تعالْ ع الخاص!

سعد تركي

الحوار المتمدن-العدد: 8126 - 2024 / 10 / 10 - 23:53
المحور: الفساد الإداري والمالي
    

يُثلج القلب الانتشار الواسع لمجمّعات وأبراج سكنيَّة تنمو بكثافة في بغداد والمحافظات. ولوهلة تظنّ أنَّ حلمك- المؤجَّل منذ سنوات- في سكنٍ صار قريب التحقّق، وليس عليكَ سوى اختيار الأنسب، فالأنسب من بين عروض تقدِّمها صبايا فاتنات يُغرينك بفرص استثماريَّة نادرة ورائعة، في حين ليستْ بكَ حاجة للإغراء، فأنت تخطط للخلاص من إيجار كسر ظهرك وأثقل دخلك الشحيح.
يصدمك حين تختار، متوكّلاً على الله، مجمّعاً أو برجاً سكنياً تتوفر فيه غاية أحلامك بسكن لائق محاط بمساحات خضراء وخدمات متكاملة، يصدمك أنك مرغم على الدخول بسلسلة من الآليات المعقدة، لتصل في النهاية إلى سعر باهظ للوحدة السكنيَّة وآليَّة تسديد لا يقوى عليها إلا المحظوظون ذوو الدخول العالية من طبقة كبار التجّار والموظفين.. تكتشف أنَّ الوحدة السكنيَّة، التي أنشئتْ على أرض منحتها الدولة لمستثمر وبُنيت بقروض ميسَّرة وتسهيلات حكوميَّة، مخصَّصة للأثرياء فقط، بالرغم من أنَّ الهدف هو القضاء على أزمة سكن تعاني منها أغلبيَّة من ذوي دخل محدود ومتوسّط.
هذه المجمّعات والأبراج تأخذك في متاهة قبل أنْ تصدمك بأثمان وحداتها السكنيَّة، فلا تعلن عن أسعارها إلّا بعد أنْ تأمرك بالدخول إلى "الخاص". وفي الخاص عليك أنْ تستنبط معنى أنْ تدفع (30 %) من قيمة السعر الإجمالي دفعة أولى، و(40 %) من السعر الإجمالي عند التسليم وهكذا من دون أنْ يُنبئك أبداً بسرِّ السعر الإجمالي الخطير، فتشعر أنَّ سعر الوحدة واحد من أسرار الدولة قد يؤدّي الكشف عنه إلى خروق أمنيَّة تهدِّد الأمَّة واستقرارها ووحدتها!
بدأت المحال التجاريَّة، منذ ثمانينيات القرن الماضي، بإخفاء أسعار سلعها عن المتبضِّع إلّا عند السؤال، فاستحوذت "فراسة" البائع في تحديد السعر المجهول، فإنْ كان المتبضِّع "غشيماً"، سيبيعه السلعة نفسها بسعر أعلى مما لو كان "شاطراً".. ممارسات المحال التجاريَّة هيِّنة قياساً لسلعة أثمانها باهظة جداً مثل الوحدة السكنيَّة، فإذا غابت المعرفة يمكن أنْ يتعرَّض المستهلك للجشع والتضليل والخداع.
على الرغم من أنَّ قانون حماية المستهلك رقم (1) لسنة (2010)، وضع من بين أهدافه "ضمان حقوق المستهلك الأساسيَّة وحمايتها من الممارسات غير المشروعة التي تؤدّي إلى الإضرار به"، إلّا أنه لم يُشِرْ صراحة في أيٍّ من فقراته إلى إلزام المجهّز والمعلن بالإعلان عن سلعه أو خدماته، فلو أنَّ القانون أعلاه عدَّ عدم الإعلان عن أسعار السلع والخدمات "جريمة" لضُبطت الأسعار وتوحَّدت، وانتفت الحاجة نهائياً إلى الدخول على متاهة "الخاص".

#سعد_تركي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات