أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - أبو جاد قسوم - الدافع على الجريمة في القانون السوري وتمييزه عن القصد: دراسة فقهية قانونية تحليلية مقارنة















المزيد.....


الدافع على الجريمة في القانون السوري وتمييزه عن القصد: دراسة فقهية قانونية تحليلية مقارنة


أبو جاد قسوم

الحوار المتمدن-العدد: 8127 - 2024 / 10 / 11 - 04:50
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


المقدمة
يعد الدافع من أكثر المواضيع التي أثارت اهتمام العديد من علماء النفس والباحثين لأنه يشكل إحدى الأسس المهمة لدراسة السلوك الإنساني، على اعتبار أن دراسة أو تعديل أو تغير السلوك لا تتم دون معرفة الأسباب التي تكمن وراءه أو الدوافع التي دفعت أليه فضلاً عن أن دراسة دوافع السلوك الإنساني بشكل عام والسلوك الإجرامي بشكل خاص تزيد من فهم الإنسان لنفسه ولغيره من الإشخاص مما يجعل معرفة الدوافع وتفسيرها حاجة ماسة لأفراد المجتمع وتحديداً رجال القانون، لذا نستطيع القول إن دراسة السلوك الإنساني هي ليست محط اهتمام علم النفس فقط، وإنّما القانون أيضاً على اعتبار أن القانون هو العلم الذي يعمل على تقنين ذلك السلوك، هذا وإن المنطقة التي يلامس فيها القانون علم النفس هي منطقة علم النفس اَلجنائي الذي يهتم بدراسة السلوك الإنساني من حيث علاقته بالجريمة من عدة جوانب، منها القوى التي بنيت عليها النية الإجرامية والمتمثلة بالدافع على اعتبار أنّ الدافع هو القوة النفسية التي تبنى عليها النية لتقوم النية بعد ذلك بتوجيه الإرادة مع العلم للقيام بالسلوك المطلوب منها، وهذا يعني أنّ النيّة تؤدي دوراً كبيراً في تطويع الإرادة للقيام بالسلوك مما يدل على وجود امتزاج وتوافق بين الإثنين من الناحية المعنوية، وتنقسم الدوافع من الناحية النفسية إلى دوافع فطرية كدافع العطش والجوع والجنس، ودوافع مكتسبة كالدوافع الاجتماعية والاقتصادية، وأيا كان نوع الدافع فطري أو مكتسب فأنه قد يكون سبباً في ارتكاب السلوك الإجرامي إذا لم يتم إشباعه بشكل مشروع، كدافع الجوع الذي يؤدي إلى ظهور الحاجة إلى الطعام فإذا لم يتم إشباعه بشكل مشروع قد يؤدي بالفرد إلى ارتكاب جريمة السرقة لسد النقص الحاصل في طاقة الجسم، أما بالنسبة إلى العوامل الدافعة للنية نحو السلوك الإجرامي فتصنف إلى صنفين عوامل داخلية وعوامل خارجية، علماُ أن السلوك الإجرامي لا يمكن إرجاعه إلى عامل محدد بذاته، وإنما هو نتيجة تظافر مجموعة من العوامل، وإن ارتباط الدافع بالنشاط الإجرامي يتطلب دراسته في أحد أركان الجريمة، وعلى وجه التحديد في الركن المعنوي للجريمة، لأنه يمثل الجانب السيكولوجي للنشاط الإجرامي المقترف، ويثار هنا تساؤل عن موقع الدافع في هذا الركن وما هو تأثيره على العقوبة؟
١الدافع وتمييزه عن القصد الجنائي
تعريف الدافع
التعريف الفقهي: إن فقهاء القانون فقد عرفوا الدافع بتعريفات عديدة بأنه:
قوة محركة للإرادة تحمل الإنسان على القيام بفعل مادي ذي مظهر خارجي.
نشاط نفسي يهدف إلى إشباع حاجة معينة.
ذلك الإحساس أو المصلحة التي قد تدفع الجاني إلى ارتكاب جريمته فهو يتفاوت من جريمة إلى أخرى بحسب ظروف الجاني ولو كانت الجريمتان من نوع واحد.
حافز واع يشد من عزيمة الإنسان على ارتكاب الجريمة.
تأسيساً على التعاريف السابقة نستنتج أن الدافع يشكل الأساس الذهني للجريمة، ومفهوم الدافع ينطوي على معنيين: الأول ينحصر في القوة المحركة المحفزة للسلوك، والثاني في كونه الأساس الذي يستند عليه الفعل أو القرار أو الرأي.
هنالك اتجاه فقهي يدعو إلى التفرقة بين الباعث والدافع، وذلك انطلاقاً من مصدر كل منهما واتجاهه، فالدافع هو العامل الذي ينبع عن العقل والتفكير والاستخلاص الذهني الهادئ بعد تقرير الظروف كافة التي تحبذ السلوك الإجرامي وتلك التي ترغب عنه، أما الباعث فهو وليد إحساس الفرد فهو مجموعة من العوامل النفسية الصادرة عن إحساس الفرد وميوله وعواطفه تدفعه بشكل عشوائي ودون تدبير إلى ارتكاب الجريمة، بمعنى أن الدافع ليس وليد الاندفاع أو الفوائد والعواطف، ولذلك يكون الدافع وليد الإرادة والباعث هو وليد الإحساس. أما الاتجاه الفقهي الآخر يذهب إلى استخدام مصطلحي الباعث والدافع على أنهما مترادفان، إذ إن التفرقة بينهما لا تقوم على أسس واضحة.
نستنتج مما سبق أن الفقهاء غير متفقين على تعريف الدافع فالبعض يرى أن الدافع هو الحافز الواعي (الحاجة، الإحساس ... إلخ) لبلوغ هدف معين عن طريق ارتكاب جريمة، في حين يحدده البعض الآخر بأنه المصلحة الواعية والمحددة مادياً والمحفزة على ارتكاب الجريمة، وآخرين يرونه بأنه المحرك للإرادة.
إن الدافع يختلف باختلاف الوقائع والأحداث مع اتحاد نوع الجريمة، ففي جريمة القتل قد يقتل الجاني غريمه انتقاماً أو بدافع البغض أو بدافع الشهوة الجنسية ليخلو له الجو مع زوجة المغدور، أو يقتل المريض من باب الشفقة عليه تخليصاً له من الألم المبرح، وهكذا يمكن تصنيف الدافع إلى دافع دنيء وشائن وإلى دافع شريف، والمقام يطول لتعريف كل منهما.
التعريف القانوني: اتخذت العديد من التشريعات منحى استخدام الباعث والدافع على أنهما مترادفان لمعنى واحد، حيث استخدمت بعض التشريعات مصطلح الباعث كالتشريع العراقي (المواد 21، 38، 135)، في حين اعتمدت تشريعات أخرى مصطلح الدافع فنصت المادة 193 من قانون العقوبات اللبناني على أن: "الدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها"، وقد سار المشرع السوري على ذات الأمر وذات التعريف في المادة 191 من قانون العقوبات السوري، وكذلك المشرع العراقي في المادة 67 والليبي في المادة 28.
ونلاحظ أن المشرع السوري واللبناني والأردني والليبي يخلطان بين الدافع والغاية، على الرغم من أن الدافع والغاية مختلفان، ونوضح الاختلاف فيما يلي:
إن الباعث له كيان نفسي، في حين أن الغاية لها طبيعة موضوعية وهي تمثل وجوداً حقيقياً، والدافع يمثل الانعكاس النفسي لهذا الوجود أي التصور، وكمثال للتمييز بينهما نجد أن الجاني في جريمة القتل المقصود يرى أن الحقد والكره للمجني عليه هو الباعث أو الدافع لارتكاب جريمته، وهدف الجاني من ارتكاب الجريمة هو أن يتمكن من الزواج من زوجة المجني عليه، لذا فإن الدافع يمثل الهدف القريب، أما الغاية فتمثل النتائج النهائية التي يسعى الجاني إلى تحقيقها من وراء هذا السلوك، كذلك إن الغاية تتعلق بالنتيجة دون السلوك، وإن الغاية والباعث يختلفان من الناحية الزمنية، فالباعث أو الدافع يسبق السلوك في حين أن الغاية تكون دائماً لاحقة على السلوك، كما أنها تختلف بالنتيجة المترتبة على هذا السلوك، مما يعني أن الغاية هي الوسيلة لإشباع الدافع.
تمييز الدافع عن القصد
تعريف القصد: عبّر المشرع السوري عن القصد بالنية، والنية الجرمية كما عرفتها المادة (187) من قانون العقوبات هي "إرادة ارتكاب الجريمة على ما عرفها القانون"، إذ الإرادة هي التي تعبّر عن اتجاه الفاعل إلى إحداث الفعل المكون للجريمة وتحقيق نتيجته، فهي جوهر القصد الإجرامي. ولكن لكي تنشأ هذه الإرادة ينبغي أن يسبقها العلم بعناصر ذلك الفعل على ما عرفه القانون، لذا فإن القصد الإجرامي يقوم على عنصرين هما: العلم والإرادة. والعلم يتمثل في امتلاك الجاني قدراً كافياً من المعلومات عن العناصر التي تؤلف الجريمة على النحو الذي يحدده القانون. ومن هذه العناصر ما يتعلق بطبيعة الفعل، ومنها ما يتعلق بالنتيجة، ومنها ما يتعلق بالظروف التي تدخل في تشكيل الجريمة. فمن يضع سماً في طعام إنسان ليقتله، يجب أن يكون عالماً بأن المادة التي يضعها في الطعام سم قاتل موجه إلى إنسان حي. ومن يغمد خنجراً في صدر إنسان يجب أن يكون عالماً بأن الفعل سيقود إلى وفاته. ومن أمثلة العلم بالظروف التي تدخل في تشكيل الجريمة علم السوري أنه يرتكب أفعاله العدوانية ضد سورية زمن الحرب، وعلم الراشي بالصفة الوظيفية للشخص الذي يعرض عليه الرشوة، وعلم الفاعل أنه يرتكب فعل الاعتداء على موظف. وينبغي أن تتجه إرادة الجاني في القصد الإجرامي إلى ارتكاب الفعل. ولكن هذا غير كافٍ في الجرائم ذات النتيجة الضارة، إذ يتطلب توافر القصد الإجرامي فيها أن تتجه الإرادة أيضاً إلى إحداث النتيجة. ففي جريمة القتل يجب أن تتجه إرادة الفاعل إلى إطلاق النار وإزهاق روح إنسان حي.
القصد والدافع: يختلف القصد عن الدافع، فهذا الأخير هو نشاط نفسي يتجه إلى إشباع حاجة أو تحقيق رغبة، أما الدافع فهو العامل النفسي الذي يحرك الإرادة لإشباع هذه الحاجة أو إرضاء هذه الرغبة، والدافع هو العلة التي تحمل الفاعل على الفعل أو الغاية القصوى التي يتوخاها، أما القصد الإجرامي فهو العلم بطبيعة الفعل ونتيجته وظروفه، وإرادة تنفيذه وتحقيق نتيجته، بصرف النظر عن أهدافه ودوافعه. لذلك فإن القصد واحد في جميع الجرائم، في الوقت الذي يتعدد فيه الدافع ويتغير من جريمة لأخرى. ففي جريمة القتل يقوم القصد دائماً على العلم بماهية القتل وطبيعة الفعل أو النتيجة التي يؤدي إليها، وإرادة إزهاق روح إنسان حي. أما الدافع فقد يكون الانتقام، أو التمهيد لسرقة، أو التخلص من خصم سياسي، أو الحفاظ على الكرامة والشرف.
٢أثر الدافع على التجريم والعقوبة
الدافع ليس عنصراً من عناصر القصد
موقف التشريعات الوضعية: إن القاعدة العامة في التشريعات الجنائية تقضي بعدم الاعتداد بالدافع، إذ مهما كان الدافع فلا أثر له في مسؤولية الفاعل عن وقوع الجريمة، أي إنه لا يعد عنصراً في التجريم لأن الأساس المعنوي للتجريم هو القصد الإجرامي أو الخطأ الجزائي غير المقصود، فالدافع لا يعتد به كعنصر في الجريمة لأن الجريمة ليست غاية المجرم بل وسيلته في تحقيق غايته، والعبرة بالغرض المباشر الذي يكون واحداً في المساهمة الجنائية ولا يتعدد بتعدد المساهمين فكلهم ينوي مثلاً إزهاق الروح ولو تعدد الدافع لارتكاب الجريمة بتعدد المساهمين وهو السبب أو الغاية البعيدة أو الخلفية الكامنة وراء ارتكابها والتي تختلف من شخص إلى آخر، فقد يكون القتل بدافع الانتقام أو للشفقة أو للشرف أو لتصفية منافس أو للحصول على مكافأة مالية أو لتعجيل الميراث أو الوصية أو لدوافع سياسية أو دينية. فالقاعدة في أغلب التشريعات الوضعية بما فيها القانون السوري أن الدافع لا يعند عنصراً في التجريم ولا أثر له على العقوبة، لأن الأساس المعنوي للتجريم هو القصد الجرمي أو الخطأ، ولأن أساس العقوبة من حيث المبدأ هو خطورة الفعل.
وهكذا فإن الدافع ليس ركن من أركان الجريمة ولا يدخل في تكوينها، وليس عنصراً من عناصر القصد الجرمي، فمتى توافرت أركان الجريمة كان الجاني أهلاً لتحمل المسؤولية الجنائية فلا عبرة بعد ذلك من استحقاق العقوبة للدافع إلى ارتكاب الجريمة، وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية في حكم لها: "لا يشترط لتوافر القصد في هتك العرض أن يكون الجاني مدفوعاً إلى فعلته لعامل الشهوة البهيمية فيصح العقاب ولو كان الدافع هو الانتقام من المجني عليه أو ذويه"، وهذا أيضاً ما أمر به المشرع الأردني بعدم عد الدافع عنصراً من عناصر القصد في المادة 67 من قانون العقوبات الأردني، وكذلك نص المشرع السوري في الفقرة 2 من المادة 191 من قانون العقوبات السوري على أن: "لا يكون الدافع عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون"، واستقرت التشريعات العقابية على أن الدافع لا يدخل في تركيب عناصر الجريمة، فهو مستقل استقلالاً تاماً عنها، وبالتالي لا يؤثر في التجريم من عدمه، ومن المسلم به في الفقه والقضاء هو عدم الاعتداد بالباعث في قيام جرائم الاعتداء على حق الإنسان في التكامل الجسدي، فلا عبرة بنوايا الجاني والتي هي بواعث على ارتكاب الجريمة لا شأن لها بقيام القصد الجرمي ولا تعد عنصراً من عناصره، فمن يمزح مع صديقه ويحرك الكرسي من تحته قبل جلوسه عليه  فيسقط على الأرض ويصاب بجروح يعد مرتكباً لجريمة إيذاء عمدية مسؤول عن النتائج التي تسفر عنها كما لو اقترفها بباعث الانتقام، ولا تأثير لنوع الباعث على الجريمة سواءً كان شريفاً عندما يكون متفقاً مع القيم الاجتماعية السائدة كالإيذاء الواقع بدافع تقويم أخلاق المجني عليه أو دنيئاً أو شريراً عندما يتعارض مع القيم الاجتماعية السائدة كالإيذاء الواقع لدفع المجني عليه على الفحشاء.
موقف الفقه الإسلامي: إن الشريعة الإسلامية فرقت من يوم وجودها بين القصد الجرمي والباعث، أي بين قصد العصيان وبين الدوافع التي دفعت الجاني للعصيان، ولم تجعل الشريعة للباعث على ارتكاب الجريمة أي تأثير على تكوين الجريمة أو على العقوبة المقررة لها، فيستوي لدى الشريعة أن يكون الباعث على الجريمة شريفاً كالانتقام للعرض أو دنيئاً كالاعتداء على سلامة الجسم مقابل أجر، فالباعث على الجريمة ليس له علاقة بتعمد الجاني ارتكاب الجريمة ولا يؤثر في تكوينها. إذا كان من الممكن عملاً ألا يكون للباعث أثر في تكوين الجريمة وأن لا يكون له أثر في عقوبات جرائم الحدود وجرائم القصاص والدية فإن هذا لا يمكن عملاً في عقوبات التعازير، وذلك أن الباعث أياً كان لا يؤثر في طبيعة الفعل المكون للجريمة، إذ أن الشارع ضيق سلطان القاضي في عقوبات الحدود والقصاص إذ لا يستطيع أن يجعل للبواعث أي اعتبار. أما في التعازير فقد ترك الشارع للقاضي من الحرية في اختيار العقوبة وتقديرها ما يمكنه عملاً من أن يحل البواعث في تقدير العقوبة محل الاعتبار، فللباعث أثر من الوجهة العملية على عقوبات التعازير دون غيرها من العقوبات وقصد العصيان أو القصد الجرمي قد يوجد لدى الجاني قبل اقتراف الجريمة كأن ينوي الاعتداء على التكامل الجسدي للمجني عليه ثم ينفذ الاعتداء بعد ذلك بزمن ما، وقد يعاصر القصد الجرمي ارتكاب الجريمة كما هو الحال في المشاجرات أو في الجرائم التي تحدث بغير تدبير سابق، ويستوي في الشريعة الإسلامية أن يكون القصد الجرمي سابقاً للجريمة أو معاصراً لها فالعقوبة في الحالتين واحدة لأن أساس تقدير العقوبة هو القصد المقارن للفعل وقد توفر.
أثر الدافع في التجريم كاستثناء
إن بعض التشريعات العقابية تمنح الدافع أهمية كبيرة، ومثل هذا المنحى اتخذه التشريع السوري والذي يدخل الدافع استثناءً في بعض الجرائم كعنصر في التجريم وذلك حينما لا يكون القصد لوحده مسوغاً كافياً للتجريم، فيأتي الدافع إضافة للقصد ليخلق التسويغ اللازم حيث لا يكون الدافع عنصراً من عناصر التجريم إلا في الأحوال التي عينها القانون، ففكرة الدافع تأتي كاستثناء على القاعدة التي تقول بأن الأساس المعنوي للتجريم هو القصد والخطأ وأساس العقوبة هو خطورة الفعل فلا يعمل بالاستثناء إلا عند ورود نص صريح من المشرع، ومن الجرائم التي أدخل القانون الدافع فيها عنصراً نذكر:
جريمة إغواء امرأة أو فتاة في المادة 510: "يعاقب بالحبس ثلاث سنوات على الأقل وبغرامة لا تنقص عن ثلاثمائة ليرة من أقدم إرضاء لأهواء الغير على إغواء أو اجتذاب امرأة أو فتاة لم تتم الحادية والعشرين من عمرها ولو برضاها"، فهذه الجريمة لا تقوم إلا إذا كان الدافع لها إرضاء أهواء الغير.
جريمة تسهيل إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير في المادة 512: "من اعتاد أن يسهل بقصد الكسب إغواء العامة على ارتكاب الفجور مع الغير يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من ثلاثين إلى ثلاثمائة ليرة"، والدافع في هذه الجريمة الكسب.
جريمة وصف وإذاعة الأساليب التي تؤدي إلى منع الحمل في المادة 523: "من أقدم على وصف أو إذاعة الأساليب الآيلة إلى منع الحمل أو يعرضها أو يذيعها بقصد الدعوة لمنع الحمل عوقب بالحبس من شهر إلى سنة وبالغرامة مائة ليرة".
جريمة محاولة التأثير في اقتراع أحد السوريين المنصوص عليها في المادة 321 من قانون العقوبات، فهذه الجريمة لا تقوم إلا إذا كان الدافع إليها إفساد نتيجة الانتخابات العامة.
المطلب الثالث: أثر الدافع على العقوبة
موقف التشريعات المقارنة: يمكن للقاضي أن يراعي عند تقدير العقوبة بين حديها الأدنى والأعلى نوع الباعث وكذلك في حالة استخدام الظروف المخففة أو عند وقف تنفيذ العقوبة، وقد راعى التشريع الإيطالي نوع الباعث وعده من الظروف المشددة أو المخففة، فقد أعد من بين الظروف المشددة العامة للجرائم أن يكون الباعث على ارتكابها خسيساً أو تافهاً، وقد أعد من الظروف المخففة العامة أن تكون البواعث على ارتكاب الجرائم ذات قيمة معنوية أو اجتماعية خاصة، ولا يجعل القانون المصري للبواعث تنظيماً خاصاً كظروف مشددة أو مخففة كما فعل القانون الإيطالي، ولكنه ترك للقضاء تقدير أهمية البواعث عند تقدير العقوبة، والمبدأ المستقر في القانون المصري أن الباعث والغاية لا يحسبان من عناصر القصد الجرمي، وإن كانا نبيلين فهما لا ينفيانه، ولكن للباعث دوراً أساسياً في توجيه القاضي حين يستعمل سلطته التقديرية في تحديد العقاب لأنه يكشف مقدار الخطورة التي تنطوي عليها شخصية الجاني، فمن يدفعه إلى جريمته باعث نبيل هو من دون شك أقل خطراً على المجتمع ممن يدفعه إلى الجريمة نفسها باعث سيء، ومن ثم كان الباعث النبيل حاملاً القاضي على الهبوط بالعقاب في حدود سلطته التقديرية وكان الباعث السيئ حافزاً له على تشديد العقاب في الحدود نفسها. لم تخرج التشريعات العربية الأخرى عن القواعد المبينة آنفاً فهي لم تعتد بالباعث في توافر القصد الجرمي إلا حينما ينص القانون على ذلك صراحةً سواءً في هذا ترك الأمر للقاعدة العامة المتعلقة بحق القاضي في تقدير العقوبة المناسبة أو ذكرت صراحة أثر مختلف للبواعث في العقاب.
موقف القانون السوري: يكون الدافع في بعض الحالات سبباً لتخفيف العقوبة، ولا يحق للقاضي الاعتداد بالدافع إلا إذا نص القانون صراحة على ذلك، وقد ذكر المشرع دافعين لتخفيف العقوبة وهما:
الدافع الشريف: نصت المادة 192 على الدافع الشريف وجعلت منه سبباً لتخفيف العقوبة، بحيث لا يحكم القاضي في الجرائم التي يكون الدافع إليها شريفاً بالاعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام أو بالاعتقال المؤبد أو لخمسة عشرة سنة بدلاً من الأشغال الشاقة المؤبدة، وبالاعتقال المؤقت بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة، وبالحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل، وللقاضي أن يعفي المحكوم عليه من لصق ونشر الحكم.
الدافع السياسي: نصت الفقرة الأولى من المادة 195 من قانون العقوبات على أن: "الجرائم السياسية هي الجرائم المقصودة التي أقدم عليها الفاعل بدافع سياسي"، ثم أصافت المادة 197 أنه إذا تحقق القاضي من الطابع السياسي للجريمة أي وجود دوافع سياسية قضى بالاعتقال المؤبد بدلاً من الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو الاعتقال المؤقت أو الإبعاد أو الإقامة الجبرية الجنائية أو التجريد المدني بدلاً من الأشغال الشاقة المؤقتة، أو الحبس البسيط أو الإقامة الجبرية بدلاً من الحبس مع التشغيل.
كما يكون للدافع دور في تشديد العقوبة، وإن دوافع تشديد العقوبة في القانون السوري كثيرة، وفي القسم العام يوجد ثلاثة دوافع لتشديد العقوبة هما:
الدافع الدنيء: نص المشرع السوري في القسم العام من قانون العقوبات على حالتين للدافع الدنيء لتشديد العقوبة هما: رفع الصفة السياسية عن الجريمة: قلنا إن الجرائم السياسية هي التي تقوم على أساس الدافع السياسي الذي يستوجب تخفيف العقوبة، إلا أن المشرع السوري في المادة 195 نص على أن: "الجرائم الواقعة على الحقوق السياسية العامة والفردية ما لم يكن الفاعل قد انفاد لدافع أناني دنيء". واستبعاد التخفيف عن الجريمة السياسية: وهي الحالة المنصوص عليها في المادة 198 من قانون العقوبات، حيث إذا تحقق القاضي أن الجريمة السياسية مرتكبة بدافع دنيء حكم بالأشغال الشاقة المؤبدة بدلاً من الاعتقال المؤبد، وبالأشغال الشاقة المؤقتة بدلاً من الاعتقال المؤقت أو الإبعاد أو الإقامة الجبرية الجنائية أو التجريد المدني، وبالحبس مع التشغيل بدلاً من الحبس البسيط أو الإقامة الجبرية.
الدافع الشائن: لم يرد في التشريع السوري ولا في أحكام القضاء تعريف للدافع الشائن، لكن من الفقهاء من عرفه بأنه "الذي ينطوي على أنانية مفرطة، ويؤدي إلى تحقير صاحبه في مجتمعه ويصمه بالدناءة والخسة"، أو يراد به أن يكون الباعث الذي حمل المجرم على جريمته هو إدراك غاية تعتبر، في عرف القيم والمعايير الاجتماعية السائدة، غاية دنيئة، بحيث يكون السعي إليها محقراً صاحبه وواصماً إياه بالانعزال عن المجتمع، ومن أمثلته إحداث عاهة دائمة في شخص لاستغلاله في التسول، ونقل الطبيب جراثيم مرض إلى شخص بغية حمله على استمرار التردد عليه ليزيد من دخله. واستخلاص الدافع الشائن متروك لتقدير محكمة الموضوع تستظهره من خلال القيم والمبادئ والأعراف الأخلاقية والاجتماعية السائدة في البيئة التي يعيش فيها الشخص. ومن ثم إذا تبين أن الجريمة المعاقب عليها بالاعتقال المؤبد أو المؤقت أو بالحبس البسيط قد أوحى بها دافع شائن أبدل القاضي الاعتقال المؤبد بالأشغال الشاقة المؤبدة، والاعتقال المؤقت إلى الأشغال الشاقة المؤقتة، والحبس البسيط بالحبس مع التشغيل (المادة 193 من قانون العقوبات).
دافع الكسب: تضمنت (المادة 194 من قانون العقوبات السوري) أحكام هذا السبب في تشديد العقوبة، إذ توجب على القاضي أن يتحرى الدافع الذي حرك الفاعل إلى ارتكاب جريمته، فإذا تبين له أن هذا الدافع هو الكسب، أي الحصول على منفعة مادية، ولم تكن الجريمة معاقباً عليها بالغرامة، تعين على القاضي، عندئذ، أن يحكم بالغرامة، إلى جانب العقوبة المقررة قانوناً للجريمة.
الرأي الشخصي: إن استظهار الدافع يؤدي إلى الكشف عن مغزى الأفعال الإجرامية، ويساعد في تحديد طبيعة أحداث الجريمة، فمن البديهي ان الجريمة ترتكب بعد أن يتشكل الدافع إليها من خلال وعي الفعل المرتكب وتوقع النتيجة، لذلك يمكن القول أن الجرائم العمدية كافة ترتكب بناءً على دوافع ما، وفي القوت نفسه يعد الدافع إحدى السمات الواصفة لشخصية المتهم، والمحددة لمدى خطورته، إذ أن الدافع للجريمة بوصفه محفزاً داخلياً لارتكاب فعل محدد يكون نابعاً من مختلف العوامل الداخلي والخارجية، والتي يكون الإنسان طرفها ويمكن أن يطلق عليها تسمية العوامل المكونة للدوافع، ومن ضمنها الحاجات والمصالح والمواقف التقييمية للجاني وصراع المواقف، وغيرها من الظروف المادية والمعنوية التي تؤدي دورها في تحديد دوافع السلوك الإجرامي، وقد قسم الفقيه جوبنسكي دوافع الأفعال البشرية إلى ثلاثة مجموعات، والمجموعة الأولى تضم الدوافع الاجتماعية الخطرة على المجتمع) أو الدنيئة الواطئة وهي تضم:
الدوافع المعادية للدولة.
الدوافع الشخصية.
الدوافع الدينية والعقائدية.
وهذه الدوافع تتصف بطبيعتها الجنائية إذ يمكن أن تؤخذ بعين الاعتبار عند تحديد المسؤولية الجنائية والعقوبة، أما المجموعة الثانية فتضم الدوافع الحيادية اجتماعياً ومنها مشاعر الاستياء ارتباطاً بالاتجاه السلوكي الخطأ للمجني عليه أو الأشخاص الآخرين، وكذلك مشاعر الخجل والإغواء وهذه الدوافع لا تؤثر بالبت في القضايا المتعلقة بالمسؤولية الجنائية والعقوبة، أما المجموعة الثالثة فهي الدوافع المفيدة اجتماعياً لذلك يمكن أن تؤخذ بنظر الاعتبار بوصفها أسباب تخفيف للعقوبة.



#أبو_جاد_قسوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حق الحل في النظام البرلماني: دراسة تحليلية مقارنة
- الظروف الاستثنائية في الدستور السوري والفرنسي


المزيد.....




- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
- تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - أبو جاد قسوم - الدافع على الجريمة في القانون السوري وتمييزه عن القصد: دراسة فقهية قانونية تحليلية مقارنة