أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عباس منعثر - المبدع العراقي بين الديكتاتورية والطائفية















المزيد.....

المبدع العراقي بين الديكتاتورية والطائفية


عباس منعثر
شاعر وكاتب مسرحي عراقي

(Abbas Amnathar)


الحوار المتمدن-العدد: 8134 - 2024 / 10 / 18 - 20:47
المحور: قضايا ثقافية
    


الفنُ العراقيّ بثرائهِ وتنوعِه أبدَعَ في مجالات الأدب والموسيقى والرسمِ والمسرح، وظلَّ منبعاً للمواهب والرؤى الفريدة، إذ تميزت الموسيقى العراقية بقدرتِها على دمجِ الفرحِ والحزن العميقين، وعبر الرسمُ عن قضايا الهوية والذاكرة، واستلهمَ المسرحُ التراثَ والابتكارَ لتقديمِ أعمالٍ تصوّرُ همومَ الإنسان، وفي الغناءِ امتزج الشجنُ بالحياة وعكست الكلماتُ واللحنُ الحبَ والغربةَ والفناء بالوطن. هذا التنوع، جعلَ من الإبداعِ العراقي مرآةً لحياةِ الأمةِ وروحِها الحية.

الفنُ العراقيّ بثرائهِ وتنوعِه أبدَعَ في مجالات الأدب والموسيقى والرسمِ والمسرح، وظلَّ منبعاً للمواهب والرؤى الفريدة، إذ تميزت الموسيقى العراقية بقدرتِها على دمجِ الفرحِ والحزن العميقين، وعبر الرسمُ عن قضايا الهوية والذاكرة، واستلهمَ المسرحُ التراثَ والابتكارَ لتقديمِ أعمالٍ تصوّرُ همومَ الإنسان، وفي الغناءِ امتزج الشجنُ بالحياة وعكست الكلماتُ واللحنُ الحبَ والغربةَ والفناء بالوطن. هذا التنوع، جعلَ من الإبداعِ العراقي مرآةً لحياةِ الأمةِ وروحِها الحية.

بالموازاة، لمْ يكن انتقالُ العراقِ من عهدِ الديكتاتورية (1979-2003) إلى الفوضى العارمةِ التي تسيّدت المشهد منذ 2003 حتى الآن (2024) شيئاً يدعو إلى الأملِ بمستقبلٍ أقلّ حلكة. إذ شهدت البلادُ تحولاً من قمعٍ سياسيّ صارمٍ إلى صراعاتٍ مذهبيةٍ وأيديولوجية، حيثُ قوبِلَ أيُّ خروجٍ عن المألوفِ بالاضطهاد. فعلى سبيلِ المثالِ، تمّ إعدامُ مطربينَ لمجردِ قولِهم كلمةً غيرَ مناسبة بحقّ الديكتاتور، وتعرّضَ المثقفونَ العلمانيونَ للتصفيةِ على يدِ الإسلاميينَ المتطرفين. دوامةُ العنفِ هذه تركتْ مآلاً كارثياً على الوعيّ الفرديّ والتوجهِ الاجتماعيّ، مما يؤثرُ بشكلٍ كبيرٍ على الفنِّ والأدب. بذلك، صارَ المبدعون العراقيون ضحايا لظروفٍ أقوى منهم: تلخيص الوطنيةِ بالولاءِ الأعمى للديكتاتورِ ومغامراتِهِ العبثية، وتلخيص الدينِ بالطائفيةِ والتبعيةِ لرجالِ الدّين. بضياعِ الحريةِ والعلمانيةِ ونتيجةَ السياساتِ الخاطئةِ والاضطهادِ والحروبِ المتتالية، أصبحَ الفنُّ صرخةً مدفونةً في ظلّ أزماتٍ اقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وأمنيةٍ لا حصرَ لها. لم يكن الفنانُ العراقيُّ محظوظاً في تربةٍ ترفضُ أن تستقبلَ بذرةَ الأحلام. عاشَ حياته محاصَراً لا يرى في مستقبلِهِ سوى مزيدٍ من غيابِ الطريق. ومن غير أن يحظى بالتقديرِ في حياته، تُرك للفقرِ والمرضِ والنسيان، وفي بعضِ الأحيانِ طالتهُ أيادي القمعِ والتصفيةِ الجسدية. كم من شاعرٍ أو رسامٍ أو موسيقيّ أو كاتبٍ أو مفكّرٍ رحلَ في صمت، سابقاً وحالياً، بينما كانت موهبتهُ تستحقُ أن تكونَ شعلةً تضيءُ الطريق! كم من مبدعٍ دُفنَ حلمُهُ بين جدرانِ السجونِ أو تحتَ ركامِ المدنِ المدمّرة! هذه المسألةُ ليست صدفة. إنّ الخوف من قوّةِ العراقِ الاقتصاديةِ والثقافيةِ، وضمنها ذخيرته الناعمة، دفعَ بعض الجهاتِ إلى تقويضِ استقرارِه لتحقيقِ مصالحِها. تمّ كبحُ الماردِ المحتمل فانكفأ انسانُهُ العاديّ ومبدعُهُ وانعكسَ ذلك بإنهاك الروحِ العراقيةِ بالمتوالياتُ المرهقة. بلا ترفٍ ورفاهية، حُكمَ على المبدعينَ العراقيينَ أن يعيشوا في ظلالِ الكارثةِ المتواصلة، مع لوعةِ الوطنِ المفقودِ وطغيانِ التفاهةِ على حسابِ الرؤيةِ الإنسانيةِ العميقة. المبدع العراقي رمزٌ لجيلٍ ضائع، جيلٍ حُرمَ من حقّهِ في العيشِ الكريمِ والإنتاجِ الفنيّ والإبداعيّ. لقد خسرَ العراقُ فناً وأدباً كان يمكنُ أن يشكّلَ جزءاً مهماً من هويتهِ وثقافتِه، وكسبَ مكانهما الإحباطُ والانكسار.

السببُ الأكبرُ، في النكوص الثقافيّ يقعُ على عاتقِ الحكوماتِ العراقيةِ المتعاقبة والنخبةِ السياسية، رغم ان المبدعَ نفسَهُ ليس خارجَ دائرةِ اللومِ لرضاهُ بموقعٍ ثانويّ يستجدي فيهِ الاعترافَ والمال. مرّ قرنٌ كاملٌ بسياساتٍ خاطئةٍ وحروبٍ عبثيةٍ قتلت الإبداعَ وما زالت تفعل، وستكون النتيجةُ أن تتعثرَ روحُ الإبداعِ في الأمةِ كلّها على جميعِ المستويات. ولأن السياسيَّ العراقيَّ قاصرُ النظر، تراه يُوغلُ في افعالٍ همجيةٍ مستجدةٍ ظنّاً منهُ أنهُ يُسدي خيراً لنفسهِ ولمذهبهِ ووطنه. وصل الحالُ الى درجة أن مجردَ ذكرِ الجمالِ أو الفنّ أو الأدبِ يُثيرُ السخريةَ أو الامتعاض. وبدلَ أن يكونَ الإبداعُ الحقيقيُّ هو المثال، أضحى الجيلُ الجديدُ نسخةً متشاكلةً من السطحيةِ التي تلهثُ خلفَ الشهرةِ والمالِ بأي وسيلةٍ كانت. تظلُّ هذه المفارقةُ المحزنةُ شاهدةً على مأساةِ العراقِ الحديث، إنها قصةُ شعبٍ عانى وضحى، ولم ينلْ أيَّ شيءٍ بالمقابل، لا وطنٍ حقيقيّ ولا إبداع.

وفي الوقتِ الذي تُعطي فيهِ الدولُ- المتحضرة، وغيرُ المتحضرةِ أحياناً، رغمَ قلّةِ مبدعيها- عنايةً خاصةً بهِ؛ يعيشُ المبدعُ في العراقِ بحالةٍ مغايرةٍ تماماً. في هذه الدّول، يُنظرُ إلى المبدعينَ على أنهم ثروةٌ وطنيةٌ يجبُ رعايتُها وحمايتُها، تُقدّمُ لهم التسهيلات، ويُفتحُ أمامهم المجالُ للإبداعِ في حقولِ اختصاصهم، ويُكرّمونَ وتُبرزُ أعمالُهم في المحافلِ الكبرى على وفقِ خطةٍ مرسومةٍ لا حسبَ تحركاتٍ عشوائيةٍ مزاجيةٍ تتحكمُ بها الظروف. بالتضادّ، المبدعُ العراقيُّ لا يأمنُ على حياتِه، ولا حريتِه، ولا مستقبلِه، ولا إبداعِه ولا هو قادرٌ على التعبيرِ عن رؤاهُ المتعمقةِ للوجود. هنا، في أرضِ الحضاراتِ التي شهدتْ أولى إشراقاتِ الإنسانية، أصبحَ الإبداعُ عبئاً ثقيلاً يحملُه الفنّانُ والشاعرُ والمفكرُ، وكأنهُ يحملُ حتفَهُ على ظهرِه. أن تكونَ مبدعاً في العراقِ ليس أمراً سهلاً على الإطلاق؛ بل هو لعنةٌ ترافقُ أصحابَ الموهبة، لا يعرفُها إلا من عاشَ وراقبَ طموحاتِه تُدفن تحتَ التراب. في العراق، الذي يزخرُ بطاقاتٍ فنيةٍ وثقافيةٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى، ثمةَ ألفُ مقصلةٍ تقطعُ أعناقَ المبدعينَ وتحرمُهم من تحقيقِ أحلامِهم تحتَ وطأةِ التعصبِ الأعمى والنظرةِ القاصرةِ التي تتحكمُ في مؤسساتِه الثقافيةِ والإعلاميةِ والسياسية. وبدلاً من استثمارها، تُستنزفُ الجهودُ في شراءِ الولاءاتِ والكسبِ الماديّ، وتُهملُ القيمُ الإنسانيةُ والفنيةُ التي تعلي من شأنِ الوطنِ وتوّحدُ أبناءَه. هذه التجاذباتُ لا تكتفي بتحطيمِ أحلامِ المبدعينَ بل تدّمرُ أيضاً صورةَ العراقِ كمركزِ إشعاعٍ ثقافيّ. وليست التجاذباتُ، الطائفيةُ منها والسلطويةُ والماليةُ، سرطاناً يأكلُ في جسدِ الوطن، ويقضي على كلّ ما هو جميل، ويجعلُ من الإبداعِ جريمةً فحسب؛ بل إن اضطهادَ المبدعِ صارَ سلوكاً اجتماعياً يقتنعُ به الفردُ العاديُّ لما حدثَ من تشويهٍ لوعيهِ ولصورةِ المبدعِ عبرَ التاريخِ ولأنّ نماذجَ سافلةً تدعي تمثيلَ الفنان والأديب قد انتشرتْ ونشرتْ أردأَ صورةٍ ممكنةٍ عنه. في هذا المناخِ السامّ، يصبحُ المبدعُ مُحاصراً من كلّ جانب: تارةً بأفكارٍ اجتماعيةٍ وعقائديةٍ باليةٍ تُحاولُ فرضَ قوالبَ جامدةٍ على عملِه، وتارةً أخرى بالاضطهادِ المباشرِ، حتى فُرّغَ البلدُ من مبدعيه بالقتلِ المعنويّ وبالنفيّ القسريّ.

ليس من الغريب، إذن، أن يهربَ المبدعونَ العراقيونَ بحثاً عن أوطانٍ بديلةٍ تحتضنُهم وتمنحُهم الفرصةَ للتعبيرِ عن أفكارِهم بحرية. في المنفى، يواجهُ المبدعونَ العراقيونَ التهميشَ والاغترابَ الثقافي، ويعيشونَ بين أزمتين: جرح وطنٍ خسرَهم وثقل غربةٍ لم تستطع أن تحتضنَهم. بعيداً عن أرضِهم، يبقى صوتُهم صدىً يتلاشى في الهوةِ والحنين لأرضٍ لا يمكنُ استردادها. وما مقبرةُ الغرباء في سوريا إلا شاهدٌ هزليٌّ على المأساةِ العراقيةِ الموجعة.

يُواجهُ العراقُ اليوم خطراً داخلياً حقيقياً بسببِ تآكلِ روحِهِ الثقافيةِ بالعودةِ الى النعراتِ الطائفيةِ الضيقة. حتى المثقف فيهِ يصطفُ أحياناً مع جهاتٍ ظلاميةٍ كي يحمي نفسهُ او ينتفع من السلطة والقوة. أما المثقف النزيه، فلا يستطيعُ الوقوفَ مهما كانَ بوجهِ الهجماتِ الظلاميةِ الكثيرة فيلجأُ إلى الاغترابِ الروحيِ أو الجسديِ حمايةً لما تبقى من عفَّتِه. والمؤسساتُ الثقافيةُ تابعةٌ لمن يدفع، والحكومةُ لديها توجهاتٌ لا تحضرُ الثقافةُ فيها إلا حسبَ المصلحة. يمكنُ لك أنْ تتخيلَ النتائجَ بعدَ كلّ هذه الأمراض. بشكلٍ عام، ما لم يتمّ إدراكُ قيمةِ الإنسانِ أولاً والمبدعِ ثانياً فإنَّ العراقَ يتجهُ نحوَ الهاوية، لأنَّ الأممَ التي لا تُقدِّرُ ثقافتَها ولا تحترمُ مبدعيها هي أممٌ محكومٌ عليها بالانهيار.

السببُ الأكبرُ، في النكوص الثقافيّ يقعُ على عاتقِ الحكوماتِ العراقيةِ المتعاقبة والنخبةِ السياسية، رغم ان المبدعَ نفسَهُ ليس خارجَ دائرةِ اللومِ لرضاهُ بموقعٍ ثانويّ يستجدي فيهِ الاعترافَ والمال. مرّ قرنٌ كاملٌ بسياساتٍ خاطئةٍ وحروبٍ عبثيةٍ قتلت الإبداعَ وما زالت تفعل، وستكون النتيجةُ أن تتعثرَ روحُ الإبداعِ في الأمةِ كلّها على جميعِ المستويات. ولأن السياسيَّ العراقيَّ قاصرُ النظر، تراه يُوغلُ في افعالٍ همجيةٍ مستجدةٍ ظنّاً منهُ أنهُ يُسدي خيراً لنفسهِ ولمذهبهِ ووطنه. وصل الحالُ الى درجة أن مجردَ ذكرِ الجمالِ أو الفنّ أو الأدبِ يُثيرُ السخريةَ أو الامتعاض. وبدلَ أن يكونَ الإبداعُ الحقيقيُّ هو المثال، أضحى الجيلُ الجديدُ نسخةً متشاكلةً من السطحيةِ التي تلهثُ خلفَ الشهرةِ والمالِ بأي وسيلةٍ كانت. تظلُّ هذه المفارقةُ المحزنةُ شاهدةً على مأساةِ العراقِ الحديث، إنها قصةُ شعبٍ عانى وضحى، ولم ينلْ أيَّ شيءٍ بالمقابل، لا وطنٍ حقيقيّ ولا إبداع.

وفي الوقتِ الذي تُعطي فيهِ الدولُ- المتحضرة، وغيرُ المتحضرةِ أحياناً، رغمَ قلّةِ مبدعيها- عنايةً خاصةً بهِ؛ يعيشُ المبدعُ في العراقِ بحالةٍ مغايرةٍ تماماً. في هذه الدّول، يُنظرُ إلى المبدعينَ على أنهم ثروةٌ وطنيةٌ يجبُ رعايتُها وحمايتُها، تُقدّمُ لهم التسهيلات، ويُفتحُ أمامهم المجالُ للإبداعِ في حقولِ اختصاصهم، ويُكرّمونَ وتُبرزُ أعمالُهم في المحافلِ الكبرى على وفقِ خطةٍ مرسومةٍ لا حسبَ تحركاتٍ عشوائيةٍ مزاجيةٍ تتحكمُ بها الظروف. بالتضادّ، المبدعُ العراقيُّ لا يأمنُ على حياتِه، ولا حريتِه، ولا مستقبلِه، ولا إبداعِه ولا هو قادرٌ على التعبيرِ عن رؤاهُ المتعمقةِ للوجود. هنا، في أرضِ الحضاراتِ التي شهدتْ أولى إشراقاتِ الإنسانية، أصبحَ الإبداعُ عبئاً ثقيلاً يحملُه الفنّانُ والشاعرُ والمفكرُ، وكأنهُ يحملُ حتفَهُ على ظهرِه. أن تكونَ مبدعاً في العراقِ ليس أمراً سهلاً على الإطلاق؛ بل هو لعنةٌ ترافقُ أصحابَ الموهبة، لا يعرفُها إلا من عاشَ وراقبَ طموحاتِه تُدفن تحتَ التراب. في العراق، الذي يزخرُ بطاقاتٍ فنيةٍ وثقافيةٍ لا تُعدُّ ولا تُحصى، ثمةَ ألفُ مقصلةٍ تقطعُ أعناقَ المبدعينَ وتحرمُهم من تحقيقِ أحلامِهم تحتَ وطأةِ التعصبِ الأعمى والنظرةِ القاصرةِ التي تتحكمُ في مؤسساتِه الثقافيةِ والإعلاميةِ والسياسية. وبدلاً من استثمارها، تُستنزفُ الجهودُ في شراءِ الولاءاتِ والكسبِ الماديّ، وتُهملُ القيمُ الإنسانيةُ والفنيةُ التي تعلي من شأنِ الوطنِ وتوّحدُ أبناءَه. هذه التجاذباتُ لا تكتفي بتحطيمِ أحلامِ المبدعينَ بل تدّمرُ أيضاً صورةَ العراقِ كمركزِ إشعاعٍ ثقافيّ. وليست التجاذباتُ، الطائفيةُ منها والسلطويةُ والماليةُ، سرطاناً يأكلُ في جسدِ الوطن، ويقضي على كلّ ما هو جميل، ويجعلُ من الإبداعِ جريمةً فحسب؛ بل إن اضطهادَ المبدعِ صارَ سلوكاً اجتماعياً يقتنعُ به الفردُ العاديُّ لما حدثَ من تشويهٍ لوعيهِ ولصورةِ المبدعِ عبرَ التاريخِ ولأنّ نماذجَ سافلةً تدعي تمثيلَ الفنان والأديب قد انتشرتْ ونشرتْ أردأَ صورةٍ ممكنةٍ عنه. في هذا المناخِ السامّ، يصبحُ المبدعُ مُحاصراً من كلّ جانب: تارةً بأفكارٍ اجتماعيةٍ وعقائديةٍ باليةٍ تُحاولُ فرضَ قوالبَ جامدةٍ على عملِه، وتارةً أخرى بالاضطهادِ المباشرِ، حتى فُرّغَ البلدُ من مبدعيه بالقتلِ المعنويّ وبالنفيّ القسريّ.

ليس من الغريب، إذن، أن يهربَ المبدعونَ العراقيونَ بحثاً عن أوطانٍ بديلةٍ تحتضنُهم وتمنحُهم الفرصةَ للتعبيرِ عن أفكارِهم بحرية. في المنفى، يواجهُ المبدعونَ العراقيونَ التهميشَ والاغترابَ الثقافي، ويعيشونَ بين أزمتين: جرح وطنٍ خسرَهم وثقل غربةٍ لم تستطع أن تحتضنَهم. بعيداً عن أرضِهم، يبقى صوتُهم صدىً يتلاشى في الهوةِ والحنين لأرضٍ لا يمكنُ استردادها. وما مقبرةُ الغرباء في سوريا إلا شاهدٌ هزليٌّ على المأساةِ العراقيةِ الموجعة.

يُواجهُ العراقُ اليوم خطراً داخلياً حقيقياً بسببِ تآكلِ روحِهِ الثقافيةِ بالعودةِ الى النعراتِ الطائفيةِ الضيقة. حتى المثقف فيهِ يصطفُ أحياناً مع جهاتٍ ظلاميةٍ كي يحمي نفسهُ او ينتفع من السلطة والقوة. أما المثقف النزيه، فلا يستطيعُ الوقوفَ مهما كانَ بوجهِ الهجماتِ الظلاميةِ الكثيرة فيلجأُ إلى الاغترابِ الروحيِ أو الجسديِ حمايةً لما تبقى من عفَّتِه. والمؤسساتُ الثقافيةُ تابعةٌ لمن يدفع، والحكومةُ لديها توجهاتٌ لا تحضرُ الثقافةُ فيها إلا حسبَ المصلحة. يمكنُ لك أنْ تتخيلَ النتائجَ بعدَ كلّ هذه الأمراض. بشكلٍ عام، ما لم يتمّ إدراكُ قيمةِ الإنسانِ أولاً والمبدعِ ثانياً فإنَّ العراقَ يتجهُ نحوَ الهاوية، لأنَّ الأممَ التي لا تُقدِّرُ ثقافتَها ولا تحترمُ مبدعيها هي أممٌ محكومٌ عليها بالانهيار.



#عباس_منعثر (هاشتاغ)       Abbas_Amnathar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن مسلسل الجنة والنار
- الفنان عباس كاظم رحيمه
- وسائل الطبقة السياسية العراقية في الخداع
- القائد العظيم صدام حسين!
- تحولات صورة الحشد الشعبي من القداسة إلى الدناسة
- بين العجم والروم بلوة ابتلينا!
- بين غاندي وجيفارا، أيكون الحل مستحيلاً في العراق إلا باستخدا ...
- أين ما عشناه في العراق بعد 2003 مما حلمنا به؟
- هل تُلدغ المليشيات العراقية من الجحر نفسه مرتين؟
- هل إيران حليف حقيقي أم مصاص دماء؟
- التصحر في العراق والموقف الشخصي والحزبي
- هل عمار الحكيم هو الضد النوعي المناسب لمقتدى الصدر؟
- كيف يُهدد الصّراعُ بين الشّيعة الأمنَ العراقي؟
- إخلاء المنطقة الخضراء من الميليشيات
- مقتدى الصدر هو أمل الولايات المتحدة الأفضل
- تصويت لا يؤدي الى مكان: لماذا لا يحتاج العراق إلى انتخابات م ...
- خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق/ ج2
- خلاف طهران والصدر يؤجج عدم الاستقرار في العراق
- عدمُ اكتراثِ بايدن سلّمَ العراقَ لإيران
- النزاع المستعر في العراق والخشية من اندلاع العنف من جديد


المزيد.....




- -المدينة البعيدة-.. هكذا تبدو النسخة التركية من مسلسل -الهيب ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير 95 عسكريا روسيا من أوكرانيا
- زوبعة في لبنان بسبب -الفوقية الإيرانية-
- مقتل يحيى السنوار: المشهد الأخير وردود الفعل
- رجال الإطفاء يعملون على قدم وساق لإنقاذ المتضررين من الفيضان ...
- عودة ترامب المحتملة تثير هواجس صناع القرار في برلين
- كلمة إسرائيل في الاتحاد البرلماني الدولي تثير أزمة في ليبيا. ...
- انطلاق منتدى موسكو المالي بنسخته الثامنة
- حميميم: -التحالف الدولي- في سوريا انتهك بروتوكولات تجنب التص ...
- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة في البحر العربي بطائرات مسيرة ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - عباس منعثر - المبدع العراقي بين الديكتاتورية والطائفية