|
هل حفظنا الدرس بعد اغتيال السادات فى 6 أكتوبر 1981 ؟
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 8124 - 2024 / 10 / 8 - 02:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ما تُسمى " الصحوة الاسلامية " ، التى استعادت نشاط التيارات التكفيرية ، الارهابية ، الجهادية المسلحة ، بدأت فعليا بعد هزيمة 1967 ، بخلية المعادى 1968 ، مرورا بمذبحة الكلية الفنية العسكرية 1974، وحتى اغتيال فرج فودة 1992 . ومنذ بدايتها ، وقبل الوصول الى التسعينات من القرن الماضى ، عاصر الشعب المصرى ، أحداث القتل ، والذبح ، للسياح ، والمصلين فى الكنائس ، والحشود فى الأماكن العامة ، واستهداف القطارات ، ووسائل النقل العام ، ومحلات الجواهرجية الأقباط التى يقتحمونها فى وضح النهار ، يذبحون صاحبها ويستولون على بضاعته . بالاضافة الى التفجيرات العشوائية فى أماكن متفرقة ، لاثارة الفزع والرعب . حينئذ كان المواطن المصرى ، يخرج من بيته ، ولا يعلم ان كان سيرجع الى أهله ، سالما . والمواطنة المصرية تخرج من بيتها ، وتودع أمها وأباها وأطفالها ، الوداع الأخير ، فقد تدخل عداد " المفقودات " ، أو ترجع أشلاء فى أكياس , فقدنا الشهداء من الشعب مسلمين ومسيحيين ، ومن الجيش والشرطة ، والقضاة والمفكرين . كلنا " كفار " ، حسب رأيهم ، نعيش بما لا يرضى الله ، وبما لا يقيم شرع الله على الأرض ، وأن الأوان لاستحلال الدم ، واعلان الحكم الاسلامى . وتوالدت مفرخة الاخوان ، مصدر جميع الحركات الارهابية ، والتنظيمات الجهادية ، وان اختلفت فى اسمائها ، ونطاق أنشطتها . تم استعادة الارهاب الاخوانى ، التكفيرى ، الجهادي المسلح ، بعد توقفه ست سنوات ، باغتيال محمود فهمى النقراشى ، رئيس وزراء مصر ، ديسمبر 1948 ، الذى أصدر قرار حل الجمعية ومصادرة أموالها وأملاكها . ثم جاءت محاولتهم الفاشلة ، لاغتيال عبد الناصر 1954 . هذا أدى الى حل الجماعة وفروعها للمرة الثانية ، وحظر أنشطتهم ، وحرق مقرهم ، والقبض على عدد كبير من أعضائهم ، وتقديمهم للمحاكمة ، وايداعهم السجون . وجاء حكم السادات فى 1970 ، حيث خرج جميع أعضائهم من السجون ، ومن جحور الاختباء ، وسمح للهاربين خارج مصر بالعودة ، وأعطاهم الجنسية المصرية ، ومنح الجنسية المصرية لمنْ سحبتهم منهم ، واعطائهم هم الحرية الكاملة ، لاستعادة نشاطهم ، وبناء قوتهم ، ولقب نفسه " الرئيس المؤمن " . وكان الهدف ، هو اضعاف التيارات اليسارية الاشتراكية والشيوعية ، والقضاء على بقايا النظام الناصرى . وشكلت هزيمة 67 ، فرصة مواتية للموجة التكفيرية الجهادية المسلحة ، فتشكلت الخلايا وأولها خلية المعادى 1968 ، ثم مذبحة الكلية الفنية العسكرية 1974 ، ثم خطف واغتيال الشيخ الذهبى 1977 . وعند بداية الثمانينات من القرن الماضى ، كانت هذه التيارات التكفيرية الجهادية المسلحة ، قد توغلت ، وازدهرت . فى يوم 3 سبتمبر 1981 ، بدأ السادات حملة اعتقالات واسعة شملت 1536 ، من رموز المعارضة الفكرية والسياسية . وفى 5 سبتمبر ألقى خطابه الأخير ، واستمر ثلاث ساعات ، اعترف أنه " ندم " على فتح الأبواب للاخوان ، وتيارات استغلال الدين فى السياسة ، وقال : أنا غلطان ، كان لازم يفضلوا فى السجون مطرح ما كانوا ". وقرأ ما حصل عليه ، من وثائق وأوراق تدين الاخوان ، وتيارات الاسلام السياسى ، باحداث الفتنة ، وترويج الشائعات ، وتكفير نظام الحكم ، والقضاء عليه ، بدعم من بعض الدول ، وتوعد بأخذ الاجراءات الفورية الصارمة ، لمطاردتهم ، وملاحقتهم ، وارجاعهم الى السجون ، حيث أماكنهم الأصلية . بعد شهر واحد بالضبط ، وفى 6 أكتوبر 1981 ، اغتيل السادات على يد الجماعة الاسلامية ، وجماعة الجهاد ، باشراف وتنسيق ودعم الاخوان المسلمين ، وبتحريض من فتوى عمر عبد الرحمن ، مفتى الجماعة الاسلامية ، الذى كفره ، واستحل دمه . تم تنفيذ الاغتيال ( عملية الجهاد الكبرى ) المنشق العسكرى خالد الاسلامبولى ، بينما يشاهد السادات العرض العسكرى ، المقام فى مدينة نصر ، احتفالا بمرور ثمان سنوات ، على انتصارات حرب أكتوبر . واستخدمت فى العملية ، بنادق ورشاشات وقنابل يدوية ، التى أودت بحياة سبعة قتلى ، وثمانية وعشرين مصابا ، غير السادات ، ولم تستغرق الا أربعين ثانية . من المفارقات أن السادات فى هذا اليوم ، على الأخص ، رفض ارتداء السترة الواقية ، قائلا لزوجته : " الموت بتاع ربنا يا جيهان .. خليكى مؤمنة .. ألبس سترة واقية النهارده ، ده أنا رايح أحتفل وسط ولادى ". فى الندوة الشهيرة بمعرض الكتاب ، فى 7 يناير 1992 ، بعنوان " مصر بين الدولة الاسلامية والدولة المدنية " . يمثل الدولة الاسلامية ، الشيخ محمد الغزالى ، ومرشد الاخوان مأمون الهضيبى ، والكاتب الاسلامى النازح من الشيوعية محمد عمارة . بينما يمثل الدولة المدنية فرج فوده ، محمد أحمد خلف الله ، عضو حزب التجمع . حضر الندوة ما يقرب من أربعين ألفا شخص ، من كافة تيارات الاسلام السياسى الجهادى التكفيرى ، التى بدأت بالتكبير والهتافات ، فى صوت واحد ، صاخب ، كأنها تحارب فى احدى الغزوات الاسلامية : " الله غايتنا والرسول قدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا والموت فى سبيل الله أسمى أمانينا ". ولم تكن لتتوقف ، لولا أمر مباشر ، من الشيخ الغزالى ، بعد أن فشل سمير سرحان ، الذى يدير الندوة ، بالسيطرة عليهم . بكل المقاييس ، نجح فرج فودة ، بكلامه العقلانى ، وسرعة البديهة ، واللباقة ، وسعة اطلاعه على التراث الاسلامى ، وخفة الظل المثقفة ، والكاريزما المميزة له ، وثباته الانفعالى وهدوئه ، فى الانتصار للدولة المدنية ، والحاق الهزيمة بالدولة الدينية . وأوضح أن الاسلام كدين ، لا غبار عليه . لكن الاسلام كدولة ، مرفوض . وأينما ذهب الحكم الاسلامى ، تحل المآسى ، والديكتاتورية ، وبحور الدم ، كما يحدث فى ايران بعد الثورة الاسلامية الشيعية 1979 . لا ننسى كلمته فى نهاية الندوة ، بما معناه : " من مكتسبات الدولة المدنية التى تعادونها ، أننا نخرج جميعا من هذه الندوة ، وأعناقنا مازالت فوق رؤؤسنا ". بعد الندوة أصدرت جبهة علماء الأزهر ، بيانا شديد اللهجة ، يكفر فرج فودة بشكل صريح ، ويوجب قتله . وأيد البيان الشيخ عمر عبد الرحمن ، والشيخ الغزالى الأزهرى ، والتيارات الاسلامية الجهادية المسلحة ، والتى وزعت منشور البيان فى كل مكان ، ونشرته جريدة " النور " لسان حال الاسلام السياسى . وفى التليفزيون المصرى ، رأينا الشيخ الغزالى يقول : " منْ ينادى بالعلمانية كافر ومرتد ويستحق القتل ، مثل فرج فودة ". فى 8 يونيو 1992 ، بعد خمسة شهور بالضبط من تاريخ الندوة ، تم اغتيال فرج فودة ، من قبل الجماعة الاسلامية ، وتحريض مباشر من الاخوان ، ومباركة من كل الفرق الاسلامية الجهادية . بعد الاغتيال ، أكد الشيخ الغزالى ، أن فتواه تخص فقط ، أن فرج فودة ، كافر ، ووجب تطبيق حد الردة عليه . ولكن هذه هى مهمة حاكم الدولة ، فى محاولة لنفى تورطه فى التحريض على القتل . والآن ، لماذا أستعيد كل تلك المشاهد ؟. نحن نحتفل هذه الأيام ، بمرور واحد وخمسون عاما على انتصارات أكتوبر . ولكن المطلوب ، هو أكثر بكثير من الاحتفال . المطلوب ألا ننسى أبدا ، تاريخ أصحاب الأيادى الملطخة بالدماء ، وأصحاب التحريض على التكفير واستحلال الدم ، والتحالفات التى تتم بين الفرق الجهادية الاسلامية المسلحة ، على مستوى التكتيك و الخطط قصيرة الأجل . فالجميع خرجوا من عباءة الاخوان المسلمين . والجميع متفقون على الحلم التهائى ، باستعادة الخلافة ، والحكم الدينى ، وتطبيق حدود وشرع الله . علينا ألا ننخدع . هناك أصوات مشبوهة ، تظهر من حين لآخر ، تأكل على كل الموائد ، ولو كانت ولائمها من لحم ودم البشر ، ترى أن الاخوان ، قاموا بمراجعات فكرية ، وغيروا من أساليب عملهم ، وبالتالى يمكنهم المشاركة فى الحياة السياسية المصرية ، مما يفيد الديمقراطية . هذا بالضبط ، مثل وضع السُم فى العسل . فالاخوان ، منذ تأسيسهم 1928 فى مصر ، على يد حسن البنا ، والعنف والدم والاغتيالات والتصفية والتهديد والارهاب ، جوهر جهادهم فى سبيل الله . ولا شئ ، سوف يردعهم عن هذه الأساليب . والسبب بكل بساطة ، أن حلمهم لاعادة الخلافة ، فى منتهى الهشاشة ، ليس له أرض صلبة للوقوف عليها ، وهو ضد الزمن والعقل والمنطق والعلم والتعايش السلمى ، والعدالة ، والمواطنة . وبالتالى هم مضطرون الى فرضه بالقوة ، والدم ، لتزييف صلاحيته ، ومصداقيته . يجب أن نتذكر دائما ، أن جميع المطالبين بالدولة الاسلامية والحكم الاسلامى ، لا يؤمنون أصلا بفكرة " الوطن " . ان " مصر " حاضرة لديهم ، فقط كامارة أو ولاية ، تحت الحكم الاسلامى . الوطن يختفى تماما . الاسلام أينما كان هو الوطن . أن الاخوان ، والروافد النابعة منهم ، مازالوا موجودين فى بلادنا . ربما خرجوا بأجسادهم فقط . لكنهم زرعوا البذور ، حتى صارت أشجارا كثيفة عتيدة فى التربة المصرية . لقد استهدفوا تحجيب الفتيات والنساء ، والفن ، والاعلام ، تعديلات فى قوانين الأحوال الشخصية ، وترسيخ الذكورية ، وميول العنف والعدوانية ، ونجحوا فى كل ذلك . وأظن أننا شهدنا ، على كيف يتم ابادة احدى المنظمات الارهابية التكفيرية الجهادية ، ولا يكاد يمر وقت ، حتى تفاجئنا ولادة أخرى، باسم مختلف . صحيح أن مصادر التمويل قد انحسرت بشكل كبير ، لكنها لم تنقطع بشكل نهائى . على الشعب المصرى ، مسئولية أكبر ، فى التصدى للارهاب الاخوان المسلح ، ومفرخته ، حيث تأسست جماعة الاخوان ، على أرضه فى مصر .
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصيدة لا شئ أخسره
-
اربع قصائد جثة الظلام .. النساء .. كن نفسك .. هى وأنا
-
أين موطن - الاسلام الصحيح - ؟
-
ثلاث قصائد لا تركب قطارى .. لن أشهد .. أريد أن أطفش
-
لا تضعوا العطور فوق أكوام القمامة
-
رسالة بالبريد السريع القلق .. ارجعى يا مصر الينا
-
تيد كازينسكى كيف تحول من عبقرى الى مجرم ؟
-
- فنسنت فان جوخ - يقتل نفسه و - ثيو فان جوخ - يقتله سلفى جها
...
-
اليه أعود .. فى ليلة ممطرة قصيدتان
-
تجديد الفكر الدينى يحتاج الى تجديد فى الفكر والثقافة
-
المسرحية .. أين قلبى ؟ .. شهوة النكاح ثلاث قصائد
-
يعيشون فى القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن السابع لشبه الج
...
-
فى المطار .. انتحلت شخصيتى قصيدتان
-
القرار .. فقط حينها .. الطبيب الشرعى ثلاث قصائد
-
أعجز عن النوم مع - الكذب - فى فراش واحد
-
وردة دُفنت .. أحبك قصيدتان
-
- المصرية اليوم - تهدى باقة ورد الى - المصرى اليوم -
-
الوطن المحشور .. خمس قصائد
-
شرطة - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - تتنكر فى شكل- المطو
...
-
البئر الملوثة .. قصيدة
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|