أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)















المزيد.....

عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)


محمود الصباغ
كاتب ومترجم

(Mahmoud Al Sabbagh)


الحوار المتمدن-العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 04:51
المحور: القضية الفلسطينية
    


-إسرائيل عدو ليس كمثله شيء
إن إسرائيل؛ بوصفها التطبيق العملي للصهيونية السياسية لاستعمار فلسطين، شكلت وما زالت تشكل بؤرة إغراء وجذب للعديد من الدراسات ( النظرية والميدانية) لفهم ظاهرة "نسق" المجتمع الاستعماري الإحلالي المنخرط في رغبته بأن يكون مجتمعاً "غربياً" في بقعة "غير غربية"، وبين اختياراته الروحية الدينية وتنازعه الحثيث لأن يكون مجتمع ليبرالي منفتح تقوده تكنولوجيا رائدة ومتطورة من جهة وبين نزعات قومية فاشية من جهة أخرى مختلطة بتصورات مريضة عن الآخر ومركبات نفسية يغذيها أوهام الوطن الموعود وشعب الرب القديم ومقاربة الماضي بما يشمل ما كان قائم مع الحاضر ليصل الأمر إلى خلق تشابهات أو تماثلات مع الحاضر وفرض أوهام لا توجد سوى في أذهان أصحابها، وإلا فماذا يعني الإصرار الشديد على أن "أجدادهم" كانوا هنا حقاً قبل آلاف السنين.
ويقترح الفيلسوف الإيطالي جورج أغامبين في تفسيره اللحظة السياسية التي يتحول فيها سلوك السلطة إلى نوع من السيطرة على الحيز والجسد فلا يتم التمييز بين العنف والقانون. ويتم اختزال الوجود الإنساني "للآخر" إلى مجرد حياة عارية تنهمك فقط في الوظائف الفيزيولوجية لهذا الجسد المتحرك بقانون خارجي، وهكذا جُرّد الفلسطيني من هويته وتحول إلى "موضوعات" طارئة أو "معتقلين" أو "مخربين" أو أي "شيء" عدا كونه إنسان؛ وتصبح حياته "عارية تماماً" وغير محمية وتقع تحت رحمة سلطة استعمارية مطلقة الصلاحية تتمتع بفائض قوة هائل مختل لصالحها على الدوام يخوّلها "كيّ" طبقات الوعي الفلسطيني والحياة اليومية. بما يمثل ليس اعتداء على الحياة المؤهلة سياسياً -فضاء المجتمع السياسي داخل الدولة الفلسطينية الممكنة- فحسب بل هو في واقع الأمر اعتداء صارخ على " الحياة "البيولوجية" المجردة " نفسها. ويحيلنا هذا -نظرياً على الأقل- إلى رأي يرى بعدم وجود هامش حقيقي يمكن بموجبه تعريف بنية الدول المختلفة، سواء كانت مستبدة أم استعمارية.
فالنظريات الحديثة عن السلطة والسيادة والسيطرة وغيرها أصبحت ترى أن الدول الحديثة -باعتبارها دول قومية- تمارس العنصرية بشكل "طبيعي" بحكم تعريفنا للقومية. وعلى الرغم من انتشار الفكرة الشائعة التي تقول إن معظم الدول القائمة حالياً إنما قامت على أساس قومي؛ فإن هذه الدول ليست قومية بطريقة ما بحيث يمكننا بسهولة ملاحظة التشكيلات القومية والإثنية والعرقية؛ كافة، التي تعيش جنباً إلى جنب سواء سلمياً أم تخوض فيما بينها صراع على التمثيل والإقليم. بيد أن القومية بحد ذاتها هي فكرة متخيلة يشترك فيها أعضاء جماعة اجتماعية معينة. تقوم بالدرجة الأولى على مفهوم الحدود (ليس الجغرافية فقط)، وهو مفهوم يتحدد بتشكيل الهوية عبر التاريخ المشترك. رغم أن هذه الفكرة -أي الحدود- تلعب في حد ذاتها دوراً وظيفياً يخلق مزاعم ملكية وحيازة لجماعة معينة في إقليم ما، كما هو الحال في فلسطين وبعض دول البلقان (بلغاريا ومقدونيا مثلاً) أو باكستان والهند في الصراع على كشمير أو الصين واليابان... وغيرها من الأمثلة.
والسؤال المهم الذي لا يمكن للقومية أن تجيب عليه بطريقة كافية ووافية يتمثل في السبب الذي يجعل شخص ما يموت في سبيل "الوطن"؟
أهي الحدود الجغرافية للإقليم للدفاع عنه؟ أم التاريخ؟ أم المصلحة الاقتصادية أم الدين؟
ثمة كثير من الأسئلة في هذا الصدد تشكل حرجاً للقوميين.
أما " العنصرية" هنا فهي حالة متطرفة من الاستبداد؛ ولا يمكن للدولة الحديثة- كما يزعم ميشيل فوكو- الاستمرار في العيش دون تورطها في العنصرية التي يرى فيها "قطعاً" بين "من" ينبغي له (من أفرادها) العيش وبين "من" ينبغي له الموت"، وهذا يعني تحول الدولة على ضوء هذه التجانسات البنيوية لمفاهيم مثل السلطة والعقاب والانضباط والمراقبة إلى دولة "طبيعية" يمثل فيها تطور التقنيات البيولوجية الرافعة الموضوعية للعنصرية التي سينتج عنها بلا شك ممارسات متفاوتة تتراوح بين الاستعباد الجماعي وصولاً للقتل الجماعي.
سوف تزعم الدولة " الطبيعية " أنها تخدم جميع مواطنيها وتحتج بامتلاكها الشرعية للعمل على تقليل وتهميش الفروقات الأخلاقية المتقاطعة مع سياسات الدولة من خلال "اختراع" لغة خاصة "محايدة وموضوعية"، وبالتالي يتحول النقاش حول سياسات الدولة إلى مجرد نقاش حول مسائل تقنية تعنى بقضايا الرأي العام لا أكثر. ولن تتعدى مناقشة القيم التي تكرس المعمار الاجتماعي- الإنساني. وهذا ما يمثله التلاعب القاتل في معادلة القوة والسلطة التي تقوم على "شرعية" الحق السيادي في إدارة الحياة اليومية للمواطنين و "احتكار" استخدم السلاح ضد العنف (الداخلي والخارجي) على حد قول ماكس فيبر (كثيراً ما استشهد وليد المعلم وزير الخارجية الأسبق للنظام السوري بهذه الفكرة لتسويغ استخدام العنف ضد المتظاهرين). ومن هنا كانت ردة الفعل "الكولونيالية" الإسرائيلية المتطرفة على انتفاضتين فلسطينيتين سابقتين لافتة للنظر على الصعيدين الداخلي والخارجي، فعلى الصعيد الداخلي عملت إسرائيل على تكثيف الاستيطان في ما بقي من أراضي الضفة وتحويلها إلى أرخبيل مقطع الأوصال وبناء جدار فصل عنصري سوف يعزز عند انتهائه من تحويل الفلسطينيين إلى "شعب الإن جي أوز" وإلى ازدياد الهوة فيما بينهم وانقطاعهم عن أماكن عملهم وسبل عيشهم اليومي فضلاً عن عزلهم ضمن "حظائر" بعيداً عن عيون الإسرائيليين "الكيوت" و "الحسّاسين "جداً إزاء قضايا الإرهاب والقتل .
أما ردة الفعل الخارجية، فتمثلت بقيام إسرائيل (ساعدها في ذلك أحداث 11 سبتمبر ووجود رجل في البيت الأبيض مثل جورج بوش الابن) بالترويج لبروباغاندا صاخبة غايتها تحويل المجموع الفلسطيني إلى مجموع جمعي إرهابي بالوراثة، عبر أفكار وممارسات وآليات عمل تتلطى خلف أوهام حل عسكري لحسم الصراع على الأرض، مشكوك في مدى واقعيته حتى من قبل قادة أمنيين**.
وإذن؛ أصل القول في تعريف إسرائيل إنها ظاهرة استعمارية.. استعمار إحلالي بكل ما يحمله هذا التعريف من إرث وتجارب تاريخية، وهي تحتل الأرض وما تحت الأرض، والجو والفضاء والهواء، وتعد الأنفاس على الفلسطينيين، وأنشأت نظاماً معقّداً من الرصد وأبراج مراقبة، مجهزة بقدرات رادارية على مدار اليوم، ليلاً ونهاراً وفي العطل والأعياد، وصور أقمار صناعية وطائرات استطلاع وبالونات حاملة للكاميرات للمراقبة في الوقت الحقيقي عند الاشتباه بأي عمل مقاوم (لاسيما داخل البلدات القديمة في المدن الفلسطينية)، مما يجعل من السهولة بمكان تتبع حركات المقاومين والمسؤولين واستهدافهم بالصواريخ وقتلهم, فضلاً عن إنشاء "بنك" معلومات هائل وقاعدة بيانات، واختبارات DNA لتتحول ساحة الصراع، مع الفلسطينيين، إلى ميدان "حرب" تقاس فيه المسافة بين الأعداء بالأمتار، وأحيانا بالصفر ( كالإعدامات على الحواجز بسبب ودون سبب).
وعلى منوال هذا السلوك الاستعماري تراهن الطبقة السياسية الحاكمة في إسرائيل على ما هو مؤقت ومؤجل، وسيكون رهانها هائلاً، فيمكن -خلال هذا المؤقت- أن تنفجر تعارضات جديدة كامنة بما هو أكثر من حالة الانقسام الحالية بين الجسد الفلسطيني (لعل إسرائيل متأكدة أنها ستكون حكماً في هذه الصراعات). وليس لدى إسرائيل -بحكم طبيعتها- ما يمكن أن تقدمه، فإسرائيل التي تحكمها عقدة الوجود كدولة تعرف نفسها بأنها يهودية لا تستطيع أن تقدم تنازلات مهمة على مستوى الأرض دون تعريض هذا الوجود ذاته لخطر داهم ، ولذلك وفي ظل الغياب العربي الرسمي من معادلة الفعل العسكري يبقى الفلسطيني هو الوحيد الذي يقبل بمخاطر مواصلة الصراع الذي تحكمه فكرة الوجود الاصطناعي غير الآمن للمجمع الاستعماري الإسرائيلي، فالسياسي الصهيوني الذي يدرك ويعي وقادر على استقراء تاريخ هذه المنطقة، لا يتولد لديه الوهم باستحالة إمكانية بقاء كيان غريب ومصطنع دون الاعتماد على قوة متفوقة تمنع من اختزال هذا الكيان ليصبح معرضاً لضربات شعب لديه كل الإحساس بأحقيته في وطنه.
لقد أصبح متاحاً لإسرائيل رصد كل غرفة وكل منزل؛ كل سيارة؛ كل مكالمة هاتفية أو بث إذاعي. وتمثل هذه الإجراءات جزءً من سياقات جوهر عنف المشروع الاستعماري الذي مزق مراراً وتكراراً مساحة فلسطين وفضائها، ليس الآن أو منذ أوسلو، بل منذ بداية المشروع الصهيوني. فقد شكلت موجات الهجرة اليهودية المتعاقبة مجتمعاُ صهيونياً استعمارياً موازياً للمجتمع الفلسطيني، استطاع، تالياً، تمزيق غلالة الحياة اليومية الفلسطينية، وفرض هندسة القوة ودفع فلسطين إلى حافة التاريخ؛ وإلى حافة اليأس. لقد قامت إسرائيل بكيّ طبقات الحياة الفلسطينية اليومية، وهو أمر لا يمثل اعتداءً على مشروعهم السياسي، أي، المساحة "المفترضة" داخل الدولة الفلسطينية الممكنة، فحسب، ولكنه يمثل أيضاً اعتداءً على "الحياة المجردة" ذاتها.
لقد تحولت الأرض الفلسطينية إلى أرخبيل مقطع الأوصال، لاحول له ولا قوة، في بحر الاستيطان الصهيوني النهم، وتم اختزال الأرض الفلسطينية إلى رموز هندسية (أ؛ ب؛ ج). ولكن حتى ضمن هذا الفضاء الإقليدي، لن يعدم الفلسطيني وسيلة للمقاومة، باعتبار أن نضالهم يمثل أعظم حالات التمرد ضد الاستعمار منذ النصف الثاني من القرن الماضي؛ ربما ليس اختيار أو خيار، حتى لو تم وصف أعمالهم على أنها "إرهاب.
......
**جاء في عريضة موجهة للرأي العام الإسرائيلي، نشرتها " يديعوت أحرونوت " مطلع العام 2004، وقع عليها أربعة من رؤساء " الشاباك " السابقين: أبراهام شالوم وياكوف بيري وكارمي غيلون وعامي أيالون. " إذا ظلت إسرائيل متشبثة بالخيار العسكري في مواجهة الفلسطينيين فقط فأنها مهددة بخطر الزوال ". ومن "التضليل الإيحاء للرأي العام أنه بالإمكان ضمان أمن الدولة وبقائها عن طريق القوة ودون الاستعداد لدفع الثمن الذي تتطلبه تسوية سياسية دائمة مع الفلسطينيين ".



#محمود_الصباغ (هاشتاغ)       Mahmoud_Al_Sabbagh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الطوفان وأشياء أخرى (14)
- عن الطوفان واشياء أخرى (12)
- عن الطوفان واشياء أخرى (13)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (11)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (10)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (9)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (8)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(7)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(6)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (5)
- عن الطوفان وأشياء أخرى (4)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(3)
- دور حدّادي أفريقيا و-صنع- الثورة الصناعية في أوروبا
- عن الطوفان وأشياء أخرى(2)
- عن الطوفان وأشياء أخرى(1)
- الاستعمار البديل لفلسطين: 1917-1939
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
- من شارون إلى شارون: منظومة التخطيط المكاني والفصل في إسرائيل ...
- السياسة النرويجية تجاه فلسطين: تاريخ موجز
- -لست سوى واحدة منهم فقط- حنّة آرنت بين اليهودية والصهيونية : ...


المزيد.....




- بيلوسي لـCNN: يجب استبعاد الحرب كحل لأي صراع.. ونتنياهو انحر ...
- نانسي بيلوسي لـCNN: ندعم إسرائيل دائمًا ولكن هذا لا يعني منح ...
- بكين تدعو إلى تعميق العلاقات بين الجيشين الروسي والصيني
- بيلاوسوف: روسيا والصين تتبنيان مواقف مشتركة تجاه الوضع في ال ...
- مجلس الأمن يدعو إلى -احترام سلامة قوات اليونيفيل-، وحزب الله ...
- صورتها على كل شيء وفي كل مكان.. سباق القطة -هالو كيتي- يقام ...
- نتنياهو أمام انتقادات بسبب غياب استراتيجية ما بعد الحرب
- حسما لحالة الجدل حول مصيره.. التلفزيون الإيراني يعرض مشاهد ل ...
- كان ملكا لترامب.. تعرض يخت أمير سعودي شهير لأضرار بالغة في ت ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اكتشاف مجمع ضخم لـ-حزب الله- تحت الأرض ...


المزيد.....

- عن الحرب في الشرق الأوسط / الحزب الشيوعي اليوناني
- حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني / أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
- الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية / محمود الصباغ
- إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين ... / رمسيس كيلاني
- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - محمود الصباغ - عن الطوفان وأشياء أخرى( 15)