أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بدورعبد الكريم - سؤال الهوية بين الغرب والشرق!















المزيد.....

سؤال الهوية بين الغرب والشرق!


بدورعبد الكريم

الحوار المتمدن-العدد: 8135 - 2024 / 10 / 19 - 18:48
المحور: قضايا ثقافية
    


في عام ١٩٩٤، كتب كونديرا رواية (الهوية)، فأي هوية قصد إليها كونديرا؟ وهل هي هوية واضحة الملامح تجاه ذاتها، واثقة من هويتها وخصوصيتها بين هويات متعددة؟ أم هي هوية مشكوك بها، قلقة ومتعثرة؟ في زمن شعاره الاستهلاك، وموضوعه السلعة، حيث الأشخاص يعلقون ثيابهم ومحافظهم على أجسادهم، علامات على قيمتهم السلعية، حيال المنتَج والمنتِج. تقول بطلة الرواية: (أشعر كأنني ضائعة في عالم لا يتعرف علي، حيث تتلاشى ملامحي بين زحام الوجوه والأسماء، أبحث عن شيء يمثلني، لكنني أجد نفسي محاطة بالضباب).
قبل هوية كونديرا بنحو ثلاثين عاماً، أسس ماركوز نظرياً لصراع الأجيال، الذي كانت قد أنتجته واقعياً حداثة ما بعد الحداثة، وغير بعيد عنه، في النصف الأول من القرن العشرين، عوَّل فرويد فردياً على أسطورة قتل الأب، ومجتمعياً، على الصراع بين الأب و الإبن، علاقة يمكن القول فيها، إنها في العمق صراعية عدائية.
في تأسيس مجتمعي آخر، قبل ذلك، وفي الشرق لا في الغرب، وضع ابن خلدون في مقدمته الشهيرة، تأسيساً للهوية في المجتمع، مستنداً إلى ثقافة ممتدة بعيداً في التاريخ آلافاً من السنين، ومستندة إلى ثقافة عربية إسلامية، لم تفقد جدارتها يوماً، وعبقرية تربت عليها، فهل تتشابه الهويتان؟ يقول ابن خلدون: الإنسان مدني بطبعه، ولا بد له من الاجتماع. والقبيلة هي وحدة اجتماعية أساسية، حيث يتعاون الأفراد لتحقيق الأهداف المشتركة. من خلال التعاون تتشكل هوية الفرد، باعتباره جزءاً من جماعة أكبر، حيث تتداخل الهويات الفردية مع الهوية الجماعية.
قد يقال: في زمن ابن خلدون كانت الهويات في الغرب أيضاً، ثابتة وواضحة، لكن السؤال جريء، فأي ثبات هو؟ هل هو الثبات في العلاقات الاجتماعية المدنية؟ أم هو الثبات الخاضع للكنيسة وما تهوى، إذ تمسك بمفاتيح السماء، والتي بقيت حتى أمسك مفكرو عصر النهضة، ومن بعدها الأنوار، بمفاتيح الأرض، وقد استبدلوها بمفاتيح السماء ومن كان يمسك بها؟
فيما بعد، ما بعد الحداثة، بحث عن الهوية التي غدت متحركة كالرمال المتحركة، أو مائعة كالسائل على أرض زلقة.
في الشرق من الكرة الأرضية، في الوطن العربي، قبل الحداثة، وبعد الحداثة، منذ القرن الحادي عشر الميلادي، إلا وقتاً مستقطعاً بين قرنين، التاسع عشر والعشرين، التراث العربي حاضر، لكن في بعده الديني الصلب، إمساك بالهوية عبر تأكيدها بالعبادات، لا بالمعاملات.
بين القرن العاشر والقرن الواحد والعشرين، تنقل في التاريخ، بين المئات والعشرات من السنين، وبين الغرب والشرق، لا لصعوبة في إمساك التواريخ، ولا صعوبة في تتاليها، لكنه تشابك بقي حاصلاً بقوة بين هناك وهنا، وهناك هناك، وهنا هنا، فقد جاءت الحملة الصليبية الأولى، كما سماها صناعها، في القرن الحادي عشر الميلادي، والكنيسة متسلحة بكل ثقلها التاريخي والآني، تتربع على عرش السلطة في العالم الغربي، جاءت بالحرب طامعة بالاستيلاء على تاج الشرق، تحت علم السلطة المسيطرة إذ ذاك، الكنيسة، ورمزها المعلن، الصليب، وعلومها المبنية على أرسطو، وسلطتها المدعمة بالغفران، والإمساك بمفاتيح السماوات والأرض، ولغتها اللاتينية، الوريثة الشرعية لليونانية، وهي إذ ذاك، منطقية متماسكة، أطروحة - نتيجة.
بالعلاقة مع الجانب الآخر، في الشرق، وفي الوطن العربي منه، الزمن القرن العاشر، على أعتاب الحروب الصليبية، النتاج الثقافي، العلوم والفلسفة والأدب، وفي الصدارة اللغة العربية، هوية متوجة على عرشها، بالتناقض مع العرش السياسي الرسمي، والذي تكسَّر شيئاً فشيئاً، بين أيدي القوى المتصارعة، وقومياتها: فرس، أتراك، وعرب هم الأضعف، وقد أزاحهم البويهيون قبل الصفويين، ولغتهم الفارسية، عن مراكز الفعل والحكم، بالإضافة إلى عرش شكلي تراجع إلى المرتبة الثانية أو الثالثة أو العاشرة لا فرق، المهم، في الخلف والضعف. حتى جوار كربلاء العربية ترباً ودماً، كانت العربية قد أزيحت إلى الظل، لا ظل أيكة كربلاء، إنما ظل إزاحة باليد إلى الخلف، حتى قال المتنبي في الأرض ومن عليها:
ولكنَّ الفتى العربي فيها
غريب الوجه واليد واللسان
في الغرب، ملوك وأمراء متحالفون مع الكنيسة، لكل منهم أطماعه وحلم ثروته، وعليها أحلام مجده وقوته. الإمارات متنافسة، والكنيسة حليف وخصم، والثروات أمام باب لا يفتح إلا باتجاه الشرق. حتى مجاميع الفقراء، تحت الراية، وتحت حلم الثراء والغنى، حيث بلاد يلمع تاجها فيغري الطامعين.
وفي الشرق، خليفة لم يبق له غير تاج سهل الخلع، سهل الانتقال من رأس إلى رأس، بقدر انحناء هذا الرأس للجيش وقادته، فرساً، أو تركاً، وإماراتهم التي أصبحت ممالك بالفعل لا بالاسم، حيث الاسم نافل، غير ملزم للنتيجة. وعلى تخوم الوطن العربي، حيث يده التي توجعه تحت ضغط بيزنطة، استطاعت قوات الفرنجة دخول البوابة المؤدية إلى بلاد الشام .
القرن الثاني عشر الميلادي، مؤرخو الحملات في الغرب، يسمونها، الحروب الصليبية. مرة أخرى، في العصور الحديثة، مع عودة البعثات التعليمية من الغرب، تعود التسمية معهم، الحروب الصليبية. في الشرق، المؤرخون العرب في تأريخهم لها سموها حروب الفرنجة. وفي هذا الشرق المشتبك مع الغرب، بحر من الدم. في القدس، عشرات الآلاف قتلى، تخوض الخيل بالدم حتى الركب.
قبل ذلك بقليل من عشرات السنين، كان قلب الوطن العربي، في مصر أساساً، قد انكفأ على المحنة المستنصرية، أيام المستنصر بالله الفاطمي. كان الخلاف السياسي بين الفرق السياسية، تحت الشعارات الطائفية، قد امتد إلى العمق المجتمعي، وليطال، ليس البشر وحدهم، لكن ليقضي على كل صوت لمواء أو نباح. جوع، ما عاد يتعفف فيه الجوعى عما لا يؤكل، فقد طال كل ما يقع تحت اليد من حيوان من أي نوع، وكاد الناس يأكلون بعضهم إلا قليلا.
آثار المحنة المستنصرية تمتد عشرات السنين، وتيسّر، على الرغم من المعارك المتفرقة، وصول الفرنجة إلى الحلم السياسي والديني، ومركز التحكم بالشرق، طرق التجارة، والتي كانت تمر من بلاد الشام إلى أوروبا.
وفي الوطن العربي، دويلات تذوي وأخرى تنبني على أنقاضها، الدولة الفاطمية، تحل محلها الدولة الأيّوبيّة. صلاح الدين الأيوبي ومعركة حطين، مفخرة العرب والمسلمين، وابن خلدون درة القرن الثالث عشر.
يمضي صلاح الدين، وتبقى البلاد، وبين الغزاة وناس البلاد، ساحات مشتركة ومشتبكة، مئتا عام من وجع الخاصرة في إمارات الفرنجة، وحروب لا تنتج إلا الدم، والمحاولة تلو المحاولة. طرق التجارة تحت سنابك خيل الفرنجة، ريعها يذهب بعيداً في الغرب، والناس يتدثرون بالعبادات، ويخدرون في حلقات الطرق الصوفية، يدورون حول هوية، خوفاً أن تخطَّفها الأيدي المتقاتلة بين غرب الفرنجة، وشرق المغول. ما عاد للناس ما يحفظون به أسماءهم وتاريخهم إلا العبادات، حجر الرحى في كل أزمة. الكتب القديمة هوية محفوظة، والمخطوطات تنسخ أو ينسخ على منوالها، وتعاد مرات ومرات، لا جديد يقال، الحديد غريب ومشتبه. لؤلؤة اللغة في صدفة، حتى يأتي الأوان، والأوان بعيد. العبادات هوية، تميز وتفرد، والجوع كافر، وللكفر أحوال وأحكام.
في الغرب، مئتا عام من الحرب والتقاتل على الثروات والسلطة بين الكبار، والصغار تحت خط الحياة، حياة، وأحوالاً، يتصالح فيه الفقر والمرض، أوبئة تذهب بثلث سكان أوروبا، وكنيسة تمعن في سلطتها بين المقصلة والمحرقة. جوردانو برونو، ثم غاليليو إلا قليلاً.
في الشرق، أواخر القرن الثالث عشر، بداية النهاية للفرنجة، وبداية البداية المغول. غزاة جدد، نهاية الدولة العباسية، سقوط عاصف لبغداد، نهر دجلة، نهر الدم والسواد، دم الناس، ودم الثقافة والعلم. معركة عين جالوت، هزيمة المغول، ويسطع نجم الظاهر بيبرس:
عالي عالي سيفك
أضرب على كيفك
بعيداً عن ساحات المعارك لكن في عمقها، ابن عربي وابن تيمية، وجهان للعصر. ابن عربي يفتح صدره وقلبه للعالم بما فيه ومن فيه، وابن تيمية حريص على الهوية العربية والإسلامية، متشدد في الدفاع عنها وحمايتها. ابن عربي يفتح النوافذ حباً، وابن تيمية يغلق النوافذ حباً، وجهان لعصر واحد، القرن الثالث عشر .
الغرب في القرن التالي، القرن الرابع عشر، عصر النهضة، يفرع باب التغيير بقوة، وغير بعيد عنه، القرن التالي، الكشوف الجغرافية، تعبَّد بالذهب والدم طريقها إلى العالم الجديد، ولا عودة، فما كان، ما عاد كما كان في الشرق، الاحتلال العثماني يفتح أبواب الوطن العربي دون استئذان. رضوخ حذر، شراكة في الدين، غربة في اللسان. المهرة في كل علم وفن سحبوا إلى مركز الحكم، الآستانة.
في الشرق، الوطن العربي ظل من غير جسد، يعيد نسخ ماضيه، يعيده ليؤكد لنفسه قبل غيره أنه موجود، الأرض غربة وخوف، حبل العبادات، وما نقل عن النبي، أرض ثابتة وطريق واضحة إلى السماء ، مقابل أرض راهنة رجراجة، وطرق مسدودة على الأرض، مئتا عام من عصر الانحطاط. محمد علي باشا، الغرب قدوة، والحداثة مطلب، والبعثات التعليمية طريق، فالحداثة الغربية، عالم تحت اليد، علوم طازجة، وصفة الغرب إلى التقدم، والشرق يبدأ خطوته على تراث غيره. يصر المثقفون على اقتداء خطا الغرب إلى ما يشاء، ويرفض الضمير الجمعي إلا اقتداء خَطوِه. ومرة أخرى حروب الفرنجة، اشتباكات ودم على دم، ومرة أخرى ينحني الوطن على نفسه وهويته القديمة. الوطن بركان خامد، لكنه بركان، وللبركان قانون، البركان يثور.



#بدورعبد_الكريم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للمثقفين العرب من غودو؟
- في الليالي العربية (ألف ليلة وليلة)
- حصاد العقل العربي المر
- زورق صغير بين بحرين


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - بدورعبد الكريم - سؤال الهوية بين الغرب والشرق!