|
!كفاية، إحنا وصلنا للنهاية
صالح سليمان عبدالعظيم
الحوار المتمدن-العدد: 1779 - 2006 / 12 / 29 - 11:59
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
!شهد المجتمع المدني المصري نشأة العديد من المؤسسات التي مارست أدوارها المختلفة والعديدة مثل منظمات حقوق الإنسان، والدفاع عن الثقافة الوطنية، ومقاومة التطبيع، والعمل من أجل الدفاع عن حقوق الفئات الأكثر تعرضاً للظلم مثل النساء والأطفال. ولقد لعبت هذه المؤسسات أدواراً هاماً ربطت بين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية المختلفة التي يجب الدفاع عنها لصالح الفئات السالفة الذكر، كما ساهمت العديد من هذه المؤسسات في توسيع دائرة الوعي بالحقوق السياسية المختلفة الخاصة بالمواطن المصري، بحيث تجاوز الكثير منها أدوارها الاجتماعية والاقتصادية إلى الأدوار السياسية المباشرة، لتجد نفسها وسط حلبة العمل السياسي المباشر.
وفي هذا السياق من تنامي مؤسسات المجتمع المدني المختلفة ظهرت "الحركة المصرية من أجل التغيير"، والتي عُرفت فيما بعد اختصاراً باسم حركة "كفاية". لقد جاءت هذه الحركة تتويجاً لرغبة الكثير من المواطنين في المشاركة والعمل السياسي من أجل التغيير، وتحقيق مستقبل أكثر اشراقاً. فنحن هنا أمام حركة سياسية مباشرة هدفها جذب أكبر عدد من المواطنين وتحفيزهم من أجل المشاركة السياسية، واشراكهم في عملية التغيير السياسي.
وفي الموقع الخاص بكفاية، يقول القائمون على الحركة "نحن مواطنون مصريون، اتفقنا، مع اختلاف اتجاهاتنا السياسية والفكرية والمهنية، على وجود مخاطر وتحديات هائلة تحيط بأمتنا، متمثلة في الإحتلال الأمريكي للعراق، والعدوان الصهيوني المستمر على الشعب الفلسطيني، ومشاريع إعادة رسم خريطة وطننا العربي، آخرها مشروع الشرق الأوسط الكبير، مما يهدد قوميتنا ويستهدف هويتنا، ويستتبع حشد كل الجهود لمواجهة شاملة على كل المستويات.. السياسية والثقافية والحضارية. و أجمعنا على أن الإستبداد الشامل، هو السبب الرئيسي في عدم قدرة مصر على مواجهة هذه المخاطر، مما يستلزم إصلاح شامل، سياسي ودستوري، يضعه أبناؤها قبل أن يزايد البعض به عليهم تحت أي مسمى .ونرى أنه لا إنقاذ لمصر إلا بتداول فعلي للسلطة، بكل مستوياتها. وبإعلاء القانون وإستقلال القضاء واحترام أحكامه، والإلتزام بتكافؤ الفرص بين المواطنين. وإنهاء احتكار الثروة الذي أشاع الفساد والظلم الاجتماعي، وأدى لتفشي البطالة والغلاء، والعمل على استعادة دور مصر الذي فقدته منذ اتفاقية كامب ديفيد."
هذا هو مانيفستو الحركة بسيطاً وعفوياً وتلقائياً، وربما وبسبب من ذلك، فإنه قد جذب العديد من أبناء الشرائح الاجتماعية والسياسية المختلفة من بين أبناء الشعب المصري. حيث تضم الحركة بين أعضائها صحفيين، وجامعيين، طلاباً وأساتذة من الجامعات الحكومية والخاصة ومن الجامعة الأمريكية، ومحامين، وأطباء، ومهندسين، ومحاسبين، وموظفين حكوميين، وعمال، ورجال أعمال، وعاملين سابقين في السلك الدبلوماسي، وأعضاء سابقين في مجلس الشعب، ونشطاء في مجالات حقوق الإنسان وقضايا المجتمع المدني، وعاطلين عن العمل، رجالاً ونساء، مسلمين وأقباط.
ويلفت النظر أيضاً انضمام عدد كبير من الأسماء المشهود لها بالوطنية والتي تعبر عن أطياف سياسية واجتماعية عريضة مثل، السينارست محفوظ عبد الرحمن، والناشط الاسلامي محمد سليم العوا، والمفكر ابراهيم العيسوي، والصحفي ابراهيم عيسي، والشاعر أحمد فؤاد نجم، والكاتب أسامة أنور عكاشة، والكاتبة أمينة النقاش، والناقدة وأستاذة الجامعة أمينة رشيد، والناشطة أمينة شفيق، وأيمن نور رئيس حزب الغد، والروائي بهاء طاهر، والأديب والصحفي جمال الغيطاني، وحافظ أبو سعدة أمين عام المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، والصحفي حسين عبدالرازق، والمخرج داود عبد السيد، والمخرج رأفت الميهي، والأديبة رضوى عاشور، والروائية سلوى بكر، والناقد سيد البحراوي، والروائي صنع الله ابراهيم، والمستشار طارق البشري، والمفكر عبد الوهاب المسيري، والروائي يوسف القعيد، والمخرج يوسف شاهين... إلخ من قائمة عريضة تشمل مايقارب الخمسة آلاف عضو حتى الآن، آخذين في الاعتبار العمر القصير للحركة.
وفي تقديري أن عدد المنضمين للحركة سوف يزداد، فهى لم تعرض برنامجاً سياسياً، ولم تراهن على أيديولوجيات بعينها، كل ما ارتكزت عليه تمثل في كلمة كفاية، التي كتبها أحد المتظاهرين البسطاء ضمن أعضاء الحركة بعفوية وتلقائية شديدة. الأمر الذي انتقل بسرعة كبيرة مستفيداً في ذلك من خفة دم المصريين، بحيث أصبحت الكلمة ذاتها شعاراً للمرحلة، وربما سوف تكون بداية التغيير الحاسم بعد خمسة وعشرين عاماً من الجمود، الأمر الذي تجسد في الشعار "كفاية، إحنا وصلنا للنهاية".
جاءت كفاية بمطالب عديدة ومختلفة اشتملت على "انهاء احتكار الحزب الحاكم للسلطة، وإلغاء حالة الطوارئ وكافة القوانين الإستثنائية المُقيدة للحريات، و تعديل دستوري فوري يسمح بانتخاب رئيس الجمهورية ونائبه من الشعب مباشرة لمدة لا تزيد عن دورتين ، ويحد من الصلاحيات المطلقة للرئيس، ويحقق الفصل بين السلطات، ويطلق حرية تكوين الأحزاب وإصدار الصحف وتكوين الجمعيات، ويرفع الوصاية على النقابات، وإجراء إنتخابات برلمانية نزيهة وحقيقية تحت إشراف مجلس القضاء الأعلى ومجلس الدولة، بدءاً من إعداد كشوفها حتى إعلان نتائج."
هكذا وبعد طول غياب تأتي إحدى الحركات السياسية لتتجاوز كل البرامج والأيديولوجيات السياسية، وتطرح محددات واضحة وبسيطة جذبت الكثيرين إليها، من توجهات وأحزاب سياسية مختلفة، من أجل حلول جذرية في زمن لم تعد تجدي فيه أية جراحات تجميلية. وربما وبسبب من بساطة منطلقاتها، فإن الحركة قد جاءت متفقة مع هموم الملايين من المصريين العاطلين عن العمل، والراغبين في الحياة الكريمة، لذلك جاءت النغمة "كفاية" متوائمة مع رغباتهم وتطلعاتهم نحو التغيير والمستقبل المنشود.
ورغم ما أحدثته الحركة من احساس عام بعدم موات الأجواء السياسية والاجتماعية في مصر، فإن هناك العديد من التساؤلات التي تفرض نفسها في ضوء ما أحدثته الحركة في المدة القصيرة التي ظهرت فيها من توجهات ومنطلقات جديدة في المجتمع المصري. حيث تشمل هذه التساؤلات ما يلي: هل سوف تستطيع الحركة أن تتجاوز هذه العفوية والتلقائية إلى العمل السياسي المنظم؟ وهل سوف تطرح برنامجها وتوجهاتها السياسية والأيديولوجية في المرحلة القادمة، أم أنها سوف تظل مجرد عامل تحفيز على المظاهرات والاعتصامات؟ وهل سوف تتخندق مثلها مثل سابقاتها من الحركات السياسية ومنظمات المجتمع المدني ضمن أطر نخبوية ضيقة، أم أنها سوف تستفيد من زخم الانتماءات الواسعة إليها لتشكل أرضية مجتمعية عريضة تعبر عن شرائح اجتماعية متفاوتة؟ أخيراً هل سوف تستطيع الحركة أن تتجاوز أدران العمل السياسي ومثالبه في مصر، لتتحول إلى حركة تنقد نفسها مثلما تنقد الآخرين، بحيث لا يعلو أى عضو من أعضائها على أسسها ومبادئها؟ أسئلة كثيرة مطروحة أمام الحركة، ولا نملك سوى الإنتظار لنرى إلى أين سوف تذهب بنا كفاية!!
صالح سليمان عبد العظيم كاتب مصري
#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان المسلمون والإخوان الأقباط
-
جسد المرأة في القنوات الفضائية العربية
-
نخب الأقليات والنموذج الإسرائيلي
-
أشكال العنف ضد المرأة
-
تقرير الأمم المتحدة حول العنف ضد الأطفال
-
!عمارة يعقوبيان- عمارة كل العرب-
-
من أسئلة الحمقي إلي حمق الكتابة
-
ملف التوريث في العالم العربي
-
-هاي- سذاجة أمريكية!!
-
ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
-
يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
-
الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
-
حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
-
الأمريكيون والحيوانات الأليفة
-
المثقف والتحولات العمرية
-
الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
-
!!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
-
الإصلاح السياسي في العالم العربي
-
خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
-
صدام حسين، تاريخ الانقلابات
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|