|
ضاحية بيروت
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8123 - 2024 / 10 / 7 - 12:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
https://m.youtube.com/watch?v=bCgJhh5qoog https://m.youtube.com/watch?v=bCgJhh5qoog https://m.youtube.com/watch?v=bCgJhh5qoog https://m.youtube.com/watch?v=bCgJhh5qoogالكتابة إلى الذات الجزء السادس
تعني الضاحية في قواميس اللغة العربية : بيوت متفرقة تقع خارج أسوار المدينة ، اندرست ولم يعد لها وجود بعد غزو المغول لعاصمة الخلافة الإسلامية 1258 . لكن مفردة الضاحية لم تمت ، رغم مغادرتها النشاط اللغوي اليومي للناس .منحتها البقاء قواميس فقهاء اللغة العربية . وظلت غارقة في سباتها القاموسي قروناً طويلة حتى القرن العشرين الذي عرفت فيه المدينة الشرق اوسطية : نوعاّ من التطور والازدهار . إذن لم تكن مفردة الضاحية جزءً من قائمة المفردات اللغوية التي سقطت من شجرة اللغة الخضراء ، فعادت الى التداول اللغوي اليومي : ما ان برزت ظاهرة العمران التي حدثت في عواصم الدول العربية ، ومنها بيروت عاصمة دولة لبنان . ففي هذه العواصم خرجت إلى الوجود : ظاهرة الأحياء الجديدة ، وهي احياء ضخمة وكثيرة السكان ، ولم تعد بيوتاً متفرقة ، اختفت خوفاً من المغول وممن تلاهم من الغزاة … 2. ) عادت مفردة : الضاحية ، إلى التداول اللغوي اليومي مجدداً ، بالترافق مع ما صار يجري داخل المدن من توسع في حركة العمران الذي لم يعد مقتصراً على : مراكزها .. على الـ Down Town ، او وسط البلد . لقد انتقلت احدى خواص المدينة في الحضارة الصناعية اليها ، فتمددت جغرافياً وتوسعت عمرانياً ، وقد افرز هذا التوسع في بعض جوانبه : سكناً اعتباطياً يقع خارج دائرة اشراف الدولة وتخطيطها ( سيتحول إلى ظاهرة كبيرة وقوية يخطب ودها السياسيون ، كما سيحدث لاحقاً في دول المشرق نفسها ومنها بيروت وبغداد ) لقد كانت اعتباطية السكن احد أسباب التوتر الممتد في الزمن بين سلطات البلاد وبين سكان هذه الأحياء ( الضواحي ) ، وقد شجعت الأحزاب السرية ( الثورية ) ودعمت هذا الوجود اللاشرعي ، فاصبحت هذه الأحياء ( الضواحي ) موطناً نضالياً للكثير من الأحزاب ( طبعاً بسبب عدم اعتراف الأنظمة الرسمية بوجود معارضة ) … 3 ) لقد بُنيت احياءً من القصب وعمدان الخشب في بغداد ، ومن حيطان حجرية سقوفها من الحديد ( الچينكو ) في بيروت وعمان ودمشق ( وهي احياءً او ضواحي سبقت او ترافقت في الوجود مع بروز ظاهرة المخيمات بعد النكبة 1948 ) فإذا كانت مخيمات الفلسطينيين في بيروت وعمان ودمشق حدثت نتيجة النكبة ، وتوسعت بعد هزيمة 1967 ، وشملت بوجودها فلسطين نفسها بعد حرب 1973 ، وما تلاها ، فقامت مخيمات لجوء في غزة وفي الضفة الغربية : فان الأحياء والضواحي التي نشأت في بيروت وفي بغداد كانت نتيجة لأسباب داخلية طبقية : وليست بسبب حروب خارجية : يمكن التمثيل على هذه الأسباب بالنظام الاقطاعي في العراق الذي تميز باستغلاله البشع للمزارعين : خاصة في جنوب العراق : مما اضطرّ قسماً منهم إلى ترك الارض والهروب من جحيم حياة الريف إلى بغداد ، ولم يكن هذا الهروب نتيجة عبث وجودي او جينات خاصة بالتشرد في دمائهم ، ( والتسلل إلى بغداد بغفلة من الزمن ) كما عبرت إحدى الروائيات العراقيات في باكورة إنتاجها الروائي . كما ان الفقيه الإسلامي ، وخاصة الفقيه الشيعي الجعفري لزم الصمت المطبق على هذه الظاهرة اللاإنسانية : فلم تصدر فتوى من اي مرجع معروف في العهد الملكي تنادي بتحريم النظام الاقطاعي ، رغم ان ضحاياه هم غالبية سكان العراق : اذ بلغت نسبة الفلاحين حوالي 85 ٪ من سكان العراق ، على ما ذكر الاقتصادي العراقي محمد سلمان حسن في كتابه : التطور الاقتصادي في العراق … 4 ) ( ضواحي بغداد الأخرى التي كانت وراءها أسباب تتعلق بتوسع جيش الدولة وتوسع البيروقراطية ، وتكاثر موظفو دواوين الدولة ، وقيام مجلس الإعمار بعد صعود أسعار النفط بعد عام 1953: ، وما ادى اليه من ولادة مقاولين وقيام صناعات وتجار عراقيين : لا تدخل في مخطط هذا المقال ، ولذا لم أتطرق اليها ) … 5 ) تختلف أسباب توسع مدينة بيروت وقيام ضاحيتها الجنوبية عن أسباب توسع مدينة بغداد ، وقيام ضاحيتها التي ستسميها ثورة 14 تموز العظيمة ب : مدينة الثورة … 6 ) خلفية العاصمتين التاريخية مختلفة ، وكذلك ظروف توسعهما الحديث : بيروت مدينة كورموبولوتية ، ولم تكن كذلك مدينة بغداد . بيروت تشبه مدينة الإسكندرية المصرية وأزمر التركية في العهد العثماني ، ( كتاب مدن ثلاث ، ترجمة سلسلة المعرفة الكويتية ) إلا ان ما يميز هذه المدن الشرق اوسطية عن مدن الحضارة الصناعية الكوزموبولوتية مثل لندن وباريس : انها ظلت مدن طوائف ونحل وملل : ولم تتحول إلى مجتمعات حديثة ، وظلت تدير شؤونها العامة بمفاهيم الحضارة الزراعية ، لان اقتصادها لم يتطور إلى اقتصاد رأسمالي يعصف بهذه التجمعات الأهلية الدينية ، ويدمجها في مجتمع حديث : له نظرة جديدة لوظيفة الإنسان في الحياة ، لا تقوم على تثقيفه بان دوره في الحياة ينحصر بالجهاد لمقاتلة الكفر والدفاع عن الله ، وتحرير العالم من ضلالته وماديته : وإنما جعل وظيفته في الحياة تدور حول تحسين شروط حياته : اما بالنضال السلمي من اجل حقوقه كأنسان ، ورفع اجور ساعات عمله ، او بالثورة لقلب النظام السياسي ، واستبدال الرأسمالية بالاشتراكية … 7 ) لم تصبح بيروت ومدن الشرق الأوسط : الكوزموبوليتانية متعددة الأعراق والأديان واللغات والثقافات : لأنها واحات للبحبوحة الاقتصادية وللحريات : تجذب اليها الشباب من مختلف القارات كما هو الأمر مع اوربا وأمريكا في هذه الأيام ، إنما أصبحت بيروت مدينة متعددة الأديان واللغات والأعراق : لتحولها إلى مكان لجوء ، تشعر فيه الأقليات الدينية والعرقية : المُضطَهدة من قبل الإمبراطورية العثمانية الإسلامية ، بالراحة والأمان . لكن بيروت لا يمكن ان تظل مدينة لجوء وتسامح إلى ما لا نهاية في ظل دولة آل عثمان المتعصبة دينياً . التسامح ينتشر ويستمر بالنمو والازدهار في بلدان الاقتصاد الرأسمالي : لان الرأسمالية تبحث عن الربح وليس عن صحيح دين : وإنها لكي تستمر بإنتاج بضائع اكثر قابلية على المنافسة : لا بد لها من ان تجد الوسيلة التي تجعل الانتاج ؛ اكثر جودة وأصغر حجماً ، وأقل سعراً : ولهذا ازداد انفتاحها وازداد تسامحها طالما هي بحاجة إلى كفاءات علمية وخبرات هندسية متوزعة على جميع الأعراق والديانات ، لها باع طويل في الاختراع والابتكار لتجديد وسائل الانتاج وتطويرها ، ولتستمر بالمنافسة . فبدأت اوربا وأمريكا تستقبل الكفاءات بغض النظر عن جنسياتهم وديانتهم وقومياتهم . وهكذا فان التسامح لكي يضفي ظلاله السلمية الوارفة بحاجة إلى تشكيلة اقتصادية غير زراعية ، وغير ريعية وليست عشائرية وطائفية . ولأن بيروت ظلت تراوح في مكانها ، ولم تسند تسامحها إلا باقتصاد سياحي خدمي : تفجرت فيها وفي عموم لبنان حروب أهلية تسببت بمجازر دموية : عام 1840 وتكررت عام 1860 وعام 1975 … 8 ) وجد شعار : تصدير الثورة الذي رفعته الثورة الإيرانية 1979 ، صدى عميقاً له في الحارات والأحياء والضواحي الشيعية ، وقد كسب له الكثير من الشباب ، ولم ينجح نظام صدام حسين بالتصدي له حين اعلن الحرب عليه ، ففي أتون هذه ألحرب استقطبت ايران الكثير من شباب الشيعة من مختلف أقطار المشرق الذين تطوعوا للقتال في صفوف جيوش الثورة ضد نظام صدام حسين : ومن هؤلاء المتطوعين شكلت ايران الثورة : أولى كوادرها وقادة ما سيسمى لاحقاً : بحزب الله في بيروت ، وبالحشد الشعبي في العراق وآخرين في اليمن وسوريا . كانت الثورة الابرانية تملك بوضوح آيدلوجيتها النظرية ممثلة بنظرية : ولاية الفقيه ، التي قدمها قائد الثورة الامام آية الله الخميني في كتابه : الحكومة الإسلامية . تحتوي نظرية ولاية الفقيه على منطق داخلي متماسك يشبه منطق جميع الثورات الكبرى في العالم كالثورة الفرنسية 1789 والثورة الاشتراكية في روسيا 1917 ، تماسك المنطق النظري لهذه الثورات الكبرى في التاريخ الحديث يقوم على استقبال المتطوعين من الخارج شرط ان يكونوا مؤمنين بفكر الثورة . وفكر ثورةً ايران - الخميني ، يقوم على الولاء المطلق للثورة ولقائدها : الولي الفقيه …
. هذا هو المنطق الثوري للثورات التي يحب الفرد الالتحاق بها : ان يتخلى اولاً عما يحمل من مسبقات فكرية ونظرية ، وان يغتسل من ماضيه العقائدي بالأفكار النظرية للثورة : فإذا كان سياسياً عليه ان بنسى ما ناضل من اجله ، وان ينصهر في سياسة خدمة الهدف المركزي للثورة .
الضاحية - الوطن
طرح حزب الله في لبنان ، مثلما طرح حزب الدعوة في العراق : اشكالية العلاقة السياسية بين العمل من اجل الثورة الإيرانية والولاء لقائدها ، وبين العمل من اجل الوطن وسيادته . وإذا كان حسن نصر الله وجماعات الحشد الموالية لايران في العراق يجدون تبريراً لأفعالهم في الفقه الجعفري ، وفي نظرية : نائب الامام ، فانهم لا يجدون هذا التبرير في مفاهيم السياسة الحديثة ، وفي مفهوم الدولة الوطنية الذي يقوم على الولاء للوطن الأصلي والدفاع المطلق عن سيادة العراق ولبنان . لقد اثبتت تجربة فكرة : تصدير الثورة فشلها في ايجاد انسجام والتوفيق بين المبدأ الديني : في الولاء للسياسة الإيرانية والتعبير عن الطاعة المطلقة لفتاوى الامام ، وبين مبدأ تحقيق مصالح الوطن الأم . ولو استعرضنا مواقف هذه الأحزاب على مدى ربع قرن لوجدنا انها عملت لصالح الهدف الاستراتيجي الإيراني ولم تعمل شيئاً ذا بال لاوطانهم ولشعوبها …
امريكا في 6 - 10 - 2024
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترجم الموروث الديني والأدبي
-
الفردانية وولاية الامة على نفسها
-
إعصار فرنسيس
-
الكتابة إلى الذات - الجزء الثالث -ابتكارالكتابة
-
رسائل إلى الذات - الثالث - ابتكار الكتابة
-
الكتابة إلى الذات : الابتكار / الجزء الثاني
-
الكتابة إلى الذات
-
الرد الايراني
-
ايران في وردة
-
ايران واسرائيل
-
هو : محاولة في التذكر
-
هو : محاولة في تذكره
-
قتل إسماعيل هنية شيء مخيف
-
تآكل هيبة الإسلاميين - الأدب الرمزي الفلسطيني
-
تآكل هيبة الإسلاميين ، الجزء السابع ، حماس والوعي الحضاري
-
امطار غيمة مهاجرة
-
تآكل هيبة الإسلاميين / الجزء الخامس : التكنولوجيا والمدينة ا
...
-
تآكل هيبة الإسلاميين / الجزء الرابع / التعتيم على مصدر قوة ا
...
-
كلمات ضاحكة
-
تآكل هيبة الإسلاميين الجزء الثالث / حقائق الاستعمار المُغَيب
...
المزيد.....
-
حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
-
الرئيس الايراني: لو كان المسلمون متحدين لما تجرأت -اسرائيل-
...
-
حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
-
وجهاء الطائفة العلوية في حمص يصدرون بيانا إلى أهالي المحافظة
...
-
وزير الامن المتطرف بن غفير يقتحم الاقصى بأول ايام -عيد الانو
...
-
عاجل | مصادر للجزيرة: وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن
...
-
لأول مرة منذ 50 عاما.. مسيحيو دمشق يحتفلون بالميلاد من دون ح
...
-
دعوات مقدسية للرباط في المسجد الاقصى وصد اقتحامات المستوطنين
...
-
الاحتلال يستدعي سفير الفاتيكان بعد تصريحات البابا عن غزة
-
قائد الثورة الاسلامية يهنئ بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح (
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|