|
خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم
(Khaled Ali Silevani)
الحوار المتمدن-العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 04:48
المحور:
قضايا ثقافية
إنّ ظاهرة لجوء المثقفين والكتّاب من النخبة إلى وسائل تتناقض مع مبادئهم المعلنة تعد من أبرز التناقضات التي تشهدها المجتمعات اليوم. في هذا السياق، نرى أشخاصاً يتبنون أفكار الحداثة وما بعد الحداثة، ويروجون في كتاباتهم وخطاباتهم لأفكار المساواة، العدالة الاجتماعية، ومحاربة التمييز الطبقي، إلا أنهم في ممارساتهم الشخصية يلجؤون إلى دعم القوى التقليدية التي طالما انتقدوها. تشير هذه الازدواجية إلى وجود فجوة بين الخطاب النظري والممارسة العملية. ينتقد العديد من هؤلاء المثقفين الأوضاع القائمة، وخاصة الأنظمة الإقطاعية والقبلية التي تعتمد على التمييز الطبقي، ولكن في لحظة معينة، يتنازلون عن هذه المبادئ في سبيل تحقيق مصالح شخصية. قد يتقربون من الوجهاء وأصحاب النفوذ القبلي أو "الأغوات" لضمان دعم سياسي، مالي، أو اجتماعي، وبالتالي يتخلون عن خطابهم المناهض لهذه السلطة التقليدية القبلية. يعكس هذا السلوك أزمة أخلاقية عميقة بين ما يكتبونه وما يمارسونه. تنتج هذه الازدواجية حالة من التشكيك في مصداقية هؤلاء الأشخاص. فكيف يمكن أن يدعو أحدهم إلى المساواة والعدالة، في حين أنه يسعى إلى تحصيل منافع من خلال القوى التي تمثل نقيض هذه المبادئ؟ النتيجة أن المجتمع يبدأ في فقدان الثقة في الخطاب الذي يتم تقديمه، ويصبح من الصعب التفريق بين الخطاب الصادق والخطاب الذي يسعى لتحقيق مكاسب شخصية. قد تكون هذه الظاهرة ناتجة عن تعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي. فربما يجد المثقف نفسه محاصراً بظروف معينة تجبره على التكيف أو الاستفادة من هذه القوى، وفي كثير من الأحيان، قد يشعر بأن استخدام هذه الوسائل هو السبيل الوحيد لتحقيق تغيير ملموس، حتى وإن كانت تتعارض مع مبادئه. ومع ذلك، تبقى هذه مبررات شخصية لا تلغي التناقض الجوهري في موقفه. إنّ هذه الازدواجية تسلط الضوء على تحديات التزام المثقف بمبادئه في مجتمع مليء بالتعقيدات والتناقضات. كما أنها تدعو للتأمل في دور المثقف الحقيقي: هل هو محرك للتغيير ومتمسك بمبادئه، أم أنه مجرد لاعب آخر في لعبة المصالح الشخصية؟ من أبرز الآثار السلبية المترتبة على هذه الازدواجية لدى المثقفين والكتّاب: فقدان المصداقية: عندما يلجأ المثقف إلى ممارسات تتناقض مع خطاباته وأفكاره المعلنة، يفقد مصداقيته أمام جمهوره، فالناس يبحثون عن القدوة، وعندما يكتشفون أن المثقف لا يلتزم بما يدعو إليه، يشعرون بخيبة أمل ويبدؤون بالتشكيك في نواياه. إضعاف القضايا النبيلة: حينما يتبنى المثقف قضايا مثل العدالة الاجتماعية، محاربة الطبقية، والدفاع عن حقوق المهمشين، ثم يتصرف بطريقة تناقض هذه المبادئ، فإنه يساهم في إضعاف هذه القضايا، ويفتح الباب أمام أعداء هذه الأفكار فيستخدمون سلوكه المزدوج كذريعة للطعن في صحة القضايا التي يدافع عنها. تشجيع النفاق والانتهازية: عندما يرى الآخرون أن المثقف الذي ينتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية يلجأ إلى مصدر تعزيز تلك الأوضاع لتحقيق مكاسب شخصية، فإنهم يشعرون بأن النفاق والانتهازية هما السبيل لتحقيق النجاح. هذا يؤدي إلى انتشار هذه الممارسات في المجتمع. إضعاف حركة الإصلاح والتغيير: المثقفون غالباً ما يكونون محركات للتغيير والإصلاح، لكن عندما يظهرون تناقضاً بين خطابهم وسلوكهم، فإنهم يضعفون جهود التغيير، إذ يتراجع التأييد الشعبي لحركات الإصلاح، ويقل الحماس للتغيير الذي يبدو غير صادق. تشويه سمعة المثقفين ككل: لا يتأثر فقط المثقف الذي يمارس هذه الازدواجية، بل قد تنعكس هذه الظاهرة سلباً على صورة المثقفين ككل. قد يعممِ الناس حالات فردية، ويعتقدون أن جميع المثقفين لا يلتزمون بمبادئهم، مما يؤدي إلى فقدان الثقة في الطبقة الثقافية بالكامل. تعميق الفجوة بين النخبة والعامة: عندما يظهر المثقف تصرفات تتناقض مع ما يقوله، يتعمق الشعور بالفجوة بين النخبة التي تمتلك امتيازات خاصة والعامة التي تعاني من التحديات اليومية، مما يعزز الاستياء من النخبة ويزيد من عزلة المثقفين عن الناس الذين يدعون تمثيلهم. وفي الختام، تعكس هذه الآثار السلبية الضرر الكبير الذي يلحقه هذا النوع من السلوك بالنسيج الاجتماعي والسياسي علاوة على الدور الثقافي الصحيح الذي يدعو إلى ضرورة التوافق بين القول والفعل، خصوصاً لمن يدّعي دوراً ريادياً في التغيير والإصلاح.
#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)
Khaled_Ali_Silevani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع
...
-
بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
-
طقوس بناء النصوص
-
كذبة نيسان
-
شاهد عيان على نوم القمر
-
مقامات السليفاني- وعاظ الأمير
-
عزم الكردي
-
شعب العجائب
-
مفاتيحُ الضباب
-
عذرية الحرية
-
ألا أدلكَ على شذرةِ الخُلدِ؟
-
خبز عاجل...من قناة الجياع
-
شذرات
-
لعبة النسوة
-
سفير الرواية الحسنة
-
عاطفة رمليّة
-
رسائل مائلة ج4
-
رسائل مائلة ج3
-
رسائل مائلة ج2
-
رسائل مائلة ج1
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
|