أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟















المزيد.....

ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟


حازم كويي

الحوار المتمدن-العدد: 8133 - 2024 / 10 / 17 - 14:25
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


عناصر الأشتراكية الثلاثة عشر
الجزء الأول
بيرند ريكسنغر*
راول سيليك**
ترجمة:حازم كويي

أولاً. الاشتراكية كمشروع للحرية.
لأن إشتراكية الدولة في القرن العشرين على وجه التحديد كانت مصحوبة بقمع كبير، فإن الأولوية الأولى يجب أن تكون: الاشتراكية مشروع حرية يُعزز تقرير المصير والهدف هو تطوير الفرد .
جاء في "البيان الشيوعي" لكارل ماركس وفردريك إنجلز(1848):"يتم إستبدال المجتمع القديم بطبقاته وإختلافاته الطبقية بتنظيم حيث يكون التطور الحر لكل فرد شرطاً للتطور الحر للجميع " وعلى اليسار أن يستجيب لهذا المطلب.الأشتراكية دائماً تتعلق بالحقوق الفردية.
والشرط الأساسي لحرية الفرد هو التغلب على الظروف الهيكلية للاستغلال والإقصاء. في مجتمع يتمتع فيه البعض بسلطة أقتصادية وسياسية، ولا يملك البعض الآخر سوى قوة عملهم، وحين يكون البعض مواطنين والبعض الآخر يتم وضعهم بشكل غير قانوني كمُهاجرين، فلا توجد هنا حرية. إن التغلب على الاستغلال الاقتصادي والإقصاء السياسي هو شرط أساسي للحرية العامة.
لكن الحقوق السياسية والإنسانية الأساسية (مثل حرية التعبير والصحافة، وحق التظاهر والتنظيم والإضراب، وحق التصويت والترشح للانتخابات) يجب أن تكون أيضاً جزءاً لا يتجزأ من كل مشروع إشتراكي. إنتقادنا للدولة الليبرالية ليس لإنها أنشأت ديمقراطية تمثيلية تجعل الحكم التعسفي من قبل الأفراد أكثر صعوبة، بل أن هذه الديمقراطية لا تذهب إلى حد كاف لأنها تظل مقتصرة على المجال السياسي وتترك المجال الاقتصادي"خاص" خارج النطاق. الديمقراطية الاشتراكية تغطي الحياة الاقتصادية وعلاقات العمل والأنشطة الإنتاجية والإنجابية للمجتمع. إن الإدارة الذاتية، التي هي عنصر أساسي في المشروع الاشتراكي، لا يمكن أن توجد بدون الحريات السياسية.
وفي هذا السياق، يجب التأكيد على أن حرية التعبير وحرية الصحافة ليست أقل تهديداً من قبل وسائل الإعلام والشركات القائمة من سلطات الرقابة الحكومية. إن وجود شركات الإعلام الخاصة ليس تعبيراً عن حرية التعبير، ويمكن للمرء أن يزعم بنفس السهولة أن نشر صحيفة برافدا والعديد من الصحف الأخرى في الاتحاد السوفييتي كان تعبيراً عن مشهد إعلامي مزدهر.
يجب أن يتم إضفاء الطابع الديمقراطي بشكل جذري على ناشري وسائل الإعلام. يوضح هيكل البث العام كيف يمكن تنظيم وسائل الإعلام إذا لم يكن من المفترض أن تكون تابعة لأصحاب الشركات أو بيروقراطيات الدولة. كان النموذج الذي تم تقديمه في ألمانيا في أواخر الأربعينيات يتبع المبدأ القائل بأن وسائل الإعلام يجب أن تكون مُنظمة بشكل تعددي وخاضعة للسيطرة الاجتماعية. وتشير الأزمة العميقة التي تواجه هيئات البث العامة اليوم أيضاً إلى مشاكل النموذج. عندما يتعلق الأمر بالمسائل الحاسمة المتعلقة بالحرب والسلام، والعدالة المناخية، والملكية والحيازة، فإن وسائل الإعلام الخاصة وكذلك العامة تتميز بتجانس هائل. يضاف إلى ذلك إهدار الموارد للمديرين التنفيذيين وأقسام الترفيه. وعلى الرغم من هذه الاعتراضات، يظل الأمر صحيحاً: فبدلا من شركات الإعلام الخاصة، نحتاج إلى وسائل إعلام تدار بشكل ديمقراطي وبشكل جذري، وموجهة نحو المواطنين والحركات في أيدي عامة.
ومن الممكن أن تلعب تقنيات المنصات الجديدة أيضاً دوراً إيجابياً في توسيع نطاق الحقوق السياسية إذا تم تحريرها من مهمتها الحالية المُتمثلة في توليد إهتمام قصير بالمحتوى الإعلاني. ويمكنهم المساهمة في صنع القرار الديمقراطي وتعزيز المشاركة في عمليات صنع القرار والتخطيط الاجتماعي.
في وقت مبكر من عام 1930، اقترح برتولت بريشت في نظريته الراديوية ضرورة إنشاء راديو لا يرسل فحسب، بل يستقبل أيضاً، وإذا لزم الأمر، يحول المُستمعين إلى "أجهزة إرسال".
"يجب أن يتحول الراديو من جهاز توزيع إلى جهاز إتصال"، هذا ماكتبه الكاتب المسرحي بريشت "سيكون الراديو أعظم جهاز إتصال يمكن تصوره في الحياة العامة، وهو نظام هائل من القنوات، أي إذا عرف ليس فقط كيفية الإرسال بل الإستقبال أيضاً،فإنه سيجعل المُستمع لايسمع فحسب،بل يتحدث أيضاً. ولن يكون قادراً على البث فحسب، ولا يعزله بل يربطه به. ولذلك يتعين على البث أن يبتعد عن عزل المستمع بل ربطه معه."
يمكن لمبدأ بريشت أن يكون بمثابة مبدأ توجيهي لتنظيم خدمة وسائل الصحافة والإعلام. ومن شأن إضفاء الطابع الديمقراطي عليه أن يسهم بالمعنى المزدوج في الإثراء الفني والثقافي للمجتمع وفي الوقت نفسه يزيد من تأثير الفن والثقافة.
ثانياً.الجانب المادي للحرية،وإمداداتها الأساسية.
فقط أولئك الذين يعيشون بدون خوف مادي يمكنهم تشكيل حياتهم بحُرية.ويعني ذلك: حصول الفرد على السكن اللائق، والتغذية الجيدة، والصحة، والتعليم، والثقافة
ووجوب ضمان المشاركة الاجتماعية في المجتمع.
وتعلن العديد من الدساتير وميثاق الأمم المتحدة هذا الحق في الأمن المادي، ولكن في الممارسة العملية يظل هذا الوعد غير مُتحقق بالنسبة لجزء كبير من سكان العالم. السبب الرئيسي لذلك هو عدم المساواة الاجتماعية الهائلة: أغنى خمسة رجال في العالم لديهم أصول خاصة يبلغ مجموعها ما يقرب من تريليون دولار أمريكي، وكان آخرها حوالي 122 مليار دولار أمريكي تضاف سنوياً. ووفقا لحسابات منظمة أوكسفام، ستكون هناك حاجة إلى حوالي 23 مليار دولار أمريكي سنوياً للقضاء على الجوع وسوء التغذية على مستوى العالم. ومن خلال الثروة الخاصة لعدد قليل من الأثرياء، يمكن بسهولة ضمان الإمدادات الأساسية من الغذاء ومياه الشرب والسكن لسكان العالم بأسره.
لكن المشكلة أكثر خطورة: فعلى مدى العقود القليلة الماضية، تم فتح أنظمة التعليم العام والرعاية الصحية في كل مكان في العالم تقريباً أمام رأس المال وتم تحويلها إلى سلعة.
يأخذ "الاستيلاء على الأراضي" الرأسمالي هنا شكل التراجع: حيث تتم إستعادة الإنجازات المهمة للنضالات الاجتماعية من أجل تعزيز تراكم رأس المال.
وعلى هذه الخلفية، تعني الاشتراكية الدفاع عن الأنظمة العامة وتوسيعها لتوفير المواد الأساسية. ليس التعليم والرعاية الصحية فحسب، بل وأيضاً الإسكان وأنظمة النقل وإمدادات الطاقة وشبكات الاتصالات، كلها تنتمي إلى أيدي القطاع العام. وبهذا المعنى نتحدث أيضاً عن "إشتراكية البنية التحتية". تتيح الخدمات الأساسية المشاركة المادية والاجتماعية، وبالتالي فهي شرط أساسي للحرية الشخصية.
لكن إشتراكية البنية التحتية هذه ليست مرادفة للتأميم. إن الفارق الحاسم بين التنشئة الاجتماعية التي نقترحها والتأميم التقليدي هو إضفاء الطابع الديمقراطي على البنية التحتية العامة. الحملة التي أطلقتها حركة المستأجرين ضد خصخصة السكن للشركات، إن النضال "المصادرة" من أجل إعادة ملكية مساحة المعيشة في برلين هو مثال جيد على أين وكيف يمكن أن تبدأ السياسة الاشتراكية. لم يكن إستفتاء برلين(الإستفتاء جرى قبل عدة سنوات،المترجم) يتعلق فقط بإعادة ملكية الشقق إلى البلديات. وبدلا من ذلك، كان المطلب هو نقل الملكية إلى أيدي القطاع العام وإضفاء الطابع الديمقراطي للسيطرة على الإسكان. يجب على المجالس المشرفة المنتخبة من قبل المستأجرين إدارة الممتلكات العامة. سيكون هذا هو جوهر الاشتراكية: الاقتصاد المجتمعي الديمقراطي.
الرئيس المشارك للحزب الاشتراكي الديمقراطي السويسري سيدريك فيرموث،وممثل سكرتير النقابة بيت رينجر في كتابه “الثورة العامة الخدمية” (2020) تتلخص الأطروحة في أنه ينبغي النظر إلى توسيع الأنظمة العامة لتوفير المواد الأساسية كنقطة انطلاق لسياسة التنشئة الاجتماعية الاشتراكية. ولا يقتصر الأمر على الدفاع عن الهياكل العامة مثل المستشفيات، وإمدادات المياه، والسكك الحديدية، ووسائل النقل العام المحلية أو المدارس ضد طموحات الخصخصة فحسب، بل يتعلق أيضاً بالنظر إليها باعتبارها دليلاً تجريبياً على الكيفية التي قد يعمل بها إقتصاد لا يهدف إلى تحقيق الربح ويخضع لسيطرة ديمقراطية. واليوم بالفعل، تتيح البنية التحتية التي يديرها القطاع العام إمكانية تحقيق ذلك لقطاعات كبيرة من السكان وحياة آمنة إلى حد معقول، لأنه حتى جزء كبير من الطبقة المتوسطة لا يستطيع تحمل تكاليف التعليم الخاص والرعاية الصحية. وفي الوقت نفسه، تُعد البنى التحتية الأساسية للخدمات العامة أكثر توافقاً بكثير من القطاع الخاص مع مفهوم الاقتصادات الدائرية الإقليمية (كما هو مطلوب لأسباب بيئية واجتماعية). وفي هذا الصدد، يمكن النظر إلى هذه البنى التحتية على أنها مشاريع جسرية: إذا تم تنظيم إمدادات المياه بكفاءة من قبل شركات عامة تدار بشكل ديمقراطي، فمن الممكن أن يعمل هذا بالطبع أيضاً على توفير السلع الاستهلاكية. وبهذا المعنى، فإن أداء "الخدمة العامة" سيكون بمثابة مخطط للتنشئة الاجتماعية الديمقراطية للصناعات وشركات الخدمات.
على سبيل المثال، يستشهد رينغر و ويرموت بالمنظمة الهولندية غير الربحية "بورتزورج" ("رعاية الأحياء")، التي تأسست في عام 2006 على يد مقدم الرعاية خوسيه دي بلوك، الذي كان غير راضٍ عن خدمات الرعاية التقليدية المنظمة هرمياً. تحت شعار "متخصصوا التمريض لا يحتاجون إلى الإدارة، إنهم بحاجة إلى بعضهم البعض"، تم إنشاء شركة مُوجهة نحو المجتمع وتدار ذاتياً تضم 14500 موظف في غضون بضع سنوات، والتي تخطط لعمليات الرعاية جنباً إلى جنب مع أولئك الذين يحتاجون إلى الدعم ومساعدتهم. ويقدم الخدمات المقابلة. تعتبر مثل هذه الشركات التي تقع في أيدي الموظفين أمثلة على كيفية تعزيز التنشئة الاجتماعية الديمقراطية من خلال عمليات العمل.
ثالثاً: التغلب على كافة ظروف الاستغلال والقمع.
يجب أن يكون من الطبيعي أن تتبنى الحركة الاشتراكية مطالب الحركات المناهضة للعنصرية والنسوية والجندر وتدافع عنها. ولا يمكن أن يحدث هذا التحرر إلا كمشروع مشترك ومتعدد وعالمي لجميع المضطهدين.
إن تاريخ الرأسمالية كرأسمالية عنصرية متشابك بشكل لا ينفصم مع العنف الاستعماري والعبودية والاستغلال العنصري المفرط. فلولا الاستيلاء العنيف على العمل غير مدفوع الأجر الذي يقوم به المُستعبِدون، ولولا التمييز العنصري بين الطبقات الدنيا، لما كانت الحداثة الغربية لتتأسس. وينطبق الشئ نفسه على العلاقة بين الرأسمالية والبطريركية. يعتمد خلق القيمة في العمل الإنتاجي على الاعتماد غير مدفوع الأجر على أعمال الرعاية، التي يتم إعلانها على أنها "أنثوية"، ويتم تجنيسها وفرضها على المرأة في إطار علاقات القوة بين الجنسين.
وبهذا المعنى، فإن الرأسمالية تقوم دائماً على مبدأ مزدوج للاستغلال: الاستيلاء على فائض القيمة في علاقات العمل المأجورة "العادية"، والاستيلاء على العمل غير مدفوع الأجر أو المُستغل بشكل مفرط. في النسوية ومناهضة العنصرية هناك أيضاً تيارات سياسية الهوية تطالب في نهاية المطاف بالمشاركة الفردية للنساء والسود في النظام القائم، لكن هناك أيضاً ماهية نسوية ومناهضة للعنصرية تلفت الانتباه إلى فجوة كبيرة في الحركة الاشتراكية. عندما يتم الاستيلاء على العمل دون تعويض في إطار العلاقات الجنسية أو الاستعمارية أو يتم استغلاله بشكل مفرط في إطار العلاقات العنصرية، فإن العلاقات الطبقية تصبح جنسانية وعنصرية. هذا النوع من الاستغلال الفائق، والذي يتجلى أيضاً في العلاقات الاستعمارية الجديدة والإمبريالية بين البلدان، يؤثر على جوهر القوة الرأسمالية.
بالنسبة للحركة الاشتراكية، يُعد تغيير العلاقات بين الجنسين وأفكارنا حول الجنسين جزءاً لا يتجزأ من المشروع التحرري.ويجب إعادة توزيع العمل الإنجابي المأجور وغير المدفوع الأجر والقضاء على الانقسامات بين الجنسين.
وينطبق الشئ نفسه على العنصرية، وهي أداة تستخدم لتبرير تجريد الرأسمالية من إنسانيتها وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ الهيمنة الطبقية. بالنسبة لنا، فإن الكفاح ضد الرأسمالية العنصرية يشمل أيضاً مقاومة أنظمة حدود الدولة والسياسات المناهضة للهجرة، والتي نعتبرها أدوات لتقسيم الطبقة.
تُظهر النظريات المادية للنسوية التقاطعية ومناهضة العنصرية مدى تشابك علاقات الاضطهاد المختلفة. وبهذا المعنى، تقدم الحركات النسوية والمناهضة للعنصرية مساهمات لا غنى عنها في تطوير مشروع التحرر الاشتراكي.
رابعاً: علاقة جديدة وبشكل أساسي بين المجتمع والطبيعة.
إن التحدي المادي الأكثر أهمية في الوقت الحاضر هو توفير حياة جيدة لسكان العالم بأسره،والتي يجب ان تكون متناغمة في نفس الوقت مع دورات التكاثر في الطبيعة. إن النظام الاجتماعي والاقتصادي الذي يتجاوز الحدود البيئية بشكل منهجي (كما هو الحال مع المجتمع المدني) لابد أن يموت. يجب أن يكون المشروع الاشتراكي المستقبلي بيئياً. وبهذا المعنى، نحن بحاجة إلى الانتقال إلى إقتصاد خالٍ من الانبعاثات، "إلى نمط أقل استهلاكاً للطاقة من النشاط الاقتصادي، يعتمد على الطاقات الشمسية المُتجددة"، كما كتب الخبير الاقتصادي إلمار ألتفاتر (2012) قبل بضع سنوات.
في القرن العشرين، كانت المجتمعات الرأسمالية والاشتراكية عمياء على حد سواء عن الأسس المادية للمجتمع.
تُظهر الأزمة الحالية أنه لم يعد بإمكاننا تجاهل "عملية الأيض" لدينا، أي التبادل مع الطبيعة. في هذا الصدد، كان إنجلز وماركس مُتقدمين أكثر من يسار القرن العشرين: إذ يوضح إنجلز أن كل عمل يمثل تحولا في الطبيعة، أي تدخلا في البيئة.
تعامل ماركس مع إنخفاض عائدات الزراعة الإنكليزية وبدأ يتحدث عن "الصدع في عملية التمثيل الغذائي". أستخدم هذا لوصف ظاهرة إنقطاع دورة المغذيات الطبيعية بسبب تطور الرأسمالية، التي كانت لا تزال شابة في ذلك الوقت. ومن خلال طرد المزارعين من أراضيهم والتوسع الحضري اللاحق، انفصل إنتاج الغذاء وإستهلاكه مكانياً عن بعضهما البعض، ولم تعد فضلات الناس تعود إلى التربة كسماد.
وأدى نقص هذا التسميد الطبيعي إلى إنخفاض الإنتاج الزراعي. وبهذه الطريقة، فإن العملية الاجتماعية - خصخصة الأراضي الجماعية الريفية من قبل النبلاء، وطرد فقراء الريف، والتوسع الحضري والتصنيع - هددت إستمرار وجود هذا المجتمع بالذات من خلال أزمة بيئية.
ومن ملاحظة ماركس هذه نستنتج:وهو أمر ذو أهمية كبيرة اليوم مرة أخرى: كل طريقة للإنتاج والعيش تجد حدودها المادية في دورات التكاثر الطبيعي. وتشكل الدورات البيئية أساس الهياكل الاجتماعية والاقتصادية. وبعبارة أخرى: فإن مجتمع البحارة الذي يبني من السفن أكثر مما يمكن أن ينمو من الخشب لن يعود في نهاية المطاف إلى البحر.
ومشكلة الرأسمالية هي أنها لم تعد تتجاوز الحدود المادية محلياً وإقليمياً فحسب، كما فعلت الحضارات الإنسانية في الماضي، بل إنها تفعل ذلك على نطاق كوكبي. ترتبط الأزمة البيئية الحالية بتغير المناخ أكثر من أي شئ آخر: فوفقاً للدراسات الحالية، تم الوصول إلى ستة من تسعة "حدود كوكبية". وبالإضافة إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، تشمل هذه العوامل إنقراض الأنواع، واستخدام الأراضي، وتعطيل الدورات البيوجيوكيميائية، واستهلاك المياه العذبة، وإدخال مواد جديدة في التربة والغلاف الجوي.
وهذا يعني: أن عملية التمثيل الغذائي لطريقة الإنتاج والمعيشة الرأسمالية تدمر الظروف المادية لوجودنا جميعاً، وبالتالي تُعرض بقاء مليارات البشر للخطر. وبالتالي فإن المسألة البيئية ليست قضية بالنسبة إلى "الطبقات الوسطى الخضراء". إن الكوارث الطبيعية وإنهيار النظم البيئية تهدد البقاء المادي للطبقات الدنيا - على سبيل المثال من خلال إرتفاع أسعار المواد الغذائية. إن الأزمة البيئية لا تؤدي إلى "إنهيار الطبيعة" فحسب، بل تؤدي أيضا إلى وفاة مليارات الأشخاص المحرومين. إن ما تتم مناقشته على أنه "عدالة مناخية" هو في الواقع قضية طبقية،ولذلك يجب على المشروع الاشتراكي أن يضمن بأن يكون التمثيل الغذائي محدوداً. في عمليات الإنتاج والاستهلاك، لا يجوز إستهلاك أكثر مما يمكن زراعته أو إعادة تدويره.
الجزء الثاني يتبع لاحقاً.

بيرند ريكسينغر*:سياسي ألماني،وعضو سابق في البرلمان الألماني(البوندستاغ) عن حزب اليسار،والمدير الأداري في نقابة فيردي (ver.di)، وعضو مجلس إدارة مؤسسة روزا لوكسمبورغ، والرئيس المشارك السابق مع كاتيا ليبينغ لحزب اليسار.
راؤول زيليك**: كاتب ومؤلف وصحفي ومترجم.من مؤلفاته "الوحوش والاشتراكية الخضراء"



#حازم_كويي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماهي الأشتراكية؟ لماذا يجب علينا التغلب على الرأسمالية؟
- زعيم الحزب الشيوعي الإيطالي تولياتي يحذرالحزب الشيوعي السوفي ...
- هل للكون من نهاية؟
- حين يهاجر الأنسان عنوة بسبب المناخ.
- العلم والتغير المناخي مثار جدال
- من الغبار ولِدَت الأرض
- هل لدى كمالا هاريس بديل عن سياسة دونالد ترامب الخارجية؟
- التحليل النفسي وعلم النفس والأيديولوجية.
- هل الكون لانهائي؟
- منظمة الأمن والتعاون في أوروبا جاهزون للسلام
- لإتحاد الأوروبي، إجابات أجماعية *
- إكتشاف ثُقب أسود جارٍ لنا بكتلة غير عادية.
- الهند. الأصدقاء القدامى، الأصدقاء الجدد*
- قانون الحقوق المدنية الأمريكي لعام 1964
- أصل الحياة
- بدون السلام كل شئ لاشئ. تحديات اليسار الاشتراكي
- التغيرات المناخية المتطرفة
- إنتصار الطبيعة على الرأسمالية.
- تصاعد دور ونمو الحزب الشيوعي النمساوي.
- مساعدات التنمية في السودان: مطرقة التقشف القاتلة


المزيد.....




- م.م.ن.ص/ت.ب.ج // إلى الأمام ايها الرفاق والرفيقات..
- هل الفقراء أكثر عرضة لأمراض القلب؟
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو إلى إقرار
- العدد 575 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- الشيوعي العراقي: الاعتداء الصهيوني على العراق ليس مستبعداً و ...
- «وبريات سمنود» البنا أمام المحكمة العمالية غدًا.. والعمال بل ...
- السلطات المصرية تخفي قسريًا 5 موظفين مفصولين وفقًا لقانون 73 ...
- تأجيل دعوى فصل القيادي هشام البنا إلى 30 أكتوبر
- حزب التقدم والاشتراكية يستقبل وفدًا من المكتب السياسي لحزب ج ...
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حازم كويي - ماذا تعني الأشتراكية وكيف يمكن بالضبط أن تتحقق؟