أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عضيد جواد الخميسي - ليلة السكاكين الطويلة















المزيد.....


ليلة السكاكين الطويلة


عضيد جواد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 16:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


" أفضل سلاح سياسي هو سلاح الإرهاب، والقسوة تفرض الاحترام .. قد يكرهنا الناس؛ لكننا لا نطلب محبتهم ؛ فقط خوفهم "
(هينريچ هيملر / عام 1925م ـ قائد ميليشيا الأمن الخاص)

كانت "ليلة السكاكين الطويلة" في ألمانيا (المعروفة أيضاً باسم تنقية الدم أو انقلاب روم Röhm-Putsch ) في 30 يونيو/ حزيران عام 1934م تطهيراً لميليشيا نازية تسمى "كتيبة العاصفة" SA أختصاراً لـ ( Sturmabteilung ) والتي استمرت حتى الثاني من يوليو/ تموز من نفس العام .
كان "أدولف هتلر" (عام 1889-1945م)، حذراً من القوة المتنامية لكتيبة العاصفة، ومستاءً من سلوك أفرادها المتهوّر بعد أن أصبح مستشاراً لألمانيا، والذي رأى في كتيبة العاصفة منافساً قوياً للجيش . لذا فقد أمر باغتيال قائد الكتيبة "إرنست روم" (عام 1887-1934م) إلى جانب العديد من أعوانه المقرّبين والأعداء السياسيين للنظام النازي الجديد. وقد تم تبرير الحملة على أنها تطهير للمتآمرين الخطرين ضد الدولة الألمانية .

ميليشيا كتيبة العاصفة النازية ( SA )
أصبح أدولف هتلر زعيماً لحزب العمال الوطني الاشتراكي الألماني الذي كان معادياً لليهود والسياسة الألمانية على حد سواء. كما عُرف أيضاً بالحزب النازي ومقره ميونيخ في عام 1921م . حيث لم يكن هذا الحزب اشتراكياً ولا يمثل الطبقة العاملة أبداً؛ لكن هتلر اختار هذا الاسم لجعل حزبه القومي المتطرّف أكثر شعبية لدى الناس .
أُستحدثت كتيبة العاصفة الميليشياوية في عام 1921م وكان عليها واجبات مختلفة، مثل حماية اجتماعات الحزب النازي، وتوزيع المنشورات، وترهيب الناخبين والمجتمع اليهودي، ومهاجمة منافسو الحزب أو أولئك الذين تم تشخيصهم على أنهم "غير مرغوب فيهم"؛ولا سيّما رابطة مقاتلي الجبهة الحمراء والحزب الشيوعي الألماني (KPD) . وعن كيفية محاربة خصومه صرّح هتلر قائلاً: "يجب أن نكافح بالأفكار أولاً، وإذا لزم الأمر بالأكفّ ثانياً " (هايت،ص 116). ومنذ عام 1924م، بدأ أفراد الكتيبة بارتداء الزّي العسكري البنّي الفائض عن حاجة الجيش، ومنه جاءت كنيتهم "البدلات البنيّة" .
كان تزايد قوّة ونفوذ كتيبة العاصفة في أوائل عشرينيات القرن الماضي قد وضع هتلر بالفعل في حالة ترّقب. لذا قرر إنشاء حرس شخصي خاص به، وهي ميليشيا أصغر بكثير من الكتيبة ولكنها أكثر ولاءً يُطلق عليها"ستوستروپ -هتلر Stosstrupp-Hitler (قوات صدمة هتلر) . ورغم ذلك فقد شاركت كتيبة العاصفة في انقلاب بير هول سيئ السمعة (أو انقلاب ميونيخ)، وهو الانقلاب النازي الفاشل في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1923م . والذي أدين فيه هتلر ورفاقه البارزون بالخيانة واعتقلوا بأحكام قصيرة .

كانت التداعيات المباشرة للانقلاب بمثابة نكستين سياسية وعسكرية؛ حيث حُظر الحزب النازي و كتيبة العاصفة (مؤقتاً)، وحُلّت قوات الصدمة . ومع ذلك، فإن انتشار خبر الدعوى القضائية ضد هتلر، وخطاباته النارية المؤججة التي لاقت صدى واسع لدى الرأي العام؛ قد جعلت من القضية النازية وكتيبة العاصفة محط اهتمام الجمهور الألماني . لذا فقد كان هناك إقبال كبير للانضمام إلى الكتيبة ، حيث ارتفع العدد من ألفي عنصر في عام 1923 م إلى ثلاثون ألفاً في عام 1924م .
كان قائد كتيبة العاصفة "إرنست روم" ؛ رجل قصير القامة ، قوي البنية، عديم الرحمة، يحمل ندوباً بارزة على وجهه بسبب جروح أصيب بها في الحرب العالمية الأولى . وكان روم واحداً من مؤسسي تشكيل فرع "الجمباز والرياضة" في الحزب النازي، الذي تحول فيما بعد إلى "كتيبة العاصفة". وباعتباره أحد أقدم حلفاء هتلر؛ شارك روم أيضاً في انقلاب "بير هول" .

ميليشيا الأمن الخاص النازية (SS)
أصبح هتلر متوجساً مرة أخرى من كتيبة العاصفة التي أخذت تتوسع بزيادة عدد أفرادها وقوة نفوذها. ونتيجة ذلك، فكرّ هتلر مرة أخرى في عام 1925م بتشكيل ميليشيا منافسة لكتيبة العاصفة، وكانت هذه المرة أكثر نجاحاً. حيث أقسم أفراد فرقة "شوتزشتافل Schutzstaffel ـ الأمن الخاص" الميليشياوية (SS) بالولاء لهتلر شخصياً. وفي عام 1929م، قاد "هينريچ هيملر" (عام 1900-1945 م) هذه الميليشيا. وهو أحد قدامى المحاربين في انقلاب ميونيخ ؛ حيث وُظّف أفرادها كـ "فرقة حماية "أو حراسة شخصية لهتلر( باعتبارها تشكيلاً من ميليشيا الحزب)؛ بهدف إظهار قوة النازية في الأماكن العامة. وكانت ميليشيا الأمن الخاص (SS) أصغر وأكثر نخبوية من كتيبة العاصفة ( SA)، سواء من ناحية طرق التجنيد أو خطط التدريب.
رأى إرنست روم أن ميليشيا الأمن الخاص قوة منافسة خطيرة لكتيبته ومنصبه ؛عندما لم يوافق هتلر على فكرته في أن تلعب كتيبة العاصفة دور التنظيم العسكري الثوري الذي يمكن أن ينافس الجيش الألماني (رايخسفير ـ Reichswehr). لهذا السبب فقد ترك روم الحزب في مايو/ أيار عام 1925م ، وتوجّه إلى بوليڤيا حيث أمضى خمس سنوات هناك ثم عاد مرة أخرى إلى ألمانيا . وخلال تلك الفترة، واصلت كتيبة العاصفة زيادة عدد أفرادها تحت قيادة جديدة، حتى بلغ مائة ألف عنصر بحلول عام 1929م .
في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، كان هتلر لا يزال بعيداً عن هدفه المتمثل في أن يصبح زعيماً لألمانيا، وهو الطريق السلمي (إلى حد كبير) للوصول إلى السلطة السياسية الذي اختاره منذ فشل انقلاب بير هول ؛ حيث لم يتمكن النازيون من الفوز بمقاعد كافية في الانتخابات العامة. ونتيجة ذلك، لجأ هتلر مرة أخرى إلى كتيبة العاصفة؛ بعد أن عاد إرنست روم إلى قيادتها في يناير/ كانون الثاني عام 1931. إذ سُمح لروم بإعادة تنظيم كتيبة العاصفة وفق ضوابط أشّد عسكرة. وبحلول عام 1933م، كان عدد عناصرها نحو 2.3 مليون .

هتلر والتهديد
كانت كتيبة العاصفة لها الدور الرئيسي في دفع النازيين نحو السلطة. إذ أرهبت كتيبة العاصفة الناخبين في انتخابات عام 1932م والتي شهدت حصول الحزب النازي على عدد كافٍ من الأصوات تمكّن هتلر في أن يصبح مستشاراً.
زُعم إن حريق الرايخستاگ في 27 شباط/ فبراير عام 1933م، كان سببه الناشط الشيوعي الهولندي الشاب " مارينوس ڤان دير" الذي أُتهم زوراً بإضرام النار في البرلمان الألماني، وأُعدم بالمقصلة . وعلى الرغم من أن حادث الحريق المتعمد كان من تنفيذ كتيبة العاصفة؛ إلا أن هتلر أراد بذلك إثبات أن اليسار الألماني يشكل خطراً مميتاً على الدولة. وعند الحملة الانتخابية في مارس/ آذار من عام 1933م، واصلت كتيبة العاصفة نشاطها المحموم في منع وعرقلة حملات الأحزاب المنافسة ، و ترهيب الناخبين في مراكز الاقتراع. وقد حصل النازيون على 44٪ من الأصوات في تلك الانتخابات .
كان على هتلر أن يحافظ على ولاء الجيش الألماني له ، وإلا فقد يُطاح به بالقوّة. حيث شعر الجيش في أن ميليشيا كتيبة العاصفة تشكل تهديداً مباشراً لوظيفته في الدولة. إضافة إلى أن وزير الدفاع الجنرال "ڤيرنر ڤون بلومبرگ" (عام 1878-1946 م)، قد انتقد هتلر في اجتماع خاص؛ لعدم بذله المزيد من الجهود للحد من العنف المُفرط الذي تمارسه ميليشيا كتيبة العاصفة. وبعد أن تأكد من الطريقة التي تهب بها الرياح، طمأن هتلر جنرالات الجيش بأنه سيقطع رأس ميليشيا كتيبة العاصفة ، ويضمن أن الجيش هو وحده من يحق له حمل السلاح .
مع وجود الجيش وميليشيا الأمن الخاص، لم يعد هتلر يشعر بالحرج الذي تسببه له كتيبة العاصفة المنفلتة. ولعل الأهم من كل هذا وعلى المدى الأبعد ؛ كان هتلر بحاجة ماسّة إلى الجيش إذا أراد تنفيذ خططه بتوسيع أراضي ألمانيا والهيمنة الكاملة على أوروبا . كما كان بحاجة إلى دعم الرئيس "پول ڤون هیندنبورگ" (عام 1847-1934م)، على الأقل ظاهرياً في هذه المرحلة . وقد أبلغ هیندنبورگ هتلر بضرورة إيجاد حل لأوضاع عدم الاستقرار السياسي ، وإلا فإنه سوف يعلن مضطراً الأحكام العرفية ويضع الجيش في موقع المسؤولية عن الدولة. وكان على هتلر أن يتحرك بسرعة في تلك اللحظة.

حملة التطهير والانتقام
اتُهم روم وكتيبة العاصفة بتخزين الأسلحة والتخطيط لانقلاب ضد النظام النازي الناشئ دون أي دليل . وقد أثار أشّد خصوم روم "هيرمن گورينگ" (عام 1893-1946م)، و"هينريچ هيملر" الشائعات ضده أمام هتلر. واختُلِقَت قصة مفادها أن إرنست روم قد تلقى 12 مليون مارك من فرنسا لتنفيذ الانقلاب. لهذا؛ فقد حُلّت ميليشيا كتيبة العاصفة وتشكيلاتها في جميع أنحاء ألمانيا عام 1933م، وكانت نسبة أفراد كتيبة العاصفة العاطلين عن العمل أعلى من نسبتهم في التشكيلات النازية الأخرى، حيث شعر المُسرّحون من الخدمة ؛أنهم لم يكسبوا شيئاً من فوز الحزب النازي بالسلطة. كما كان روم قد صرح في خطاب له ؛ "أن كتيبة العاصفة لن تسمح للثورة الألمانية بفقدان زخمها للوصول إلى أهدافها ، وعرقلتها وهي في منتصف الطريق، أو حتى من يخونها من غير المقاتلين" (هايت،ص 176).
ربما كان الخطاب الذي ألقاه روم في 28 فبراير/ شباط عام 1934م ؛ هو القشة التي قصمت ظهر البعير، وذلك عندما أعلن وبثقة عالية ؛ أن كتيبة العاصفة هي القوة المسلحة الأساسية لألمانيا النازية ، وأن الجيش الألماني في المستقبل سيكون مجرّد فيلق تدريب لميليشيا كتيبة العاصفة !.
لم يبد هتلر من قبل أي اهتمام بمثلية روم الجنسية ، لكنه استغلّها كذريعة في مهاجمته. لذا خطط لحملة إبادة ميليشيا كتيبة العاصفة، التي عُرفت لاحقاً باسم "تنقية الدم أو ليلة السكاكين الطويلة"، ولكنها في الواقع كانت فترة من العنف والإرهاب امتدت من 29 يونيو/ حزيران وحتى الأول من يوليو/ تموز عام 1934م. كما أطلق النازيون على حملة التطهير الخاصة بهم "عملية الطائر الطنّان"؛ حيث نُفذّت في جميع أنحاء ألمانيا والنمسا من قبل ميليشيا الأمن الخاص والـ گيستاپو (الشرطة السرية النازية)، باستخدام مختلف الأسلحة ، ووسائل نقل وفرّها الجيش لهذا الغرض .

إعدام إرنست روم ورفاقه
في ليلة الثلاثين من يونيو/حزيران عام 1934م، توجّه هتلر إلى ميونيخ بصحبة مجموعة من ميليشيا الأمن الخاص ( SS) ، وقام باقتحام "البيت البنّي" مقر ميليشيا كتيبة العاصفة (SA ) ، وخلع شارات قادة الكتيبة. ثمّ ألقي القبض على إرنست روم وأعوانه الستة في مدينة المنتجع الصحي "باد ڤيزي" . حيث أُقتيد روم من فراشه في فندق هانسلباور. وكان هتلر يراقب المشهد هناك كما رواه لاحقاً إلى كبير مهندسيه "ألبرت سپير" (عام 1905-1981م):
"كنا غير مسلحين، ولم نكن نعرف ما إذا كان هؤلاء الخنازير لديهم حراس مسلحون يستخدمونهم ضدنا أم لا... وفي إحدى الغرف وجدنا صبيين عاريين" (سپير،ص 91).
بيد أن روايات أخرى تذكر ؛إن هتلر كان مسلحاً بمسدس عندما دخل الفندق ، بينما كان أفراد مجموعته المرافقة له يحاصرون المبنى كليّاً. ومع احتجاز روم، أُرسِلت كلمة سرّية" كوليبري " (الطائر الطنّان) كإشارة إلى كلاً من گورينگ وهيملر للمضي قدماً في برلين لاعتقال المزيد من آمري ميليشيا كتيبة العاصفة وأي أعداء آخرين للنازيين . لذا فقد قامت مليشيا الأمن الخاص وبالتعاون مع الگيستاپو باعتقال أشخاص مدرجة أسماؤهم في قائمة معدّة سلفاً تضم اثنان وثمانون اسماً.
وُضع روم في زنزانة بسجن "ستادلهايم" في ميونيخ، وعلى الفور تمّ صف أعوان روم الستة الموقوفين على الحائط ، وإطلاق النار عليهم جميعاً. وذكر هتلر لاحقاً؛أن 77 فرداً من المتآمرين قد أُطلِق عليهم النار على الفور في "ليلة السكاكين الطويلة". كما تم تحديد هوية 110 قادة كبار من كتيبة العاصفة للإعدام؛ وهي العملية التي قاد تنفيذها أحد آمري الأمن الخاص "ڤيكتور لوتز" (عام 1890-1943م). و لتجنب أي أعمال انتقامية من قِبَل كتيبة العاصفة، أمر هتلر ميليشيا الأمن الخاص التابعة له مع قوات من الجيش والگيستاپو أن يكونوا في حالة إنذار وترقّب. كما يذكر سپيرأيضاً ؛ في ليلة الثلاثين من يونيو/حزيران بمدينة برلين، "كان الجنود في حالة تأهّب قتالي مُتمركزين في حديقة تيرگارتن. وكانت هناك شاحنات مليئة بأفراد الگيستاپو يحملون بنادق تجوب الشوارع" (90-1). وبسبب عدم وجود قيادة لكتيبة العاصفة ، لم يتمكن أفرادها من التسلّح والمقاومة .
في الأول من يوليو/ تموز عام 1934م، قُدمّت إلى إرنست روم صحيفة تحمل عنوان " قصة انقلاب روم" الفاشل، ثم عُرض عليه أيضاً مسدس ليطلق النار به على نفسه ، لكنه رفض! . وحسب بعض المصادر، قال روم: "إذا كان علي أن أُقتل، فليفعل أدولف ذلك بنفسه" (شيرر،ص 221). وعلى الفور أطلق آمر إحدى سرايا ميليشيا الأمن الخاص "ثيودور آيك" (عام 1892-1943م) أو مساعده "مايكل ليپيرت " (أو كليهما) النار على روم، الذي كشف عن صدره لتلقي الرصاص القاتل .
بعد التخلّص من روم وكتيبته الميليشياوية من التاريخ النازي ؛ تم ترقية ثيودور آيك في الرابع من يوليو/تموز ليصبح المفتش النازي لمعسكرات الاعتقال . وبذلك فقد تم ازالة الصور الرسمية التي يظهر بها روم، وإتلاف جميع نسخ الفيلم الدعائي " نصر الإيمان" ، وهو فيلم عن تجمّع "رالي نورمبرگ" عام 1933م، بناءً على أوامر من هتلر، لأنه يُظهر الفوهرر وإرنست روم في لقطة ودية (عُثرعلى نسخة واحدة من الفيلم في بريطانيا بأواخر القرن العشرين). وحتى الكتب التي كانت تتضمن صور هتلر مع روم تم التخلّص منها .
أثار الدكتور "هانز فرانك" (عام 1900-1946م) الخبير القانوني البارز لدى النازيين؛ مخاوفاً بشأن العواقب القانونية لحملة الإعدامات المخطط لها. ورغم تلك المخاوف نُفذّت عشرون عملية إعدام أخرى لقادة في كتيبة العاصفة الـ 110 الذين تم اعتقالهم. وأُرسل المعتقلون الذين لم تطلهم عقوبة الإعدام إلى معسكرات الاعتقال، كما استمرت عمليات القتل السرية. وقد استغل هتلر أيضاً فوضى التطهير والتصفية للقضاء على خصومه الآخرين الذين ليس لديهم أي صلة على الإطلاق بميليشيا كتيبة العاصفة . وبلغ عدد الذين قُتلوا في عملية التطهير نحو 478 شخصاً ، وأغلبهم قد أُغتيلوا أمّا في منازلهم أو في أماكن عملهم وبدون سابق إنذار. ومن أبرز الشخصيات الغير النازية التي اغتيلت كان السياسي اليساري "گريگور شتراسر" (عام 1892-1934م)، والسياسي المؤيد للكاثوليكية "إريك كلاوزنر" (عام 1885-1934م)، الذي انتقد النازيين في خطاب ألقاه قبل بضعة أسابيع من اغتياله . وأيضاً المستشار السابق الجنرال "كورت ڤون شلايشر (عام 1882-1934م) مع زوجته. كما اغتالت ميليشيا الأمن الخاص السياسي الباڤاري المتقاعد "گوستاف رتر ڤون كهر" (عام 1862-1934م)، الذي عمل ضد هتلر أثناء انقلاب بير هول. وقد تم الإبلاغ عن العديد من هذه الاغتيالات على أنها حالات انتحار. كما كان هناك عدد قليل ممن الذين نجوا من الاغتيال . فقد اقتحم أفراد من ميليشيا الأمن الخاص منزل السياسي المحافظ "گوتفريد تريڤيرانوس (عام 1891-1971 م)، لكنه تمكن من الفرار عبر الباب الخلفي، والوصول في النهاية بعد التخفّي إلى بريطانيا.

نتائج تصفية الخصوم
كان الهجوم على كتيبة العاصفة يُنظَر إليه من قِبَل عامة الناس على أنه ضرورة للسيطرة على ما كان في النهاية مجرّد عصابة من الفاسدين . وربما كانت ليلة السكاكين الطويلة حدثاً دموياً مريعاً؛ لكنها كما قال هتلر؛ " بذلك فقد تجنبتُ حرباً أهلية أكثر عنفاً ".
لقد تقبّل الرئيس هیندنبورگ هذا النهج من العنف ، وأشاد علناً بما فعله هتلر ضد كتيبة العاصفة عندما قال: " لقد أنقذتَ الأمة الألمانية من خطر جسيم" (هايت،ص 178). بعد ذلك، بدا الحزب النازي أكثر قوّة وقدرة من أي وقت مضى من خلال إصدار الأوامر والمراسيم الدستورية وغير الدستورية . كما قرر هتلر بضرورة إلقاء خطاب خاص أمام أعضاء البرلمان في بناية الرايخستاگ لتبريرحملته التطهيرية؛ حيث تلاعب بالكلمات من خلال وصف خصومه وهم من أصدقائه القدامى؛ بأن احترامه للقانون والدستور جعل من حملته التطهيرية تلك ضرورة لابدّ منها ، وكما في المقطع التالي :
"في تلك الساعة كنت مسؤولاً عن مصير الشعب الألماني، وبالتالي أصبحت القاضي الأعلى لهذا الشعب. لقد أصدرتُ الأمر بإعدام القادة الخونة، وأصدرت أمراً آخر بكوي هذا التقرّح المؤذي في جسدنا لكي نتعافى في حياتنا الوطنية . ولندع الأمة تعرف أن وجودها الذي يعتمد على النظام والأمن الداخليين ؛ لا يمكن أن يهدده أحد دون عقاب. وليعلم الجميع ؛أنه إذا رفع أي شخص يده لضرب الدولة، فإن الموت المؤكد هو من نصيبه."(چيمينو، ص89)
وفي جلسة خاصة، اعترف هتلر بأن "الانفصال عن الرفاق الذين قاتلوا معي لسنوات كان أمراً بالغ الصعوبة" (ستون،ص 69). وفي الثالث من يوليو/تموز، تم وضع اللمسة الأخيرة لإضفاء الشرعية على تلك الحملة الدموية، وذلك من خلال قرار وقعه هتلر الذي نصّ على أن ؛"الإجراءات التي اُتخذت في الثلاثين من يونيو/حزيران والأول والثاني من يوليو/تموز لسحق هجوم الخونة على أمتنا تشكل عملاً شرعياً للدفاع عن ألمانيا" (چيمينو، ص83).
"كانت رسالة الدعاية النازية التي تم الترويج لها عبر الصحافة والإذاعة، هي أن الحملة لم تكن سوى تطهير للحزب، والتخلّص من رجال ليس لديهم أخلاق يمارسون أفعالاً مثلية مُشينة مع الصبية الصغار. كما وصف الحزب قتلى ليلة السكاكين الطويلة رسمياً بأنهم "شخصيات مريضة غير منضبطة وغير مطيعة وعناصر معادية للشعب" (جيلتيلي، 207ص).
تم تبرير عمليات اغتيال أولئك الذين لم تكن لهم أي صلات مع كتيبة العاصفة ؛على أنها كانت ظروف مؤسفة، وسلوك أفراد متحمسين تجاوزوا الأوامر. ورغم الذي حصل ؛ كان العديد من الناس على استعداد لقبول هتلر على ما هو. كما أدرك العديد منهم ؛أن النازيين قادرون على كل شيء، وإذا عرقلت القوانين أهدافهم و مبتغاهم ، فإن القوانين هي التي سوف تتغير أو حتى يمكن تجاهلها. إذ لم يصبح أدولف هتلر حامياً للقانون فحسب، بل كان هو القانون نفسه. وعندما لم يعد الجيش الألماني يقسم بالولاء للدستور بل لشخص هتلر؛ أصبح الفوهرر مقدّساً وغير قابل للمساس ! .

على الرغم من أن كتيبة العاصفة لم تعد نفس التنظيم بعد ليلة السكاكين الطويلة، إلا أنها كانت لا تزال تعمل تحت قيادة زعيمها الجديد "ڤيكتور لوتز" للتخلّص من أي شخص يعتبره النظام النازي تهديداً. كما نُقل مقر الكتيبة من مدينة ميونخ إلى برلين ؛ لكي يتمكن هتلر من متابعة نشاطها بشكل أفضل . حيث تم شغل بعض المناصب فيها من قبل ميليشيا الأمن الخاص مثل؛ إدارة معسكرات الاعتقال في عام 1934م.
لقد جعلت القوة والنفوذ المتزايد لـ هيملر وميليشيا الأمن الخاص أولئك الذين ينتقدون النظام النازي ؛أن يعيشوا بحالة من الخوف والرعب. إذ تحول النازيون من الاطاحة ببعضهم إلى مهاجمة أي شخص يعتبرونه عدوّاً لهم بشكل صارم. وهكذا أصبح كابوس الاستبداد حقيقة واقعة استمر حتى تدمير ألمانيا بالكامل في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م .



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مارك بوتنير ـ القاموس الخاص بالحرب العالمية الثانية ـ پريسيديو للطباعة ـ 1996 .
آل چيمينو ـ قصة ميليشيا الأمن الخاص ( فيالق الموت سيئة السمعة التي أسسها هتلر) ـ سيريوس للنشر ـ 2023
روبرت جيلتيلي ـ مؤمنو هتلر الحقيقيون: كيف أصبح الناس العاديون نازيين ؟ ـ طباعة جامعة أوكسفورد ـ 2020 .
جون هايت ـ ڤيمار وألمانيا النازية ـ شركة چامبرز هاراپ للنشر المحدودة ـ 2000 .
وليام. أيل. شيرر ـ صعود وسقوط الرايخ الثالث: تاريخ ألمانيا النازية ـ سايمون وچيستر للنشر ـ 2011 .
ألبرت سپير ـ في داخل الرايخ الثالث ـ سايمون وچيستر للنشر ـ 1997 .
نورمان ستور ـ هتلر ـ كورونيت للكتب ـ 1989 .
پيتر روس رينج ـ الصعود الغير مفهوم ـ ليتل براون للنشر ـ 2022 .
فرانك ماكدونو ـ هتلر وصعود الحزب النازي ـ روتليدج للنشر ـ 2012 .



#عضيد_جواد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديانة المايا: النور الذي أتى من البحر
- الموت وحياة الآخرة في بلاد فارس القديمة
- الفينيقيون شعب أرجواني
- عنخ رمز بلاد النيل
- دعوى قضائية لعبد يهودي أمام محكمة بابلية
- نينهورساگ الإلهة الأم في الأساطير السومرية
- العقيدة البوذية في نشوئها وفلسفتها
- نظام التعليم في بلاد الرافدين القديمة
- الدفن في بلاد الرافدين القديمة
- كذبة أفلاطون في الروح
- الأزياء والملابس في بلاد الرافدين القديمة
- الفنّ والعمارة في بلاد الرافدين
- ثورة العمّال اللودّيين
- مَن هم شعوب البحر ؟؟
- الأعياد في بلاد الرافدين القديمة
- الحكومة في بلاد الرافدين القديمة
- النساء العالمات في ثورة العلوم
- قصة الوسيم نارسيسوس (نرجس)
- دعوى استئناف لإمرأة سومرية أمام محكمة في مدينة أوما
- هيبي إلهة خلود الشباب


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عضيد جواد الخميسي - ليلة السكاكين الطويلة