|
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 8
عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 8139 - 2024 / 10 / 23 - 22:11
المحور:
الارشيف الماركسي
الحلقة الثامنة
4 ـ العشيرة اليونانية منذ الأزمنة ما قبل التاريخ، كان اليونانيون، شأنهم شأن البلاسج و غيرهم من الشعوب القريبة منهم، قد تشكلوا حسب السلسلة العضوية كما عند الأميركيين: العشيرة ، الفراترية، القبيلة، اتحاد القبائل. إلا أنه كان من الممكن أن تنقص الفراترية، كما عند الدوريين، كما أن اتحاد القبائل لم يتشكل في كل مكان، على كل حال، كانت العشيرة الخلية الأساسية. و عندما ظهر اليونانيون في مسرح التاريخ، كانوا قد بلغوا عتبة الحضارة، و كانت تمتد بينهم و بين القبائل الأميركية التي تناولها الكلام آنفاً مرحلتان كبيرتان كاملتان تقريباً من التطور سبق بهما يونانيو العقد البطولي الإيروكوا. و لهذا لم تكن العشيرة اليونانية أبداً عشيرة الإيروكوا القديمة، ناهيك بأن طابع الزواج الجماعي* . أخذ يمحى بصورة ملحوظة. و أخلى الحق الأمي المكان للحق الأبوي. و بذلك أحدثت الثروة الخاصة الناشئة أول شق في التنظيم العشائري. و جاء الشق الثاني نتيجة طبيعية للشق الأول: فبما أن ملك مورثة غنية كان ينبغي، بعد تطبيق الحق الأبوي، أن يعود بحكم الزواج إلى زوجها، و بالتالي إلى عشيرة أخرى، فقد حطموا أساس كل حق عشائري، و لم يسمحوا و حسب، بل جعلوا من الواجب في هذه الحال أن تتزوج الفتاة داخل عشيرتها لكي تحتفظ بملكها. إن العشيرة الأثينية، مثلاً، كانت ترتكز، حسب غروت (تاريخ اليونان)(89)، على الأسس التالية: 1.طقوس دينية مشتركة، و حق الكهنة بوجه الحصر في ممارسة الشعائر المقدسة تكريماً لإله معين من المعتقد أنه جد العشيرة المشترك، و يطلق عليه، بحكم هذه الصفة، لقب خاص. 2.مكان مشترك للدفن (راجع "أوبوليدس" لديموستينس (90)). 3.حق الوراثة المتبادلة. 4.الواجب المتبادل في تقديم العون و الحماية و المساندة ضد أعمال العنف. 5.الحق و الواجب المتبادلان في بعض الأحوال في الزواج داخل العشيرة و لا سيما عندما يتعلق الأمر بيتيمات أو بوريثات. 6.امتلاك أموال مشتركة، في بعض الأحوال على الأقل، يشرف عليها "أرخونت" (زعيم) و خازن خاصان. و فضلاً عن ذلك، كانت بضع عشائر تتحد و تترابط في فراترية، و لكن بعرى أقل وثوقاً، و لكننا نرى هنا أيضاً حقوقاً و واجبات متبادلة كالتي في العشيرة، و لاسيما منها المشاركة في ممارسة بعض الشعائر الدينية و حق الملاحقة في حال قتل عضو من الفراترية. ثم أن مجمل الفراتريات من قبيلة واحدة كانت لها بدورها أعياد مقدسة مشتركة تتكرر بانتظام، و يرأسها "فيلوبازيلوس"("زعيم قبيلة" phylobasileus) ينتخب من بين النبلاء ("الأوباتريد" eupatrids). هذا ما يقوله غروت، و إلى هذا يضيف ماركس: "و لكن عبر العشيرة اليونانية، كان يتراءى المتوحش بوضوح (مثلاً، الإيروكي)"(91). و سيبدو بمزيد من الوضوح إذا ما واصلنا الدراسة بعض الشيء. و بالفعل، تتميز العشيرة اليونانية بالسمات التالية أيضاً: 7.حساب الأصل وفقاً للحق الأبوي. 8.منع الزواج داخل العشيرة، باستثناء الزواج من الوريثات. إن هذا الاستثناء و إضفاء صفة القانون عليه يؤكدان أن القاعدة القديمة كانت ما تزال سارية المفعول. و هذا ينبع أيضاً من قاعدة إلزامية عامة تقضي بأن تمتنع المرأة بعد زواجها من المشاركة في طقوس عشيرتها الدينية، و تتبنى طقوس زوجها في فراترية زوجها التي كانت هي مسجلة فيها من قبل. و بموجب هذا، و كذلك وفقاً لمقطع معروف من ديكيارخ (92)، كان الزواج خارج العشيرة هو القاعدة، بل أن بيكر يعتبر صراحة في كتابه "خاريكلس" أنه لم يكن يحق لأحد أن يتزوج داخل عشيرته (93). 9.حق العشيرة في التبني. و كان هذا الحق يطبق بالتبني في إحدى العائلات و لكن شرط مراعاة الشكليات العامة، و على سبيل الاستثناء فقط. 10.الحق في انتخاب الزعماء و عزلهم. و نحن نعلم أنه كان لكل عشيرة "أرخونت". و لم يرد في أي مكان أن هذه الوظيفة كانت تنتقل بالوراثة في عائلات معينة. و حتى نهاية عهد البربرية، يجب الظن دائماً أنه لم تكن توجد وراثة صارمة للوظيفة لا تتفق إطلاقاً مع النظام الذي كان في ظله يتمتع الأغنياء و الفقراء داخل العشيرة بالمساواة التامة في الحقوق. و ليس غروت و حسب، بل أيضاً نيبور و مومزن و جميع المؤرخين الآخرين الذين درسوا الأزمنة القديمة الكلاسيكية، استعصت عليهم مسألة العشيرة حتى الآن. فرغم أنهم رسموا بشكل صحيح كثيراً من علائمها، رأوا دائماً فيها مجموعة عائلات و من جراء ذلك لم يستطيعوا أن يفهموا طبيعة العشيرة و أصلها. ففي ظل النظام العشائري، لم تكن العائلة أبداً و لم يكن بوسعها أن تكون خلية النظام الاجتماعي، لأن الزوج و الزوجة كانا ينتميان بالضرورة إلى عشيرتين مختلفتين. كانت العشيرة تنتمي بكليتها إلى الفراترية، و الفراترية إلى القبيلة، أما العائلة، فكانت تنتمي بنصفها إلى عشيرة الزوج و بنصفها الثاني إلى عشيرة الزوجة. كذلك لا تعترف الدولة بالعائلة في ميدان الحق العام، و لا تقوم العائلة حتى الآن إلا في ميدان الحق الخاص. و مع ذلك، ينطلق كل علم التاريخ حتى الآن من فرضية سخيفة خرقاء أصبحت ثابتة لا تتزعزع، و لا سيما في القرن الثامن عشر، و مفادها أن العائلة الفردية الأحادية الزواج، التي من المشكوك في أن تكون أقدم من عهد الحضارة، كانت النواة التي تبلور المجتمع و الدولة حولها تدريجياً. و هنا يضيف ماركس: "يجدر بالسيد غروت أن يشير أيضاً إلى ما يلي: رغم أن اليونانيين كانوا يشتقون عشائرهم من الميثولوجيا، كانت هذه العشائر أقدم من الميثولوجيا التي خلقتها بنفسها، مع آلهتها و أنصاف آلهتها"(94). و يفضل مورغان الاستشهاد بغروت لأن غروت شاهد له وزنه و مكانته و موثوق به تماماً. فإن غروت يروي يضأ أن كل عشيرة أثينية كانت تحمل اسماً انتقل إليها من مؤسسها المفترض، و أن أعضاء عشيرة (gennêtes) المتوفى كانوا يرثون أمواله قبل سولون على كل حال، و بعد سولون إذا لم تكن هناك وصية، و إن ملاحقة المجرم أمام المحكمة إذا ما وقعت جريمة قتل، كانت في المقام الأول، من حق و واجب أقرباء القتيل، ثم أعضاء عشيرة القتيل و أخيراً أعضاء فراترية القتيل. "كل ما نعرفه عن أقدم القوانين الأثينية يرتكز على الانقسام إلى عشائر و فراتريات"(95). إن تحدر العشائر من جدود مشتركين قد تسبب "للعلماء التافهين الضيقي الأفق"(ماركس)(96) المزعجات و المنغصات. فبما أنهم، بالطبع، يتصورون هؤلاء الجدود كائنات ميثولوجية صرف، فإنه لا تبقى لديهم أي إمكانية لكي يفسروا لأنفسهم نشوء العشيرة من عائلات منفردة تعيش بعضها في جوار بعض، و لم تكن تجمع بينها في البدء رابطة القرابة، و مع ذلك ينبغي عليهم أن يفعلوا ذلك لكي يفسروا على الأقل وجود "العشيرة". و هكذا يجدون أنفسهم في حلقة مفرغة، و يصبون سيولاً من الكلام الفارغ، دون أن يتجاوزوا الزعم بأن شجرة النسب هي، بالطبع، خرافة، بينا العشيرة موجودة في الواقع، و في آخر المطاف، نجد عند غروت ما يلي (الكلمات بين هلالين لماركس): "نحن لا نسمع عن شجرة النسب هذه إلا نادراً، لأنه لا يشار إليها أمام الملأ إلا في أحوال معينة، احتفالية جداً. و لكن العشائر الأقل شأناً كان لها طقوسها الدينية المشتركة"(ما أغرب ذلك، أيها السيد غروت!)، "و كذلك جد مشترك- سوبرمان و شجرة نسب مشتركة، مثلها تماماً مثل العشائر الأكبر شأناً"( ما أغرب هذا، أيها السيد غروت، عند العشائر الأقل شأناً!)"إن التصميم الرئيسي و الأساس المثالي"(لا المثالي ideal، يا سيدي العزيز، بل اللحمي carnal، أو بلغتنا الألمانية الجسدي!)"كانا مشتركين عند جميع العشائر"(97). و يوجز ماركس جواب مورغان عن هذا السؤال بما يلي: "إن نظام قرابة الدم، المناسب للعشيرة في شكلها الأولي- و عند اليونانيين قام هذا الشكل فيما مضى كما قام عند جميع البشر- كان يضمن معرفة علاقات القربى بين جميع أعضاء العشائر. و كانوا منذ سنين الطفولة يستوعبون بالفعل هذه المعلومات الخارقة الأهمية بالنسبة لهم. و مع نشوء العائلة الأحادية الزواج، لف النسيان ذلك. و قد خلق الاسم العشيري شجرة نسب ظهرت إزاءها شجرة نسب العائلة الفردية تافهة لا وزن لها. إن هذا الاسم العشيري هو الذي كان ينبغي له من الآن و صاعداً أن يقدم البرهان على أن حامليه يتحدرون من أصل مشترك. و لكن شجرة نسب العشيرة كانت تمد جذورها في أعماق الزمن إلى حد أنه لم يبق بوسع أعضائها أن يتقبلوا القرابة القائمة فعلاً بينهم، باستثناء حالات قليلة جداً كانوا يعرفون فيها أسلافاً مشتركين أقرب عهداً. و كان الاسم نفسه دليلاً على الأصل المشترك و دليلاً لا جدال فيه، ما عدا حالات التبني. إن إنكار القرابة بين أعضاء العشيرة إنكاراً تاماً، فعلياً، كما يفعل غروت** و نيبور، اللذان جعلا من العشيرة نتاج اختلاق صرف و إبداع شعري، جدير "بالمثاليين" وحدهم، أي بعلماء البرج العاجي. فلأن الصلة بين الأجيال، و خاصة منذ ظهور أحادية الزواج، تبتعد في أعماق الزمن و لأن الواقع الماضي ينعكس في الشخصيات الخيالية الميثولوجية، خلص التافهون الضيقو الأفق الحسنو النية و لا يزالون يخلصون إلى القول أن شجرة النسب الخيالية خلقت العشائر الفعلية"(98). و كمنا عند الأميركيين، كانت الفراترية عشيرة أماً مقسمة إلى بضع عشائر بنات و تجمع بينها، و تشير أحياناً كثيرة إلى تحدرها جميعها من جد مشترك. و عليه، حسب غروت: "كان جميع الأتراب، الأعضاء في فراترية "هيكاتية" يعتبرون أن لهم إلهاً واحداً هو جدهم المشترك من الدرجة السادسة عشرة"(99). و لهذا كانت جميع عشائر هذه الفراترية عشائر شقيقة بمعنى الكلمة الحرفي. و إننا لنجد الفراترية عند هوميروس بوصفها وحدة عسكرية، و ذلك في المقطع المشهور الذي ينصح فيه نسطور أغممنون قائلاً: صف الرجال حسب القبائل و الفراتريات بحيث تساعد الفراترية الفراترية و القبيلة القبيلة (100).- و فضلاً عن ذلك، كان من حق الفراترية و واجبها أن تثأر لاغتيال عضو من أعضائها، و لذا كان يقع على عاتقها، في الأزمنة السابقة، واجب ثأر الدم. و فضلاً عن ذلك، كانت لها مقدسات و أعياد مشتركة، بل أن تكون الميثولوجيا الإغريقية كلها من عبادة الطبيعة التقليدية، الموروثة من دماء الآريين، كان مشروطاً من حيث الجوهر بالعشائر و الفراتريات، و جرى في داخلها. و فضلاً عن ذلك، كان للفراترية زعيم (phratriarchos) و كانت، حسبما يقول دي كولانج، تعقد جمعيات عامة، و تتخذ قرارات إلزامية، و تملك سلطة قضائية و إدارية (101). بل أن الدولة التي ظهرت فيما بعد، و التي كانت تجهل العشيرة، تركت للفراترية بعض الوظائف العامة ذات الطابع الإداري. تتألف القبيلة من بضع فراتريات تجمع بينها صلات القربى. و في مقاطعة الأتيك، كانت توجد أربع قبائل، كل منا تتألف من ثلاث فراتريات، و كل فراترية من 30 عشيرة. إن تحديد الجماعات بمثل هذه الدقة يفترض تدخلاً واعياً و منهاجياً في وضع الأمور الذي تكوّن بصورة عفوية. أما كيف حدث هذا التدخل و متى و لماذا، فإن التاريخ اليوناني يلزم الصمت حوله، ناهيك بأن اليونانيين أنفسهم لم يتذكروا ماضيهم إلا ابتداء من العصر البطولي. و عند اليونانيين المزدحمين في رقعة من الأرض غير كبيرة نسبياً، تطورت فوارق اللهجات أقل مما في الغابات الأميركية الشاسعة. و لكننا نرى هنا أيضاً أن القبائل التي تملك لغة أساسية واحدة هي وحدها التي تتجمع في كل أكبر بل أننا نجد في مقاطعة الأتيك الصغيرة لهجة خاصة أصبحت فيما بعد اللهجة السادة بوصفها لغة مشتركة لعموم النثر اليوناني. و في قصائد هوميروس، نجد القبائل اليونانية متحدة في أغلبية الأحوال في أقوام صغيرة تحتفظ في داخلها العشائر و الفراتريات و القبائل مع ذلك باستقلالها كاملاً. كانت هذه الأقوام تعيش آنذاك في مدن محمية بالأسوار. و كان عدد السكان ينمو مع نمو القطعان و مع انتشار الزراعة و بداية الحرف. و في الوقت نفسه كانت تتعاظم الفوارق في الملكية، و يتعاظم معها العنصر الأريستقراطي داخل الديموقراطية القديمة، البدائية. و كانت مختلف الأقوام الصغيرة تخوض غمار حروب متواصلة من أجل امتلاك خيرة الأراضي، و كذلك، بالطبع، من أجل الظفر بالغنائم الحربية. و آنذاك كان استعباد أسرى الحرب قد أصبح مؤسسة معترفاً بها. و فيما يلي تنظيم الإدارة عند هذه القبائل و هذه الأقوام الصغيرة: 1.كان المجلس،bulê، الهيئة الدائمة للسلطة، في البدء، كان يتألف، على الأرجح، من الذين يختارونهم، الأمر الذي أتاح الفرصة لتطوير و تعزيز العنصر الأريستقراطي، هكذا بالضبط يروي لنا ذيونيسيوس إن المجلس في العهد البطولي كان يتألف من النبلاء (الأريستقراطيين kratistoi) (102). و في القضايا الهامة، كان المجلس يتخذ القرارات النهائية. فعند إسخيلوس، مثلاً، يتخذ مجلس مدينة ثيبة قراراً حاسماً في الوضع الناشئ يقضي بدفن إيتيوكل بكل مراسم الفخار، و برمي جثة بولينيك إلى الكلاب (103) لتنهشها. و فيما بعد، عندما تأسست الدولة، أصبح هذا المجلس "السينات" sénat (مجلس الشيوخ). 2.الجمعية الشعبية (agora). لقد رأينا عند الإيروكوا أن الشعب، رجالاً و نساءً، يحيط باجتماع المجلس و أنه يشترك حسب الأصول المقرر في المناقشة، و يؤثر بالتالي في قرارات المجلس. و عند اليونانيين في زمن هوميروس، كان هذا "المحيط" (Umstand)، إذا استعملنا هذا التعبير الحقوقي من اللغة الألمانية القديمة، قد تطور و غدا جمعية شعبية حقيقية، كما جرى أيضاً عند الجرمان القدامى. و كانت هذه الجمعية تنعقد بدعوة من المجلس لحل القضايا الهامة. و كان بوسع كل رجل أن يتكلم. و كان القرار يتخذ برفع الأيدي (في "المترجيات" لأسخيلوس) أو بالهتاف. و كانت الجمعية تملك السلطة العليا بوصفها المرجع الأخير، لأنه، كما يقول شومان ("الأزمنة القديمة اليونانية")، "عندما يدور الكلام حول قضية يتطلب تنفيذها معونة الشعب، لا يبين لنا هوميروس أي وسيلة يمكن بها إرغام الشعب إرغاماً على تقديم معونته"(104). ففي ذلك الوقت حين كان كل رجل راشد في القبيلة محارباً، لم تكن توجد بعد سلطة عامة منفصلة عن الشعب من الممكن معارضته بها. كانت الديموقراطية البدائية لا تزال بعد في أوج ازدهارها، و من هنا ينبغي لنا أن ننطلق عند البحث في سلطة و مركز المجلس و الباسيليوس على السواء. 3.الرئيس العسكري (Basileus). إليكم ما يلاحظه ماركس في هذا الصدد: "إن العلماء الأوروبيين، الذين فطروا بمعظمهم على خدمة الملوك و الأمراء، يجعلون من الباسيليوس ملكاً بمعنى الكلمة الحديث. و ضد هذا يحتج الجمهوري اليانكي مورغان و يقول ببالغ السخرية، و لكن بكامل الحق و الصواب، عن المعسول غلادستون و كتابه "شباب العالم""(105): "إن السيد غلادستون يقدم لنا الزعماء اليونانيين من العقد البطولي بصورة ملوك و أمراء، جاعلاً منهم فوق ذلك جنتلمانات. و لكنه يترتب عليه أن تعترف هو نفسه بأننا نجد عندهم، على العموم، عادة أو قانون البكورية محددة بصورة كافية، و لكن بدون إفراط في الدقة"(106). ينبغي الظن أن حق البكورية المرفق بمثل هذه التحفظات سيبدو للسيد غلادستون نفسه باطلاً لا قيمة له إطلاقاً، حتى إن لم يكن مفرطاً من حيث حدة التعبير. و لقد سبق و رأينا ما كانت عليه وراثة وظائف الشيوخ عند الإيروكوا و عند الهنود الحمر الآخرين. كانت جميع الوظائف انتخابية في أغلبية الأحول داخل العشيرة و لذا كانت وراثية ضمن حدود العشيرة. و عند إملاء الوظائف الشاغرة، أخذوا تدريجياً يفضلون النسيب الأقرب- أي الأخ أو ابن الأخت، إذا لم يكن ثمة سبب لاستبعاده. و لهذا، إذا كانت وظيفة الباسيليوس عند اليونانيين تنتقل عادة، في ظل سيادة الحق الأبوي، إلى الابن أو أحد الأبناء، فإن هذا يثبت فقط أنه كان في وسع الأبناء هنا أن يأملوا بالوراثة عن طريق الانتخاب الشعبي، و لكنه لا يدل أبداً على الاعتراف بالوراثة شرعاً و قانوناً بدون الانتخاب الشعبي. و في هذه الحال، لا نجد عند الإيروكوا و اليونانيين غير الجنين الأولي للعائلات النبيلة الخاصة داخل العشيرة فقط و لا نجد أيضاً عند اليونانيين بالإضافة غير الجنين الأولي لسلالة مقبلة من الزعماء الوراثيين، أي الجنين الأولي للملكية. و لهذا ينبغي الظن أنه كان يجب للباسيليوس عند اليونانيين إما أن ينتخبه الشعب و إما أن تصادق عليه هيئات الشعب الرسمية-المجلس أو الأغورا- كما كان يجري ذلك أيضاً بالنسبة "للملك" (rex) الروماني. و في "الإلياذة"، لا يظهر أغممنون، "سيد الرجال" بصفته ملكاً أعلى لليونانيين، بل بصفه آمراً أعلى لقوات متحالفة أمام مدينة محاصرة. و عندما نشب الشقاق بين اليونانيين، أشار أوذيس إلى هذه الصفة بالذات في المقطع الشهير: لا جدوى من تعدد الآمرين ، فليأمر واحد فقط،الخ. (ثم يرد البيت المشهور الذي يذكر الصولجان، و لكن هذا البيت أضيف فيما بعد)(107). "إن أوذيس لا يلقي هنا محاضرة حول شكل الحكم، بل يطالب بالخضوع للآمر الأعلى في الحرب. و بالنسبة لليونانيين الذين لم يظهروا أمام طروادة إلا بوصفهم جيشاً محارباً، يسلك الأغورا (المجلس) بما يكفي من الديموقراطية: فإن آخيل، حين يتكلم عن الهدايا، أي عن تقاسم الغنائم، يذكر دائماً أن هذا ليس من شأن أغممنون أو أي باسيليوس آخر، بل من شأن "أبناء الآخيين"، أي من شأن الشعب. إن النعوت: "وليد زفس"، "ربيب زفس"، لا تثبت شيئاً، لأن كل عشيرة تتحدر من إله من الآلهة، و عشيرة رئيس القبيلة تتحدر من إله "أميز"،- و في هذه الحال، من زفس. بل إن الذين لا يتمتعون بالحرية الشخصية كراعي الخنازير إيفميه و غيره، مثلاً، هم "آلهيون" dioi و theioi و هذا في "الأوذيسة"، و بالتالي في زمن أقرب إلينا بكثير من زمن "الإلياذة"، و في "الأوذيسة" أيضاً يرفق اسم "البطل" باسم الرسول موليوس و كذلك باسم المغني الأعمى ديمودوكس*** . و بإيجاز نقول أن كلمة basileia التي يستعملها الكتاب اليونانيون للإشارة إلى السلطة الهوميرية المسماة بالسلطة الملكية (لأن قيادة الجيوش هي علامتها المميزة الرئيسية)، و القائمة إلى جانب مجلس الزعماء و الجمعية الشعبية، لا تعني غير الديموقراطية الحربية"(ماركس)(108). و علاوة على الصلاحيات العسكرية، كان للباسيليوس صلاحيات أخرى، كهنوتية و قضائية. و لم تكن الصلاحيات الأخيرة محددة بدقة، و كان يتمتع بالأولى بوصفه الممثل الأعلى للقبيلة أو لاتحاد القبائل. أما الصلاحيات المدنية، الإدارية، فلم ترد يوماً، و لكن الباسيليوس كان، أغلب الظن، بحكم وظيفته، عضواً في المجلس. و عليه، من الصحيح تماماً من الناحية اللغوية ترجمة كلمة basileia (باسيليوس) بالكلمة الألمانية könig (كونيغ) لأن كلمة könig (Kuning) مشتقة من كلمة Kuni (كوني)، Künne (كونّه) و تعني زعيم العشيرة. و لكن المعنى الحالي لكلمة könig (ملك) لا يناسب إطلاقاً معنى كلمة basileus في اليونان القديمة. فإن ثوقيديدس يصف basileia القديمة بكل صراحة بأنها patrikê (بطريكه) أي متحدرة من العشائر، و يقول أنها كانت مخولة صلاحيات معينة، ثابتة أي محدودة(109). كذلك يشير أرسطو إلى أن basileia العصر البطولي كانت قيادة لرجال أحرار و إن الباسيليوس basileia كان قائداً عسكرياً و قاضياً و رئيس كهنة (110). و لذا لم يكن يتمتع بسلطة الحكم بمعنى الكلمة اللاحق **** . و هكذا نرى في النظام اليوناني من العصر البطولي التنظيم العشائري القديم لا يزال زاخراً بكل قواه، و لكننا نرى أيضاً بداية انحلاله: فإن الحق الأبوي مع توريث الملكية للأولاد ييسر تراكم الثروات في العائلة و يجعل من العائلة قوة في وجه العشيرة، و الفوارق في الملكية تؤثر بدورها في تنظيم الإدارة بخلقها أولى أجنة الأريستقراطية الوراثية و السلطة الملكية، و العبودية، التي كانت لا تشمل في البدء غير أسرى الحرب، تفتح السبيل أمام المستعبد لاستعباد أعضاء قبيلته بالذات و حتى أعضاء عشيرته، و الحرب القديمة بين القبائل تتحول مذ ذاك إلى عملية نهب و سلب في البر و البحر لأجل الاستيلاء على الماشية و العبيد و الكنوز، و تتحول بالتالي إلى مصدر عادي للكسب، إلى حرفة، و بكلمة، تغدو الثروة موضع إطراء و تبجيل و تقدير بوصفها الخير الأعظم، و تمسي القواعد العشائر القديمة موضع تحقير لأجل تبرير نهب الثروات بالعنف و القسر. و لم يكن ينقص غير أمر واحد، و نعني به مؤسسة من شأنها، لا أن تحمي الثروات التي اكتسبها الأفراد حديثاً من تقاليد النظام العشائري الشيوعية و حسب، و لا أن تكرس الملكية الخاصة التي كانت محتقرة بالغ الاحتقار و حسب، و لا أن تعلن هذا التكريس الهدف الأسمى لكل جماعة بشرية و حسب، بل أن تختم أيضاً بخاتم الاعتراف العام من قبل المجتمع على العموم الأشكال الجديدة لتحصيل الملكية، المتطورة الواحدة تلو الآخر، أي لتكديس الثروات بوتيرة متسارعة باستمرار، مؤسسة من شأنها لا أن تثبت و تخلد الانقسام البادئ في المجتمع إلى طبقات و حسب، و بل حق الطبقة المالكة في استثمار الطبقة غير المالكة و سيادة الأولى على الثانية. و هذه المؤسسة ظهرت. فقد تم اختراع الدولة. الهوامش: (89)G. Grote "A History of Greece". Vol . I-XII. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". المجلدات 1-12). صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن في سنوات 1846-1856، المقطع المذكور هنا ورد في الصفحتين 54 و 55 من المجلد الثالث الصادر في لندن عام 1869). (90)المقصود هنا خطاب ديموسفينس في المحكمة ضد أوبليد. و قد أشير في هذا الخطاب إلى العادة القديمة التي تقضي بألا يدفن في المدافن العشائرية غير أبناء العشيرة المعنية. (91)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (92)القطع الذي أشار إليه إنجلس هنا من مؤلف للفيلسوف اليوناني القديم ديكيارخ لم يصل إلينا، ورد في كتاب فاكسموت "Hellenische Alterthumskunde aus dem Geschichtspunkte des states". Th. I, Abth. I, Halle, 1826. ("دراسة الأزمنة القديمة الهيللينية على صعيد أنظمتها السياسية". القسم الأول. الباب الأول. هاله، 1826). (93)W. A. Becker . "Charikles. Bilder altgriechischer Sitte. Zur genaueren Kenntniss des griechischen Privatlebens ". Th. II , Leipzig .1840. (ولهلم أدولف بيكر. "خاريكل. لوحات عن الأخلاق اليونانية القديمة، لأجل الإطلاع بمزيد من التفصيل على حياة اليونانيين الخاص". القسم الثاني. ليبزيغ، 1840). (94)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (95)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869). (96)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (97)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869). أورد ماركس الاستهاد (مع ملاحظات بين هلالين) في مؤلفه "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (98)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (99)G. Grote "A History of Greece".A New Ed, Vol . III , London 1869. (جورج غروت. "تاريخ اليونان". طبعة جديدة. المجلد الثالث، لندن 1869). (100)هوميروس "الإلياذة"، النشيد الثاني. (101)Fustel de Coulanges. "La cité antique ". livre III, chap. I المقصود هنا مؤلف (فوستيل دي كولانج. "المشاعة المدنية القديمة"، الكتاب الثالث، الفصل الأول. صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في باريس و ستراسبورغ عام 1864). (102)ديونيسيوس الهاليكارناسي. "تاريخ روما القديم". الكتاب الثاني. الفصل الثاني عشر. (103)اسخيلوس. "سبعة ضد ثيبه". (104)G.F. Schoemann. "Griechische Alterthümer ". Bd.I, Berlin 1855. (غ. ف. شومان "الأزمنة القديمة اليونانية". المجلد الأول، برلين، 1855). (105)المقصود هنا كتاب W.E. Gladstone . "Juventus Mundi" The Gods and Men of the Heroic Age", chap 11. (و.ي. غلادستون. "شباب العالم. الآلهة و الناس في العصر البطولي"، الفصل الحادي عشر)، صدرت الطبعة الأولى من هذا المؤلف في لندن عام 1869. (106)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (107)هوميروس "الإلياذة"، النشيد الثاني. (108)كارل ماركس. "ملخص كتاب لويس هـ. مورغان "المجتمع القديم"". (109)ثوقيديس. "تاريخ حرب البيلوبينيز". الكتاب الأول، الفصل الثالث عشر. (110)أرسطو. "السياسة". الكتاب الثالث، الفصل العاشر. يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
في الحياة ما يستحق 15
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 16
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
1من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ا
...
-
فيسبوكيات 5
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 15
-
مسؤولية المثقف في التطور الحضاري
-
بين حركة التحرر وحق الشعوب في تقرير مصيرها
-
مساهمة المثقف العضوي في التغيير
-
ليس للسارق انسب من اطفاء كل الاضواء لنهب ما حلو له
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 14
-
تذكير برد مستفز عن بدايات وضعنا اليساري المأزوم
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - بول باسكون - الفترات الكبرى لل
...
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|