داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 8138 - 2024 / 10 / 22 - 08:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتوهم من يعتقد أن العدوان الصهيوني على غزة الصابرة ولبنان الجريح , إنما يستهدف فئة معينة من الفلسطينيين أو اللبنانيين المقاومين للغزو الصهيوني دون سواهم , وأنهم بمناى عن هذا العدوان , إذا ما صفقوا وهلهلوا كلما سقط قائد بارز شهيدا ,فلسطينيا كان أم لبنانيا جراء هذا العدوان الغاشم , ذلك أن هدف العدوان الصهيوني, إنما هو إخلاء فلسطين وما يجاورها من سكانها , كي يتم إستيطانها من قبل صهاينة جدد قادمين من شتى بقاع العالم ,على وفق عقيدتهم الصهيونية الإستيطانية العنصرية الغاشمة ,التي لا تؤمن بالتعددية الثقافية أو التعايش السلمي مع غير الصهاينة , حتى وإن كانوا سكان البلاد الأصليين الموالين لهم على أساس قبول الأمر الواقع , ممن لا حول لهم ولا قوة , بحيث تصبح فلسطين صهيونية خالصة لهم دون سواهم ,عدوا كان أم صديقا , أي أن فلسطين برمتها ينبغي إفراغها من سكانها الأصليين بشتى الطرق ,دون خشية من أحد طالما أن الولايات المتحدة الأمريكية , أكبر قوة إقتصادية وعسكرية داعمة لهم بالمال والسلاح , بحكم هيمنة اللوبي الصهيوني على القرار الأمريكي في هذا المجال , وضعف مواقف الدول العربية وتهوانها وإنشغالها بنزاعات عرقية ودينية وطائفية عبثية مفتعلة لا معنى لها , وإنغماسها بملفات فساد ونهب المال العام دون رقيب أو حسيب .
وهذا ما أثبتته وقائع الأحداث في الضفة الغربية المحتلة وما يجري فيها من حركة إستيطان صهيوني واسع على قدم وساق , بالإستيلاء على الأراضي الفلسطينية وهدم ممتلكات الفلسطينيين في القدس ونابلس ورام الله وجنيين وغيرها , وإقامة مستوطنات لصهاينة جدد قادمين من مختلف بلدان العالم بهدف تغيير تشكيلتها الديموغرافية من فلسطينية إلى إسرائيلية , ومواصلة سعيها لتهجير سكانها الفلسطينيين , بتضييق الخناق عليهم ومحاربتهم بقطع سبل عيشهم وزج شبابهم في السجون بشتى الذرائع الواهية والإفتراءات .
لا يحترم الصهاينة أية مواثيق أو إتفاقات أبرومها مع السلطة الفلسطينية في كامب ديفيد عام 1978 برعاية أمريكية , وما تمخض عنها من إتفاقات أوسلو عام 1993 , ولم تجدي الرحلات المكوكية التي قام بها أكثر من وزير خارجي أمريكي ,بزحزحة إسرائيل من عنادها وإيقاف مشاريعها الإستيطانية التوسعية في الضفة الغربية, التي تشكل مخالفة واضحة وصريحة لإتفاقات أوسلو , ناهيك عن إنتهاكها الصارخ لمبادئ القانون الدولي وقرارات هيئة الأمم المتحدة ,التي تحرم تصرف القوات المحتلة بأي شكل من الأشكال في الأراضي التي إحتلتها , أو العبث بتركيبتها السكانية , كان إخرها قرار محكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة عام 2024 التي طالبت إسرائيل بإعادة الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى أصحابها الشرعيين , لإقامة دولتهم الحرة المستقلة .
وبرغم عدالة القضية الفلسطينية ووضوحها وضوح الشمس, ومعاناة الشعب الفلسطيني على مدى أكثر من قرن من الزمان , وتضحياته وإستبساله , إلاّ أنه يلاحظ الآن بروز ظواهر مشينة في أكثر من بلد عربي , منافية لكل القييم والأعراف ,منها إحتفال البعض علنا ودون حياء بسقوظ ضحايا فلسطينيين أو لبنانيين من قادة المقاومة جراء العدوان الصهيوني, بصرف النظر ما إذا كنا في خلاف مع هؤلاء القادة أو في توافق معهم في قضايا أخرى . وتحضرني هنا ثمة مقولة كان ترددها القوى الإستعمارية مفادها أن العرب يختلفون على كل شيئ , إلاّ القضية الفلسطينية هي القضية الوحيدة التي توحدهم. بينما تراهم اليوم تركوا الفلسطينيين يواجهون العدوان الصهيوني بمفردهم ,بصدور عارية لكنها عامرة بالإيمان بعدالة قضيتهم وحتمية النصرطال الزمن أم قصر . والأنكى من كل ذلك يتعاون بعضهم علنا مع العدو الصهيوني الغاشم وتقديم الكثير من الدعم والتسهيلات للصهاينة الغزاة كما تتناقل ذلك بعض وسائل الإعلام المختلفة ومنصات التواصل الإجتماعي , ويوجهوا سهامهم السامة وأبواق دعايتهم المدفوعة الثمن وزعيق إعلامييهم السفلة ضد المقاومة التي يتهموها بزعزعة أمن المنطقة وإستقرارها , بينما يعلم القاصي والداني أن الكيان الصهيوني هو من يتسبب بزعزعة أمن المنطقة وعدم إستقرارها ,منذ زرعه وقيام كيانه على أنقاض فلسطين بقوة السلاح ,ودعم الدول الإستعمارية الكبرى في العالم, بدءا ببريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين التي وعدت ومهدت لقيام الكيان الصهيوني الغاصب , ودعم الولايات المتحدة وحمايتها ورعايتها المطلقة لهذا الكيان . يتراقص هؤلاء الأقزام ممن يحسبون عربا على أشلاء الضحايا , ظنا منهم أنهم سينالوا رضا الصهاينة وأسيادهم الأمريكان , كي يضمنوا كراسي حكمهم المهزوز .
وثمة آخرون تنصلوا عن إنتمائهم العربي , ولا نعني بذلك إنتمائهم العنصري , إنما قصدنا إنتمائهم الثقافي والوجداني والحضاري والمجتمعي في بلدانهم العربية التي يشتركون فيها مع بقية سكانها بصرف النظر عن أثنياتهم وأديانهم وطوائفهم . منهم من راح يصف نفسه بأنه فرعوني علما أنه لا يفقه من الفرعونية شيئا , ثقافة كانت أم حضارة كي يبعد عن نفسه تهمة انتمائه لثقافة عربية يشترك بها مع سكان البلدان العربية,إعتقادا منه أنه بذلك سيكسب رضا الصهاينة . نحن لا ندعي هنا أن ألوصف الفرعوني بدعة جديدة , بل سبق أن تساءل عدد من كبار أدباء مصر في عهد الملك فاروق , ومنهم الدكتور طه حسين الذي يوصف بعميد الأدب العربي , ما إذا كانوا فراعنة أم عربا دون أن يحسموا أمرهم حتى تولي الرئيس جمال عبد الناصر حكم مصر ليجعل منها منطلقا لحركة القومية العربية طوال مدة حكمه التي قاربت نحو ثمانية عشر عاما .
وهناك الأن من يروج لفكرة الإنتماء الفينيقي كي يدفع عن نفسه ما يعتقده تهمة انتمائه العربي وما يمكن أن تسببه له من مشاكل مع الصهاينة . كما راح آخرون في أكثر من بلد عربي , تأكيدهم على إنتماءاتهم الأثنية وهوياتهم الفرعية ليبعدوا عن أنفسهم شبهة الإنتماء العربي كونهم مواطنين في دول عربية ويحملون جنسياتها , وذهب بعضهم لترويج فكرة الإنتماءات الأثنية الفرعية تحت المظلة الصهيونية بوصفها الدرع الحامي لهم من خطر العروبة والإسلام ,كما يروج لذلك دهاقنة الصهاينة ومفكريهم , بينما تمثل الصهيونية الخطر الحقيقي الجاثم على صدور الجميع والذي يسعى لتفتيت بلدانهم التي عاشوا فيها قرونا عديدة بأمن وسلام .
وثمة ظاهرة مريبة باتت هي الأخرى تطفو على السطح من منطلق طائفي مقيت , لصرف النظر عما يحصل من فضائع ومجازر ترتكبها القوات الصهيونية جهار نهارا دون رادع في فلسطين ولبنان , وخلط الأوراق والتناحر بين أبناء الوطن الواحد في قضايا هامشية عفى عليها الزمن وشرب, والترويج لفكرة زائفة مفاده أن الخطر الحقيقي الذي يهدد البلدان العربية , قادم من إيران , وأنه ليس بإمكان هذه الدول صد هذا الخطر دون التعاون مع إسرائيل في حلف صهيوني عربي تحت مظلة حماية أمريكية .بينما يعرف القاصي والداني أن إسرائيل هي من دمرت المفاعل النووي العراق بقصفه عام 1981 , وتصفية بعض العلماء العرب المشاركين بهذا البرنامج , وهي تهدد الآن بتدمير البرنامج النووي الإيراني , وقامت بإغتيال أكثر من عالم نووي إيراني .
كما أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية نظام الحكم العراقي عام 2003 , تحت مظلة جامعة الدول العربية وبتمويل خليجي , حيث إنطلقت قواتها المتمركزة في قواعدها العسكرية بدول الخليج العربي وشبه الجزيرة العربية . ولم تكتف بإسقاط النظام , بل إنها أمعنت بتدميرالعراق والقضاء على كل ما يمت لثقافته وحضاراته , والعودة به إلى عصر ما قبل الصناعة , فضلا عن فرض حصار إقتصادي شامل ظالم طال جميع مفردات الحياة الإنسانية لأكثر من عقد من الزمان . بالمقابل لم تقدم إيران أية تسهيلات للحرب المجنونة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد العراق , لكنها دون شك كانت المستفيد الأكبر من نتائج هذه الحرب , بتخلصها من نظام حكم عدو لدود خاضت معه حرب ضروس دامت أكثر من ثمان سنوات , حيث بات العراق بوضعه الجديد منطقة نفوذ إيرانية ورئة إقتصادية يتنفس منها الإقتصاد الإيراني الذي يعاني من أزمات إقتصادية جمة بسبب الحصار الإقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية ضد قطاعات إيرانية مختلفة , تماما كما يقال مصائب قوم عند قوم فوائد .
وليس بعيدا عن الأذهان ما حلّ بأكثر من بلد عربي من خراب ودمار هائل, فيما عرف زورا وبهتانا " بالربيع العربي " الذي كان بحق زمهريرا عربيا ,فوضى حروب أهلية بين أبناء البلد الواحد وهدر ثرواتها ولم تعد هذه البلدان قادرة على حماية بلدانها التي باتت تتلاعب بها الدول الأخرى , حيث باتت تصنف دولا فاشلة لا مستقبل لها , وما زالت هذه الدول تعاني من فوضى عارمة وفقدان الأمن والعبث بمقدراتها , كما هو الحال في ليبيا والسودان والصومال واليمن . قامت السودان بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل ظنا منها أن ذلك سيوفر لها طوق النجاة ويفتح لها الطريق لتنال رضا الولايات المتحدة الأمريكية ورفع العقوبات المفروضة عليها , بينما هي غارقة الآن في صراعات دامية بين أمراء الحرب القابضين على السلطة .
دأبت الحكومات العربية والكثير من الأحزاب السياسية , التنصل عن مسؤوليتها عن فشل سياساتها الكارثية في الحروب والصراعات , بإلقاء اللوم على الدول الأخرى وبكونها ضحية تآمر دولي عليها ولم يهرع أصدقائها لنصرتها , والأدهى من ذلك يصف البعض منهم هذه الكوارث بأنها فاتحة نصر مبين لغد مشرق ,وما على شعوبهم المغلوب على أمرها سوى شد الأحزمة لعبور هذه المرحلة التي غالبا ما يصفونها بالتاريخية .
وخلاصة القول أن ما حلّ بفلسطين ولبنان والدول العربية الأخرى من مصائب على مدى قرون , لا تحل بالهروب إلى أمام وتبادل الإتهامات بالتقصير أو الخيانة ,وإلقاء اللوم على بعضنا البعض , والإدعاء بأننا مستهدفون من قبل القوى الإستعمارية دون سوانا , لنهب ثرواتنا النفطبة وغيرها التي حبانا الله بها , وكأن بلاد العالم الأخرى خاوية على عروشها لا ثروات فيها . نقول لا تعاد الحقوق إلى أصحابها بمجرد الإكثار من التراتيل والخطب الدينية , بل بشحذ الهمم والعمل والتخطيط السليم وصفاء النوايا , ورص الصفوف والسعي لإمتلاك عناصر القوة , والتي أبرزها الإيمان بعدالة القضية , وإمتلاك أدوات النصر المتمثلة بوسائل العلوم والتقنيات الحديثة , وتقدير قوة الخصم ونقاط ضعفه , وبناء القدرة على إدارة دفة الصراع في عالم اليوم والمستقبل , والإبتعاد عن أحلام اليقضة وعالم الأمس , والكف عن إثارة الفتن والعنعنات الطائفية والدينية والأثنية وكل ما من شأنه زعزعة الأمن السلمي المجتمعي , والتعامل مع القضية الفلسطينية على أنها قضية أمة , وليست قضية طائفة أو حزب أو زعيم كائن من يكون , ذلك أن نتائجها تنعكس سلبا أم إيجابا على الأمة برمتها وليس على جهة دون أخرى , وبقولنا هذا لا يعني ترك الحبل على الغارب لتسويف القضية , إنما السعي لحشد قدرات الأمة وراء قيادات وطنية مؤمنة حقا بالقضية الفلسطينية بالعمل لا بالأقوال والأغاني والشعارات الجوفاء . وما النصر إلاّ من عند الله .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟