أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - التكيّف مع الاحتلال














المزيد.....

التكيّف مع الاحتلال


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8134 - 2024 / 10 / 18 - 10:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الضربات الإسرائيلية المتكررة على سورية منذ سنوات، وما نشهده من إجرام وعنف رهيب منذ أكثر من سنة في غزة، ومنذ حوالي الشهر في لبنان، ليس حرباً، إنه بالأحرى عقاب واسع. وفي مفهوم العقاب أن لا قدرة للمعاقَب سوى أن يتلقى العقاب بلا رد، أو بقدر بسيط من رد لا يقارن بفداحة الفعل.
كنا ضعفاء هكذا غالباً أمام إسرائيل المدعومة من أميركا بلا حدود، صحيح، ولكننا نصبح أضعف أكثر فأكثر. كيف أصبحت بلداننا بهذه الهشاشة التي لا تتبدى فقط في العجز أمام العدوان الخارجي، بل تتبدى أيضاً في التفكك السياسي والاجتماعي وسيادة آليات التحلل الذاتي على آليات الترميم، في توليفة شيطانية لا يبدو أن لها حل، وكأن المشاكل العامة عندنا لا تنتج عناصر حلها، كما يفترض أن يكون الأمر، بل تولد المزيد من المشاكل التي تتعاضد وتدوم وتتفاقم؟
من المعروف أن الاحتلال والاعتداء والتهديد الخارجي المستمر، يعزز التضامن الوطني في البلد، غير أننا شهدنا في بلداننا ظاهرة مقلوبة، وهي المزيد من التفكك الوطني. السبب هو أن الاحتلال والخطر الخارجي المقيم، كانا في الواقع ركيزة لبروز جماعات حكم متكيفة في العمق مع واقع الاحتلال ومع وجود العدو المحتل، جماعات تستثمر في العداء للمحتل استثماراً مقلوباً، أي مضاداً للتحرير ومنصباً على تكريس وديمومة السلطة التي في يدها، بوصفها جماعات تسيطر في السياسة والاقتصاد والثقافة، وتعتاش على التخريب الوطني المواظب، من فساد وتسلط وتمييز وقمع وتحريض عصبيات إثنية وطائفية ... الخ، تخريب يرافقه صراخ "وطني" يشبه اللغو، ولكنه لغو سلطات غير مقيدة وقادرة أن تحيي وتميت، الأمر الذي كان من شأنه، مضافاً إلى أشكال الاستئثار والممارسات التمييزية، أن أفقد الناس تماسكها الوطني.
فارق القوة الواسع بين دولنا "الوطنية" ودولة الاحتلال المدعومة على طول الخط من قوى خارجية كبرى، كان أرضية مناسبة لاستقرار جماعات حاكمة أو سلطات ترجمت عجزها الوطني إلى آلية لاحتلال الدولة وتحويلها إلى ملكية خاصة صالحة للتوريث، أي تحوليها إلى دولة متكيفة مع واقع الاحتلال وسلطته، وتشكل معه نظاماً إقليمياً واحداً يحافظ على الاحتلال ويكرسه. أقصى طموح الجماعة الحاكمة المتكيفة هو أن تحافظ على وجودها، وقد باتت لا تحسب حساباً إلا للمحتل، ولا تحرص على شيء بقدر حرصها على رضا المحتل.
لا يعني قولنا هذا أننا نريد من الدولة أن تقوم بحروب وأعمال عسكرية ضد الاحتلال لتحرير الأرض، حين لا يكون لديها الإمكانات لفعل ذلك، بل يعني أن على الجماعة الحاكمة أن لا تنتهك عمومية الدولة، وأن لا تجعل من السلطة أولوية تفوق كل ما عداها بما في ذلك صيانة أمان وسلامة المجتمع وتماسكه الوطني.
ينطلق تكيف الجماعة الحاكمة مع الاحتلال من إقرارها بالعجز عن مواجهة المحتل بالقوة. الإقرار بالعجز أمر مفهوم، ولا غرابة في أن تكون دولة ما في وضع ضعيف قياساً بالمحتل الذي يستولي على جزء من أرضها، ولا غرابة أن تعجز دولة عن تحرير هذا الجزء بالقوة. يمكن المجاهرة بهذا التسليم أو الإقرار، وجعله دافعاً نحو استراتيجية تعتمد النشاط السياسي والاستناد إلى القانون الدولي لاسترداد الحق، والانشغال، بدلاً من المواجهة العسكرية مع المحتل، في تكريس موارد البلد لصالح التنمية الداخلية بمفهوم واسع يشمل الاقتصاد والسياسة والتعليم.
لكن الجماعة ذات النهج التكيفي مع الاحتلال، تعمل بالضبط على العكس من ذلك، إنها تدرك بفعل معرفة الإمكانات والظروف والعلاقات الدولية، أو بفعل حروب سابقة مع العدو، كما هو الحال في مصر وسورية تجاه إسرائيل، أنها عاجزة عن المواجهة، لكنها تخفي عن الناس حقيقة تسليمها بالعجز، وتصلب البلد، اقتصاداً وشعباً، إلى ما لا نهاية، على خشبة كاذبة اسمها "التحرير". على هذا تصبح الجماعة الحاكمة طليقة اليد في عمل ما تشاء، فاحتكارها السلطة هو بغرض التحرير، وكل ما ينتج عن سيطرتها من إفقار وقمع معمم، يصور على أنه في سبيل الهدف الذي لا يُقاس ولا يُناقش ولا يُمس، وهو التحرير. وكل الفشل الذي يدفع الناس ثمنه على كل صعيد، إنما هو بفعل تآمر الأعداء الذين يغيظهم ما نحققه من نجاحات، ويغيظهم موقفنا الصامد ... الخ. هكذا، في واقع هذه الجماعات الحاكمة المتكيفة، يتحول الفشل إلى برهان على الصمود، ويتحول العدو إلى نعمة لا يريدون زوالها.
التكيف مع الاحتلال يمكن أن ينتهي باتفاق سلام وتطبيع مع الحال القائم، والاعتراف بالاحتلال، كما حصل ويحصل مع غير بلد عربي إزاء إسرائيل. غير أن غياب التطبيع، كما هو حال الدولة السورية مثلاً، هو أيضاً شكل من التكيف الذي قد يكون ذا فاعلية مضادة للتحرير أكثر من التطبيع، ذلك أن استمرار "العداء" يشكل عذراً دائماً لجماعة الحكم لتبرير كل جريمة، وللتهرب من كل واجب وطني للدولة تجاه الشعب. في بداية الثورة السورية في العام 2011، رفع عناصر نظام الأسد على الحواجز لافتة تقول "إسرائيل هي العدو"، وكأنه بمثابة تذكير، ما يشي بأن أهل النظام يدركون أن إشهار عداءهم لإسرائيل ينبغي أن يصد عنهم عداء الشعب السوري، بصرف النظر عن أي واقع أو حقيقة سورية.
حين تبين أن "العداء" للعدو لم يشكل حائط صد في وجه الاحتجاجات، اتخذ تكيف الجماعة الحاكمة في سورية، شكل المواجهة التدميرية. تحولت اللغة الوطنية والصراخ الوطني السابق إلى رصاص على المتظاهرين ودمار على البنيان، كي تقول الصورة إن تكيف الجماعة الحاكمة مع الاحتلال يعني في الواقع أن تتحول هذه الجماعة إلى تمثيل محلي غير مباشر لسلطة الاحتلال ولسلطة القوى الدولية الكبرى من خلفها. وكي تقول الصورة إن هذا التسلسل التسلطي، ينتهي، بطبيعته، إلى تقوية وتعزيز موقع الاحتلال الإسرائيلي، وإلى إضعاف وتفكيك المجتمعات التي تسيطر فيها الجماعات المتكيفة التي يتكامل احتلالها للمجتمعات مع احتلال إسرائيل للأرض.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحول حزب الله من المقاومة إلى الردع
- نحن والاحتجاجات في إسرائيل
- عن انقسام عقيم يلازم السوريين
- أفكار في النقاش السوري العام
- سأبقى أذكر ذلك المساء المختلف في السجن
- غزة، التنافر بين الحق وتمثيله
- دروس قاسية تنتظر الفرنسيين
- القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد
- لا تقاطع مخبراً في السجن
- عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية
- الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية
- جديد وثيقة المناطق الثلاث في سوريا
- الأبواب الحديدية
- الثقافة بوصفها خديعة
- في معنى استمرار الثورة السورية
- حين تصبح الهوية عبئاً (المثال السوري)
- غزة بوصفها مرآة عصرنا
- عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا
- -أبناء التهمة- الإسلامية
- ليس دفاعاً عن الإسلاميين


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - التكيّف مع الاحتلال