|
حق الحل في النظام البرلماني: دراسة تحليلية مقارنة
أبو جاد قسوم
الحوار المتمدن-العدد: 8126 - 2024 / 10 / 10 - 11:11
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
مقدمة كان لأفكار مونتسكيو المتعلقة بفصل السلطات صدىً كبيراً وأثراً بالغاً أدى لنشوء خلاف بين الفقهاء حول حقيقة هذا المبدأ ومدلوله الصحيح، فالبعض يرى أنه يعني الفصل الجامد، في حين ترى الغالبية العظمى أن المقصود به هو الفصل المرن بين السلطات أي الفصل مع التعاون وتبادل الرقابة فيما بينهما، وعلى أساس هذا الاختلاف ميز الفقه التقليدي بين عدة صور للأنظمة السياسية كتلك القائمة على الاندماج بين السلطات (النظام المجلسي)، وتلك القائمة على الفصل الجامد بين السلطات (النظم الرئاسي)، وبين الصورتين السابقتين نجد نظاماً قائماً على نوع من التعاون بين هذه السلطات في إطار الفصل بينها (النظام البرلماني)، وهذا الأخير هو الأكثر انتشاراً في النظم الدستورية المقارنة، وإن أهم ما يميزه ليس وجود البرلمان فقط بل آلية تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات فصلاً مرناً بحيث يجعل كل سلطة مستقلة عن الأخرى من جهة مع إيجاد سبل للتعاون والرقابة المتبادلة من جهة أخرى، فطبيعة النظام البرلماني تفرض أن تكون العلاقة مبنية على أسس من الندية والتوزان، وعليه يعتبر النظام البرلماني نموذجاً لتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات مع ضمان عدم استبداد كل سلطة بصلاحياتها، والفقهاء في إطار تعريفهم للنظام البرلماني ركزوا على العناصر المشكلة له وعلى أسسه وخصائصه دون التوصل لتعريف جامع ومانع متفق عليه، وعليه يمكن استخلاص أهم العناصر المتفق عليها حتى يوصف نظام بأنه برلماني وهي: ثنائية السلطة التنفيذية: وتتمثل بوجود رئيس (أو ملك) غير مسؤول إلى جانب حكومة تحوز السلطة الفعلية في إدارة البلاد وسياستها وتكون مسؤولة أمام البرلمان. وجود تعاون ورقابة متبادلة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية: ولتحقيق ذلك فإن النظام البرلماني يقر بحق لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية، فيمنح البرلمان حق سحب الثقة من الحكومة وإسقاطها بمحاسبتها سياسياً أمامه، وفي المقابل يقر بحق الحكومة في حل البرلمان وإجراء انتخابات برلمانية جديدة، وبالتالي منح السلطتين حقين متساويين في القوة والشدة ومتعاكسين في الاتجاه مما يعني التوزان نظرياً، ولكن أي إساءة لاستخدام أحد الحقين يؤثر دون شك سلباً على استقرار نظام الحكم كما يؤثر على الممارسة السياسية والديموقراطية في البلاد. يعد حق السلطة التنفيذية في حل البرلمان أحد المعالم البارزة للنظام البرلماني، وقد نظمت مختلف الدساتير المقارنة الجوانب القانونية لحق حل البرلمان، ونظراً لخطورته فقد أحاطته بمجموعة من الضمانات بغية منع التعسف في استخدام هذا الحق، وقد اختلفت طريقة التنظيم والنص على الضمانات من دستور لآخر، ولكن القاسم المشترك في كل ذلك هو الرغبة في تحقيق التوزان بين السلطتين، حيث يعتبر حق الحل من الأسلحة الضرورية في يد السلطة التنفيذية لحفظ التوزان بين السلطات الممنوحة للبرلمان ونظيرتها الممنوحة للسلطة التنفيذية في الدول ذات النظام البرلماني، فهو ضرورة دستورية لها مبرراتها وأسببها القانونية ومنها ما هو وراد في النصوص الدستورية ومنها ما أوجدته الظروف العملية للحياة السياسية خاصة في ظل استحالة التعايش بين السلطة التنفيذية والتشريعية مما يستدعي حل البرلمان والاحتكام للشعب؛ مصدر كل السلطات؛ بانتخابات برلمانية جديدة ليقرر أي السلطتين على صواب. مشكلة البحث في إطار العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية يمكن أن يطرأ خلاف ونزاع بينهما قد يؤدي إلى حل البرلمان، وأمام ما نلاحظه من تباين بين الدساتير في كيفية اعتمادها على حل البرلمان لتحقيق التوزان داخل النظام السياسي نجد أنفسنا أمام إشكالية جوهرها كيفية التوفيق بين ضرورة وجود حق الحل في النظام البرلماني الذي يعتبر أحد أهم معالمه من جهة، ومن جهة أخرى كيفية استخدام هذا الحق بطريقة تحقق التوزان الفعلي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وهذا البحث جاء للإجابة عن إشكالية مفادها: كيف ضبطت الدساتير مكنة حق حل البرلمان كوسيلة للوصول إلى تحقيق التوزان والاستقرار المنشود في ظل النظام البرلماني؟ ويتفرع عن هذه الإشكالية مجموعة من الأسئلة الفرعية تتمثل فيما يلي: ما هو تعريف حق الحل وكيف نشأ وما هي الحجج التي يسوقها المؤدون والمعارضون لهذا الحق؟ من هي الجهة المختصة بحل البرلمان وبالتالي ما هي أنواع الحل؟ ما هي ضمانات عدم التعسف في استخدام هذا الحق؟ ما هي مبررات حق الحل وما هي آثاره؟ أهداف البحث يهدف هذا البحث لتسليط الضوء على أحد أهم الآليات الدستورية التي تمتلكها السلطة التنفيذية للتأثير في السلطة التشريعية وهو حق حل البرلمان، مما يستدعي بحث مفهوم هذا الحق وتعريفه ونشأته التاريخية، وتبيان الآراء الفقهية المؤيدة والمنكرة لهذا الحق، إضافة لتبيان أنواع الحل المختلفة، كما يهدف البحث أيضاً لدراسة مبررات حل البرلمان والضمانات التي وضعتها الدساتير المقارنة لتفادي تعسف السلطة التنفيذية في ممارستها لهذا الحق وضمان تحقيق التوازن بين السلطتين، إضافة لدراسة آثار حل البرلمان على السلطة التشريعية. أهمية البحث يقول أنطوان سعد: "إن العلاقة بين حق الحل والنظام البرلماني ليست تاريخية بل هي منطقية"، بمعنى أنه لا وجود لنظام برلماني دون وجود حق الحل، وبالتالي للموضوع أهمية كبيرة باعتباره أداة لتحقيق التوزان بين السلطتين التنفيذية والتشريعية إذا استخدم في إطاره الدستوري، إلا أنه قد يكون وسيلة لتفوق الحكومة على البرلمان تستعمله لأجل غايات وأهداف سياسية ضيقة مما يؤثر على تناسق عمل سلطات الدولة وتفاعلها فيما بينها، فيصبح وسيلة اختلال بدل أن يكون وسيلة توازن مما يستدعي دراسته بعمق، خاصة أن العديد من الممارسات العملية لحق الحل جعلت من حل البرلمان عقاباً مسلطاً على السلطة التشريعية يتهددها في كل وقت وحين ويمنع هذه الأخيرة من استخدام حقها الدستوري في مساءلة الوزارة سياسياً وسحب الثقة عنها، حيث نجد كماً هائلاً من حالات الحل في بريطانيا مهد النظام البرلماني وكذلك في الكويت وفي أغلب الدول ويقابلها عدد ضئيل من حالات اسقاط الحكومة برلمانياً. كما أن للبحث أهمية تنبع من موضوعه باعتباره من أهم الآليات الدستورية المؤثرة على بنية النظام الدستوري وعمل النظام السياسي، حيث أن لحق الحل بعد سياسي مهم، مما يجعل مسألة حق حل البرلمان عموماً من الموضوعات الدستورية التي تشكل مركز اهتمام الرأي العام وأهل الاختصاص في جميع الدول. منهج البحث للإجابة عن الإشكالية الرئيسية للبحث والأسئلة المتفرعة عنها وتحقيق أهداف البحث قمنا باتباع المنهج التحليلي والذي سيظهر دوره في تحليل طبيعة حق الحل ومختلف تطبيقاته، والدور الذي يؤديه وآثاره من خلال تحليل النصوص الدستورية والفقهية في ذلك ودراسة مختلف الأدبيات والمراجع المعنية بموضوع البحث، كما نستعين أيضاً بالمنهج الوصفي باعتباره منهجاً مساعداً انطلاقاً من النصوص الدستورية وصولاً لوصف أحداث تطبيقية لحل البرلمان، كما لم نهمل جانب المقارنة بين دساتير مختلفة قصد تبيان مختلف وجهات النظر الدستورية في ترجيح الكفة لصالح السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية وذلك تبعاً للضمانات التي تحددها هذه الدساتير للحد من التعسف في استخدام السلطة التنفيذية لحق الحل. المبحث الأول: ماهية حق حل البرلمان لا يمكن دراسة حق الحل دون التطرق لتعريفه ونشأته والآراء الفقهية المؤيدة والمعارضة له إضافة لأنواعه، وهو ما سنتناوله فيما يلي: المطلب الأول: تعريف حق الحل إن حل البرلمان في القانون الدستوري هو العمل الذي بموجبه تضع السلطة التنفيذية (الوزير الأول البريطاني، المستشار الألماني، رئيس الجمهورية الفرنسي) نهاية لولاية الجمعية النيابية قبل أجلها الطبيعي مما يؤدي لانتخابات مسبقة. في الواقع؛ تعددت آراء فقهاء القانون الدستوري في تعريف حق الحل، خاصة أن المشرع الدستوري بصفة عامة أحجم عن وضع تعريف لهذا الحق في صلب الدستور، فعرفه الأستاذ السيد صبري بقوله: "حق يبيح للسلطة التنفيذية تقصير المجلس التشريعي وإنهائه قبل انتهاء مدة وكالة أعضائه"، كما عرفه الأستاذ عثمان خليل عثمان بقوله: "إنهاء نيابة المجلس النيابي قبل الأجل المقرر له"، وهو يتطابق مع تعريف الباحث هشام الأقداحي في قوله: "هو حق الهيئة التنفيذية في إنهاء نيابة المجلس النيابي قبل المدة المقررة له"، ونلاحظ من هذه التعاريف أن السلطة التنفيذية هي العنصر الفعال والوحيد في ممارسة هذا الحق، مما يجعل تلك التعاريف تستخدم المفهوم الضيق لحل البرلمان متمثلاً في الجهة صاحبة الحق وهي السلطة التنفيذية، إلا أن بعض الفقهاء استخدموا المعنى الواسع لحل البرلمان والذي يتضمن حالات أخرى من الحل يغيب فيها دور السلطة التنفيذية حيث يكون الحل تطبيقاً حرفياً لما هو منصوص عليه في الدستور مثل الحل التلقائي والإجباري لذلك عرف الأستاذ سليمان الطماوي حل البرلمان بأنه: "إنهاء نيابة المجلس النيابي إذا كان البرلمان مشكلاً من مجلس واحد أو أحد المجلسين إذا قام على أساس ازدواج المجلس قبل الميعاد المحدد دستورياً، وقد تقرر في النظام البرلماني لتمكين الحكومة من الرجوع إلى الناخبين في حالات متعددة"، ومن خلال التعاريف السابقة يمكننا صياغة تعريف خاص بنا لحق الحل على أنه تصرف قانوني (مصدره الدستور) تلجأ إليه السلطة التنفيذية في مواجهة هيئة نيابية (البرلمان) تفعيلاً للتوازن في ظل مبدأ الفصل المرن بين السلطات الذي يميز النظام البرلماني وهذا لدوافع ومبررات قد ينص عليها الدستور صراحة أو يفرضها واقع عمل السلطات العامة في الدولة، وبموجب إعمال هذا الحق تنتهي عهدة المجلس النيابي قبل انتهاء المدة القانونية المحددة لها. وتجدر الإشارة أن حق الحل باعتباره أهم ميزة في النظام البرلماني الذي يقوم على مبدأ سيادة الأمة فهو تجسيد لتطبيق هذا المبدأ والاحتكام إلى الشعب في الأمور الهامة التي ترتبط مباشرة بمستقبل الدولة مما يجعل القرار الأخير في يد الشعب عن طريق جمهور الناخبين، فهو وإن كان سلاحاً في يد السلطة التنفيذية إلا أنه ليس سلاحاً هجومياً بل هو وسيلة رقابية الغرض منها تقويم السياسة العامة في البلاد وتوجيهها بما يتوافق مع طموحات الشعب باعتباره مصدر كل السلطات، وبالنتيجة فإن حق الحل يقوم على تكريس التوزان بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وتكريس مبدأ سيادة الشعب فهو المرجعية التي يحتكم إليها كلما ثار خلاف بينهما، وهكذا فهو عامل قيم لتوازن السلطات التي ينشدها النظام البرلماني. المطلب الثاني: نشأة حق الحل ارتبط حق الحل بالنظام البرلماني، بل يعتبر أهم ميزة له، حيث تلازمت نشأته مع التطور التاريخي للنظام الدستوري الإنكليزي وتشكل البرلمان واستقلاليته كهيئة فاعلة توزاي السلطة التنفيذية التي تحوزها الحكومة مدعومة من طرف الملك، ففي البداية كان حل البرلمان رخصة بيد الملك يستعملها متى شاء في مواجهة البرلمان، ولكن مع ثورة 1688 (Glorious Revelation) بدأت تظهر ملامح نظام جديد ومرحلة جديدة في تاريخ الحكم البريطاني وهي مرحلة الملكية الدستورية كانت خاتمتها ظهور النظام البرلماني ذاته، ففي عام 1783 كلف الملك جورج الثالث السيد Wiliam Pitt لتولي الوزارة وكانت الأغلبية البرلمانية تعارض ذلك، ونشأ خلاف كاد أن يودي بالسوابق الدستورية التي أنشأها النظام البرلماني البريطاني، فأقدم الملك على حل مجلس العموم، وأجريت انتخابات برلمانية جديدة كانت نتيجتها نصراً كبيراً للحكومة، وقد أفادت هذه الأزمة تقرير قاعدة جديدة أنه عند حدوث خلاف بين الحكومة والبرلمان فإن الحكومة تستطيع بدلاً من تقديم استقالتها أن تلجأ إلى حل البرلمان والاحتكام لهيئة الناخبين للتعرف على رأي الأمة بصدد هذا الخلاف، وفي القرن التاسع عشر وتحديداً في عام 1834 تم سحب الثقة من الوزارة فتصدى الملك لمجلس العموم بقرار الحل فجاءت الانتخابات لأول مرة غير مؤيدة للملك، وهكذا اكتملت دعائم النظام البرلماني الحديث التي يقوم عليها والتي تمثلت في نشأة الوزارة البرلمانية وتقرير المسؤولية السياسية للوزارة أمام البرلمان وتقرير حق الوزارة في حل البرلمان، وامتد حق الحل من موطنه التقليدي في إنجلترا إلى بعض النظم الدستورية كالنظام البلجيكي الذي احتضن دستوره لعام 1831 حق الحل بعد مناقشات دارت في الكونغرس الوطني البلجيكي للأخذ به كوسيلة لحل النزاعات التي يمكن أن تنشب بين السلطات الدستورية، وكذلك دساتير كل من اليونان لعام 1844 وهولندا لعام 1848 ولوكسمبورغ لعام 1868. وهكذا يمكن القول أن حق الحل أصبح منذ القرن 19 نظاماً له كيان خاص وأضحى ركيزة من ركائز النظام البرلماني ليكون مقابلاً للمسؤولية الوزارية حتى يتحقق التوزان بين السلطات، كما أصبح الخلاف بين الوزارة والبرلمان المبرر الغالب لإعمال هذا الحق. المطلب الثالث: الموقف الفقهي من حق الحل يؤكد الواقع أن حق الحل هو المقابل الطبيعي لإعمال مسؤولية الوزارة أمام البرلمان وسحب الثقة عنها، وبتقرير هذا الحق يتحقق إلى حد كبير التوزان المنشود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ورغم مرور وقت طويل على ظهور هذا الحق وتواتر تطبيقه في العديد من الدول التي تأخذ بالنظام البرلماني أو النظم القريبة منه إلا أن هنالك آراء فقهية تعارضه، مما يستدعي استعراض الرأي المنكر والمؤيد لحق الحل والحجج التي ساقها كل منهما. الفرع الأول: الرأي المعارض لإعمال حق الحل ذهب البعض إلى التشكيك بشرعية حل المجلس النيابي في جميع النظم النيابية بما فيها النظام البرلماني وذلك استناداً للحجج التالية: إن حق الحل مخالف للديموقراطية مهما كانت الجهة التي استخدمته على الرغم من أنه يقترن بالدعوة لانتخابات مبكرة فقد تكون نتائج الانتخابات ضد الجهة التي اتخذت قراراً بالحل مما يعني أن المسألة متعلقة بانقلاب على مجلس منتخب ديموقراطياً، وقد برز تيار قوي في فرنسا منذ القرن 19 مناهض لحق حل المجلس معتبراً إياه وسيلة حكومية ورئاسية للانقلاب على الديموقراطية. إن حق الحل يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات، حيث يقوي مرز السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية، خاصة إذا أبدت هذه الأخيرة رغبة في سحب الثقة من الحكومة مما يجعل مركز الضغط يتحول ضد البرلمان وليس ضد الحكومة، مما يجعل النواب يقعون تحت ضغط التفكير بالعودة إلى دوائرهم الانتخابية وخوض طريق شاق وطويل في الحملة الانتخابية والانتخابات مع بذل كبير للأموال مقابل نتيجة غير مضمونة لصالحه وهذا قد يدفع النائب إلى مسالمة الحكومة على حساب الصالح العام. إن حق الحل يتعارض مع مبدأ سيادة الأمة، لأن الشعب اختار أعضاء المجلس النيابي لعهدة برلمانية معلومة المدة مسبقاً ووفق دستور وافق عليه الشعب، فكيف لشخص واحد (رئيس الدولة أو الملك) أو لحكومة أن تقوم التقرير مكان الشعب وتقليص المدة النيابية، خاصة أن المساءلة عادة ما تكون بنهايتها كاملة ويتولاها الشعب بنفسه من خلال تصويته بالانتخابات الجديدة في الفترات المعتادة. إن حق الحل يتعارض مع النظام البرلماني الذي تقتصر مهمة الشعب فيه على انتخاب نواب يمارسون السلطة بدلاً عنه باعتباره غير كفؤ لإعلان إرادته مباشرة، فكيف يمكن اللجوء للشعب لمعرفة رأيه واستشارته. من سمات النظام البرلماني أن يقوم البرلمان باختيار رئيس الدولة، وهو بذلك موكل من النواب لإدارة شؤون البلاد، فإذا كان من حق الرئيس حل المجلس فمعنى ذلك أن يقوم الوكيل بعزل الموكل، وهو يتعارض مع أبسط قواعد الوكالة القانونية. الفرع الثاني: الرأي المؤيد لإعمال حق الحل يؤكد أنصار هذا الرأي على أهمية حق حل البرلمان في النظام البرلماني لتحقيق التوازن بين السطات واستدلوا على ذلك بالحجج التالية: إن حق الحل له فوائد واضحة لا يمكن إنكارها لأن رئيس الدولة لا يلجأ إلى الحل إلا إذا كانت مصلحة البلاد تقتضي ذلك أو إذا خرجت السلطة عن الحدود التي أجازها الدستور. من الصعب تصور حدوث إساءة لاستعمال هذا الحق لأن رئيس الدولة وفقاً لأدبيات النظام البرلماني هو الحكم بين السلطات وهدفه الحفاظ على ديمومة وسلامة عملها والتوزان في الصلاحيات، وإذا استعمل رئيس الدولة هذا الحق فإنما استعمله كحم لا بوصفه خصماً وصاحب سياسة شخصية يريد فرضها. إن البرلمان في الحقيقة ليس صاحب السيادة الحقيقي، بل هو نائب لصاحبها الحقيقي الذي هو الأمة، وذا فإن حق الحل تدعيم لسيادة الأمة للتأكد من توافق تصرفات النائب مع رغبات الأصيل وميوله، فيكون هذا الحل تدعيماً لسيادة الأمة، كما لا يمكن التذرع بمدة العهدة البرلمانية أمام تجاوز النواب لحدود الوكالة. بما أن الشعب هو الفصل بين السلطات في حالة النزاع ولجوء السلطة التنفيذية إلى حل البرلمان، وبالتالي فممارسة هذا الحق يوجد علاقة مباشرة بين الشعب وممثليه يمكنه من مباشرة الحكم، وهو صاحب السيادة الحقيقي للتأكد من توافق تصرفات نوابه مع رغباته وميوله، وعليه فحق الحل يجعل الكلمة الأخيرة والنهائية للشعب في توجيه سيادة الدولة فيما يقع من خلافات بين سلطاتها، وقد رأى بعض الفقهاء ومنهم Philippe Ardant أن التحفظ التقليدي في فرنسا على حل المجلس النيابي هو غير عقلاني إلى حد بعيد، لأن إعمال حق الحل يؤكد على أن الشعب هو السيد ومصدر كل السلطات. في الواقع، لا شك في وجاهة الاعتراض القائل بأن حق الحل يؤدي إلى تقوية مركز السلطة التنفيذية في مواجهة السلطة التشريعية، إلا أنه يمكن تخفيف ذلك بوضع قيود على استعماله بحيث لا يضطر البرلمان للخضوع للحكومة دائماً كلما هددته بالحل، لذلك ظهر اتجاه فقهي أيده الفقيه أندريه هوربر يقوم على تحديد الحالات التي يجوز فيها للسلطة التنفيذية حل البرلمان ومن هذه الحالات: في حالة وجود خلاف خطير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يعرقل سيرورة مصالح الدولة مع تشبث كل طرف برأيه، وفشل كل محاولات حل الخلاف، ففي هذه الحالة يكون خيار حل البرلمان هو المناسب لإرجاع الكلمة للشعب للفصل في جوهر الخلاف عن طريق نتائج الانتخابات البرلمانية الجديدة. في حالة اختلاف وجهات النظر بين الشعب والمجلس النيابي، بحيث يصبح المجلس لا يمثل توجهات الشعب وتطلعاته فعندها يتوجب على رئيس البلاد اتخاذ قرار بحل البرلمان. في كل المسائل التي تمس المصالح العليا للبلاد كعقد المعاهدات والأحلاف، مثل حالة عدم موافق البرلمان على الدخول في معاهدة تمس مصالح البلاد فهنا على رئيس الدولة مراعاة هذه المصالح العليا وأن يعمل على حل البرلمان الذي أصبح عائقاً أمام تحقيق تلك المصلحة. المطلب الرابع: أنواع الحل قد يتم حل البرلمان بناءً على الرغبة الخالصة لرئيس الدولة ويسمى بالحل الرئاسي، كما يمكن أن يقع بناءً على طلب الوزارة ويسمى بالحل الوزاري، على أن يكون في الحالتين بمرسوم يوقع عليه رئيس الدولة. الفرع الأول: الحل الرئاسي تقرر هذا الحق في النظام البرلماني كوسيلة لدفاع رئيس الدولة؛ سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية؛ عن آرائه التي يعتقد أن الشعب يؤيدها فيها، وفي هذه الحالة يتم حل النزاع بين رئيس الدولة والبرلمان رغم تأييد الوزارة له، على اعتبار أن الأعراف الدستورية عادة ما تفرض تعيين الوزارة من الأغلبية البرلمانية ضماناً لسلاسة وتنسيق عمل مؤسسات الدولة وسلطاتها، وإذا لجأ رئيس الدولة إلى حل البرلمان المؤيد من قبل الوزارة التي تتمتع بالأغلبية، فإنه يتعين عليه أن يقوم بتشكيل حكومة تؤيد وجهة نظره في حل المجلس، وعليه قد يضطر إلى إقالة الحكومة أولاً إذا وجد ضالته في حكومة ثانية تحقق طموحه في ذلك، ويهدف رئيس الدولة من وراء الحل إلى الوقوف على رأي الشعب حيال تصرفه من خلال انتخابات جديدة خصيصاً لهذا الغرض، فإذا ما أسفرت هذه الانتخابات عن أغلبية برلمانية جديدة تجرى خصيصاً لهذا الغرض، فإذا ما أسفرت هذه الانتخابات عن أغلبية برلمانية تؤيد موقف رئيس الدولة في الحل فإنه لا توجد مشكلة في تلك الحالة، وأن تصرف رئيس الدولة كان سليماً وأن الانتخابات أكدت صحة تقديره لاتجاهات الرأي العام إزاء سياسة البلاد مما يشكل تعزيزاً لمكانته، أما إذا أسفرت تلك عن أغلبية برلمانية في جانب الوزارة المقالة، مما يعني رفضاً من قبل الشعب لتصرف الرئيس بحل البرلمان، وهذا يجعل التساؤل يثور حول وضع رئيس الدولة وموقفه الذي أصبح في غاية الحرج السياسي، إذ يجب وفقاً للقواعد التي يقوم عليها النظام البرلماني أن يقيل الوزارة التي قبلت مع الرئيس توقيع الحل والذي رفضه الشعب، وأن يعيد وزارة الأغلبية التي رفضت الحل، ولا يقتصر الأمر على إقالة الوزارة التي قبلت الحل بل يتعدى الأمر إلى تزعزع مكانة رئيس الدولة ضمن مؤسسات النظام السياسي البرلماني القائمة، ورغم عدم وجود ما يجبر رئيس الدولة على الاستقالة إلا أنه في كثير من الحالات يقدم على تقديم استقالته، خاصة إذا ربط بقاءه بقبول الشعب لسياسته وخطوته في حل البرلمان بل يذهب البعض إلى القول بوجوب تقديم استقالته إعمالاً لقواعد النظام البرلماني ما دام يحكم شعباً لا يؤيده، إلا أن جانب آخر من الفقه يذهب إلى القول بأنه لا داعي لأن يقدم الرئيس استقالته ما دام الرأي العام قوياً وعلى دراية كبيرة من الوعي بحيث يغلب المصلحة العامة على أي مصلحة أخرى. في الواقع، اختلفت الدساتير فيما بينها حول جعل السلطة المخولة لرئيس الدولة في حل البرلمان تقديرية (أي دون قيد أو شرط) أو سلطة مقيدة يضع فيها الدستور شروطاً على الرئيس في استخدامه لحق الحل، وهذا ما سنبينه فيما يلي: السلطة التقديرية لرئيس الدولة في حل البرلمان: بعض الدساتير جعلت من سلطة رئيس الدولة في الحل سلطة تقديرية أي راجعة لتقديره الشخصي في الحاجة لاتخاذ قرار الحل وإنهاء الحياة النيابية في الدولة، والملاحظ أن هذه الدساتير تسعى بذلك لتقوية مركز رئيس الدولة والذي يعتبر حامي للديمقراطية والحارس على مصالح البلاد، ومن أمثلة هذه الدساتير: دستور هولندا لعام 1815 والذي يمنح الملك حق حل مجلسي البرلمان معاً أو أحدهما (المادة 64 من دستور هولندا المعدل سنة 2008)، وكذلك دستور بلجيكا لعام 1831 (المادة 131 من دستور بلجيكا المعدل سنة 2012)، وكذلك المادة 88 من دستور إيطاليا لعام 1947، وأيضاً نص دستور الدنمارك لعام 1953 في المادة 32 منه على أنه: "يجوز للملك أن يأمر في أي لحظة بإجراء انتخابات جديدة ويترتب على هذه الانتخابات إيقاف مدة ولاية الجهاز التشريعي القائم"، أما الدساتير العربية فقد أوردت في معظمها حق الحل باسم رئيس الدولة، وأطلقت له كامل الصلاحيات في ذلك مثل دستور لبنان لعام 1926 في المادة 55، ودستور الغرب لعام 1962 من خلال المادة 27. السلطة المقيدة لرئيس الدولة في حل البرلمان: يمكن حل البرلمان في هذا النظام بعد تحقق مجموعة من الشروط المنصوص عليها في الدساتير، فالمقصود بالسلطة المقيدة لرئيس الدولة في حل البرلمان هو قيام الرئيس بالحل إجبارياً دون أن تكون له سلطة تقديرية في إصدار قرار الحل من عدمه، بل يلتزم بإصداره متى توافرت شروط معينة، وعلى هذا يمكن التمييز بين نوعين من نظام الحل المقيد (أو الإجباري): نظام الحل الإجباري البسيط: يحاط حق الحل بشروط لا تؤثر على ما يتمتع به المختص بالحل من سلطة تقديرية، وإن حدث وتعسف العضو المختص في استخدامه فإن مقابله يكون إجراءات ذات طابع سياسي، خاصة من قبل المجلس الذي ما يلبث أن يتخذ موقفاً معادياً للسلطة التنفيذية التي أساءت استخدام حق الحل، ومثال ذلك المادة 14 من دستور اليونان الصادر سنة 1975 والتي تنص على منح رئيس الجمهورية حق الحل بعد استشارة المجلس الجمهوري في حالة ما إذا وجد مجلس النواب نفسه في خلاف واضح مع الإرادة الشعبية أو إذا كان تكوينه لا يضمن الاستقرار السياسي. نظام الحل الإجباري المقيد: أحاطت بعض الدساتير حق حل البرلمان بقيود وشروط صعبة التحقيق من جهة ولا يمكن ممارسة هذا الحق دونها من جهة أخرى، وهذا رغبة من الدساتير في الحفاظ على وجود البرلمان أطول فترة ممكنة بعيداً عن التهديد بالحل، وفي النظم الدستورية البرلمانية المقارنة نجد نماذج كثيرة لهذه القيود نذكر منها: استحالة تشكيل الحكومة: عندما يحتوي البرلمان على تيارات متباينة لا يمكن فيها تشكيل حكومة أغلبية قادرة على حكم البلاد وتسيير أمورها، فإن بعض الدساتير اتجهت إلى إقرار حل البرلمان في هذه الحالة نتيجة تعذر تشكيل حكومة أغلبية، ومثال ذلك الدستور الألماني لعام 1949 الذي أعطى في المادة 63 لرئيس الدولة الاتحادي الحق في حل البرلمان Bundestag عند عدم حصول المستشار الاتحادي على الأغلبية المطلقة. وجود نزاع بين غرفتي البرلمان: منحت بعض الدساتير السلطة التنفيذية حق حل البرلمان لمحاولة خلق نوع من التوزان والتوافق بين غرفتيه في حالة وجود نزاع بينهما يعرقل عمل السلطة التشريعية، وفي هذه الحالة فإن الحجل قد ينصب على حل الغرفتين معاً أو على إحداهما حسب ما هو منصوص في الدستور مثل دستور الدانمارك لعام 1915 في المادة 22 والتي قررت للملك حق حل المجلس الأعلى في حالة نشوب نزاع بينه وبين المجلس الأدنى، وكذلك دستور استراليا لعام 1900 والذي تبنى الحق في حل المجلسين معاً في المادة 57 من الدستور. الفرع الثاني: الحل الوزاري إن النظام البرلماني يقوم على ثنائية السلطة التنفيذية بين رئيس الدولة والوزارة، والأخيرة هي المسؤولة أمام البرلمان عن تنفيذ السياسة العامة للبلاد، فهي على احتكاك مستمر مع البرلمان وكثيراً ما تقع في خلاف مع هذا الأخير وقد يتطور الخلاف ويصبح من غير الممكن التعايش بين الطرفين مما قد يضر بالحكومة إلى المبادرة بطلب حلل البرلمان، وليس من الصعوبة القول أن حق حل البرلمان في النظام البرلماني عادة ما يكون من اختصاص الوزارة، لأن رئيس الدولة يسود ولا يحكم، لكنه يتولى إصدار قرار الحل، ولكن أصل الحل ناجم عن الحكومة لذلك يسمى بالحل الوزاري، والحل الوزاري هو الوحيد المطبق في بريطانيا مهد النظام البرلماني، حيث تطور الحل الملكي إلى حل وزاري، وصار رئيس الوزراء هو الذي يطالب من الملك حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة للوقوف على رأي الشعب دون تدخل من الملك والذي غدت سلطته شرفية فقط فهو مجرد رمز للبلاد، إلا أن النقاشات التي واكبت الحل الواقع سنة 1955 في بريطانيا أظهرت أنه يمكن للملك رفض طلب الحل الذي قدمته الوزارة في الحالات التالية: إذا وجد برلمان حيوي يؤدي وظيفته بدقة. إذا كانت الانتخابات العامة ستضر بالاقتصاد الوطني البريطاني. إذا لم يكن من شأن الحل تحقيق الأغلبية البرلمانية التي تكفل للمملكة الاستقرار السياسي. ويتوجب على الملك حين يرفض طلب الحل الذي قدمته الوزارة أن يتأكد من إمكانية إيجاد رئيس وزراء بديل يمكنه أن يحوز ثقة البرلمان لفترة معقولة، وأن يتأكد من مدى فاعلية وتماسك البرلمان والأثار الضارة للانتخابات المبكرة على الاقتصاد الوطني. اتخذت بعض الدساتير من النظام الإنجليزي مرجعاً لها ومنحت حق الحل للوزارة، كالدستور الإسباني الصادر في عام 1978 والذي خول للحكومة ممارسة حق حل البرلمان بحرية بعيداً عن سلطة الملك، حيث نصت المادة 115 من الدستور على أنه: "لرئيس الحكومة بعد المداولة في مجلس الوزراء وعلى مسؤوليته أن يقترح حل البرلمان Le Congrès ويصدر الملك مرسوماً بذلك، ويحدد المرسوم تاريخ إجراء الانتخابات الجديدة"، وكذلك دستور السويد الصادر عام 1975 حيث نصت المادة الرابعة من الفصل الثالث على الأخذ بالحل الوزاري إلا أن الدستور البلجيكي اشترط أن يكون قرار الوزارة بالتضامن وليس للوزير الأول بمفرده، وفي دستور المغرب الصادر سنة 2011 فقد نص على إمكانية حل مجلس النواب من قبل رئيس الحكومة بمرسوم يتخذ في مجلس وزاري مع تقييد ذلك بقيود شكلية في دورها لا ترتب أثراً على مخالفتها كاستشارة الملك ورئيس المحكمة الدستورية وتقديم دوافع قرار الحل وأهدافه في تصريح أمام مجلس النواب. المبحث الثاني: ضمانات عدم التعسف في استخدام حق الحل من المعروف أنه إذا زاد الشيء عن حده انقلب ضده، وهو مثل ينطبق كذلك على حق الحل، بحيث يعتبر هذا الحق سلاحاً بحدين، فهو إحدى أهم الضمانات للحفاظ على التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية إذا أحسن استخدامه، إلا أنه إذا أسيء استخدامه أو أفرط في استخدامه أضحى من عوامل المساس باستقرار المؤسسات الدستورية في الدولة واختلال التوزان بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولتجنب هذه المخاطر التي تتولد عن التعسف في استعمال هذا الحق، وحتى لا يتكرر الحل عدة مرات من طرف السلطة التنفيذية كلما استشعرت الخطر من البرلمان فقد استقرت أغلب دساتير الدول ذات النظام البرلماني على وضع مجموعة من الضمانات والقيود على استعمال هذا الحق، ومنها ما هو متعلق بمسائل إجرائية زمنية لإقرار الحل، ومنها ما هو متعلق بضرورة تسبيب قرار الحل حتى يتمكن الشعب على ضوء ذلك من بناء قراره في مساندة هذه السلطة أو تلك. المطلب الأول: الضمانات المتعلقة بالإجراءات والمواعيد هذه الضمانات عادة ما تكون قبل ممارسة الحل، وهي ضوابط إما تخص إجراءات يجب التقيد بها كمراحل تنتهي بقرار الحل في صورة يحددها الدستور الخاص لكل دولة، أو قيود خاصة بمواعيد زمنية مضبوطة تتعلق إما بإعلان الحل وظروفه أو بالمدة الزمنية لإعادة تشكيل مجلس جديد. الفرع الأول: الضمانات المتعلقة بالإجراءات تستوجب الدساتير عادة مجموعة من الإجراءات يتوجب أن تقوم بها صاحبة الاختصاص بإقرار الحل قبل الإقدام عليه تحت طائلة بطلان قرار الحل، ويمكن استنباط هذه الضمانات من خلال الاطلاع على بعض الدساتير للدول البرلمانية ونذكر منها: 1-استشارة جهات معينة قبل اتخاذ قرار الحل: تلزم بعض الدساتير الجهة المخولة باتخاذ قرار الحل أن تلجأ قبل استخدامه إلى استشارة جهات معينة قبل إصدار قرار الحل، وهذه الجهات قد تكون غرفتي البرلمان أو رئيس أحدهما أو كليهما أو رئيس مجلس الوزراء، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 88 من دستور إيطاليا الصادر عام 1947 بأنه يجوز لرئيس الجمهورية بعد الاستماع إلى رأي المجلسين أن يحل المجلسين أو أن يحل أياً منهما فقط، كما نصت المادة 31 من الدستور اليوناني سنة 1919 المعدل سنة 2006 على أنه لرئيس الجمهورية بعد استشارة الوزير الأول ورئيسي الغرفتين أن يحل الجمعية الوطنية، كما نص الفصل الحادي والسبعين من دستور المغرب عام 1996 على أن للملك بعد استشارة رئيس مجلس البرلمان ورئيس المجلس الدستوري وتوجيه خطاب للأمة أن يحل مجلس البرلمان، ولكن دستور 2011 نص على أنه للمك استشارة رئيس المحكمة الدستورية فقط، ولكن عليه إخبار رئيس الحكومة ومجلس النواب ورئيس مجلس المستشارين بأمر حل المجلس. إن الملاحظ من خلال نماذج الدساتير السابقة أن الجهة المخولة بالحل وقبل إصدار قرار بذلك وجب عليها أخذ مشورة بعض الهيئات، مما يسمح بالتريث بقرار الحل وعدم التسرع فيه، ولكن يثار هنا سؤال حول إلزامية التقيد بما أشارت به هذه الهيئات التي أوجب الدستور أخذ مشورتها، والواقع أن النصوص الدستورية السابقة لم تلزم الجهة المختصة بالحل الأخذ بهذه الاستشارات، وبالتالي تستطيع اتخاذ القرار ولو كان مخالفاً للآراء المطروحة، فهي إذاً ضمانات ذات طبيعة نفسية لا تفيد إلا في التردد في اتخاذ قرار الحل، ويرى الفقه أن عدم إلزام المشرع الدستوري للسلطة التنفيذية بضرورة الأخذ بالمشورة فيه كثير من الصواب، وتفسير ذلك أن إلزام الأخذ بالمشورة يجعل من قرار حل البرلمان ينتقل من يد السلطة التنفيذية إلى جهة أو جهات أخرى، وتفقد بذلك السلطة التنفيذية إحدى أهم وسائل المواجهة مع السلطة التشريعية في إطار التوزان الذي يضمنه النظام البرلماني، ومن جهة أخرى فإن هذه الضمانة في حد ذاتها غير كافية، لأن الجهات التي حددتها الدساتير قصد استشارتها لا تتمتع بالحياد الكافي، وأغلبها من حيث الواقع مناصرة للسلطة التنفيذية، مما يجل هذه الضمانة مجرد شكلية لا تحمي البرلمان، لذلك نرى أن يحدد المشرع الدستوري جهات أخرى حيادية توكل إليها مهمة تقديم المشورة، والمقصود بالحياد هو الحياد السياسي والموضوعية والحرية في اتخاذ القرار، ومن هذه الجهات يمكن أن نذكر المحكمة الدستورية ومجلس الدولة فهي جهات ذات طابع قضائي يتمتع أعضاؤها بالحماية والاستقلال والبعد عن تأثير السلطة التنفيذية، كما يمكن استشارة المجلس الدستوري في الدول التي تأخذ به باعتبار أن قرار الحل هو حق دستوري ومن مهام المجلس الدستوري حماية ورقابة احترام الدستور والرقابة على دستورية القوانين. 2-ضرورة تدخل جهة معينة لاتخاذ قرار الحل: يقصد بهذه الضمانة أن رئيس الدولة لا يستطيع إعمال حق الحل إلا بناءً على تدخل من جهة أخرى يحددها الدستور، فالمعروف أنه مع تطور حق الحل أصبح إقراره من طرف رئيس الدولة ولكن هذا الأخير بحاجة لاقتراح من قبل رئيس الحكومة، والملاحظ أن بعض الدساتير تخفف من حدة هذا التدخل في إقرار الحل، بحيث تجعل من حق الاقتراح بيد جهة أخرى غير رئيس الدولة، ولكن يكون إصدار قرار الحل من عدمه سلطة تقديرية لرئيس الدولة خاصة إذا قدر هذا الأخير أن الظرف غير مناسب لحل البرلمان كما سبق وأشرنا في النموذج البريطاني، والذي يستطيع فيه الملك في بعض الحالات أن يرفض طلب الحكومة بالحل، وكذلك ما ورد في المادة 68 من دستور ألمانيا الاتحادية الصادر سنة 1949 على أنه يجوز لرئيس الجمهورية الاتحادية بناءً على اقتراح مستشار الاتحاد أن يحل المجلس، فالملاحظ هنا أن المسألة تختلف عن النموذج البريطاني حيث أنه في النموذج البريطاني لا يستطيع الملك رفض طلب الحكومة في حل المجلس إلا في حالات حصرية، أما في النموذج الألماني فالمسألة جوازية بعد تأكد تقديم اقتراح من طرف مستشار الاتحاد بحل البرلمان، حيث يمكن لرئيس الاتحاد أن يقر حل البرلمان أو يقدر غير ذلك. وعلى العكس من ذلك تغالي دساتير دول أخرى في درجة تدخل هذه الجهات بحيث يكون دور رئيس الدولة مجرد التوقيع على قرار الحل الذي وافقت عليه جهات أخرى، بحيث أن لم توافق عليه امتنع على رئيس الدولة إمكانية إصدار قرار الحل، فحتى يصدر قرار الحل دستورياً يجب أن يكون ذلك بناءً على موافقة رئيس الوزراء وطبقاً لرأيه بحيث لا يكون لرئيس الدولة سوى الموافقة على الحل وإصدار قرار به، فالدستور الإسباني الصادر عام 1978 منح الملك حق إصدار مرسوم بحل البرلمان ولكن ليس له دور اقتراح الحل أو الموافقة عليه، لأنها مسؤولية رئيس الحكومة بعد المداولات التي تتم في مجلس الوزراء وفقاً للمادة 115 من الدستور. 3-استقالة الوزارة التي توقع مرسوم الحل: جاءت هذه الضمانة لاتقاء أن تتدخل الوزارة في توجيه الانتخابات التشريعية الجديدة بما يحقق مصالحها وبالتالي إنجاح مؤيديها، ومثال ذلك ما ورد في الدستور الأردني أنه في حالة حل مجلس النواب لسبب ما فإنه على الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها أن تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها، كما على الوزير الذي ينوي الترشح للانتخابات أن يستقيل قبل إبداء الترشيح بمدة 15 يوماً على الأقل وذلك وفق المادة 74 من الدستور الأردني الصادر سنة 1952 المعدل في عام 2011. وعلى العموم يهدف المشرع الدستوري بتشكيل حكومة محايدة للإشراف على الانتخابات لضمان عدم تدخل تلك الوزارة بها، وتعتبر هذه الضمانة من أهم الضمانات لعدم تعسف السلطة التنفيذية في استخدام حق الحل، لأن الحكومة بتوقيعها على الحل توقع في الحقيقة على استقالتها لتخوض انتخابات لا تضمن فيها النجاح خاصة أن المشرف عليها جهة محايدة، كما تتعاظم أهمية هذه الضمانة من باب المحافظة على التوزان بين السلطتين والذي يقتضي بقاء طرفي النزاع في نفس المرتبة القانونية أمام الشعب الذي سيحكم بينهما، وبالتالي بقاء الحكومة التي وقعت على قرار الحل يعتبر من أوجه الإخلال بمبدأ تساوي طرفي التحكيم أمام المحكم، كما انه قد يؤثر على قرار الشعب، وهذا كله يدفع بضرورة الذهاب إلى حكومة محايدة محدودة الوزارات ولها هدف أساسي هو تنظيم الانتخابات البرلمانية الجديدة. الفرع الثاني: الضمانات المتعلقة بالمواعيد هي مجموعة من القيود المتعلقة بالمواعيد الزمنية التي يلزم على الجهة المخولة بقرار الحل مراعاتها، وهذا ضماناً لحسن سير عمل المجالس البرلمانية وعدم انقطاع الرقابة البرلمانية التي تعتبر أيضاً السلاح المضاد للبرلمان في وجه حق الحل، وتتعلق هذه القيود الزمنية بالفترات التي يلتزم رئيس الدولة إما بعدم حل المجلس المنعقد أو تتعلق بالمهلة الزمنية التي يحددها الدستور لاجتماع المجلس الجديد بعد الحل، ومن خلال دراسة بعض الدساتير المقارنة يمكننا استنباط بعض هذه الضمانات ونذكر منها: 1-عدم جواز حل البرلمان خلال فترة زمنية: تحظر بض الدساتير على رئيس الدولة اتخاذ قرار حل المجلس النيابي خلال فترات زمنية محددة، والقيد هنا زمني بحت وقد يأخذ الصور أحد الصور التالية: عدم جواز الحل خلال الفترة الأخيرة من مدة ولاية رئيس الدولة: وغرض المشرع الدستوري من هذه الضمانة الوقوف أمام إمكانية حل البرلمان من طرف رئيس دولة إذا استشعر أن نواب البرلمان لا يرغبون بإعادة ترشيحه لرئاسة الدولة وذلك في الدول البرلمانية التي ينتخب فيها رئيس الدولة من قبل البرلمان، ومن الدساتير التي نصت على ذلك دستور إيطاليا الصادر سنة 1947 والذي نص على عدم جواز مباشرة رئيس الجمهورية لحق الحل خلال الستة شهور الأخيرة لرئاسته وفقاً للمادة 88 من الدستور. عدم جواز الحل خلال مدة زمنية معينة تلي انعقاد المجلس النيابي: والغرض الذي يسعى إليه المشرع الدستوري هو توفير قدر من الثبات والاستقرار للبرلمان للقيام بمهامه التشريعية بعيداً عن تهديدات السلطة التنفيذية بحله، وعدم إرباك البلاد بانتخابات متتالية تؤدي إلى زعزعة الاستقرار السياسي فيها وتبذير في إنفاق المال العام على هذه الانتخابات، مما يعني عدم دستورية قرار الحل إذا جاء خلال فترة زمنية تلي انعقاد المجلس المنتخب، وهذه الفترة تختلف باختلاف الدساتير فالبعض يحددها بسنة تلي تاريخ الانعقاد، كالدستور المغربي سنة 1996 والذي نص في الفصل 73 منه على أنه إذا حل المجلس فلا يمكن حل المجلس الذي يليه إلا بعد مضي سنة على تاريخ انتخاب المجلس الجديد، كما نص الدستور اليوناني الصادر سنة 1975 على أن المجلس المنتخب عقب المجلس الأول لا يجوز حله خلال السنة التي تلي انتخابه ما لم يسحب الثقة من حكومتين متتاليتين وذلك وفقاً للمادة 41 من الدستور، وهو نفس توجه الدستور الإسباني سنة 1978 والذي حظر إجراء حل جديد خلال عام من الحل السابق وفقاً للمادة 115 من الدستور. عدم جواز الحل خلال ظرف زمني محدد: ذهبت بعض الدساتير إلى حظر الحل خلال ظرف زمني محدد وليس خلال مدة زمنية محددة، ومعيار الظرف الزماني يعني أنه لا يجوز لرئيس الدولة حل البرلمان طالما كان الظرف قائماً، ومتى زال هذا الظرف استعاد رئيس الدولة سلطته في حق الحل، وكمثال على ذلك الدستور الإسباني الصادر سنة 1978 الذي نص على عدم جواز حل البرلمان أثناء سريان حالات الإنذار بخطر والضرورة، وإن صادف حدوث حالة من حالات الخطر أو الضرورة وكان البرلمان في غير دورة الانعقاد فإنه يعد منعقداً بصورة تلقائية وفقاً للمادة 116 من الدستور، وكذلك دستور الكويت الصادر سنة 1962 والذي نص على عدم جواز حل المجلس النيابي خلال فترة العمل بالأحكام العرفية وفقاً للمادة 181 من الدستور، وكذلك الحال بالنسبة للدستور المغربي الصادر سنة 2011 والذي نص على عدم جواز حل البرلمان أثناء ممارسة السلطات الاستثنائية من قبل الملك وذلك وفقاً للفصل 59 من الدستور. ونرى أن غرض المشرع الدستوري من هذه الضمانة هو ضرورة تحقيق الوفاق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، حيث يتوجب على السلطتين التعاون للوصول بالدولة إلى بر الأمان من جهة، ومن جهة أخرى لضرورة بقاء البرلمان كسلطة تشريعية تراقب التشريعات التي يصدرها رئيس الدولة في حالات الخطر أو الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، وحتى لا تنتهك الحقوق والحريات الفردية خلال هذه الفترة الحرجة وبقاء إمكانية المساءلة السياسية للحكومة من خلال تقييم أدائها في هذه الظروف الحرجة، ووصل الأمر في بعض الدساتير إلى القول بأنه إذا كان البرلمان منحلاً عند حدوث الظروف الاستثنائية فإن إعلان هذه الظروف يستوجب موافقة البرلمان المنحل كالدستور الإيطالي الصادر سنة 1947 والذي ينص على ضرورة انعقاد المجلس النيابي في ظرف 5 أيام من إعلان حالة الضرورة حتى ولو كان منحلاً وذلك وفقاً للمادة 77 من الدستور، وهذا يعني انعقاد المجلس النيابي المنحل بقوة القانون في حالة الظروف الاستثنائية أو الضرورة. 2-ضمانة عدم إطالة المدة بين حل البرلمان وانعقاد المجلس الجديد: تشترط بعض الدساتير في القرار الصادر بحل البرلمان أن يتضمن بصورة لا لبس فيها تحديداً قاطعاً لتاريخ انعقاد المجلس النيابي الجديد، بمعنى أن يتضمن تاريخ إجراء الانتخابات، وتاريخ انعقاد المجلس المنبثق عنها، ومن خلال دراسة بعض الدساتير المقارنة نستنبط أن المدة المحددة لإجراءات الانتخابات لا تتجاوز عادة ثلاثة أشهر على الأكثر من تاريخ قرار الحل، حيث نص الدستور الإيطالي الصادر سنة 1947 في المادتين 61 و88 المتعلقتين بحل المجلس النيابي وحكم انعقاد المجلس الجديد على التوالي على أن تجرى الانتخابات في أجل 70 يوماً من تاريخ الحل، ويجتمع المجلس الجديد خلال العشرين يوماً التي تلي الانتخابات، كما أن دستور ألمانيا الفدرالية الصادر سنة 1949 نص في المادة 39 على أنه في حال حل البرلمان فتجرى الانتخابات خلال 60 يوماً على الأكثر من تاريخ الحل، ويجتمع مجلس النواب في اليوم الثلاثين على الأكثر من تاريخ الانتخابات، وتجدر الإشارة أن بعض الدساتير قد تتضمن نصاً يحدد ميعاد انتخابات المجلس الجديد المنعقد عقب الحل، إلا أنه لا يعقب ذلك ببيان ميعاد انعقاد المجلس الجديد ومن ذلك نجد المادة 107 من دستور الكويت الصادر سنة 1962 والتي تنص على ضرورة إجراء الانتخابات الجديدة في أجل شهرين من تاريخ الحل، دون الإشارة إلى أجل انعقاد المجلس الجديد. والملاحظ هو الاختلاف الواضح في تقدير المدة بين الحل وإجراء الانتخابات الجديدة، وهي في الحقيقة تقديرات المشرع لإمكانية تهيئة مناخ مناسب، وتوفير الوسائل والدعاية اللازمة للانتخابات الجديدة، وقد تختلف من دولة لأخرى حسب تعداد الهيئة الناخبة ومراجعة القوائم الانتخابية، وكذا نظام توزيع مكان استقرار السكان واتساع الأقاليم، وكذا الإمكانيات المادية والبشرية التي يمكن تسخيرها لتأطير العملية، ومدى توفر البلاد على إعلام عام وخاص من شأنه الترويج للعملية وللبرامج الحزبية، لرفع نسبة المشاركة في الاقتراع، وكذا الرقابة على العملية الانتخابية الجديدة، والملاحظ أيضاً أن بعض الدساتير ترتب آثاراً على عدم إجراء الانتخابات في آجالها باعتبار المجلس المنحل قائماً، وقرار الحل كأن لم يكن، إلى غاية إجراء الانتخابات وإعلان نتائجها، كدستور الكويت والذي نص على أنه إذا لم تجر الانتخابات خلال المدة المحددة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن لم يكن ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد وفقاً للمادة 107 من الدستور. وهكذا يمكن القول إن الدساتير في معظمها اهتمت بمسألة آجال الانتخابات للمجلس الجديد، وكذا اجتماعه بعد الانتخابات مما يدل على أهميته، وحرص هذه الدساتير على عدم إطالة مدة غياب البرلمان والذي قد تنجر عليه أثاراً سلبية على السلطات العامة، وسير مؤسسات الدولة، والدليل على ذلك هو ترتيب الدساتير لجزاءات على عدم احترام هذه المواعيد، منها عودة البرلمان القديم للاجتماع بقوة القانون، مما يدل على خطورة غيابه الطويل. المطلب الثاني: الضمانات المتعلقة بتسبيب قرار الحل تتعلق هذه الضمانة بالسبب الذي من أجله أصدرت الجهة المختصة قرار بحل البرلمان، والملاحظ أن الدساتير لا تتحدد في تعين هذه الأسباب، كما تختلف في إلزام الجهة المختصة بالحل بتسبيب هذا القرار، ولتسبيب قرار الحل أهمية بالغة، لأنه يبين الدوافع المختلفة والتي كانت وراء لجوء رئيس الجمهورية إلى حل المجلس النيابي، وعلى ضوء هذه الأسباب يمكن الحكم على سلامة الإجراء من عدمه، وعلى ضوء السبب يمكن للشعب أن يفهم ويقرر إن كان مع الحل أو مع المجلس المنحل، أي إن كان سيساند رئيس الجمهورية والحكومة، أو يساند البرلمان ويعيد ثقته في الأغلبية التي انتخبها سابقاً. بمراجعة نصوص كثيرة من دساتير الدول في جانبها المتعلق بحق رئيس الدولة في حل البرلمان نتبين أنها إما أن تسكت تماماً عن التعرض لضمانة تسبيب قرار الحل، وعدم إلزام رئيس الدولة بتسبيب هذا القرار، وإما أن تلزم الرئيس بذلك بنص صريح، أو بدعوة ضمنية إلى ضرورة تسبيب قرار حل البرلمان استناداً إلى أنه لكل تصرف سبب، وأن الشعب كي يكون حكمه منصفاً بين السلطات يجب أن يعرف السبب وراء الحل، فدستور الكويت الصادر سنة 1962 نص في المادة 107 على أنه للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم يبين فيه أسباب الحل، كما أن هناك دساتير قيدت رئيس الدولة بتوجيه خطاب للأمة، قبل حل البرلمان، وفي الحقيقة يهدف الرئيس من خلال توجيهه هذا الخطاب بحل البرلمان هو أن يبين مباشرة للشعب أسباب لجوئه إلى هذا الإجراء، وبالتالي فالمسألة متعلقة بعنصر التسبيب، كدستور المغرب الصادر سنة 1962 والذي نص في الفصل 77 على أن للملك بعد توجيه خطاب للأمة أن يحل مجلس النواب. المبحث الثالث: مبررات حق الحل وآثاره على السلطة التشريعية رغم مكانة حق حل البرلمان في النظام البرلماني إلا أن هذا الحق لا تمارسه السلطة التنفيذية كلما أرادت ذلك، وعليه إضافة إلى ضمانات عدم التعسف في استخدامه يجب أن يكون استخدامه مبرراً، وهذه المبررات منها ما هو منصوص عليها في الدساتير، ومنها ما أوجدته الظروف العملية، والتي تتعلق عادة بالسلطة التقديرية للسلطة التنفيذية (رئيس دولة- حكومة)، باعتبار أنه من الصعوبة بمكان حصر كل مبررات الحل. ومن جهة ثانية فإن ممارسة حق حل البرلمان لا يمكن أن يمر دون أن يرتب له آثاراً على السلطة التشريعية مما يستدعي الطرق إلى ما يخلفه الحل من فراغ تشريعي قد تطول مدته، وهو ما قد يضر بمصلحة البلاد ومصالح الناس وحاجاته، وعليه ستنصب دراستنا في المطلب الأول على دوافع ومبررات حل البرلمان، حيث نركز على الجانب القانوني دون إهمال لبعض المبررات ذات الطابع الفني، لنعرج في المطلب الثاني على دراسة آثار حل البرلمان على السلطة التشريعية. المطلب الأول: مبررات حق الحل تتعدد المبررات التي يمكن أن تؤدي إلى حل البرلمان، وتعتبر المبررات السياسية في الواقع العملي هي الأكثر شيوعاً وانتشاراً حيث يقول الفقيه Duguit في هذا الخصوص" إن الهدف الأساسي منه سياسي دون شك ويترجم من خلال الاحتكام إلى إرادة الهيئة الناخبة للفصل في الصراع بين الرئيس ومجلس النواب"، ومع ذلك لا يجب إهمال بعض المبررات الفنية لحل البرلمان. الفرع الأول: المبررات السياسية لحل البرلمان تعتبر المبررات السياسية كما أشرنا الأكثر شيوعاً عن غيرها في الواقع العملي، حيث يلعب البرلمان وظيفة سياسية مهمة في إطار النظام السياسي للدولة، ويمكن استنباط الأسباب السياسية لحل البرلمان من خلال النصوص الدستورية والتجارب العملية في العالم ونذكر منها: 1-حل البرلمان بسبب الخلاف بين السلطتين التنفيذية والتشريعية: إن النظام البرلماني يقوم أساساً على التعاون بين السلطات، خاصة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولكن هذا التعاون من المنطقي ألا يدوم، ولابد أن نأخذ بعين الاعتبار إمكانية حدوث خلاف خطير بين البرلمان والحكومة في بعض المسائل، ويشكل حل البرلمان في هذه الحالة الوسيلة الملائمة للخروج من تلك الأزمة، وهو وسيلة عملية بغرض عرض الأمر على الشعب صاحب القرار الفاصل في هذا الخلاف، ويعتبر هذا السبب الصورة الأكثر شيوعاً في الواقع العملي من صور النزاع الأخرى المتوقع حدوثه بين السلطات الدستورية، والتي تقود إلى اللجوء لاستخدام حق الحل لفض النزاع، والنزاع بين الحكومة والبرلمان لا نجد له مكانة إلاَّ إذا أصبحت الأغلبية البرلمانية معادية للحكومة وسياستها، وقد ينشب هذا العداء بين الحكومة والبرلمان بغرفتيه، أو بينها وبين إحدى الغرفتين في الدول التي تأخذ بنظام الغرفتين، وهو بذلك وسيلة لتحكيم الأمة في نزاع قائم بين البرلمان والحكومة، فعندما تظهر حالة تدل على أزمة بين الحكومة والبرلمان تستدعي طرح مسألة الثقة بالحكومة، وعندما تعدد هذه الأزمات فهذا يدل على عدم التوافق التام وإن أفضل حل للخروج من الأزمة هو حل البرلمان، ومن بين الدساتير التي تضمنَّت هذا السبب لحل البرلمان دساتير كل من اليونان الصادر سنة 1975 من خلال نص المادة 41 ، ودستور اليابان الصادر سنة 1946 من خلال نص المادة 61، ودستور اسبانيا الصادر سنة 1978 من خلال نص المادة 99، والملاحظ أن هذه الدساتير نصت صراحة على حل البرلمان في حالة حدوث خلاف بينه وبين الحكومة، ويجب على رئيس الدولة قبل اتخاذ هذا القرار مراعاة الانعكاسات الخطيرة التي سوف تترتب عليه، حيث إن نتائج الانتخابات التي تلي الحل إذا أسفرت عن فوز الأغلبية القديمة، فإن ذلك يمثل انتكاسة لرئيس الدولة قد تضطره لتقديم استقالته. أما من ناحية التطبيقات العملية لهذا الحل فنجد أن مهد تطبيقه هو النظام البريطاني، رغم أنه في بداياته لم يكن من المتصور حدوثه، نظراً لسيطرة الملك ونفوذه، إلاَّ أن ذلك لم يستمر بعد أن شهدت الحياة السياسية والدستورية في إنجلترا تحولات عميقة، خاصة بعد عام 1832 حيث تراجع دور التاج لصالح باقي مؤسسات الدولة، وقد كان من بين حالات الحل في انجلترا التي تم إعلانها خلال القرن 19 خمس حالات كان سببها النزاع بين الوزارة وأغلبية مجلس العموم، ومن بين هذه الحالات ما حدث في 18 ماي 1841 حين أصبحت حكومة Melbourne في وضع أقلية داخل مجلس العموم فطالبت الملك بحل المجلس، وقبل الملك وأعلن حله في نفس العام، كما تم حل البرلمان في انجلترا أيضاً عام 1857 من قبل حكومة Palmerstan حيث أنَّه في مارس سنة 1857 وجه مجلس العموم اللَّوم للحكومة بسبب السياسة التي تنتهجها في الصين، كما أدى النزاع المستمر بين المجلس والحكومة لدفع رئيس الوزراء إلى طلب حل البرلمان. ويقدم لنا كذلك النظام الدستوري البلجيكي أمثلة للحل سنة 1833 و1851 و1864 نتيجة صراع بينه وبين الحكومة، ففي 1851 تم حل مجلس الشيوخ بمفرده دون مجلس النواب وذلك بسبب نزاع نشب بينه وبين الحكومة من جهة، والأحرار الكتلة المهيمنة على مجلس النواب من جهة أخرى، وذلك حول قانون ضريبي يمس الشركات تقدمت به الحكومة، وحصل على موافقة مجلس النواب، ولقي معارضة من مجلس الشيوخ الذي يقتسم مقاعده الكاثوليك والأحرار، وهو ما جعل حكومة الأحرار تقدم استقالتها إلى الملك الذي حاول إيجاد حكومة بديلة، إلا أنه لم يستطع واضطر إلى التمسك بالحكومة المستقيلة، والتي عاودت تقديم مشروعها مرة أخرى مع بعض التعديل، إلا أنَّه قوبل بالرفض للمرة الثانية، فما كان من الملك إلاَّ أن قبل طلب الوزارة بحل مجلس الشيوخ وحققت الانتخابات اللاحقة مبتغى الأحرار بأن حصلوا على الأغلبية في مجلس الشيوخ، كما في مجلس النواب، وهكذا ظلت حكومة الأحرار في الحكم ومسيطرة في البرلمان. أما في الكويت فنجد من بين حالات الحل ما حدث للمجلس الذي بدأت فترة ولايته في 2003 وكان من المفترض أن تنتهي مدته الدستورية في 2007، إلا أنها انتهت بحله قبل عام واحد أي في 2006 بسبب خلاف بين مجلس الأمة والحكومة حول مسالة تعديل الدوائر الانتخابية وتقليصها من 25 إلى 10 دوائر، في حين تطالب المعارضة بـ 5 دوائر انتخابية فقط، واشتداد الصراع بين التيار الإصلاحي والتيار القديم، مما خلق العديد من الأزمات السياسية وصلت إلى استجواب قدمه بعض أعضاء مجلس الأمة لرئيس الحكومة، وجرت محاولات لثني الأعضاء عن موقفهم وسحب الاستجواب، إلا أن الجهود لم تستثمر مما دفع الحكومة إلى رفع طلب بحل مجلس الأمة إلى أمير البلاد، وبالفعل أصدر أمير الكويت مرسوماً أميرياً يحل بموجبه مجلس الأمة ويدعوا إلى انتخابات جديدة. 2-حل البرلمان بسبب عدم التوافق بين المجلسين: اتجهت بعض الدساتير البرلمانية إلى الأخذ بنظام المجلسين؛ الذي نشأ في بريطانيا، حيث تعود نشأته إلى تكون مجلس العموم إلى جانب مجلس اللوردات. ورغم ما لنظام المجلسين من مزايا إلا أنه من الطبيعي أن يقع خلاف بينهما لأسباب متعددة أهمها الأسباب السياسية، مما يجعل من عملية التشريع والرقابة في حالة شلل تام، مما يضطر السلطة التنفيذية معها إلى التدخل بحل المجلسين، أو أحدهما طبقاً للأوضاع الدستورية المقررة في تلك الدولة، وإجراء انتخابات جديدة ليعود التوافق بين المجلسين، ووضع حد لإمكانية إثارة الرأي العام نتيجة المناقشات وتبادل الاتهامات بين أعضاء المجلسين لتحقيق أهداف سياسة ليس إلاَّ. وعليه فإن الغاية من حل المجلسين معاً أو أحدهما ترجع في أحيان كثيرة إلى: حماية مؤسسات الدولة من أزمة دستورية محتملة نتيجة تعثر عمل السلطات العامة في الدول، خاصة السلطة التشريعية، وما لدورها الرقابي والتشريعي من أهمية. إجراء انتخابات تشريعية جديدة ينبثق عنها برلمان جديد بأفكار جديدة، وبقنوات تشريعية فعالة وعملية. منع إثارة الرأي العام نتيجة تأثره بالمناقشات والتهم المتبادلة بين ممثليه حول تسيير شؤون الدولة، وانتصار كل فئة ناخبة للنائب الذي يمثلها مما يدخل البلاد في دوامة ليس لها بداية ولا نهاية. العودة إلى صاحب السلطة الأصلية وهو الشعب ليعبر عن رأيه ويمنح ثقته للمجلس الذي يعبر عن طموحاته، أو ينتخب مجلساً جديداً بطموحات وأفكار جديدة غير متداولة. ومن الدساتير التي أخذت بهذا النظام نجد دستور الدنمارك الصادر سنة 1915 من خلال نص المادة 22 حين قُرر للملك حق حل المجلس الأعلى وذلك في حالة نشوب النزاع بينه وبين المجلس الأدنى، حول مشروع قانون تبناه هذا الأخير، ولم يقره المجلس الأعلى بذات القيود، رغم إرسال المشروع من المجلس الأدنى للمرة الثانية إلى المجلس الأعلى، وكذلك دستور استراليا الصادر سنة 1900 كان من بين الدساتير التي اعتنقت هذا النظام، بحيث منحت المادة 57 من الدستور للحاكم العام الحق في حل مجلسي البرلمان معاً في حالة ما إذا تبنى مجلس النواب مشروع قانون قد رفضه مجلس الشيوخ مرتين متتابعتين خلال 3 أشهر، أو في حالة ما إذا أهمله مجلس الشيوخ، أو إذا اعتمده مع بعض التعديلات التي لا يقبلها مجلس النواب. 3-حل البرلمان لأجل تحقيق الاستقرار للنظام السياسي: كما يهدف الحل إلى فض النزاعات بين السلطات العامة في الدولة، نجد أنه يهدف أيضاً إلى ضبط استقرار النظام السياسي، ويكون دور الحل في هذا المجال إما بتثبيت ودعم الأغلبية البرلمانية الموجودة، أو البحث عن أغلبية مفقودة وإعادة تشكيلها، كما يلعب دوراً في الاستقرار الوزاري بحل مختلف الأزمات الوزارية المتكررة. وبالرجوع إلى الدساتير الحديثة نجد منها ما أقر الحل لتفادي الأزمات الوزارية، فجعلت لهذه الوظيفة مكاناً بارزاً عندما نظمت استخدام هذا الحق في صلبها، ومن هذه الدساتير نجد دستور اسبانيا الذي نظم الحل التلقائي، في حالة عدم احتواء البرلمان على أغلبية. الفرع الثاني: المبررات الفنية لحل البرلمان لا يجب إهمال بعض المبررات الفنية لحل البرلمان، ونذكر منها حل البرلمان لإجراء التعديلات الدستورية، أو بسبب تغيير النظام الانتخابي للدولة أو بسبب قرب انتهاء مدة المجلس التشريعية، أو حتى مجرد معرفة رأي الشعب في مسائل ذات أهمية وطنية ترى الحكومة أنها يمكن أن تؤثر على مستقبل البلاد كلها، ومن واجبها أن ترجع الكلمة فيها للشعب صاحب السيادة أولاً وأخيراً، فالقضايا الوطنية الهامة هي تلك التي يرتبط بها مصير الدولة والوطن، أو تلك التي تتمثل في سياسات وإصلاحات تؤثر تأثيراً عميقاً في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويثار جدل حولها، وهذه القضايا تتطلب العودة إلى الشعب للوقوف على رأيه بشأنها، لكونه سيتحمل نتائج السياسات والبرامج المعتمدة سلباً أم إيجاباً، ورأي الشعب هنا هو المخرج الوحيد حتى يحدث التطابق بين عمل سلطات الدولة والرغبة الشعبية، وما دام النواب هم ممثلو الشعب ورأيه غير المباشر، غير أن هؤلاء قد يتعرضون لضغوط، وقد يفضلون النيابة عن التعبير عن رأي الشعب الحقيقي، كما توجد العديد من المغريات التي تجعل منهم ينحرفون عن أداء وظائفهم، مما يجعل لهم رأياً مخالفاً لرأي ناخبيهم، وهنا يكون حل البرلمان خير وسيلة تسمح للشعب بالاحتفاظ بحقه في البت في هذه الأمور. أسس الفقهاء الانجليز رأيهم في وظيفة حق الحل، كونها تكمن في استطلاع رأي الشعب صاحب السلطة والسيادة في المسائل المهمة التي ترتبط به مباشرة، وبمستقبله استناداً إلى فكرة الوكالة التي استعاروها من فقهاء القانون الخاص، والتي مفادها أن نواب وأعضاء البرلمان يعدون وكلاء عن الأمة، الأمر الذي يفرض عليهم الالتزام بحدود تلك الوكالة، وذلك باحترام إرادة الشعب والامتثال لرغباته، فإن فقد البرلمان القدرة على التمثيل الصحيح لإرادة الشعب أصبح متنكرًا لميوله ورغباته بوصفه صاحب السيادة، فالأمر هنا يحتاج الرجوع للأصل صاحب الوكالة - الشعب- لمعرفة حقيقة الموقف طالما أصبح وكيله منقطع الصلة به لأي سبب كان، واستناداً إلى ذلك أفرزت التجربة الدستورية الانجليزية خلال القرنين 20 و19 حالات تمت فيها انتخابات مبكرة دون أن يكون فيها أي خلاف بين البرلمان والحكومة، وإنَّما لاستطلاع رأي الشَّعب في مسائل معينة، فكان حل عام 1841 والذي كان بقصد الاستفتاء على مسألة حرية التجارة، وحل عام 1859 للاستفتاء على مسألة الإصلاح البرلماني، كما أدى حل البرلمان الوظيفة الفنية في بعض الدول بمناسبة تعديل الدستور لإقرار نظام انتخابي جديد، ومن أمثلتها نجد الدنمارك التي تم فيها حل البرلمان بمجلسيه نتيجة الإعلان عن تعديل دستوري في 1953 وفقاً للمادة 88 من الدستور وذلك للانتقال من الأخذ بنظام ثنائية التمثيل إلى نظام أحادية التمثيل، كما نجد أيضاً الدستور الإسباني الصادر سنة 1978 والذي ينص في المادة 168 على أنَّه إذا أقر البرلمان في حالة الاقتراح بالتعديل الكلي أو الجزئي للدستور والموافقة عليه بأغلبية الثلثين فإنه يحل البرلمان في الحال، كما أن الدستور الهولندي الصادر سنة 1983 في المادة 137 منه أورد حل البرلمان كأثر حتمي للتصريح بالشروع في إجراء تعديل دستوري. المطلب الثاني: آثار الحل على السلطة التشريعية إن الأثر الطبيعي الذي يترتب على قرار حل البرلمان هو توقف هذا الأخير عن مباشرة اختصاصاته التي خوله إياها الدستور، ويتوقف النواب عن ممارسة امتيازات النيابة، ويتحولون إلى أشخاص عاديين، ولكن الإشكال يثور حول وضع السلطة التشريعية خلال هذه الفترة والأعمال المعروضة عليها، فهل هذا يعني أن المجلس المنحل كأن لم يكن، وأن ما بين يديه من تشريعات ومشاريع وقوانين لم يبت أو بصدد دراستها تلغى رغم أهميتها؟ أم أنه يمكن أن يواصل مهامه خلال فترة الحل بطريقة ما حتى انتخاب المجلس الجديد، أو الانتهاء من تصفية كل الأعمال المعروضة؟ في الواقع، تنعكس آثار حل البرلمان على البرلمان نفسه، وعلى دور السلطة التشريعية بين السلطات العامة في الدولة، مما يجعل دراسة هذه الآثار من الموضوعات ذات الأهمية البالغة، وذلك نظراً لما يتمخض عن الحل من فراغ تشريعي ورقابي، واستفراد السلطة التنفيذية بمقاليد تسيير البلاد بعيداً عن الرقابة التي كانت تفرضها السلطة التشريعية. إن أغلبية المشرعين الدستوريين ربطوا شرعية الحل، كما أشرنا إلى ذلك سلفاً بانتخاب مجلس جديد، ودعوته للاجتماع في مدى زمني محدد، ومن البديهي أن تكون الانتخابات الجديدة بداية لمجلس جديد له مدة تشريعية كاملة، لا يقطعها إلا استخدام الحل من جديد. ويبقى السؤال عن الأثر الحتمي للحل فيما إذا كان هو توقف البرلمان عن ممارسة وظائفه التشريعية والرقابية واعتباره كأن لم يكن، أم أن البرلمان يمكنه مواصلة اختصاصاته حتى انتخاب المجلس الجديد وذلك لضمان استمرار الحياة النيابية وتفادي الفراغ التشريعي والرقابي. إن الاتجاه الأول يعبر عن موقف الفكر الدستوري التقليدي عن الحل، والثاني يعبر عن اتجاه الفكر الدستوري الحديث والذي يقر بضرورة استمرار البرلمان أثناء حله لحين انتخاب المجلس الجديد. نشأ الفكر الدستوري التقليدي في حضن الملكيات المطلقة في أوربا، ومن الطبيعي جداً أن يكون وضع البرلمان المنحل في ظل هذه الملكيات في حكم العدم، أو كأن لم يكن بعد حله، حيث يفقد صفته النيابية، ويفقد معه النواب حصاناتهم وامتيازاتهم، وتعود عملية التشريع وتشكيل المجلس الجديد إلى شخص الملك باعتباره صاحب الاختصاص الأصيل، وهذا الفكر قاد أصحابه إلى تشبيه حل البرلمان بالموت المدني، أسوة بنظرية الموت المدني المعروفة عند الرومان، فعندما يفقد الإنسان أحد الشروط اللازمة لاكتسابه الشخصية القانونية، يفقد هذه الأخيرة رغم بقائه على قيد الحياة، وهو ما يعرف بالموت المدني. وبموجب تشبيه حق الحل بالموت المدني للبرلمان، فإنه يترتب عليه طمس المجلس المنحل، وفقدانه لوظائفه، ويمس الحل الأعضاء الذين يفقدون صلاحياتهم وامتيازاتهم. ولقد وجد تطبيق هذه النظرية في بريطانيا، كما تأثر دستور المغرب الصادر سنة 1972 بهذه النظرية، فقد نص في الفصل 71 على أنه يقع انتخاب مجلس النواب الجديد في ظرف ثلاثة أشهر على الأكثر بعد تاريخ الحل، وفي أثناء ذلك يمارس الملك - تلافياً للفراغ بالإضافة إلى السلطة المخولة له بمقتضى هذا الدستور- السلطة التي يختص بها مجلس النواب، ما يعني أن المادة صرحت علناً بأن وظيفة التشريع تنتقل من جهة البرلمان إلى الملك، وذلك بمبرر استمرار أعمال الدولة وعدم عرقلتها. إلا إن الفكر الديموقراطي رفض أن يستند الوضع القانوني للبرلمان المنحل إلى نظرية الموت المدني، ويرى ضرورة استبداله بنظرية الموت الحكمي، الذي يقضي بإمكانية النَّظر في مباشرة بعض اختصاصات البرلمان المنحل تفادياً لحدوث فراغ دستوري في الفترة التي تلي صدور قرار الحل حتى اجتماع المجلس الجديد، حيث نصت بعض الدساتير على إمكانية اجتماع البرلمان المنحل في حالات معينة، رغبة منها في التخفيف من حدة تطبيق نظرية الموت المدني، لما في تطبيقاتها من مساس بمبدأ استمرارية عمل مؤسسات الدولة، ولما يحمله حل البرلمان من فراغ تشريعي خلال فترة قد تطول بين صدور قرار الحل واجتماع المجلس الجديد، فمن أجل التخفيف من حدة تطبيق النظرية –كما قلنا- احتاط القانون المنظم للبرلمان الانجليزي الصادر سنة 1797 لحالة موت الملك فجأة في فترة ما بين قرار الحل، واجتماع المجلس الجديد، فقرر اجتماع أعضاء المجلس المنحل لمدة ستة أشهر، وذلك إن لم يقم الملك الجديد بإجراء الحل مرة أخرى قبل انتهاء المدة، كما نجد الدستور الإيطالي الصادر سنة 1947 يبين حالة أخرى يوجب في ظلها اجتماع البرلمان المنحل، وهي حالة الضرورة والاستعجال التي تضطر الحكومة لاتخاذ مجموعة من الإجراءات بغية تفادي الخطر، ويجب على البرلمان المنحل أن يجتمع خلال05 أيام لنظر هذه الإجراءات، وهذا يعني أن اختصاص البرلمان المنحل يقتصر على حالة الضرورة والاستعجال، فلا يجوز للبرلمان أن يناقش مشروعات القوانين، فهو إذن اختصاص جزئي. كما احتاطت بعض الدساتير لحالة التنحي عن الحكم، والقصور الشرعي، وخلو العرش لتعذر الحكم بسبب من الأسباب كالمرض العضال، حيث ذهب الدستور البلجيكي الصادر سنة 1831 في المادة 79 باجتماع المجالس المنحلة بقوة القانون في حالة وفاة الملك، وتباشر اختصاصاتها مرة أخرى حتى اجتماع المجالس الجديدة. إن تكوين البرلمان من غرفتين هي وسيلة مغايرة بينهما في طريقة التكوين، وبالنظر إلى معظم دساتير العالم نجد أنها تجعل من الغرفة الثانية في منأى عن الحل، ولكن ذلك لا ينفي تأثير حل الغرفة الأولى على عمل الغرفة الثانية، فيتم التأجيل التلقائي لجلسات الأخيرة بمجرد صدور قرار بحل الأولى إن مشروعات القوانين والاقتراحات والأسئلة والاستجوابات التي قدمت إلى البرلمان تظل قائمة حتَّى يفصل فيها، ولا تندثر إلا برغبة أصحابها عند طلب استردادها أو سحبها، أو بزوال البرلمان المعروضة أمامه إما لانتهاء مدته أو لانحلاله. ويعد سقوط هذه الأعمال هي إحدى النتائج الأولية لتطبيق نظرية الموت المدني، وإذا أريد استثناؤها وإعادة النظر فيها، فإن ذلك يجب أن يكون وفق إجراء جديد، إما من جانب الحكومة أو من جانب الأعضاء، ففي انجلترا كل المشروعات والمقترحات التي تقدم لأحد المجلسين لا يتم اعتمادها في دور الانعقاد الذي تقدم فيه تندثر بمجرد انتهاء هذا الدور، ولا يمكن إحياؤها إلاَّ بتجديدها مرة أخرى، أي أن المشروعات كأن لم تكن ليس فقط في حالة تجديد المجلس أو الحل، بل حتى كلما أجل المجلسان دور انعقادهما، وكذلك الحال بالنسبة للأسئلة والاستجوابات تسقط بمجرد صدور قرار الحل. إن الوضع القانوني للبرلمان المنحل قد أخذ نمطاً مغايراً لنظرية الموت المدني في ظل التنظيمات الدستورية الحديثة، حيث حرصت هذه النظم حرصاً شديداً على تضمين دساتيرها النصوص الكفيلة بالحفاظ على الحياة النيابية دون انقطاع، تجنباً لما قد يحدثه ذلك من فراغ تشريعي ورقابي. كما نشأت قاعدة استمرار الحياة النيابية رغم حل البرلمان في بعض النظم وليدة للتقاليد الدستورية السائدة فيها للحفاظ على الوجود التشريعي، وكمثال على ذلك المشروع الدستوري الهولندي والذي عالج في دستوره الصادر سنة 1983 من خلال نص المادة 64 الآثار الناجمة عن الفراغ التشريعي الذي يترتب إثر صدر قرار الحل بنصها على أن الحل لا يرتب أثراً إلا من يوم اجتماع المجلس الجديد، وعلى هذا سار الدستور الأردني الصادر سنة 1952 والذي ينص على أنه إذا لم يتم الانتخاب عند انتهاء الشهور الأربعة، يستعيد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد، ودستور الكويت عام 1962 في المادة 107 نص على أنه للأمير حل مجلس الأمة بمرسوم معلل، ويجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة، يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد. ونستنتج مما سبق أن الحل لا يعلن النهاية القطعية للمجلس المنحل، إلا بعد انتخاب المجلس الجديد، أو اجتماع المجلس الجديد. إن استعادة البرلمان المنحل لمكانته بمجرد عدم إجراء الانتخابات البرلمانية في آجالها والنص على ذلك في قلب الدستور، يدل على الأهمية البالغة التي توليها هذه الدساتير لبقاء السلطة التشريعية لأداء دورها في مواجهة السلطة التنفيذية والتي قد تستغل حل البرلمان؛ والمدة الفاصلة بين ذلك وإعادة انتخابه وتنصيبه رسمياً؛ كفرصة لتمرير مشاريعها خاصة السياسية منها، حيث أدرك المشرع الدستوري الحديث بصورة واضحة أثر بقاء السلطة التنفيذية لوحدها بعيداً عن رقابة البرلمان، وقد حرصت العديد من الدساتير الحديثة على هذه القاعدة صراحة، بحيث يستمر المجلس المنحل في ممارسة مهامه الموكلة إليه في الدستور حتى تاريخ انعقاد المجلس الجديد، وتم التأسيس لهذه القاعدة على أن المجلس التشريعي لا يفقد صفته في تمثيل الأمة من تاريخ صدور قرار الحل، ولكن من تاريخ إجراء الانتخابات العامة الجديدة، وتهدف أيضاً هذه إلى معالجة الآثار الناجمة عن الفراغ التشريعي، الذي يترتب عن غياب المجلس النيابي بصدور قرار الحل، حيث لم تغفل الدساتير الحديثة عن التمديد للحياة النيابية للمجلس المنحل لأسباب مثل حالات الضرورة، حيث يتم دعوة البرلمان المنحل للانعقاد كما في الدستور الإيطالي الصادر سنة 1947 ومن خلال نص المادة 77 ففي حالة الضرورة والاستعجال، الذي يضطر الحكومة أن تتخذ تدابير عاجلة لمواجهة الظروف الطارئة حفاظاً على الدولة ووجود كيانها، فإنه يتوجب استدعاء البرلمان المنحل للاجتماع خلال 5 أيام للنظر في هذه الإجراءات، وعلى نفس النهج سار الدستور الياباني سنة 1976 من خلال نص المادة 54 منه. يظهر مما سبق أن المشرع الدستوري في مختلف البلاد أولى اهتماماً بالغاً بوضع السلطة التشريعية خلال فترة غيبة البرلمان بالحل نظراً لخطورة الفراغ المؤسساتي وغياب الرقابة بين السلطات. الخاتمة في ختام هذا البحث يمكن القول أنه من بين أهم الأسس التي تميز النظام البرلماني هو الرقابة المتبادلة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، حيث تمتلك كل سلطة وسائل تأثير وصلاحيات تعادل وسائل السلطة الأخرى مما يخلق التوازن بينهما، ولعل أهم الوسائل المستخدمة من قبل الحكومة في ذلك هي حق البرلمان، في مقابل استخدام البرلمان المسؤولية السياسية للحكومة، وما يتمخض عنها من إمكانية سحب الثقة منها وإسقاطها، وبالتالي لكل من الطرفين حق إزالة الآخر. وقد تناولت الدراسة حق حل البرلمان من حيث ما تطرق إليه الفقهاء من تعريف لحق الحل ومبرراته، وكذا ما تناولته الدساتير بين صفحاتها في المسألة، انطلاقاً من نصوص منتقاة من أهم الدساتير الغربية والعربية التي تأخذ بالنظام البرلماني، وهذا الانتقاء لم يراع فيه تاريخ معين لأن الهدف هو استنباط إما مبرراً أو غاية، وإما قيداً من القيود المفروضة لممارسة هذا الحق، فكل فكرة تناولتها الدراسة تم إسقاطها على بعض الدساتير المقارنة. كما نال الجانب التطبيقي حقه من خلال إبراز أحداث واقعية انتهت بحل البرلمان، والهدف هو التدليل على سبب من أسباب الحل، أو نوع من أنواعه، أو ضمانة من ضمانات عدم التعسف فيه. وبالعودة إلى إشكالية البحث يمكن القول أن الدساتير البرلمانية اتفقت في مجملها في الحرص على النص على حل البرلمان كوسيلة لتحقيق التوازن بين السلطات العامة في الدولة، ولكن مع بعض التباين في تنظيمه وضبطه حسب خصوصيات كل دولة وأهدافها، لكنها تتفق في تبني الغاية المبتغاة من وراء النص على حق الحل وممارسته بأنه وسيلة توازن قبل كل شيء، فحق الحل هو ركيزة النظام البرلماني، ولا يمكن الحديث عن هذا الأخير في غياب حق الحل طالما أنه الوسيلة الوحيدة التي تجعل من الشعب قاضياً في الخلافات بين السلطات، فهي آلية تعيد إليه سلطة اتخاذ القرار، وهكذا فإن مسألة إعمال حق الحل ضرورة حتمية في ظل النظام البرلماني وهو من بين العوامل المهمة التي ساهمت في تأسيسه وذلك لضرورة إحداث التوازن المنشود في النظام البرلماني بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. بصفة عامة يمكن القول أن الدساتير البرلمانية تباينت في الأخذ بحق الحل وتنظيمه، من حيث الأسباب والمبررات والأنواع، وكذا آثار حل البرلمان، وكل ذلك تبعاً للغاية والهدف المسطر من قبل المشرع الدستوري المنبثق أساساً من خصوصية كل دولة، إلا أنها تتفق على غاية الوصول إلى دولة قائمة على عمل مؤسسات لا مجهود أفراد، والوصول إلى تنسيق وتنظيم آليات استعمال حق الحل كمقابل لاستعمال حق إعمال المسؤولية السياسية للحكومة بما يضمن مبدأ استمرارية أعمال الدولة في كل الظروف، واستمرار عمل مؤسساتها بانتظام واطراد، وتحقيق التكامل بدل التضاد والتنازع. النتائج 1-إن حق الحل يعد فعلاً من أهم وسائل تحقيق التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في ظل النظام البرلماني، وبالتالي عامل استقرار لمؤسسات الدولة إن استخدم لما شرع له، فلا يمكن أن يتصور في ظل النظام الرئاسي، أو نظام حكومة الجمعية، لعدم وجود توازن بين السلطات، حيث نشأ نتيجة عدة تطورات تاريخية حيث لم يكن نتيجة ابتكار نظري أو تفكير سياسي، وإنما جاء وليد التاريخ السياسي البريطاني، لينتقل إلى بقية بلدان العالم التي أخذت بهذا النظام كأساس للحكم. ومن جانب آخر إن استخدم حق حل البرلمان في غير الروح والغاية الدستورية التي أوجدته فإنه يصبح عامل سيطرة ونزاع، وبالتالي سبب لعدم الاستقرار. 2-يرتبط حق الحل بوجود برلمان قائم، يمارس صلاحياته، وبالتالي ليس من قبيل نظرية حل البرلمان في النظام البرلماني انحلال البرلمان مثلاً لانتهاء العهدة البرلمانية دستورياً، كما لا يحقق الحل الذاتي للبرلمان- حل البرلمان لنفسه-الغاية التي وجد لأجلها حق الحل، لأن قرار نواب البرلمان حله بصفة إرادية يشكل تراجعاً عن توكيل الشعب لهم بتمثيله لمدة العهدة البرلمانية من جهة، ومن جهة أخرى قد يقرر الشعب إعادة نفس الأغلبية التي حلت نفسها لعجزها عن مواجهة الحكومة، كما قد يأتي بأغلبية موالاة للحكومة، وبالتالي تفقد الحياة السياسية والنيابية للصوت المراقب المعارض البناء، وتطغى بذلك السلطة التنفيذية على حساب نظيرتها التشريعية وهو ما يتعارض مع النظام البرلماني. -3 رجحت كفة المؤيدين لضرورة وجود حق حل البرلمان نتيجة الاقتناع بأهميته لتحقيق التوازن، واستكمال ركائز النظام البرلماني، وكمقابل للمسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان، خاصة مع تسجيل نتيجة مشتركة في أغلب الدساتير البرلمانية وهي ضعف ومحدودية الرقابة البرلمانية ووسائلها من حيث آثارها على الحكومة باستثناء إعمال المسؤولية السياسية. -4 لعب ممثلو الشعب البريطاني دوراً كبيراً في بلورة حق الحل وتنظيمه، حيث ظهر في البداية في صورته الملكية، حيث انفرد الملك وحده بحق الحل، وجرى تقسيمه حسب معيار الاختصاص الشخصي إلى حل رئاسي، يكون نتيجة صراع بين الرئيس والبرلمان المؤيد من طرف الحكومة، أو بين البرلمان والحكومة يكون فيها الرئيس حكماً بين السلطات، كما قد يكون الحل وزارياً في حالة صراع الحكومة مع البرلمان. 5-وجود الحق يعني إمكانية التعسف في استخدام هذا الحق، وحق الحل لا يخرج عن هذه القاعدة، وهو ما دفع بالدساتير إلى تبني عدة ضمانات لعدم حدوث ذلك، وهي في حقيقتها قيود على جهة الاختصاص بممارسة الحل، ولكن الملاحظ أن الدساتير تختلف في تحديدها وتعدادها حسب خصوصية كل دولة، كما أن ضرورة تسبيب قرار الحل تظهر أهميته أكثر فأكثر، خاصة أن المسالة تتعلق بنزاع بين السلطات، ولكي يكون الحكم بينها وهو الشعب منصفاً فمن المنطقي أن يعرف سبب الحل، والعوامل التي أدت إلى تبنيه، ولكن ذلك يستدعي أن يكون الشعب على درجة عالية من الوعي السياسي، حتى يفهم جوهر الصراع، ويستطيع الحكم من خلال صندوق الانتخاب، وبالتالي الانتصار للسلطة التنفيذية، أو للأغلبية البرلمانية. -6 تتنوع أسباب الحل ومبرراته؛ منها ما هو سياسي ومنها ما يكون ذو طابع شكلي بحت، ولكن من الناحية الواقعية يصعب حصرها مهما درسنا من دساتير، إلا أن الأكيد أن المبررات السياسية هي الأكثر شيوعاً من غيرها في الواقع العملي، خاصة أن نسبة كبيرة من الدساتير تمكن رئيس الدولة – الملك- من حق الحل دون ضمانات كافية لعدم التعسف فيه، وحتى دون هذه الضمانات مما يجعل مبررات الحل غير محددة على سبيل الحصر، وتتحكم فيها ظروف وخصوصيات كل دولة. 7-إن الفكر البرلماني التقليدي يتبع نظرية الموت المدني والتي من خلالها يفقد البرلمان الصفة النيابية ويجرده من وظائفه، ويمس بصفة أعضائه، بحيث يفقدون صلاحياتهم وامتيازاتهم، وهذا ما قد يشكل خطراً على استمرارية أعمال الدولة لما يتمخض عن الحل من غياب تام لسلطة التشريع والرقابة، وهو ما يناقض في جوهره النظم النيابية الديمقراطية، باعتبار أن الشعب صاحب السيادة أصبح دون نواب يمثلونه، ويسهرون على تجسيد هذه السيادة، في حين أن الفكر الدستوري الحديث يتوجه نحو تحييد آثار حل البرلمان وترسيم قاعدة ضرورة استمرار الحياة النيابية حتى في حالة الحل، لتجنب خطورة الفراغ الرقابي والتشريعي، فالبرلمان لا يفقد صفته النيابية بقرار حله، وإنما بإجراء انتخابات جديدة، وأكثر من ذلك ذهبت دساتير أخرى إلى حد اعتبار انتخاب المجلس الجديد دليل على فقدان المجلس المنحل صفته النيابية وعليه يمكن القول أن الدساتير حرصت على عدم الوقوع في الفراغ التشريعي، واختلفت في تبني الأسلوب الذي يلائمها بغية ضمان عدم الوقوع في هذا الفراغ. التوصيات 1-باعتبار أن رئيس الدولة عادة في النظام البرلماني يسود ولا يحكم فهو غير مسؤول سياسياً أمام البرلمان، فيتوجب عليه الحفاظ على مكانته، والتنزه عن النزاعات والصراعات الحزبية الضيقة، وعليه يتوجب على الرئيس دوماً الترفع إلى مستوى الحكم بين السلطات. -2 إذا كان الحل بيد رئيس الدولة يمارسه سواء بمفرده، أو بناء على طلب من الحكومة- فإنه يتوجب عليه قبل النطق بقرار الحل أن يضع أمامه الاحتمالين بنفس المرتبة، وهما الاستجابة لطلب الحكومة بحل البرلمان وإصدار قرار بذلك، أما الاحتمال الثاني هو رفض حل البرلمان أي رفض طلب الحكومة، ويجب عليه بالمقابل إقالتها، لأنها طرف في النزاع المسبب للانسداد في مؤسسات الدولة، فكما قد يكون حل المشكلة في إزالة البرلمان، قد يكون في إزالة الحكومة، ولا يجب أن يكتفي الرئيس بدراسة احتمال واحد فقط. 3-وضع آليات لمنع استبداد السلطة التنفيذية بحقها في حل البرلمان، ومن هذه الآليات يمكن أن نذكر: منع حل البرلمان خلال فترات زمنية يحددها الدستور مسبقاً، مثل عدم جواز الحل خلال السنتين الأوليين لانتخاب البرلمان، وهذا لأجل منحه الوقت الكافي لإثبات وجوده، وبلورة أفكار أعضائه ميدانياً، حيث أن مدة سنة واحدة التي وضعتها بعض الدساتير غير كافية، لهذا نقترح كقاعدة عامة نصف العهدة البرلمانية الأولى، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار دائماً أن السنة الأولى يضيع فيها وقت كثير في البروتوكولات والشكليات الخاصة بالتنصيب وتثبيت العضوية، ومعالجة وضعيات النواب الجدد. يجب المنع الصريح لحل البرلمان خلال إعلان الحالة الاستثنائية، لأنه خلال هذه الفترة تكون الأمة منشغلة بمواجهة ظروف خطيرة، الأمر الذي قد تستغله الحكومة لتحقيق مكاسب سياسية خلال تلك الفترة بعيداً عن الرقابة البرلمانية، من خلال الإسراف في اتخاذ قرارات بداعي مواجهة الأزمة، ولكنها خطيرة قد ترهن مصير الأمة بأكملها، وتمتد آثارها إلى ما بعد زوال الحالة الاستثنائية. عند حل البرلمان يجب استقالة الحكومة مباشرة، وتعيين حكومة جديدة محايدة من طرف رئيس الدولة، تكون مهمتها محددة في التحضير للانتخابات البرلمانية والإشراف عليها، وتستقيل بمجرد إعلان الانتخابات، وتشكيل حكومة جديدة من الأغلبية الفائزة فيها. أما لو تم الإبقاء على الحكومة التي وقعت طلب الحل فهنا تطرح مسألة الاختصاصات والسلطات التي تتمتع بها هذه الحكومة خلال فترة الحل، فهنا نهرى أنه يجب تقليص اختصاصات الحكومة لتصل إلى وضعية حكومة تصريف الأعمال، إذا كانت لا تحوز ثقة البرلمان عند حله، وأن حلها لهذا الأخير كان ردة فعل منها على عدم ثقة البرلمان فيها، وإمكانية إعمال مسؤوليتها السياسية. أما إذا كانت الحكومة الموقعة على طلب حل البرلمان لا تزال تحظى بثقة البرلمان عند حله، كأن يكون سبب اللجوء للحل هو تقوية أغلبية برلمانية موجودة، أو منع تصدعها، أو إعادة رص صفوفها بعد بداية التصدع، ففي هذه الحالة فقط لا نجد مانعاً في أن تبقى الحكومة تتمتع بنفس اختصاصات الحالة العادية، باعتبار أنها مارست حقاً منصوصاً عليه في الدستور الذي زكاه الشعب. يجب أن يحدد مرسوم أو قرار الحل أجلاً لإجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة، وكذا تاريخ اجتماع المجلس الجديد استناداً إلى الدستور، مع ترتيب جزاء على عدم احترام هذه المواعيد، وخير الجزاء هو الذي يضمن العودة إلى الحالة الأولى بعودة البرلمان المنحل، واجتماعه بقوة القانون في اليوم الموالي لانقضاء الأجل المفترض لإجراء الانتخابات، وإذا أجريت الانتخابات لكن ظهرت عراقيل تحول دون اجتماعه في الآجال القانونية، فهنا نرى أن يعود المجلس القديم للاجتماع حتى تتهيأ الظروف لاجتماع المجلس الجديد. تحديد حالات معينة على سبيل الحصر يمكن خلالها للبرلمان المنحل العودة للاجتماع خوفاً من الفوضى، مثل حالة خلو منصب رئيس الجمهورية بعد الحل أو حالة الاستعجال والضرورة. تحويل الاختصاصات الرقابية للغرفة المنحلة إلى الغرفة الثانية وذلك في الدول التي تأخذ بنظام الغرفتين في البرلمان، وذلك لتقوم بدور الرقابة على الحكومة خلال فترة الحل دون أن تتدخل أو تحاول ممارسة التشريع. ضرورة تسبيب قرار الحل حتى يتمكن الناخبون من الحكم ومساندة إما الحكومة، أو الأغلبية البرلمانية، وكذلك لتحقيق شرط قد يكون ضرورياً هو عدم تكرار الحل لنفس السبب، فلا يمكن أن نتأكد من أن الحل لم يقع في المرة الثانية لنفس سبب المرة الأولى ما لم نعرف سبب الحل خلال المرة الأولى. كما يجب التأكيد على تحديد سبب الحل وآثار عدم ذكره ، كأن يكون قرار الحل باطلاً دون أن ينجر عنه حرمان البرلمان من ممارسة مهامه، وهنا تطرح إشكالية الرقابة على قرار الحل، وعليه نقترح إخراجه من كونه من أعمال السيادة، وجعله قراراً قابلاً للطعن فيه أمام هيئات قضائية عليا، أو حتى متخصصة، لكن مع ضبط آجال وإجراءات التقاضي أمامها حتى لا نغرق في الإجراءات، وننقل الصراع إلى القضاء لكن مع إبقاء القاسم المشترك فيها هو طول المدة الزمنية، التي قد تلعب دوراً سلبياً في مواجهة أزمة مؤسسات الدولة، مما يؤثر على استمراريتها. 4-توسيع دائرة استشارة الرئيس قبل الإقدام على حل البرلمان إلى مسؤولي هيئات دستورية مثل ورئيس مجلس الدولة والمحكمة الدستورية العليا، و كل ذلك لأجل تقدير ملاءمة هذا القرار مع الظروف السياسية والأمنية التي تمر بها البلاد، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وهذا إضافة إلى تقدير الوقت من السنة والتي قد تتحكم في نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية، وبالتالي الشرعية الشعبية للبرلمان المقبل، كأن تتجنب إجراء الانتخابات خلال فصل الشتاء، أو خلال أوقات الراحة والعطل، التي تجعل من الهيئة الناخبة تغير اهتماماتها نحو الهدوء والسكون قبل العودة للعمل. 5-دعوة الأحزاب السياسية الفاعلة في الميدان والممثلة في البرلمان خاصة إلى أن تمارس المعارضة الحقيقية البناءة لتقويم دور البرلمانات ورقابتها للحكومة، كما يجب عليها أن تسعى لوضع قانون انتخابات يمكن البرلمان فعلاً من الحصول على نواب ذوي كفاءة ونوعية، مثقفة واعية، ذات خبرة وحنكة سياسية واسعة. كما يجب أن تعمل القوى السياسية الحزبية على ضمان إجراء انتخابات برلمانية نزيهة، تكون فيها حاضرة، مراقبة طيلة كل مراحل العملية الانتخابية، والأهم أن تكون قد قدمت مرشحين على أساس الكفاءة والنضال فقط، بإمكانهم الوقوف بالند أمام الحكومة، بعيدا عن اعتبارات المصالح الخاصة، واضعين في عين الاعتبار أن النائب يمثل الأمة بالدرجة الأولى، وأن الولاء للأمة مقدم على الولاء للحزب، أو للمصالح الشخصية. 6-وضع حد لسيطرة الحكومة على العمل التشريعي، فلا يجب أن يكتفي النواب بالمصادقة أو إجراء تعديلات ضعيفة على مشاريع القوانين التي تسنها الحكومة، وإنما لابد من تفعيل دور النائب المنشئ للقانون، والمبتكر للحلول التشريعية، وهذا بتحديد نسبة مجالات لا يجب على الحكومة تجاوزها في مشاريع القوانين سنوياً، أي جعل نسبة اقتراح القوانين من قبل النواب أعلى من نسبة الاعتماد على مشاريع القوانين، وكل ذلك تجنباً للصراعات بين السلطتين نتيجة سن القوانين والتي قد تؤدي لحل البرلمان أو سحب الثقة من الحكومة.
#أبو_جاد_قسوم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الظروف الاستثنائية في الدستور السوري والفرنسي
المزيد.....
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|