أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حجي - المُعضِلة بين الاحترام والإساءة














المزيد.....

المُعضِلة بين الاحترام والإساءة


مصطفى حجي
(Mustafa Hajee)


الحوار المتمدن-العدد: 8133 - 2024 / 10 / 17 - 17:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن المعضلة بين الاحترام والشتم والتعالي هي مسألة أعمق من مجرد مواجهة بين الأدب وقلة الأدب؛ إنها صراع بين الأخلاق الإنسانية الأصيلة ومظاهر الغرور التي تُخفي وراءها ضعفًا داخليًا لا يُفصح عن نفسه إلا بالإساءة والتكبر. عندما يكون الطرف الآخر لا يكتفي بالشتائم، بل يضيف إليها نظرة استعلاء وتعالٍ، فإنه يحاول فرض سيطرة نفسية، وكأنما يضع نفسه في مرتبة أعلى من الحوار، ليجعل من الإساءة وسيلة لتهميشك وإضعاف حضورك.

ولكن، ما هو الاحترام في هذه الحالة؟ هل هو فقط كلمات مهذبة، أم هو سلوك شامل يعبر عن القوة والثبات أمام كل محاولات التقليل من شأنك؟ الاحترام هنا لا يكون فقط في الردود، بل في الموقف كله، في الطريقة التي نختار أن نرد بها على من يحاول استدراجنا إلى مستوى أدنى.

إنّ الشخص الذي يتعالى في حديثه وينظر إلى الآخرين بنظرة دونية، سواء كان ذلك مصحوبًا بالشتائم أو بالإهانة غير المباشرة، إنما يكشف عن شعور داخلي بالنقص. هذا الشخص يحاول أن يثبت تفوقه من خلال السخرية أو تحقير الآخر، لكنه في الواقع يصرخ من أعماقه طالبًا الاعتراف. يرى المحترم بصمته أو ردوده المهذبة كتهديد لسلطته الزائفة، لذلك يسعى إلى جره إلى معركة لا تعتمد على الحجة والمنطق، بل على القوة الظاهرة والأساليب الرخيصة.

التمسك بالاحترام في وجه هذا النوع من الإساءة ليس ضعفًا بأي حال من الأحوال، بل هو دليل على وعي داخلي عميق بأن الحقيقة والكرامة لا يُقاسان بالصوت العالي أو بالكلمات الجارحة. عندما تقابل التعالي بالتواضع، والإهانة بالاحترام، فأنت تُثبِت أنك لا تَخضع لتلك النظرة الدونية التي يحاول الطرف الآخر أن يفرضها عليك.

إن هذا النوع من الحوار يجعل الشخص المحترم يمر بتجارب مريرة، حيث يواجه إساءة لفظية وتجاوزًا لأدنى معايير الاحترام من شخص يعتقد أن الاستعلاء والسب هو طريقه للسيطرة. وفي هذه الحالة، تبدأ الحيرة: هل من الصواب الاستمرار في النقاش واحترام الطرف الآخر رغم قلة أدبه؟ هل من الحكمة أن أسمح له بالاستمرار في فرض استعلائه دون أن أرد بالمثل؟

ليس الرد بالمثل هو الحل، لأن الانجرار إلى مستوى الإساءة يعني أنك رضخت لاستفزازه، وتخلّيت عن مبادئك. الرد بأدب واحترام لا يعني أنك تقبل الإهانة، بل يعني أنك تحافظ على كرامتك حتى في أصعب المواقف. قد يتخيل الطرف الآخر أنه انتصر، لأنه استنزفك وأخرجك عن طورك، لكنه في الواقع كشف عن عجزه.

التجاهل قد يبدو حلاً، ولكنه ليس دائمًا مجديًا. ففي بعض الأحيان، يرى الطرف المتعالي هذا التجاهل على أنه ضعف أو هروب، فيزداد تعنّتًا واستعلاءً. هنا، يتطلب الموقف مهارة خاصة في الرد؛ ليس الرد بالمثل، بل الرد بطريقة تكشف له حدود غروره دون الانحدار إلى مستوى الإساءة.

في النهاية، تتلخص المعضلة في الخيارات الثلاثة:

الاستمرار في الحوار المهذب مع شخص لا يحترمك ويعاملك بازدراء، وهو اختبار لقوة تحمّلك وصبرك.

الرد عليه بنفس أسلوبه، وهو خيار يوقعك في نفس الفخ الذي نصبه لك.

أو تجاهله، وهو ما قد يراه علامة ضعف ويُفسره على أنه انتصار.


لكنَّ الحل يكمن في المحافظة على اتزانك الداخلي. عليك أن تُدرك أن الاحترام ليس استجابة للطرف الآخر، بل هو انعكاسٌ للقيم التي تحملها. إذا اخترت أن ترد، فلتكن كلماتك متزنة وتعكس ثقتك بنفسك، دون أن تسمح للتعالي أن يؤثر على كرامتك. وإذا اخترت أن تصمت، فليكن صمتك عن وعي، لا عن خوف أو استسلام.

إن احترام الذات لا يُقاس بكيفية ردك على الإساءة، بل بقدرتك على عدم الانجرار إلى مستوى يليق بمصدر الإساءة. فتذكّر دائمًا أن الشخص الذي يتعالى على غيره إنما يتخفى وراء ضعف لا يستطيع تجاوزه، وأنت بتمسكك باحترامك تُظهر له، وللجميع، أنك أقوى من أن تُستَفز أو تُستدرج إلى ما لا يليق بك.



#مصطفى_حجي (هاشتاغ)       Mustafa_Hajee#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا بعد الموت؟
- بين فيروز ونزار «ليست لنزار»
- نزار قبّاني ... والمرأة
- {البيضة} ... قصة قصيرة ل -آندي وير-
- عدمِيَّة ... (وقليل مِنَ التفاؤل)
- الملحد العربي ... الاتِّهام والحقيقة
- حياة عدميّة ... بإله أو بغير إله
- إبليس يَشكُو مأساتَه ويُدافِع عن نَفسِه
- توضيح لمقولة آينشتاين -إنَّ الله لا يلعب بالنرد- وما شابهها
- حول - رِهان باسكال -
- الدنيا دار اختبار، لكَ فيها حرِّيّة الاختيار
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الثّاني
- الإلحاد: مُسَوِّغ نبذ الله .. الجزء الأوَّل
- عندما قرَّر الله أن يخلق الكون
- كنصيحة منّي أنا الإنسانُ الفقير إلى العلم
- مِنْ أجلِ أنْ تَرى الواقع
- ردًّا على السؤال المتكرِّر : -لماذا أنتقد الإسلام دون بقيَّة ...
- مسيلمة رحمن اليمامة، وما أدراك ما الرحمن... الجزء الرابع وال ...
- مسيلمة رحمن اليمامة... وما أدراك ما الرحمن !. الجزء الثالث
- مسيلمة... رحمن اليمامة، وما أدراك ما الرحمن. الجزء الثاني


المزيد.....




- وفاة ليام باين.. هذا ما كشفه تشريح الجثة بشكل أولي
- بعد مقتل يحيى السنوار.. نتنياهو: الحرب لم تنته بعد.. وهذه بد ...
- تفاصيل مقتل يحيى السنوار بعد أكثر من عام على الحرب في غزة
- -مسيرة رصدت جثة يحيى السنوار-.. مصدر يكشف لـCNN كيف قُتل زعي ...
- روسيا تعدّل صواريخ -LMUR- وتزيد من قدراتها القتالية
- أكبر رزمة عقوبات تفرضها بريطانيا على روسيا.. الغرب يستهدف سف ...
- من السجون الإسرائيلية إلى قيادة حماس.. من هو يحيى السنوار؟ ...
- +++ تغطية مباشرة.. إسرائيل تؤكد رسميا مقتل السنوار +++
- البوندستاغ يوافق على تمديد مهمة الجيش الألماني في العراق
- -واشنطن بوست-: مواقف الدول الكبرى في -الناتو- لم تتغير بشأن ...


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مصطفى حجي - المُعضِلة بين الاحترام والإساءة