|
كيف نغلق مصانع الطغيان؟
آراس حمي
الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 23:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ماذا لو توقفنا فجأة -معجزة ثقافية ما- عن تمجيد وتضخيم الشخصيات ورفعهم فوق رؤوس الشعوب والكيانات؟ إنه السؤال الذي لو عرفنا كيف نشرعه ونستخدمه في الواقع لخلقنا واقعاً أقل قسوةً واستبداداً، وأكثر كرامة وحرية، وهو السؤال الذي يفرض علينا كضرورة تاريخية تنقذنا من انحطاطنا الحضاري، لكن قبل ذلك يفرض علينا سؤال العوائق وثمة أيضاً إشكاليات بنيتنا الاجتماعية والثقافية والتاريخية، وأيضاً الظروف السياسية العالمية التي تسجننا في وهم حتمية الطغيان، والروابط الرمزية والدينية التي تسلبنا حقنا في خروج من توابيت القداسة، والميكانيزمات الهشة وسوء الطبيعة السيكوسياسية، إننا في حقل من الكوارث المعقدة المركبة تمنعنا من القفز نحو التفكر في قرار جماعي صالح للجماعة والفرد، قرار بسيط يمكن اتخاذه بعمليات ذهنية برغماتية لا تتجاوز بضع دقائق، لكنه يصلح أجزاءً رئيسية من واقعنا الحضاري المعاش، ثم لو نظرنا في الكيانات المتقدمة مدنياً وسياسياً نرى تراثاً عقلانياً وعقوداً ومبادئ تحققت بفعل تراكمات ثقافية وأحداث وثورات وتوافقات جماعية وفكرية أخذت عقوداً وقروناً حتى أدت لهكذا تحضر سياسي، وهذا ما لا نمتلكه في تطلعنا نحو المستقبل، لكن -وبخلاف ذلك- لا يجب أن نتجاهل الكيانات التي تحضرت وحضرت دساتيرها ومجتمعاتها بنسخ المبادئ والقوانين والعقود والبنود من الكيانات الأخرى، أي إن من ممكن - بمعجزة ثورية ثقافية ما- أن نحقق بضع خطوات جيدة؟ دعونا نتعقل أكثر فالطغيان المتفشي لا يستئصل بسهولة، أهذا خيال؟ نعم إذا نظرنا في العوامل الأخرى التي تعيق هكذا ثورة فنجدها عميقة القرار في جذورنا الحضارية، أقصد بذلك أن ثمة قيود حضارية جذرية تمنعنا من نظر نحو الآخر المتقدم، إننا -وبشكل ما- مصلوبون بأفكار وتصورات كونية ووجودية وتقاليد حضارية سياسية تمنعنا من النظر نحو حضارة الآخر ببصيرة تتعالى على ما نحن عليه، لكننا -وبخلاف ذلك- وبفعل العولمة في قرية عالمية، أي نرى نتاجات وإنجازات حضارة الآخر، ونحسدهم على تقدمهم المستمر وعلى تطلعاتهم الدائمة نحو المستقبل الأبعد من مستقبلنا، وعلى تقنياتهم وأدواتهم في معالجة المشاكل والإشكاليات، ونقارن بقهر وغيظ بيننا وبينهم.
إذن من الممكن حدوث ثورة نحو المستقبل بدءً بخلع ثقافة صناعة الطغاة؟ قبل ذلك لما نربط جملة من مشاكلنا بثقافة صناعة الطغاة؟ الجواب على ذلك يكمن في كوننا في تصلبنا وجمودنا الحضاري نتجرع ونعيش نمطاً ثقافياً يجرد الأفراد/المواطنين من مسؤوليتهم وإرادتهم الفردية تجاه الشؤون العامة من الواجبات والحقوق إلى الأفكار والمنظومات حتى الأهداف والغايات العامة، ولا يجب أن نغفل عن إننا في نمطٍ ثقافي يستمر ويتغذى على ضعف العقلانية الاجتماعية، وعلى المحافظة على منظومة محافظة طفولية مضرجة بالقداسة الروحانية، إن طغاتنا، هذا الطابور الذي لا يتوقف في بلداننا الشرق اوسطية، صناعة منظومة متجذرة في كامل نسيجنا، وإذا أردنا -بوعينا بالحرية وبالحق- أن نقلب طاولة التاريخ علينا البدء بأصغر ما فينا، بداية بالأسرة وتكوينها إلى الطباع والسلوكيات إلى الأفكار والتصورات العامة، وهنا تكمن صعوبة التغيير، إذ إن الثقافة، وتحديداً هذه الثقافة التي تصنع الطغيان، سجن كبير لا يمكن الخروج منه بسهولة، وكل تمرد غالباً مصيره الفشل والخمود أو الفوضى والخراب، والبناء الذي لا يشيد بأعمدة قوية مصيره الأنهيار.
ألا توجد طريقة سحرية لأغلاق مصانع الطغاة؟ قبل البحث عن الطرق السحرية علينا أن ننظر نحو المجتمع بعد أن نفصل -نظرياً- بين الطاغية والمجتمع - قد يكون المجتمع أكثر طغياناً من الطاغية بفعل الزمن والاعتياد-، ففي المجتمع تكمن العقدة الأكبر وكذلك الطريقة الأصح في فك العقدة، ووفق المعطيات علينا أن ننظّر لجملة من الأفكار والمبادئ الثورية -المجردة من الايدولوجيات- الصالحة لهذا المجتمع في المرحلة الأولى، وبعيداً عن هذا التنظير العام اعتقد بأننا نستطيع البدء بفكرة مجردة واحدة كافية كخطوة أولى بغض النظر عن المجتمع وعقده، وهي أن نضع الحق الفردي الكامل قبل الواجبات والمسؤوليات والأهداف والأفكار العامة، وأيضاً قبل المجتمع وثقافته وتراثه وتاريخه، أي أن نؤسس فرداً لا يخضِع حقوقه لأي شيء قد، فرداً متطرفاً لا عقلانياً في كل ما يخص حقوقه، من أصغر حق وهو حقه في رفض الإهانة الجسدية والنفسية والعقلية لأكبر حق وهو حقه في أن تكون الدولة والمجتمع تحققان له البيئة المناسبة في الوصول لمطامحه وأهدافه، وإن هكذا فرد لا يمكن أن يؤسس ما لم يمتلك ملكة تقدير الذات وعزة النفس وقدرة لا بأس بها في فهم حقوقه، ونقصاً في هذه المكونات يجعله فريسةً سهلة لفيروس الطغيان، فلا بد قبل ذلك من تطوير ميكانزيماته النفسية ضد الطغيان حتى يكون محصناً وهو يفهم ذاته وحقوقه، وإن فرداً ثم مجتمعاً يفهم حقوقه ويقدر الذات الإنسانية لا يمكن أن يرضخ لمفاتن وأوهام الطغيان. والآن ماذا لو أنتجنا مجتمعات تتجاوز الطغيان إلى الأبد؟
قرأت مرةً أن الطغاة يقرأون رواية واحدة لكنهم لا يقرأون الخاتمة لأنهم يعرفونها جيداً، ولنكمل هذه المقولة نقول؛ إن الرواية تكتبها الشعوب من أول حرف إلى الخاتمة، ومسؤولية الشفاء والتحرر من الطغيان تقع على عاتق الشعوب لا الظروف والقدر والقوى الفوقية، وأن الظروف القهرية والفروض السياسية لا يمكن أن ترضخ شعباً تجري في دمه أخلاق الحرية، وإن الرواية العظيمة للارتقاء لن تنجح ما دامت حروفها ملوثة بالطغيان، ولا يكون الارتقاء ارتقاءً صحياً إن لم يستند ويؤسس على الحقوق الكاملة للإنسان ضد كل أشكال السلب والطغيان.
#آراس_حمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المواطنة الصباحية
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|