت وأزلي عبر التاريخ غير خاضع للتغيرات الاجتماعية والتاريخية. ومن هذه الخلفية يسعى علماء الاقتصاد الكلاسيك والنيوكلاسيك على السواء نحو البحث عن انتظامات Uniformities ، وعن قوانين أزلية تحكم السلوك الاقتصادي، ونحو وضع نظرية في التوازن الاقتصادي Equilibrium يدَّعون أن الواقع يكشف عنها. وهذا التوازن الذي يتكلمون عنه ليس سوى توازن وتكامل نظريتهم الاقتصادية نفسها لا توازن وتكامل الواقع، وفي النهاية تعبر فكرة التوازن لديهم عن التوازن النظري باستخدام المعادلات الرياضية والمسائل الحسابية. وبذلك ينغلق علمهم على نفسه ولا ينفتح أبدا على التنوع الاجتماعي للطبيعة الإنسانية و البعد التاريخي للنظم الاجتماعية. كما يختزل النيوكلاسيك مفهوم الثروة في مفهوم الثروة النقدية وينظرون إلى المنفعة Utility على أنها الربح المالي لا الوفرة والرخاء الإنتاجي. وهذا ما يؤدي بهم إلى التعامل مع الإنتاج والتوزيع والتبادل ودوران رأس المال بلغة الأرقام، تلك الأرقام التي يدخلونها في معادلات رياضية وجداول ورسوم بيانية. واعتقادهم أن ما توصلوا إليه من معادلات رياضية هو القوانين الاقتصادية الحاكمة لحياة البشر يجعلهم يختزلون غنى وتعقد الحياة البشرية والتتابع السببي التاريخي للحوادث إلى تتابع منطقي لخطوات البرهان الرياضي معتقدين أن هذا هو العلم في حين أنه هو الوهم بعينه. سعى النيوكلاسيك، وخاصة في الولايات المتحدة، نحو تطوير التحليلات الرياضية الاقتصادية، وكان الموجه لهم في ذلك رغبتهم في إثبات أن التكاليف الفردية والتكاليف الاجتماعية متساوية، على الرغم من عدم تساويها واقعيا. وبكلمات أخرى سعى هؤلاء نحو توضيح أن المجتمع ليس سوى مجموع أفراده المكونين له، وبالتالي ليس في حاجة إلى ترتيبات اقتصادية خاصة به مختلفة عن الآليات التلقائية للسوق والتي تضمن رفاهية الأفراد؛ وكانوا في ذلك يكشفون عن التمسك بالعقيدة الليبرالية التقليدية عن السوق الحر وعن عدم استقلال المجتمع عن الأفراد المكونين له وعدم تشكيله لكيان مختلف عن الأفراد. إن السبب الذي يجعل علماء الاقتصاد النيوكلاسيكي يلجأون إلى الرياضيات هو أنه كلما اتخذت النظرية الاقتصادية طابعا صوريا رياضيا كلما ظهرت كما لو أنها ابتعدت عن الأيديولوجيا، لأنها بذلك تركز على الشكل و لاتنطوي على أي مضمون يمكن أن تشوبه الأيديولوجيا. إن هذا النوع من النظريات بذلك يصبح منعزلا عن الواقع وعن كل ما هو خارج المعادلة الرياضية. فالنظرية الاقتصادية الرياضية ليست إلا معادلات لا تقول لنا الكثير عن العلاقات السببية بين الأحداث، كما أنها لا تقوم بشئ إلا أن تعطي وصفا لحالة من الاعتمادات المتبادلة بين متغيرات. إن ظاهرة الاعتماد الداخلي المتبادل بين عناصر نظام اقتصادي مصاغ بلغة رياضية مثل نظرية والراس على سبيل المثال لا تنشأ إلا لأن هذا النظام هو نظام في التوازن الثابث Static Equilibrium ، ومثل هذا النظام يقوم بتثبيت المتغيرات الاقتصادية الحقيقية التي لا تعرف توازنا ثابتا أبدا بل تشهد تغيرات دائمة؛ وإذا ما شهد الواقع شيئا من التوازن فلن يكون إلا توازنا مرحليا ومؤقتا بين تغيرين، أي توازنا ديناميا ينتقل بين تغيرات. ومن بين الأسباب التي مكنت علماء الاقتصاد من التعامل مع الاقتصاد رياضيا تطور الاقتصاد نفسه إلى الدرجة التي جعلت التعامل الرياضي معه ممكنا. وقد جاء هذا التطور في شكل مزيد من الاستقلال للمجال الاقتصادي عن مجالات الحياة الأخرى وعن الإرادة الإنسانية، مما جعل الاقتصاد عصيا على التحكم البشري الواعي وأصبحت له قوانينه الخاصة التي يخضع لها البشر أنفسهم. فمع ازدياد استقلال العملية الاقتصادية عن الإرادة البشرية، ومع ازدياد انغلاق عالم الإنتاج الرأسمالي أمام التحكم البشري الواعي يجد البشر أن ما صنعته أياديهم استقل عنهم وأصبح متحكما فيهم. وعندما ينعزل الاقتصاد عن الإرادة البشرية تتخذ قوانينه شكل القوانين الطبيعية، وعندئذ فقط تتمكن الرياضيات من التعامل معه. إن كثرة استخدام الرياضيات في التحليلات الاقتصادية يقف دليلا على اغتراب البشر عن شروط حياتهم المادية حتى أنها أصبحت تشكل كيانا مستقلا عنهم وتتحكم فيهم كما لو كانت قوانين الاقتصاد بحتميتها وضرورتها القاهرة تشكل طبيعة ثانية. ومن الأسباب التي تجعل الاقتصاد الينوكلاسيكي يحول العلم الاقتصادي إلى علم رياضي هدف أيديولوجي يتمثل في أن اللغة الرياضية الصورية والرمزية تمكن النيوكلاسيك من التعامل مع الاقتصاد شكليا وصوريا عازلين بذلك المضمون العيني لعلمهم والذي يتمثل في الحياة الحقيقية للبشر. فعلى سبيل المثال، يعتم العلم الاقتصادي الرياضي على التناقض الطبقي، بل ويلغيه تماما؛ ذلك لأن الأطراف الاجتماعية الداخلة في العملية الإنتاجية لا تظهر إلا باعتبارها رموزا متساوية القيمة؛ فيتم التعبير عن رأس المال والعمل المأجور بـ (س) و(ص). تعامل اللغة الرياضية هذه الرموز على أنها تنتمي إلى فئة واحدة، فئة المتغيرات، وبذلك ينظر من يتعامل مع الواقع إلى هذه الرموز على أنها متساوية الدلالة في حين أنها تعبر عن أوضاع طبقية مختلفة تماما بينها تراتب سلطوي وخضوع طرف للآخر. إن التعبير عن رأس المال والعمل بـ(س) و(ص) يخدم أيديولوجيا الاقتصاد النيوكلاسيكي جيدا لأنه يتفق مع الوهم الذي تنشره هذه الأيديولوجيا والقائل بالتساوي بين رأس المال والعمل المأجور باعتبارهما طرفين متساويين في علاقة تعاقد حرة وقانونية. 6. تبرير الاقتصاد النيوكلاسيكي للرأسمالية: إن المشكلة الأساسية التي تعاملت معها الليبرالية الجديدة، والتي ورثتها من الاقتصاد النيوكلاسيكي، هي مشكلة القيمة الزائدة: كيف تبرر استحواذ الرأسمالي على تلك القيمة الزائدة التي تسميها ربحا؟ كيف تبرر أرباح الرأسمالية؟ إن تبرير حصول الرأسمالي على الربح من أهم القضايا الحساسة بالنسبة لأي أيديولوجيا مبررة للرأسمالية، وذلك نظرا لأن قضية القيمة الزائدة كانت محل نقد ماركس. أعلن ماركس منذ أربعينات القرن التاسع عشر أن القيمة الزائدة نتاج للعمل البشري وحده، لكن يستحوذ الرأسمالي عليها بفضل موقعه الحاكم والمسيطر في العملية الإنتاجية، وبفضل علاقة التراتب الطبقي بين رأس المال والعمل المأجور. وبالتالي نظر ماركس إلى القيمة الزائدة على أنها نتاج عمل غير مدفوع الأجر. وفي مواجهة الهجوم الماركسي على البناء الطبقي للرأسمالية الذي يتيح لرأس المال الاستحواذ على القيمة الزائدة، إنشغل الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي في الدفاع عن الرأسمالية بتبرير حصول رأس المال على القيمة الزائدة المصدر الأساسي لربح الرأسمالي. وكان خطاب الليبرالية الجديدة وريث الاقتصاد السياسي النيوكلاسيكي في الدفاع عن حق الرأسمالي في القيمة الزائدة وتبرير ما يحصل عليه من ربح. وقد تمثل هذا التبرير في الحجج الآتية: أ. حجة حق الملكية: وهي أكثر الحجج سذاجة وضعفا، إذ تقول أن الرأسمالي يملك رأس المال وأدوات الإنتاج، وبالتالي فما يأتي به هذا الرأسمال من ربح من حق مالكه. وتتحول هذه الحجة إلى الثناء على الرأسمالي لكرمه ومحبته لمجتمعه وللإنسانية لسماحه لما يملكه من أدوات إنتاج أن تعمل مشغلة بذلك أيدي عاملة ومنتجة لسلع يحتاج إليها المجتمع، وقد كان يستطيع أن يحجب رأسماله عن العمل، فهذا من حقه بناء على ملكيته الخاصة لرأسماله. لكن من أين أتى الرأسمالي برأسماله وأدوات إنتاجه؟ من أرباح سابقة، فما يملكه من أدوات إنتاج ليس إلا نتيجة تراكم أرباح تحصل عليها في الماضي. ومن أين أتى بهذه الأرباح السابقة؟ من استحواذه على القيمة الزائدة التي يضفيها العمل على المادة الخام ليصنع منها سلعا وتحويل هذه القيمة الزائدة إلى تراكم رأسمالي. تتغافل هذه الحجة عن حقيقة أن ما يملكه الرأسمالي هو نتاج تراكم عمل سابق لأشخاص آخرين استحوذ عليه الرأسمالي بفضل وضعه الطبقي المسيطر في العملية الإنتاجية؛ كما ننغافل الحجة عن حقيقة أن قوى الإنتاج في المجتمع لا تصبح ملكية خاصة لأشخاص إلا في ظل نظام معين في تقسيم العمل والثروة على أساس طبقي. إن الوضع الطبقي للرأسمالي باعتباره مسيطرا على العملية الإنتاجية هو الذي يمكنه من تحويل القيمة الزائدة إلى رأس مال جديد يكون من حقه وحده طبقا لحق الملكية الخاصة. ب. حجة التوزيع العادل: تذهب هذه الحجة إلى أن الرأسمالية عادلة لأنها تعطي لكل طرف في العملية الإنتاجية ما يساوي قيمة عمله. بمعنى أن ربح الرأسمالي يكون مقابل عبقريته ومواهبه النادرة في إدارة المشروع ومبادرته ومخاطرته بأمواله..إلخ، وأجر العامل هو حقه الذي يتلقاه نظير بذل قوته. ترجع هذه الحجة إلى الاقتصادي الأمريكي جون بيتس كلارك الذي ذهب إلى التدليل على تلك الحجة بقوله أنه إذا انسحب عامل واحد من العمل فسوف تنخفض قيمة هذا العمل بمقدار أجر هذا العامل، وبذلك يصبح أجر العامل مبررا ومشروعا نظرا لأن هذا الأجر جزء أصيل داخل في صميم قيمة المنتج. والحقيقة أن هذه الحجة تفترض أن أجور جميع العمال جميعهم تساوي قيمة المشروع ككل وهذا غير صحيح؛ هذا بالإضافة إلى أنه إذا انسحب عاملان أو ثلاثة من العمل لانخفضت قيمة العمل بأكثر من مجموع أجورهم وذلك نظرا للطبيعة العضوية لتقسيم العمل الصناعي، فإسهام العمل عضوي وكيفي وليس كميا كما يعتقد النيوكلاسيك. كما تنطوي حجة كلارك على مسلمة ضمنية بأن هناك تساويا تاما بين رأس المال والعمل المأجور بحيث يحصل كل طرف على مقابل إسهامه الإنتاجي، لكن ليس هناك في العالم الحقيقي أي تساو بينهما. ج. حجة الإسهام في الإنتاج: تذهب هذه الحجة إلى أن ما يحصل عليه الرأسمالي من أرباح مشروع تماما نظرا لأنه يسهم في الإنتاج، والربح بذلك يعد مكافأة على إدارته للمشروع. والحقيقة أن صاحب رأس المال ليس منتجا، إنه لا ينتج أي شئ؛ المنشعلون بالعملية الإنتاجية من عمال وفنيين ومهندسين هم المنتجون الحقيقيون. والرأسمالي لا يفعل شيئا إلا أن يسمح لرأس المال بأن يشتغل في الإنتاج. الرأسمالي إذن هو صاحب القرار الإنتاجي وليس القائم بالعملية الإنتاجية. إن رأس المال الصناعي في صورة البنية الأساسية والمواد الخام والآلات جاهز وموجود، كما أن القوة العاملة والقدرة التقنية والفنية موجودة وجاهزة قبل أن يوجد الرأسمالي، ولا يفعل الرأسمالي شيئا سوى أن يسمح لهذه العناصر بأن تعمل. ولا يُسمح للرأسمالي بأن يكون صاحب القرار الإنتاجي إلا في ظل نظام معين في توزيع الملكية والثروة يمكن أصحاب المال من الاستحواذ على القوى الإنتاجية للمجتمع ويديرونها لجني الربح الشخصي. إن سماح الرأسمالي لعناصر الإنتاج بالعمل مبني على سماح النظام الاجتماعي-الطبقي السائد بأن يصبح هذا الرأسمالي على رأس العملية الإنتاجية وصاحب القرار الإنتاجي؛ ويصبح الرأسمالي صاحب القرار الإنتاجي بفضل نظام قانوني معين يسمح له بذلك، نظام يعترف بحق الامتلاك الخاص لقوى المجتمع الإنتاجية. ولذلك فالرأسمالي لا يحتل موقعه المسيطر في العملية الإنتاجية بفضل عبقريته ومواهبه الشخصية، بل بفضل بناء اجتماعي-طبقي معين يسمح لأصحاب المال بالاستحواذ على قوى المجتمع الإنتاجية وإدارتها لصالحهم. د. حجة المكافأة على التضحية والانتظار: بينما كانت الحجج السابقة تبرر حصول الرأسمالي على الربح، فإن هذه الحجة تبرر شيئا آخر مختلفا؛ إنها تبرر الفائدة على رأس المال نفسه، أي حق أصحاب رأس المال المالي من أصحاب رؤوس الأموال السائلة وحملة الأسهم والسندات في الأرباح والأنصبة التي يحصلون عليها عندما يودعون أموالهم في بنوك أو يستثمروها في مشاريع أو شركات مساهمة أو يضاربون بها في البورصة. تذهب هذه الحجة إلى أن الفائدة مشروعة لأنها المقابل الذي يتلقاه صاحب المال عن عدم استهلاك أمواله في الحاضر وتأجيل هذا الاستهلاك إلى المستقبل، والتضحية باستعمال حالي للمال في سبيل استعمال مؤجل. هذه التضحية وهذا التأجيل يجب أن يقابله مكافأة، وهي مكافأة مشروعة. تخلط هذه الحجة بين مستويين من الاقتصاد: المستوى الشخصي أو العائلي والذي كان يسمى بالاقتصاد المنزلي، والمستوى الاجتماعي والقومي والسياسي للاقتصاد وهو المسمى بالاقتصاد السياسي. أي أنها تخلط بين ما يحدث على مستوى الأفراد من ادخار ومن تجنيب جزء من دخلهم في سبيل الفائدة، وبين ما يحدث على مستوى عالم الصناعة والاستثمار. والحقيقة أن الادخار الشخصي شئ والقيمة الزائدة التي تتحول إلى تراكم رأسمالي شئ آخر. تهدف هذه الحجة الإيحاء بأن النظام الرأسمالي وحده هو الذي يتيح للأفراد الحصول على فوائد مركبة على إيداعاتهم وعلى أنصبة متزايدة نتيجة ارتفاع أسعار الأسهم، رابطة بذلك شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى بعجلة الاقتصاد الرأسمالي ضامنة ولاءها وتأييدها. إن الفوائد التي تحصل عليها الطبقات الوسطى من ادخاراتها ليست إلا حماية لأموالها من الانخفاض المستمر في قيمة العملة على مر السنين ومن التضخم الذي لا ينتهي. هذه المدخرات تختلف تماما عن الكميات الضخمة من رأس المال المالي العامل في كل مجالات الاقتصاد بما فيها المضاربات. هذا بالإضافة إلى أن الإيداعات المالية للشريحة العليا في المجتمع ليست مجرد مدخرات مثلما هو الحال مع الطبقة الوسطى، بل هي قيمة زائدة في صورة أرباح تعيد هذه الشريحة استثمارها مرة أخرى؛ إنها تراكم لرأس المال يجب أن يستثمر في مشاريع جديدة. وبالتالي فهذه الشريحة لا تدخر بل تستثمر، ولا تحمي أموالها من الإنفاق ومن انخفاض قيمة العملة بل تضارب بها في البورصات، ولا تضحي باستخدام حالي للمال في سبيل زيادة على هذا المال في المستقبل، ولا تقتطع جزءا من دخلها ولا تؤجل الإنفاق، بل تحول الأرباح السابقة إلى استثمارات جديدة. هـ. حجة المخاطرة: تذهب هذه الحجة إلى أن الرأسمالي يخاطر بأمواله وبالتالي فهو يستحق مكافأة على هذه المخاطرة. لكن هل يخاطر الرأسمالي بالفعل؟ إنه في الحقيقة لا يخاطر بفقدان رأس المال نفسه، بل بهامش الربح الذي سيحققه، ولا يفقد الرأسمالي كامل رأسماله إلا في حالات نادرة، كأن يكون مضاربا في البورصة. والمضارب في البورصة يدخل في لعبة أشبه بالقمار، وهو يعلم جيدا إمكانية فقدان رأسماله قبل أن يبدأ اللعب. أما على مستوى المشروع الصناعي فإن المخاطرة هي الفشل في تحقيق الربح المنتظر، أما رأس المال نفسه باعتباره أدوات الإنتاج والأرض فليس هناك مخاطرة في فقدانها، إلا إذا كانت مشتراة بقروض من البنوك أو تم إصدار أسهم وسندات بإسمها مستحقة الأرباح والأنصبة، إي إلا إذا دخل المشروع الصناعي استثمار مالي. ليست المخاطرة إذن تكمن في عملية الإنتاج ذاتها، بل في عملية الاستثمار المالي؛ فالرأسمالي باعتباره رجل صناعة لا يخاطر، بل يخاطر باعتباره مستثمرا لأموال أناس آخرين. و. حجة الكفاءة: تذهب هذه الحجة إلى تبرير النظام الرأسمالي من منطلق أنه النظام الأكفأ في تعبئة الموارد وتوظيفها، وفي إبداع التكنولوجيا الجديدة وتطبيقها في الإنتاج، وفي الإقلال من تكاليف الإنتاج والوصول إلى إنتاج كمي هائل. تعتمد هذه الحجة على نظرية من نظريات الاقتصاد النيوكلاسيكي تذهب إلى أن السوق الحر يتمتع بكفاءة في إنتاج السلع الاستهلاكية نظرا لأنه يزيد من إنتاج السلع التي يجد عليها طلب. ومعنى هذا أن البيع الضخم لسلعة ما سوف يقلل من أسعارها، لكن الذي يحدث في العالم الواقعي أن سعر هذه السلعة يزيد ولا ينقص، لأن الطلب المتزايد عليها يدفع رؤوس الأموال لأن تتدافع على إنتاجها؛ وعند زيادة السعر يحدث انكماش في الطلب، وهذا الانكماش يؤدي إلى زيادة في السعر أيضا، نظرا لرغبة المنتجين في تعويض ما فقدوه من البيع الموسع. إن ترك الأسعار لآليات التنافس الاقتصادي لا يمنع من ارتفاعها ولا يمنع أيضا من ظهور الاحتكارات. إن حجة الكفاءة التي يستخدمها النيوكلاسيك وورثتها عنهم الليبرالية الجديدة تركز على الكفاءة الإنتاجية والتقنية والربحية، لكنها تتناسى كفاءة أخرى أهم، ذلك لأن مقياس الكفاءة الحقيقي في اقتصاد ما ليس مجرد تحقيق الربح بل قدرته على توظيف العمالة وتأمين العاملين به. إن الأمن الاجتماعي للعمال والحد الأدنى للأجور أهم بكثير من قدرة المشروع على تحقيق الأرباح. فالذي يتناساه المدافعون عن الرأسمالية كفاءة في تعبئة الموارد البشرية وفي تأمينها، وكل ما يهمهم تعبئة الاستثمارات. لكن لم يعد علم الاقتصاد السائد يعير شأنا بالكفاءة في تعبئة العمل البشري وتأمينه. تثبت الرأسمالية كل يوم أنها الأسوأ في قضايا تأمين العمل والحد الأدنى للأجور والأمن الاجتماعي للقوة العاملة، ناهيك عن سجلها السئ في قضايا البيئة. ليست هناك أية كفاءة في النظام الذي يلوث البيئة ويقضي على الثروات الطبيعية ويقطع الغابات ويملأ الأرض بالنفايات الذرية والكيماوية. أما عن ما تقوله الحجة من أن الرأسمالية هي التي تتيح للتكنولوجيا أن تتقدم وتطبق في مجال الإنتاج، فإن هذه الحجة مردود عليها من جهتين: الأولى أن تقدم العلم والتكنولوجيا هو تقدم للبشرية ذاتها في معرفتها وأدواتها وليس مرتبطا بأسلوب معين في الإنتاج، والحجة بذلك تدعي أن ما حققته البشرية من تقدم علمي وتكنولوجي في القرون الأخيرة يرجع الفضل فيه إلى الرأسمالية، وهذا خطأ. والجهة الثانية للرد على هذه الحجة هي استعراض ما حققته الأنظمة الاشتراكية السابقة من تصنيع سريع لمجتمعاتها في سنوات معدودة، خاصة في الاتحاد السوفييتي. إن نظرة سريعة على تاريخ النظام السوفييتي منذ نشأته يقدح في صحة هذه الحجة؛ ذلك لأن الاتحاد السوفييتي نجح في عقوده الأولى الممتدة من ثورة 1917 وحتى الخمسينات في بناء هيكل صناعي ضخم وتحقيق كفاءة إنتاجية عالية من حيث الكم والكيف. لقد نجح النظام هناك في تصنيع روسيا التي كانت متخلفة صناعيا وتكنولوجيا عن أوروبا الغربية وأمريكا بمراحل، إذ نجح بالفعل في تصنيع بلد متخلف انحدر في أواخر عهد النظام القيصري إلى مستوى بلدان العالم الثالث؛ كما نجحت روسيا في تفادي أزمة الكساد الكبير الذي أصاب العالم الغربي في الثلاثينات. وليست الإنجازات الأخرى للاتحاد السوفييتي بخافية بل يتناساها المدافعون عن الرأسمالية، مثل تصنيع أكبر جيش بري في العالم مع نهاية الحرب العالمية الثانية والذي مكن روسيا من هزيمة الجيش الألماني وإخراجه من شرق أوروبا، واللحاق بالولايات المتحدة في تصنيع القنبلة الذرية سنة 1949، وإطلاق أول قمر صناعي (سبوتنيك سنة 1955) وإطلاق أول رائد فضاء خارج الغلاف الجوي سابقة الولايات المتحدة في ذلك، وتحقيق المركز الثاني في العالم في تصنيع الغواصات والجرارات الزراعية..إلخ إذا كان المدافعون عن الرأسمالية يتحججون بأنها الأكفأ تكنولوجيا وإنتاجيا، فإن هذه الحجة تنهار أمام ما أنجزه الاتحاد السوفييتي في العقود الأربعة الأولى من تاريخه. لكن الذي حدث ابتداء من منتصف الخمسينات أن بدأ النظام السوفييتي في الضعف وموجهة الأزمات الاقتصادية، وبالتالي واجه قلة الكفاءة الشهيرة عنه لدى الغرب، حتى واجه انهيارا داخليا في السبعينات والثمانينات انتهى بالسقوط في أوائل التسعينات. إن حجة المدافعين عن الرأسمالية حول عدم كفاءة الإشتراكية لا تنطبق على الاتحاد السوفييتي في العقود الأربعة الأولى من تاريخه، ولا على التجارب الاشتراكية الأخرى في شرق أوروبا ويوغوسلافيا على وجه الخصوص، ولا على النظام الناصري في فترة حياته القصيرة الممتدة من منتصف الخمسينات وحتى منتصف الستينات. إن المرحلة الأولى الناجحة من النظم الاشتراكية تعطي دليلا واضحا على إمكانية تصنيع بلاد لم ينتشر بها النظام الرأسمالي، وباتباع طرق غير رأسمالية. لقد حققت الأنظمة الإشتراكية كفاءة عالية في بداياتها لكنها واجهت الأزمات بعد ذلك، ثم الانهيار. والمطلوب تفسيره هو النجاح الأول الذي تلاه إخفاق كبير؛ المطلوب هو معرفة أسباب إخفاق نظام كان ناجحا في بداياته. وليست هذه الأسباب منفصلة عن الحرب الباردة التي دفعت الولايات المتحدة إليها الأنظمة الاشتراكية في العالم، وسلسلة الحروب الساخنة التي شنتها الإمبريالية العالمية على دول العالم النامي الصغيرة طوال القرن العشرين: كوريا 1951، كوبا 1961، فييتنام 1963-1974، مصر 1956/1967/1973، الجزائر 1958-1962، لبنان 1982-1984، حروب الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية في الثمانينات والتسعينات، الكويت 1991، أفغانستان 2002، العراق 2003. المراجع: 1. Peter J. Boettke, "What is Wrong with NeoClassical Economics(And what is still wrong with Austrian Economics)" in Fred E. Foldvary, Beyond Neoclassical Economics. Edward Elgar, Chettenheim UK, Brookfield US, 1996, P.24. 2. Maurice Dobb, Theories of value and distribution since Adam Smith : ideology and economic theory. Cambridge, [England] : University Press, 1973 3. Klaus H. Hennings, The Austrian Theory of Value and Capital. Studies in the Life and Work of Eugen Von Bohm-Bawerk. Edgar Elagar, Chaltenham UK, Brookfield US, 1997 4. Karl Marx, Grundrisse. Foundations of the Critique of Political Economy. Translated by Martin Nicolaus, Penguin Books, Harmondsworth, Middlesex 1993 5. Karl Marx, "Wage Labour and Capital", in Karl Marx and Frederick Engels, Selected Works, vol. I. Foreign Languages Publishing House, Moscow 1955 6. Ludwig von Mises, "The Historical Setting of the Austrian School of Economics" (www.mises.org/hsofase/ch3sec2.asp) 7. Laurence S. Moss, "Austrian Economics and the Abandonment of the Classic Thought Experiment", in Willem Keizer, Bert Tieben and Rudy Van Zijp: Austrian Economics in Debate. Routledge, London, 1997 8. David Schweickart, Against capitalism. Boulder, Colorado : Westview Press, 1996, pp 9. Veblen, Thorstein, "Professor Clark s Economics"(1908) , in The Place of Science in Modern Civilization, , Vol. VIII of The Collected Works. Macmillan, London and New York, 1994. 10. --------, "The Preconceptions of Economic Science", (First Published 1900) in: The Place of Science in Modern Civilization. 11. --------, "The Limitations of Marginal Utility", (First Published 1909), in: The Place of Science in Modern Civilization.
#أشرف_حسن_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آدم سميث والليبرالية الاقتصادية
-
هل الحجاب فريضة؟
المزيد.....
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|