|
سكوت الأمم المتحدة عن قصف إسرائيل لمراكز الأونروا في لبنان: تحليل سياسي واستراتيجي للاعتداءات على بعثات الأمم المتحدة
كرم الدين حسين
صحفي باحث وكاتب
(Karameddine Hcine)
الحوار المتمدن-العدد: 8137 - 2024 / 10 / 21 - 00:12
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يشكل قصف إسرائيل لمراكز الأونروا في لبنان وغزة تحدياً كبيراً في مجال القانون الدولي الإنساني، حيث أن الأونروا وكالة أممية تقدم خدمات إنسانية حيوية للفلسطينيين اللاجئين منذ عام 1949. وبينما تتعرض الأونروا لضغوطات سياسية ودبلوماسية، فإن استجابة الأمم المتحدة لهذه الانتهاكات غالباً ما تكون ضعيفة أو غير حاسمة. هذا الوضع يفتح المجال لتساؤلات حول ما إذا كانت الأمم المتحدة ستلتزم بنفس الصمت إذا تعرضت بعثات حفظ السلام التابعة لها، مثل بعثة "المينورسو" في الصحراء المغربية، لاعتداء مسلح مشابه. في هذا المقال، سنحلل العوامل التي تؤثر في استجابة الأمم المتحدة ونناقش الفروقات بين هذه البعثات مع توضيح مثال "مينورسو" كمثال للتحليل دون أن يكون مقارنة مباشرة.
التحليل السياسي للصمت الأممي تجاه الأونروا
استجابة الأمم المتحدة لقصف مراكز الأونروا ترتبط بالعوامل الجيوسياسية المعقدة التي تؤثر على صنع القرار الدولي. يتمتع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بسلطة اتخاذ قرارات ملزمة، ولكن هذه القرارات كثيراً ما تتأثر بموازين القوى العالمية. من أبرز هذه القوى الولايات المتحدة، التي تعد من أكبر الداعمين لإسرائيل، وغالباً ما تعطل اتخاذ قرارات صارمة ضدها باستخدام حق النقض (الفيتو). هذا النفوذ السياسي يجعل رد فعل الأمم المتحدة على انتهاكات إسرائيل تجاه الأونروا محدودًا وغير فعال.
1. دور الدعم الدولي لإسرائيل في الصمت الأممي
إلى جانب كون الأونروا وكالة إنسانية تتعرض لتسييس عملها، فإن العامل الأهم في تفسير هذا الصمت الأممي هو أن الهجمات على الأونروا تأتي من إسرائيل، التي تحظى بدعم قوي من الدول العظمى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية. هذه العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجعل من الصعب على الأمم المتحدة اتخاذ موقف حازم، إذ تمتلك الولايات المتحدة نفوذاً كبيراً في مجلس الأمن، وتستخدم حق الفيتو لحماية إسرائيل من أي إدانة أو إجراءات عقابية.
"السكوت عن الاعتداءات الإسرائيلية على الأونروا ليس ناتجاً فقط عن كون الوكالة إنسانية، بل يرتبط بشكل أساسي بدعم الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، لإسرائيل. هذا الدعم يجعل من المستحيل تقريباً اتخاذ أي قرارات حازمة ضد إسرائيل داخل مجلس الأمن."
2. الفرق في طبيعة البعثات الأممية وتأثيرها على استجابة الأمم المتحدة
تتباين بعثات الأمم المتحدة في طبيعتها وأهدافها، ما يؤدي إلى تفاوت في استجابة الأمم المتحدة عند تعرض هذه البعثات للاعتداءات. الأونروا، على سبيل المثال، هي وكالة إنسانية تقدم الخدمات التعليمية والصحية للاجئين الفلسطينيين، في حين أن بعثات حفظ السلام مثل "مينورسو" في الصحراء المغربية تتمتع بحماية قانونية دولية أقوى كونها تنفذ مهام عسكرية وأمنية بموجب قرارات مجلس الأمن.
"مينورسو"، التي أنشئت عام 1991 لمراقبة وقف إطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو، تعمل في بيئة نزاع معقدة وتتمتع بتفويض أممي صارم. لذا، أي اعتداء على هذه البعثة يعتبر تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الدوليين. على النقيض، تعمل الأونروا في بيئة سياسية حساسة للغاية، وتواجه ضغوطاً متزايدة تتعلق بتسييس عملها الإنساني، ما يجعل استجابتها لأي اعتداءات أقل قوة من تلك التي قد تحصل لبعثات حفظ السلام.
"بينما تتعرض الأونروا لهجمات متكررة دون استجابة حازمة، تتمتع بعثات حفظ السلام، مثل مينورسو، بحماية قانونية دولية تجعل أي اعتداء عليها تهديداً مباشراً للنظام الدولي. هذا الاختلاف في طبيعة البعثات يفسر لماذا تلقى بعثات حفظ السلام اهتماماً دولياً أكبر عند تعرضها للاعتداء."
استهداف بعثات الأمم المتحدة: مقارنة استجابة الأمم المتحدة
لنأخذ مثالًا حقيقيًا: الهجوم الذي شنته إسرائيل على قاعدة للأمم المتحدة في قانا بلبنان عام 1996، والذي أدى إلى مقتل 106 مدنيين كانوا يحتمون بالقاعدة خلال عملية "عناقيد الغضب". رغم الغضب الدولي الكبير، لم تكن هناك عقوبات أو ردود فعل قوية على إسرائيل. في المقابل، عندما تعرضت قوات حفظ السلام الأممية في جمهورية الكونغو الديمقراطية لهجوم في عام 2011 أسفر عن مقتل 28 جنديًا أمميًا، كان رد الفعل الأممي سريعاً وقوياً، حيث طالبت الأمم المتحدة بتحقيق دولي ومحاسبة المتورطين.
هذا التباين في الردود يظهر أن الاعتداءات على بعثات حفظ السلام تحظى باهتمام أكبر من المجتمع الدولي مقارنةً بالوكالات الإنسانية مثل الأونروا.
مينورسو كمثال على استجابة مختلفة
لإعطاء مثال دون الدخول في مقارنة مباشرة، نذكر "مينورسو" كمثال على بعثة قد تلقى رد فعل أقوى إذا تعرضت لهجوم. بالنظر إلى أن البعثات العسكرية مثل مينورسو جزء من الجهود الأممية المباشرة لحفظ السلام، فإن أي اعتداء عليها يعتبر انتهاكًا لسلطة الأمم المتحدة نفسها.
"من المفيد أن نتساءل كيف ستكون استجابة الأمم المتحدة لو استهدف هجوم مسلح بعثة مثل مينورسو، التي تعمل في منطقة نزاع معترف بها دولياً؟ أي اعتداء عليها سيشكل تحديًا للنظام الدولي، ومن غير المحتمل أن يكون الصمت أو التجاهل هو الرد."
الأبعاد القانونية: الحصانة والحماية
بموجب القانون الدولي، تتمتع بعثات حفظ السلام بحصانات وحماية قانونية قوية. الاعتداء على هذه البعثات يُعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن الدولي، ويستلزم ردًا صارمًا. في المقابل، الأونروا كوكالة إنسانية لا تتمتع بنفس القدر من الحصانة القانونية، مما يجعل من السهل استهدافها دون عواقب سياسية كبيرة.
"إن الحماية القانونية القوية التي تتمتع بها بعثات حفظ السلام تجعل من الاعتداء عليها مسألة تتطلب تدخلاً سريعاً، بينما يتعامل المجتمع الدولي مع الأونروا بشكل أكثر تساهلاً نظراً لطبيعتها الإنسانية والسياسية المعقدة."
تأثير السياسة الدولية على استجابة الأمم المتحدة
في الختام، يمكن القول إن استجابة الأمم المتحدة للاعتداءات على الأونروا تعكس حالة من التأثر العميق بالسياسة الدولية، حيث تلعب القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، دورًا كبيرًا في تحديد نوعية الرد الأممي. إن دعم الولايات المتحدة لإسرائيل هو السبب الجوهري وراء الصمت الأممي تجاه الهجمات الإسرائيلية، حيث تؤثر المصالح الجيوسياسية بشكل كبير على القدرة على اتخاذ إجراءات حازمة. في المقابل، البعثات العسكرية لحفظ السلام مثل مينورسو، رغم أنها
#كرم_الدين_حسين (هاشتاغ)
Karameddine_Hcine#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرية التعبير في الدفاع عن القضايا العادلة: بين قضية الصحراء
...
-
تدبير الأزمات السياسية في العالم العربي: الأزمة الحالية في ف
...
-
اغتيال البطل، ولادة الأسطورة
-
المغرب اليوم: الوطن الذي يبكي شبابه
-
عبادة عشق
-
هل حان وقت وفاة الأمم المتحدة؟
-
وعد اللقاء
-
لوحة المطر
-
نداء العروبة
-
أغاني الروح المحرمة
-
فلسطين نحن
-
مطر بلا لقاء
-
حوار العاشقين على ضفاف الاحلام
-
تحليل بيان الخارجية الجزائرية حول اعتراف فرنسا بمغربية الصحر
...
-
و للجدران روح أيضًا
-
صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتقاربه من السلطة... هل يتكرر
...
-
عناد العشاق
-
الخيانة المشروعة
-
العاشق الأثم
-
إستحالة النسيان
المزيد.....
-
فيديو مراسم ومن استقبل أحمد الشرع عند سلّم الطائرة يثير تفاع
...
-
نانسي عجرم وزوجها يحتفلان بعيد ميلاد ابنتهما..-عائلة واحدة إ
...
-
-غيّرت قراراتنا في الحرب وجه الشرق الأوسط-.. شاهد ما قاله نت
...
-
ماذا نعلم عن الفلسطيني المقتول بالضربة الإسرائيلية في الضفة
...
-
باكستان: مقتل 18 جنديا و23 مسلحا في معركة بإقليم بلوشستان
-
واشنطن بوست: إسرائيل تبني قواعد عسكرية في المنطقة منزوعة الس
...
-
قتلى وجرحى في غارات جوية إسرائيلية في الضفة الغربية
-
أحمد الشرع إلى السعودية في أول زيارة له خارج البلاد
-
ترامب يشعل حربا تجارية بفرض رسوم تجارية على كندا والمكسيك وا
...
-
-الناتو- يطالب ألمانيا بزيادة الإنفاق على الدفاع
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|