أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - مقتل وزير ..القسم السابع والأخير















المزيد.....

مقتل وزير ..القسم السابع والأخير


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 8123 - 2024 / 10 / 7 - 16:47
المحور: سيرة ذاتية
    


إنما الأمر الذي يهمني هنا, وأجزم أن ذلك نفسه ما يهم عموم الناس, هو البحث عن المشهدين الأهم اللذيْن لم يجرِ التطرق إليهما في قصة القتل, وأولهما : لماذا تم القتل أصلاً ؟ وهل أن ذلك كان قد جرى بسبب الدواء ؟ أم أن قصة الدواء كانت قد استدعيت بعد القتل ثم جرى النفخ فيها ومَنْتجَتَها حتى تكون قصة الاغتيال مقنعة في أذهان الناس والعالم. أما المشهد الآخر فهو الذي يجيب على السؤال الثاني المهم وهو كيف جرى الاغتيال وأين ومَن الذي قام به وهل أن صدام هو الذي قام به ولماذا؟
قبل ذلك فإن قراءة موقف صدام حسين من الأطباء بشكل عام قد يمنحنا فرصة لبناء مدخل أو اقتراب أفضل لقضية الشهيد الدكتور رياض الحاج حسين, واتمنى أن لا يُفسر ذلك بنوايا الإيغال والإمعان في بناء أو تركيب الشخصية العدائية للرئيس واستخدامها لتفسير مضاف نحو استعداده لإرتكاب جريمة القتل العمد دون تردد, إذ ما زلت اعتقد أن نية القتل لم تكن متوفرة حين تم إرتكاب الجريمة, رغم أن عدم توفرها وحصولها في لحظة غضب لن يخفف من حدة الإثم, لكنه في كل الأحوال سوف يوفرفرصة مضافة لفهم التركيبة النفسية للرئيس المستعد على الدوام لاستعمال المسدس قبل العقل والتعقل. وثمة حوادث أخرى ربما تقنعنا بان الرئيس الذي بات يشارك نبوخذنصر طابوقاته الأثرية صار يبدأ في كثير من الحالات عقوباته من الإعدام بدلاً من أن ينتهي بها.
إن متابعة سريعة لطريقة القضاء على الخصوم, وحتى بحق أقرب الناس إليه سواء عند الإختلاف أو عند التوجس, ستؤكد من جانبها حقيقة أن صدام حسين كان شخصية متميزة بحق على هذا الصعيد, ذلك أن مقارنته مع جميع مجايليه من الحكام العرب سوف تؤكد على طبيعة شخصية العنيفة التي ساهمت ببنائها مجموعة من العوامل البيئية والعائلية والبنوية التي تراكمت جميعها واشتغلت لبناء وانتاج هذه الشخصية الميالة لتغليب عرض الأكتاف على عرض العقل, فالرجولة نفسها لا يمكن امتحانها إلا من خلال من خلال بوابة القتل, ويصبح القتل هنا في ثقافة رجولته وثقافة البيئة التي جاء منها ليس جريمة وإنما هو واحدٌ من أساسيات بناء الرجولة ذاتها .
وإن كان صدام متميزاً على هذا الصعيد, فإن قراءة تاريخ أخوته وأقاربه بداية من علي حسن المجيد ومروراً ببرزان وسبعاوي ووطبان وبقية الشلة التي تضم عبد حمود مثلاً ستؤكد من جانبها على أن القتل هو لازم ومتلازم مع البناء النفسي والإجتماعي للمحيط العائلي والبيئوي الذي كان قد عاصره الرئيس منذ ميلاده المربك والمرير الذي خلق منه شخصية يتقدم فيها العنف بكثير على كل لوازم بناء شخصيته.
هكذا رأيناه وهو يُشرك ولديه عدي وقصي, وأكبرهما لم يكن قد تجاوز سن الخامسة عشرة, في فرقة قتل شهداء قاعة الخلد الذين حيكت بحقهم مسرحية مؤامرة (محمد عايش), وروى لي احد المقربين أن برزان كان قد اشرك أيضاً ولده محمد وكان وقتها في سن التاسعة لكي يساهم مع أولاد عمه في تجاوز امتحان الرجولة, وعلى عهدة الراوي فإن والدة محمد كانت قد (هلهلت) حين عودة إبنها من ذلك الإمتحان بدعوى أن إبنها قد أصبح (إزلمة : رجل شديد البأس). وقد وثقت قناة العربية الفضائية في العام الذي تلى الاحتلال الأمريكي كيف أجبر النظام أربعة اخوة من عائلة تنتمي إلى (العوجة) على تنفيذ حكم الإعدام بأخيهم بعد ربطه بنخلة في باحة البيت واشترطت أن يكون والد الضحية متفرجاً على تلك الجريمة النكراء. وكما قلت فإن القتل في تقديره وتقدير البيئة التي جاء منها ليس جريمة وإنما هو البوابة الأساسية للدخول إلى عالم الرجولة, فلا عجب أن يرتكب صدام حسين (جريمة) قتل د. رياض, ليس فقط بسبب مخزون الكراهية ضد الوزير السابق وإنما لأن تعريف قتل (الخصم) في ثقافته لم يكن يبوب في خانة الجريمة, وإنما هو يدرج في خانة الرجولة ليس إلا.
لقد ألقي القبض سريعاً على د.رياض بعد أن وصلت رواية الدكتور النعمان إلى اسماع الرئيس وأودع في سجن الأمن العامة ثم أحيل إلى دائرة المخابرات برواية احد الأصدقاء من ذوي العلاقة بشخوص من الدوائر الأمنية. وعلى حد رواية ذلك الصديق فإن برزان الأخ غير الشقيق لصدام والذي يحتفظ بعلاقة صداقة قديمة مع الدكتور رياض سعى لدى أخيه من أجل أن يصلح العلاقة بالوزير المقال بعد أن اشبعوه تعذيباً. وقد وجد برزان قبولاً لدى الرئيس الذي ربما وجد أن الإذلال النفسي والتعذيب الجسدي الذي لقيه د. رياض على أيدي رجال أمنه كان كافياً لإيصال رسالته. وكانت زوجة المرحوم قد قابلت بدورها صدام حسين فوعدها بأنه سيعفو عنه وسيصلها شخصيا بعد يومين او ثلاثة وحتى أنه طلب ثياباً لائقة يلبسها حال خروجه, وظن برزان أن الرئيس بات مقتنعاً بوضع توقيعه على خاتمة مُرضية بعد ان شفى غليله من الوزير المقال الذي سيقتنع بأنه لولا رحمة الرئيس لما ظل رأسه على كتفيه, كما وسيقتنع الآخرون من الوزراء والقيادين بان رضاء الرئيس عنهم هو الذي يكفل بقاءهم على قيد الحياة بعد الدرس الأليم الذي تلقاه الوزير المتمرد صاحب الكبرياء الذي ظن أن بإمكانه أن يخرج من عالم صدام الملئ بالخوف والسير على الأشواك إلى عالمه الخاص الخالي من الخوف والإذلال محتفظاً برأسه وكرامته.
ونعرف أن الأمر مع صدام لا يستقيم على هذا النحو, وقد سمعته ذات مرة يقول وكان متشنجاً جداً وعائداً من زيارة له لقطعات عسكرية في الجبهة (قال لي حكيم : إذا أردت أن تصلح وزارة لا (تكضب : تمسك) الموظف المخطأ بل أكضب الوزير من رقبته) والحكيم المقصود كما قيل لي كان هو ابراهيم الحسن زوج أمه الذي كان بالكاد يفك الحرف, لكنه كما يدعون كان ذكيا بالفطرة ! وهي فطرة مشتقة هنا بفَطْر الإنسان وصولاً لشقه إلى نصفين ولا علاقة لها بسعة العقل أو تعدد ملكياته, فلا غرابة, في زمن الحكيم إبراهيم الحسن, أن توضع القوانين على الرف ويحكم ممثلو الرئيس في محاكمه الخاصة على طريقة لعبة المحيبس العراقية الشهيرة (من هالعظم لهذا العظم .. إعدام).
وفي الطريق إلى حضرة الرئيس القائد كان على رياض أن يخوض تجربة لم يكن مهيئاً لها على الإطلاق. لقد كان عليه أن يتحمل المزيد من التقريع وسبل الإذلال من الرئيس, ذلك أن الصلح بتعريف الرئيس لا يفهم منه وكأنما هو بمثابة جلسة لإسقاط فروض أوتحديد بدايات جديدة, بل كانت بطبيعة الحال بداية لمرحلة جديدة تفرض على الوزير, لكي ينال رضاء رئيسه ويحصل على بركته أن يؤكد على الولاء المطلق له ويتخلى عن احترامه لنفسه.
أما الدكتور رياض المثقل جسديا ونفسياً بكل سبل التعذيب فقد كان يتوقع أن يزيل صدام عنه بعض جراحاته. ولكن بدلاً من ذلك صار الرجل في حضرة شخص استقبله بطريقة السيد للعبد طالباً منه الإعتراف بالخطاً الذي لم يرتكبه وبالجريمة التي سجلت باسمه, ثم إذا به وقد راح يستمع إلى كل ما يقلل من شأنه وينال من كرامته, فما كان منه حينما بالغ صدام حتى بشتيمة والده والنيل بطريقة غير لائقة من عائلته إلا وينفجر في وجه الحاكم الذي تفضل عليه أهل الضحية حينما كان مطارداً من قبل النظام السابق ويوم كان حائراً بلباسه ومعدته ومكان نومه.
قال الوزير السابق لرئيسه السابق بعد سيل الإهانات إنه وبعد كل الجهود التي بذلها مخلصاً في خدمة الناس والنظام ها هو يرى نفسه معذباً وسجيناً وفي حضرة رئيس كان يتوقع منه أن يربت على كتفيه فإذا به يشتمه ويخنقه ويطلب منه أن يسلم آخر ما تبقى من مفاتيح كرامته لكي يضمن له طريق الخروج سالماً. هنا لم يجد صدام غير لغة الرصاص فأخرج مسدسه وقتل وزيره.
قلت أن صدام حين ارتضى أن يقابل الدكتور رياض لم يكن يحمل في نيته قتل وزيره, وإنما كانت استعدادات القتل جاهزة لديه كالعادة, ومسدسه مهيئاً للتصويب على فرائسه.
وختاماً سأقول أن هناك روايات متعددة تتناول أسباب وكيفية مقتل الوزير, أما أتعسها فتلك التي تدعي أن رياض قد اقترح على صدام بدفع من الرئيس البكر المستعد أن يتنحى لفترة حتى يقتنع الإيرانيون بوقف القتال على الجبهة ولكي تتوقف الحرب التي بدت وكأنما لا نهاية لها, لأن حكاية كهذه تظهر رياض وكأنه مصاب في عقله أما البكر فتظهره أشد إصابة.
وإن ما حدث بعدها كان أشد إيلاماً, إذ تم قتل الوزير مرتين, وكانت اشدها هي القتلة الثانية حينما راح الرئيس يتهم الوزير الشهيد بالتعامل مع العدو عن طريق استيراد أدوية سامة تعمد من خلالها أن يقتل الجرحى من الجنود العراقيين (حيث كان الخميني يقتلهم على الجبهة بينما يتكفل رياض بقتلهم في الداخل).
وكما ذكرت فإن الرئيس الذي لم يكن في نيته قتل الوزير, والذي فوجئ بالضجة الدولية والإقليمية, والذي كان ما زال غارقاً حتى أذنيه في الحرب مع إيران, وكان وقتها في مواجهة انهيارات واسعة في الجبهة, وغير ضامن لسير الحرب التي بدت وكأنها بدون نهاية, هذا الرئيس لم يتردد عن قتل د. رياض مرة ثانية حينما عقد مؤتمراً صحفياً أو اجتماعاً متلفزاً ومذاعاً على الهواء لكي يعلن فيه أنه تم القضاء على الوزير لأنه لم يكن سوى جاسوساً قاتلًا. وكما هي الحال مع شهداء قاعة الخلد فإن صدام لم يكن بحاجة إلى أدلة أو وثيقة أو محكمة, ففي بلد يرفع شعار (إذا قال صدام قال العراق) يصبح على العراقيين أن يصدقوا كل ما يقوله الرئيس حتى لو أنه قال ان بإمكان الفيل أن يطير كفراشة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقتل وزير(6)
- مقتل وزير ... (5)
- مقتل وزير ... (4)
- في ضيافة المدافع .. مقتل وزير(3)
- مقتل وزير(2)
- مقتل وزير* (1)
- بيتٌ بلا أسوار
- الجواهري.. ما بين الشاعر والإنسان
- الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (2)
- الخلل البنيوي للإسلام السياسي العربي (1)
- الأيديوغماتية
- حل الدولتين
- عضة كلب
- رغد صدام حسين .. إذا أبتليتم فاستتروا
- مقالتي الألف .. الدم في خدمة الخرافة
- رد على من لا يستحق الرد !
- الوطنية والإسلام السياسي
- خير النساء
- بايدن .. هل كان صهيونياً بحق
- المهدي المنتظر


المزيد.....




- بحيوية ومرح.. مسنة تحتفل بعيد ميلادها الـ107 محاطة بالأصدقاء ...
- ترامب: أعتقد أن نتنياهو -لا يستمع على الإطلاق- لنصائح بايدن ...
- نتنياهو يقترح اسمًا جديدًا لحرب إسرائيل في غزة بدلا من -السي ...
- الجيش الإسرائيلي: لواء -جولاني- فقد 92 من مقاتليه خلال عام
- بعد الدمار الهائل.. فرق إنقاذ دولية تصل إلى البوسنة لإزالة ا ...
- مصر.. سائق يتحرش بابنة سفير إحدى الدول والأمن يتحرك
- نوع من المكسرات مفيد للأمعاء
- كلمة مصورة للناطق باسم -كتائب القسام- في الذكرى السنوية الأو ...
- عضو كتلة -الوفاء للمقاومة- أمين شري لـRT: إسرائيل فشلت في تح ...
- مشاورات أمنية عاجلة ونتنياهو يعلن اسما جديدا لحرب غزة


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - مقتل وزير ..القسم السابع والأخير