|
ضياع الإنسان والعقل والمنطق بين الردح والنواح والانشراح !
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8124 - 2024 / 10 / 8 - 14:28
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"من يقتل الناس ظلماً وعدواناً ويذقْ بلسان وفم دنسين دماء أهله ويشردهم ويقتلهم ، فمن المحتم أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب" . افلاطون
كتبت أكثر من مرة عن عوار (المنظومة والعقل السياسي والثقافي والديني والاجتماعي العربي السائد) ، أي من يطلق عليهم تسمية (قادة وصنّاع الرأي - النخب - أصحاب الحل والعقد - المثقفون الثوريون …) وانهم هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن العجز والفشل والمراوحة في دائرة العجز والتخلف عن مجاراة العصر ، وليس غيرهم . وأشرت إلى بعض مظاهر هذا العوار ، فبالرغم من كل الخطب والشعارات واللافتات ، التي تدعي وتتغنى بالإنسان والقيم الانسانية والاخلاقية ، إلا أن المعيار الإنساني في الواقع غائب .
أعتقد أن الإنسان والحفاظ على حياته وكرامته وحريته فوق كل اعتبار ، وهو المعيار الأساسي في كل عمل ، وهو المبتدأ والخبر في كل موقف ، وكذا احترام العقل والمنطق ، ولكن ما نراه في الساحة العربية هو العكس ، حيثما ولينا وجوهنا ، فالمعيار الإنساني غائب ومهمش ، وإن وجد فليس أكثر من لافتة وشعار فارغ ومضلل ، وبدلاً من العقل تسود العاطفة والانفعال يرافقها العنف . هذا هو الحال منذ عقود إن لم يكن منذ قرون ، ومنها ما نشاهده اليوم من مواقف وردود الأفعال عما يجري في غزة ولبنان ومقتل حسن نصر الله وغيره . هذه لم تأت من فراغ ، ولا تحدث لأول مرة ولن تكون الأخيرة ، فهي نتاج لهذه (المنظومة ….) البائسة .
لقد سبق وحصلت نفس المواقف وردود الأفعال العاطفية العربية تجاه الطاغية صدام في حربه ضد إيران ، وبعدها في احتلاله للكويت ، ثم حين أطلق عدد من الصواريخ باتجاه اسرائيل ، وبعد اعدامه ايضاً ، فعم الفرح في هذا الخندق والحزن في الخندق الآخر ، وفي الحالين كان الموقف انفعالياً بعيداً عن المعيار الإنساني ، الذي يدين نهجه الدكتاتوري ، والتدمير والتشريد والقتل للعراقيين اولاً ولشعوب المنطقة ثانياً .
وهنا تجدر الاشارة إلى حالة الإنسان العراقي وخاصة المعارض لنهج صدام الدكتاتوري ، حيثما التقى بشخص عربي يسمع منه كلمات عاطفية عن الحب والتبجيل لصدام ، ويتحدث الأخ العربي ! وهو البعيد في المكان والزمان ، ولم يعاني من صدام كما عانى منه العراقيون ، فيؤكد أنه يعرف صدام أكثر من العراقي نفسه ! وهي حالة لا تستحق الرد ، بل تدعو للرثاء والسخرية من جهل وتخلف من يردد هذه الكلمات .
أما الأخوة الفلسطينيون والأردنيون ايضا ، فذهبوا أبعد من هذا ، حيث أقاموا سرادق العزاء على صدام واولاده ، ونصبوا له تمثال وسموه سيد شهداء العصر ! وهتفوا في تظاهراتهم في الأحداث الأخيرة بأسمه : وينك ياصدام حسين بعدك باعوا فلسطين …
https://pbs.twimg.com/media/DMmopPAX0AAAOE5?format=jpg name=small نصب الدكتاتور الطاغية المقبور صدام (( سيد شهداء العصر )) في الضفة الغربية !
الحالة التي ذكرتها أعلاه هي ذاتها التي تحدث اليوم مع الأخوة السوريين وهم يستمعون لكلمات الثناء والمديح والتبجيل من الأخوة العرب لحسن نصر الله (سيد الشهداء) ! وميليشيا حزب الله ، وهو الذي وقف مع نظام بشار ، وشارك في قتلهم في أكثر من مدينة سورية .
المتابع الموضوعي يطالع ويسمع كتابات وتعليقات في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي ، خارج التغطية ، وحتى بدون ورقة التوت ، وفيها الكثير من النفاق والتدليس والكذب والخداع بالفوتوشوب وغيره ، ومن مختلف الجهات والخنادق السياسية والقومية والدينية والطائفية ضد بعضها الآخر ، وكالعادة مصحوبة بالردح والشتائم والتشويه والتسقيط والاتهامات بالخيانة والعمالة والارتزاق .
وعلى العموم فما بين الفرح والانشراح هنا ، واللطم والنواح في الخندق الآخر ، نرى أن النفوس والمعنويات التي أصابها الإحباط النفسي نتيجة للضربات والخسائر التي تعرضت لها قيادة ميليشيا حزب الله ، عادت لتنتعش بعد إطلاق إيران للصواريخ ضد إسرائيل ، فعبرت بفرح هستيري شبيه بذاك الذي حدث حين أطلق صدام للصواريخ على اسرائيل . وبدأ الردح مجددا لصالح إيران ( فهي لم تورط ولم تخذل اتباعها وفعلت في نصف ساعة ما لم يفعله العرب طيلة ٧٠ عام ) ! وأمام هذا الفشل والعجز المخزي عن الفعل الملازم للمتشدقين بالضربات الإيرانية ، يحضر بامتياز المثل القائل : "العاقر تتباهى بأطفال ضرتها" … و "الغراب يزهو بريش الطاووس" …!
وعادت للارتفاع وتيرة الخطاب الأجوف والشعارات والعنتريات التي عفى عليها الزمن ، والتي أثبتت فشلها ، ودفعت الشعوب العربية ثمنها غالياً جداً بالأرواح والمال وفرص التقدم ، فنقرأ لمن يشيد بإيران ويصفها بأنها رائدة التحرر والحركة الثورية المواجهة للغرب الامبريالي وربيبته إسرائيل ! وبدون أدنى إشارة إلى أنها نظام ديني طائفي يقمع شعبه ، ولا نعرف إن كان ، من يردد هذه الترهات ، قد سمع بما حدث لـ (مهسا أميني) ! أو انه قد سمع وقرأ ما ينشره الأخوة السوريون عن تدخلها ضدهم لصالح النظام السوري !
بناءاً على ما مر أعلاه ، هناك أسئلة تطرح نفسها : هل لدينا تنظيمات مقاومة حقيقية أم تنظيمات تسلطية ؟ … هل كل من رفع السلاح تحت حجة ولافتة وشعار حرية/وطن/استقلال …الخ هو مقاوم ؟ اليس في التاريخ بالأمس واليوم والواقع والأفعال والنتائج ما ثبت أن هناك من كان مخادعاً آفاقاً ومغامراً ، رفع السلاح ، في داخل بلده وخارجه ، طمعا بالسلطة والمال ، وأنه كان يعمل لمصلحته الفئوية الخاصة ، مغامراً بأرواح ومصالح الناس ، وإن تشدق بها ليل نهار ؟
الجواب : التاريخ - وخاصة التاريخ العربي - البعيد والقريب ، يثبت ليس كل من رفع السلاح والشعار هو صادق ومخلص ، فالمصالح الخاصة في احتكار السلطة والقرار والمال هو السائد ، بالرغم من نبل الشعارات ، التي أفرغها من محتواها وحولها إلى هراوة مسلطة على رقاب الناس ورؤوسهم ، وحينها لا يجرأ أحد أن يكرر ماقاله الطفل الذي صرخ ( لكن الإمبراطور عارياً) فـ(لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ، وهل نسيتم شعار (الطريق للقدس يمر من عبادان) !
وكذا بالتجربة والواقع ثبت ان من لا يحترم حياة الإنسان وحقوقه لأي سبب كان ، ويعتمد السلاح ، مهما بلغت مهارته وقدراته القتالية - سواء أكان في الحكم والسلطة أو خارجها - فهو مليشياوي بلطجي وليس رجل دولة أو مناضل … فكيف الأمر إذا كان من يحمل السلاح ، طائفي وخارج على الدولة ، ويتبع دولة أخرى ومشروع آخر ، ولا يخجل من التصريح علناً بذلك ، مهما كانت اللافتة والشعار الذي يردده واتباعه ليل نهار ؟
المقاومة حالة ومشروع حياة إنسانية كريمة ، لا تستقيم مع حالة ومشروع قهر وقمع واضطهاد وقتل الرفيق والأخ وابن البلد ، المختلف معه في الرأي والموقف ، وهي كذلك في طبيعتها ، حتى في مواجهة عدو خارجي ، وراجعوا واسألوا عما فعلت ميليشيا (حركة المقاومة الإسلامية ) بالمختلفين معها في قطاع غزة ! أو طبيعة عمل ميليشيا حزب الله في جنوب لبنان وبيروت ، او المليشيات العراقية وأتباعها ومافعلته بالمتظاهرين في تشرين من قتل وتشويه وشيطنة ! ومن يرغب بالمزيد فليراجع أرشيف القتال الفلسطيني الفلسطيني في شوارع وحارات لبنان ومخيماتها وغيرها ، وآخرها يوم 30 تموز 2023 في مخيم عين الحلوة ، أي العام الماضي ، قبل شهرين وبضعة أيام من العملية (الجهادية البطولية لحركة المقاومة الإسلامية) !
المقاومة والانتصار بالموقف ، وبأكثر من طريقة وأسلوب ، وليس فقط بالسلاح ، مهما كنت ماهراً ومتمكناً في تخزينه واستخدامه . نعم هذا النهج والعقلية قد يحقق ما يسميه (نصراً) بالسلاح هنا أو هناك ، في هذا الموقف أو ذاك ، لكنه (انتصار) محدود وزائف ومؤقت ، وهو قطعاً لن يدوم ، وسرعان ما يكشر هذا النهج (المقاوم) عن أنيابه ومخالبه ، ويرغم الشعب ، الذي يتحول إلى قطيع يهتف باسم (قائد النصر وفارس الأمة) . إن الشخص المقموع والمضطهد والمهزوم لا يمكن أن ينتصر ! والأمر كله لا يخرج عن كونه مراوحة في المكان ، أو في أحسن الأحوال حركة في نفس دائرة العجز والتخلف ، وليس خارجها .
نعم للمقاومة التي ترفض وتدين الطغيان والفاشية والعنصرية ، والقمع والاضطهاد وقتل وتشريد الإنسان تحت أية لافتة ، وحيثما كان ، ومن قِبل كائن من كان . نعم لمقاومة تؤمن وتعمل وتناضل من أجل بناء الإنسان أولاً ، وتستند إلى العلم والمعرفة وتطوير الإمكانات المادية والبشرية ، وتراجع وتستفيد من تجاربها السابقة ، وحتى تجارب عدوها ، ومن تجارب الشعوب الأخرى السلبية منها والايجابية ، وكذا العلاقات والشرعية الدولية ، التي سبق وقررت حل الدولتين ، وهو الحل الذي قبلته السلطة الفلسطينية والدول العربية والمجتمع الدولي ، وحتى الضغط باتجاه هذا الحل بالتعاون مع القوى في داخل إسرائيل ذاتها ، حيث توجد قوى لا يستهان بها تقف وتتحرك بالضد من نتنياهو ونهجه اليميني الفاشي .
هذا مانراه ، وهو بعض مما لدينا ، بعيداً عن المزايدة . أما من يرى غير هذا ، ولن يرضى ويهدأ له بال وقرار بأقل من (تحرير فلسطين من النهر إلى البحر) ، فالطريق مفتوح أمامه ، ومن المؤكد أنه ليس بحاجة لقرار أو موافقة من أحد … وكما قال الراحل عرفات : (من لا يعجبه فليشرب من بحر غزة) …… وليغفر الله لنا … ولكم !
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
*الفاشي دوغين يغرد ويكتب : دروس من كتاب الصهيونية
-
غضب الله هو الذي دفع أوكرانيا إلى الغزو !
-
الحلم الإثيوبي قد يشعل حرباً كبرى
-
ما الذي سنراه في مناظرة الليلة ؟
-
وقفة مع دوغين -عقل بوتين-
-
الفاشية على قيد الحياة … في روسيا
-
الجنرال -الأكثر سوفيتية- الذي قاد عملية التوغل في كورسك !
-
حركة واحدة تكشف القصة بأكملها
-
مشاكل الشرق الأوسط أكبر بكثير من حرب غزة
-
مراوحة خارج سيرورة الزمن
-
14 تموز/يوليو تبرير وتمرير الخطايا برطانة الخطاب !
-
بوتين على نهج هتلر ومن سبقه !
-
مناهضون للحرب يخدعون المسؤولين الروس بترجمة الشعر النازي*
-
روسيا على طريق الفاشية
-
الكرملين : بوتين كان يشخر خلال مناظرة بايدن الكارثية
-
اتجاه جديد ؟ إرسال المهاجرين إلى بلدان ثالثة
-
لا تقعوا في فخ الشعبوية المزيفة ل -فريق ميلودي-
-
مقامرة ماكرون : كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال ؟
-
نهاية هتلر : دراسة في الخلل الوظيفي للرجل القوي
-
ذكرى سقوط موسوليني : قوة المقاومة وعواقب العجز الاستبدادي
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|