أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - الكتب التي توقظ الوعي نادرة















المزيد.....

الكتب التي توقظ الوعي نادرة


عبدالجبار الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 8134 - 2024 / 10 / 18 - 15:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نادرة هي الكتب التي تمنحنا المعنى الذي نبحث عنه لوجودنا وحياتنا، وتعمل على تغيير وعينا وتغيّر مواقفنا وسوكنا، وقليلة هي الكتب التي تفسّر لنا طرائق عيشنا، ونكتشف فيها ذاتنا ونحقّقها، ونرى الواقع بوضوح، ونتعرف على العالم من حولنا، وكثيرة هي الكتب التي تكرّر المكرّرات المملّة حدّ الضجر.كتب نقرؤها من الغلاف إلى الغلاف أحيانًا، ولا نعرف منها إلا شيئًا واحدًا، هو: أن كتّابها لم يفكّروا بأي شيء لحظة كتابتها، فلا نحن نفهم ما يكتبون، وأظنهم لا يفهمون شيئًا ذا معنى لما كتبوه، نرى ركام ألفاظ لا ينتج معنى.
قراءة الفلسفة توقظ العقل وتعيد بناء الوعي، الفلسفة تأخذنا لقراءة كلّ كلمة وعبارة بدقة وتدبّر، وتأمل الفكرة وتمحيصها قبل عبورها. أعمال فرنسيس بيكون وديكارت وكانط وغيرهم من الفلاسفة شكّلت العقل الحديث، لولاها للبث العالم قابعًا في ظلام العصور الوسطى. ولدت في فضاء العقل الحديث الخلّاق اكتشافات: غاليلو، ونيوتن، وباستور، وتسلا، وجيمس واط، وأديسون، واختراعات واكتشافات آلاف المكتشفين والمخترعين في العلوم النظرية والطبيعية والتكنولوجيا.
الفلسفة تجعلنا نرى الذات والآخر والعالم من حولنا ببصيرة حاذقة، وتحطّم السلاسل المقيّدة بها أدمغتنا، أحيانًا قراءة فكرة لفيلسوف تفتح لك بابًا للعبور ومن ثم للنظر العميق في أفكار ومقولات ومعتقدات لبثت تتحكم بعقلك سنوات طويلة من عمرك. أتذكر عبارة لفيلسوف الأنوار إيمانويل كانط يصف فيه قراءته لديفيد هيوم بقوله: "أيقظني مِن سُباتي الدوغمائي". وأتذكر رأيًا لجورج طرابيشي، قرأته قبل أكثر من 40 سنة، في مجلة الوحدة المغربية، في مراجعة كتبها بعد قراءته "تكوين العقل العربي" لمحمد عابد الجابري، فقال ما مفاده: "هذا كتاب يغيِّر، خرجت منه بعد قراءته وانا غيري حين دخلته"، وإن نقد طرابيشي لاحقًا هذا الكتاب وغيره في كتابه الذي صدر في أربعة أجزاء: "نقد نقد العقل العربي". أنا شخصيًا فتحت لي بابًا للعبور والنظر العميق في الأيديولوجيات الأصولية والقومية والبنى الواحدة لهما، وفضحتْ قناعات راسخة في ذهني، قراءةُ صفحة ونصف من كتاب محمد عابد الجابري: "الخطاب العربي المعاصر"، الذي قرأته بطبعته الأولى سنة صدوره 1982 عن دار الطليعة ببيروت، ففوجئت بحفرياته الحاذقة وكشفه التوافقَ حدّ التطابق، لتضخم الذات وتوهم "قيادة الإنسانية" في رؤية سيد قطب، وهو أشهر منظّر عربي للإسلام السياسي، في كتاباته، ورؤية منيف الرزاز وإلياس فرح وغيرهما من أبرز منظّري حزب البعث بكتاباتهم.كنت قبل ذلك على قناعة موهومة بالاختلاف الجوهري بين أيديولوجيا حزب البعث القومي العلماني وأيديولوجيا الإسلام السياسي الأصولية، إلى أن قرأت كلام الجابري فاستفقت، وحين رجعت إلى نصوص الأيديولوجيتين تمزّق الوهم تمامًا لحظة اكتشفت التطابق في البنية المشتركة للتفكير ومنطلقاتهما وما ينشدانه، ومنذ ذلك الوقت وأنا أرصد تطابق الرؤيتين والمسارين والتجربتين والمآلين، وأساليب التعبئة والتحشيد المحاكية لكلٍّ منهما، وما أحدثاه بتجربتَي حكمهما العنيفة لبعض بلادنا العربية من مصادرةٍ للحريات والحقوق، ومن مآسٍ وبؤس وكوارث لم نخرج منها حتى اليوم.
أما أعمال الأدباء الخالدة، فوهبتنا وعيًا نكتشف فيه ذاتنا ونحقّقها، ويمكّننا من النظر بعمق للإنسان والعالم من حولنا. نتعرف في هذه الأعمال على شيء من أسرار الطبيعة الإنسانية وما تنطوي عليه من دوافع متضادة، قارئ روايات دوستويفسكي مثلًا يتعرف فيها على شخصيات: فيلسوف، وعالم نفس، وعالم اجتماع، وأنثروبولوجي، وشاعر، ومؤمن وملحد، وأخلاقي ومنحط، ونبيل وقذر، وخيِّر وشرير، ومجرم وبرئ، وقاتل ورحيم، وشقي وسعيد، ومعذّب ومرفّه، وأمير وحقير، وسيد وعبد، وماكر وصادق، وخائن وأمين، وغادر ووفي. استطاع هذا الأديب العبقري أن يكتشف العناصر المتضادّة في طبيعة الإنسان الواحد، ويشرح لنا ما تختزنه الطبيعة الإنسانية من تناقضات حادّة. قارئ دوستويفسكي فضلا عن أنه يقرأ نفسه، يقرأ الإنسان من حوله، بقراءة روايات هي كنز ممتلئ بالمعارف الثمينة المختلفة. ربما يصاب القارئ البريء لدوستويفسكي بالذعر، إثر انكشاف حقائق مخيفة في أعماق الإنسان ظلت محجوبة عنه، ربما كان يرى براءة إنسان لبق، ولا يدري بما يستبطنه في أعماقه من شخصية مخيفة تتنكر بهذه الكلمات. زوال الجهل يبدّد الحيرة ويخفض الخوف والقلق، القارئ الذكي لهذه الروايات تتكشف له بعض الأسرار في أعماق شخصيات أقرب الناس إليه ويزول جهله بها، ولا يقع في صدمة وذهول صدور مواقف غدر لئيمة من هؤلاء تباغته فجأة.
ليس كل قراءة قادرة على إيقاظ العقل وإنتاج التفكير النقدي، أعرف قراء يقرأون طيلة حياتهم، بعضهم في العقد العاشر من عمره، لم تلهمه القراءة رؤية تقوّض ما بذهنه من أغلال معتقداته المغلقة، ولم تزعزع مفاهيمه التي يحرسها كمومياء محنطة. عن نفسي لو سألتني أو سألني أي إنسان، ما الذي تعرّف نفسك به ثقافيًا؟ أعرّف نفسي بهاتين الكلمتين: "أنا قارئ"، هذا هو الشغف الذي كأنه ولد بولادتي، وسيلبث مقيمًا بداخلي مادمت قادرًا على القراءة. سألني صديق: لو وضعوك في حبس وسألوك ما الذي تود أن يرافقك في هذا السجن، أجبته: المرأة والكتاب، فقال لو خيّروك بأحدهما، قلت له: الكتاب. أعرف أن هذا الكلام يزعج المرأة، وإن نالت اهتمامي الأعلى بوضعها في خيارين لا ثالث لهما، غير أن المرأة لا ترضى إلا أن تكون لها الأولوية على كلّ شيء في حياة الرجل. لا أكذب على نفسي، ولا على المرأة، ولا على القراء، أنا إنسان صامت طوال الوقت، وحضور المرأة يكسر الصمت أحيانًا. الهاتف لا أستعمله إلا حالة الضرورة، ولا أحضر إلا نادرًا المناسبات الاجتماعية الخاصة لفرح أو حزن، وإن كانت تفرض حضورها في أعرافنا. ما يكسر صمتي ورطة صباح نهاية الاسبوع بملصقات: "جمعة مباركة"، هذه ظاهرة غريبة تفشت في السنوات الأخيرة، ففي يوم الجمعة تصل لي عشرات الرسائل أكثرها ملصقات. على الرغم من أن هذا ‏شيء مكرّر، مملّ يثير الضجر أحيانًا، هذه الملصقات لا تبوح بمعنى حين تدور على الجميع، أخجل من عدم الجواب، أعرف أن هؤلاء الذين يرسلون الرسائل يحتاجون إلى أية إشارة للتعبير عن التقدير والامتنان، فأجيب على الجميع بتحية أكتبها إكرامًا لمبادرتهم. لا أريد الحديث عن صمتي واعتكافي بعيدًا عن الصخب.
أعرف شبابًا اليوم يمتلكون رؤية واقعية للحياة لا ينشغلون بالقراءة ولا يقتنون الكتب، متابعة أفلام هوليود السينمائية وغيرها، واليوتيوب ووسائل التواصل المرئية، وخوض معارك الواقع، علّمتهم أعمق مما يتعلمون من الكتب. وعي هؤلاء الشباب أكثف وأدقّ وأشدّ بصيرة من وعيي وأمثالي من المهووسيين بالقراءة. اعترف بممارسة القراءة بوصفها هواية، لا تغويني هواية سواها كما ذكرت، لا لأنها المنبع الوحيد للمعرفة بالضرورة، ولا لأنها الوسيلة الأفضل لوعي الواقع المركب المعقد، ولا لآثارها المتنوعة النافعة. أمارس القراءة بوصفها هواية أنشرح بها، وليست مهنة أتكسب منها، أو أظفر فيها بمقام يعزّز مكانتي في مجتمعي، القراءة سلوة حين أفتقد أية سلوة تمنح حياتي المزيد من الهدوء والسلام، بعيدًا عن ضوضاء المجتمع وما يضجّ فيه من أصوات ناشزة مؤذية.
ما أقرأه عن وعود الذكاء الاصطناعي يذهلني، هذا الذكاء على وفق ما يقوله المتخصصون سيغيّر من كمية وكيفية القراءة والكتابة، وكلّ شيء نعرفه ونستعمله في حياتنا. تعاملت مع الجيل الأخير من ChatGPT الذي أُعلن عنه نهاية سنة 2022 فأدهشتني إجاباته عن أسئلتي المتنوعة في المعارف والعلوم المختلفة. قرأت عن أجياله اللاحقة أنها تحقّق قفزات نوعية لامحدودة بتزويدنا بما نحتاج إليه من إجابات مختلفة. قبل 40 سنة ما كنت أحلم إلا بكتاب أبحث عنه سنوات عديدة عسى أن يقع بيدي في أية مكتبة، لم أكن أتوقع العيش في عصر يخرجني رغمًا عني من فضاء الورق إلى عالم لا متوقع، تحضر فيه لي بيسر وسهولة سلة العلوم والمعارف والتكنولوجيا دفعة واحدة، وتحضر لغيري من الشغوفين بالمعرفة في شتى أرجاء الأرض، وكأنها مكتبة تتسع لما أنجزه الوعي البشري عبر تطوره بمراحله المتنوعة منذ فجر التاريخ حتى اليوم.



#عبدالجبار_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الفلسفة كلُّ شيء يخضع لمُساءَلة العقل ونقده
- الجيل الجديد أثمن رأسمال بشري
- نفيُ الفلسفة ضربٌ من التفلسف
- مكافأة الحب الحب ذاته
- العقل يخضع لمساءلة العقل
- شخصيات طفيلية بثياب قديس
- مصائر مكتباتنا
- التعليم في عصر الهوية الرقمية
- أميّة الأساتذة الثقافية والرقمية
- الاستثمارُ في الحُبّ صعب
- مَن يعجز عن الإنصات يعجز عن الصمت
- إرادة الصمت أصعب من إرادة الكلام
- تحية للجيل الجديد
- حُبُّ الإنسان طريقٌ لحُبّ الله
- الإيمان بلا حُبّ ورحمة عنيف
- صمتُ الباطن بوصفه ثمرةً لصمت اللسان
- الصمت بوصفه تغافلًا حكيمًا
- تقديسُ المتخيّل للحيوان إهدارٌ لحقوق الإنسان
- يقدّسُ المتخيّلُ الحيوانَ حين ينامُ العقل
- تضخّم المقدّس واتساعه في المتخيّل


المزيد.....




- مفهوم الحرية الإسلامية تحت المجهر.. جدل متزايد وتحديات معاصر ...
- نزلها “من هنا” تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث على القمر ال ...
- وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي ...
- وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي ...
- كاتس يهاجم غوتيريش مجددا: يقود سياسة معادية لإسرائيل ولليهود ...
- ماما جابت بيبي يا أطفال..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- بلينكن: السنوار كان مسؤولا عن أكبر مذبحة ضد اليهود منذ المحر ...
- استعلم عن تردد قناة طيور الجنة للاطفال بجودة عالية جدا مع اب ...
- ‏المقاومة الإسلامية تقصف مستعمرة زفلون بصلية ‏صاروخية كبيرة ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تعلن رصد تحركات جنود العدو الإسر ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالجبار الرفاعي - الكتب التي توقظ الوعي نادرة