|
في ذكرى مجاهد عبد المنعم مجاهد
محمد عمارة تقي الدين
الحوار المتمدن-العدد: 8121 - 2024 / 10 / 5 - 22:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
مجاهد.. فيلسوف الجمال وأمير الاغتراب دكتور محمد عمارة تقي الدين " الجمال سيُنقِذُ العالم"، إذا كانت تلك مقولة ديستوفيسكي، فإنها قناعة مركزية لدى مفكرنا الراحل مجاهد عبد المنعم مجاهد، ذلك الذي دعانا لأن نقود ثورة ضد كل ما هو قبيح في هذا العالم، فالاستبداد قبح والحرية جمال، الشر قبح والخير جمال، الكذب قبح والصدق جمال، الظلم قبح والعدل جمال، الكراهية قبح والحب جمال، التعصب قبح والتسامح جمال، الانغلاق قبح والانفتاح على العالم جمال، الجمود والتقليد قبح والخلْق والإبداع جمال وهكذا. كان الصعود إلى جبل المقطم بالقاهرة لزيارة الأستاذ (كما كان يُلقِّبه الجميع) يمثل حالة من السمو الروحي، هو صعود لأعلى وارتقاء روحي بمفهومه الصوفي، إنه حقاً ملامسة السماء، سماء الفكر والقيم، تلك المشاعر التي انتابتني في رحلتي إليه كل مرة، وقد شاركني تلك المشاعر الدكتور حسن حماد أستاذ الفلسفة وتلميذ الأستاذ مجاهد. كان الأستاذ مجاهد وبحق روح عظيمة ذات نزعة ملائكية وقد سكنت جسداً بشرياً، هو باقة رائعة ومزيج متفرد من القيم والأفكار السامية التي تحلق في عالم خرافي من المثل، نعم المثاليات المطلقة مستحيلة على ما يقول هيجل، لكنه ربما كان له رأي آخر لو التقى الأستاذ مجاهد، فهو بحق" أحد القلائل ممن يمكن تسميتهم بخزنة وحملة مفاتيح مملكة الروح" كما وصفته تلميذته الدكتورة رضا خلاف. تعلمت منه أن التمركز حول الآخر هو خير ضمانة للتمركز حول الذات، أن تحقيق ذاتك في حدِّها الأقصى هو أمر مرهون بمد يد العون للآخرين. تعلمت منه أن كل شيء يمكن أن نُضفي عليه بُعداً إنسانياً جمالياً، فالفلسفة الوجودية بنزعتها العدمية والتي ترى أن هذا العالم بل ووجود الإنسان ذاته هو خالٍ من أي مضمون حقيقي وعديم القيمة وفاقد للمعنى، في المقابل رأي فيها الأستاذ مجاهد رحلة كفاح لتحقيق إنسانية الإنسان، هو عمل سيزيفي لكنه مفعَّم بالغائية، فذلك هو الوجود الحقيقي، وأن تنين الاغتراب الذي ينهش الإنسان من الداخل هو من أجل خلاصه الروحي عبر صهر ذاته في بوتقة المعاناة لتعود لنقائها الرباني وإصدارها الأول، إصدار السماء. من هنا إحساسه المفرط بالاغتراب، لكنها إيجابية المغترب أو ما يمكن أن نسميه الحزن الجميل والشجن النبيل، أو المعاناة والألم وقد صهرت الإنسان وخلّصته من شوائب الميول الأرضية وأدران الأهواء الذاتية. لو كان الأستاذ يهتم بذاته لقدم أعمالاً شعبية أكثر من عكوفه لسنوات طوال على ترجمة أعمال فكرية غاية في الصعوبة والتعقيد، كموسوعة "تاريخ النقد الأدبي الحديث"، فلم يسع يوماً لشهرة ولم يكن يؤرقه ذلك، بل كل ما كان يعنيه هو نقل الأفكار العظيمة وكشف مواطن عظمتها للجميع، مع إنتاج أخرى جديدة لجسر الهوّة المعرفية التي حدثت بيننا وبين الغرب، إنها أمانة المفكر ونكران الذات مع شعوره بالمسؤلية كمثقف رسولي إزاء أمته بل الإنسانية كلها. تتمركز فلسفته العامة حول كلمة (الاستغناء)، أو قَول (لا) لكل ما يعكر صفو إنسانيته، فالوجودية الحقة لديه، هي أن تتخلص من كل ما يحاول إلغاء وجودك، بداية من السعار الاستهلاكي وانتهاء بحب التملك والتمركز حول الأنا، إذ علينا أن نختار ما بين: امتلاك الأشياء للإنسان أم امتلاك الإنسان للأشياء. كان يرى أن الإنسان عليه أن يقود حركة تحرر كبرى من الرق، من رق الأشياء وسعيها لاستعباده، فقد كان متفقاً مع الفيلسوف جورج سانتيانا بأن التملّك يستعبد الإنسان، ومن ثم كانت رسالته المركزية هي محاولة التأسيس لإنسانية الإنسان عبر تحريره من المؤثرات الخارجية التي من شأنها أن تنقص من إنسانيته، فهو يبحث عن إنسان المثل أو الإنسان كما ينبغي أن يكون. كان يواجه السؤال بمزيد من الأسئلة بشكل يجبر عقلك على اتخاذ منحنيات فكرية وعرة، والتورط في قضايا فلسفية كبرى، فلا إجابات مريحة وقاطعة إذا ما أردت أن تُحلِّق في عوالم الفلسفة، كان يقول لي: حدد موقفك هل تريد أن تستبطن الحكمة أم أن تستظهر تاريخ الفلسفة؟ بدأ نقداً مبكراً لقيم "ما بعد الحداثة" دون أن يُسميها، فلم يكن يعترف بهذا المصطلح، ومن ثم قام بتعرية واقعنا المثقل بالمادية، يقول الأستاذ:" نحن نعيش أفق عالم متشيئ أصبح فيه الإنسان مغترباً وتحوَّل إلى مجرد شيء من الأشياء، إنه عالم حضارة منهارة ومدنية مزقت العلاقات الإنسانية، بل هي مدنية لم تبق داخلها على أية علاقات في هذا العالم الذي يجد الإنسان فيه نفسه وحيداً في العراء"، وكان يرى أنه لو تركنا الحداثة تمضي في طريقها دون تدخل جراحي قيمي منا ستنتهي بنا إلى كارثة، ومن ثم علينا مواجهتها بعقل جدلي متسلح بقيم مفرطة في إنسانيتها. فهو يرى أن "الانسان المعاصر أصبح ترساً ضئيل الشأن إزاء عجلة المجتمع الضخمة، ويدرك مصيره مصير الضياع، وهو مصير كل البشر ما دام الجميع قد تحولوا إلي أشياء". كان يدعو للتحرر من سطوة الجسد وثقله الأرضي ومن ثم التسامي القيمي والإنساني، وكأنه كان يردد مع جلال الدين الرومي :" أيها القلب لماذا أنت أسير لهذا الهيكل الترابي الزائل لا تبع نفسك رخيصا وأنت نفيس جداً" كان يرفض الفكر الأيديولوجي المغلق، فهي الأقفاص الحديدية التي يحبس الإنسان عقله فيها طواعية ومن ثم تضيق عليه شيئاً فشيئاً حتى تقتله، وكيف له ذلك وقد خلقه الله حراً طليقاً. في يقيني أنه لو أن لعلم الجمال أباً لكان الأستاذ مجاهد، فقد تسامى الأفق الجمالي لديه وصولاً لعوالم مستحيلة، متفقاً مع أفلاطون الذي كان يرى أن الجمال هو تجلٍ للحقيقة، فتشكيل الوعي الجمالي لدى الإنسان، وكما يذهب الأستاذ مجاهد هو أمر مرهون بتدريب عضلة الفكر للذهاب بها لأقصى درجة، والغوص عميقاً في حنايا وتضاعيف النفس البشرية، من هنا دعانا لفهم منطق الذوق الجمالي، وكيف ننتج القيم الجمالية. ومن ثم يدعونا مجاهد للسير على صراط الجمال، مؤكداً دور الجمال في نزع فتيل الصراع والكراهية عن هذا العالم كما يذهب الفيلسوف الألماني هربرت ماركوزه، فالمجتمع الصناعي المفرغ من القيم يخلق الإنسان ذو البعد الواحد، إنسان الآلة الفاقد لأي نزوع رومانسي أو حس جمالي، وإذا كان هيجل يُعرَّف الجمال بأنّه ذلك الجنّيُّ الذي نصادف وجهه في كلّ مكان، فإن مجاهد يراه مُخلِّصاً أرسله الله لإنقاذ الإنسانية من عذاباتها. وإذا كان سيجموند فرويد يُعرِّف الاغتراب بأنه شعور الانفصام والصراع بين قوى اللاوعي وبين الذات الواعية، في المقابل قاد الأستاذ مجاهد ثورة من أجل التصالح بين اللاوعي والذات الواعية، ورأي في الاغتراب قوة إيجابية دافعة نحو الخلق والابداع وليست سلبية تقود لليأس والعدمية، فما دام العالم بلا معنى وفاقداً للهدف والغاية ويتسم باللا معقولية كما يذهب سارتر وأقرانه، أو أنه كما يقول كارل ياسبرز هو :"الإحساس بمدى هشاشة الوجود الإنساني"، فمهمتي أنا كمفكر هي أن أكسبه ذلك المعنى المفقود وأضفي عليه شيئاً من التماسك والمعقولية المؤطرة بإطار فلسفي محكم من أجل خلاص روحي حقيقي للإنسان. وحول مركزية دور الفن ورسالته الجمالية يقول الأستاذ مجاهد، في مؤلفه الرائع (فلسفة الفن الجميل):" إذا كان الإنسان ينتج للحاجة فإنه أيضا ينتج للجمال، وأن الحاجة للجمال هي في عمقها من أجل تحرير الإنسان قهراً لاغترابه وانفصاله والوقوع في أسر الأشياء" ، كما حذر من أن نفقد البوصلة الجمالية التي تقودنا لفهم حقيقي للإنسان، مؤكداً أن رسالة الفن أو علم الجمال هي " أنه بدلاً من السير من الأشياء إلى الإنسان، لا بد من السير من الإنسان إلى الأشياء حتى يمكن أن نرى تلك الأشياء في ضوء إنساني فنؤسس الفن الحقيقي الذي دوره هو تحرير الإنسان والقضاء على اغترابه"، فالفن لديه ذو دور خلاصي، إنه على حد قوله "عودة إلى الصراط المستقيم". ويضيف:" فبعد الانحراف مع الهوى والظن والخداع نرتد إلى الفن الحقيقي الصادق، إننا قد ننحرف مع الجور والظلم ولكننا مع الفن نرتد إلى العدل والمساواة، لأننا نرتد إلى الحق والصدق.... الإنسان نسي نفسه، غرق في عالم الأشياء، نسي جوهره وفقد إنسانيتة وفقد تواصله الإنساني، انفصل الإنسان عن الإنسان وطُرد من ذاته فأصبح اللامأوى هو سكناه، وهكذا اغترب الإنسان، فوظيفة الفن أن يعيد الإنسان اكتشاف نفسه"، فالفن لدى الأستاذ، وفي التحليل الأخير، وظيفته المركزية أن يطفئ لظى الاغتراب. والجدل الذي هو باعتقادي يمثل حركة الفكر في مسار متصاعد، فهو بحق صحوة الفكر وإلا أثن ماء العقل، رأى فيه الأستاذ مجاهد ضرورة حتمية لأي أمة تريد الانعتاق من واقعها المتردي، من هنا كان تفكيره على الدوام تفكيراً جدلياً، يرفض الأفكار الثابتة، وعلى كل فكرة أن تشعر أنها مهددة في ثباتها، فقد كان يردد مع نيتشة:" نريد أن نشعر الأصنام أن الأرض تتحرك من تحت أقدامها"، يقول الأستاذ:" يشكل الجدل جناحاً من جناحي تفكيري منذ جعلت الكلمة أفقاً لي قبل أن تبدأ خمسينات هذا القرن، إن طائر الفكر لا يستطيع إلا أن يطير بجناحي الجدل والحرية، والجدل هو سعي الإنسان الدائم نحو تحقيق الحرية، والحرية إذا لم تكن حرية جدلية تحولت إلى معتقدية وجمود، وهذا ما يشكل معاركي النقدية التي خضتها لحوالي ثلاثين عاما.... الجدل هو صناعة إنسانية وأنه ليس براعة منهجية تتم في فراغ بل هو من أجل أن يصبح الإنسان إنساناً ...الجدل ليس إلا رؤية انقلابية تخرج الإنسان من تناهيه وتحرره من تشيئه.... الجدل هو الكشف عن الجوهري وفرزه من اللاجوهري... الجدل هدفه تحرير الإنسان من أحاديته ونزعته التجزيئية والخضوع للقيود ... هدف الجدل هو إحداث تغيير انقلابي وثوري في الإنسان يخرجه من فردانيته إلى معانقة العالم ... الجدل فن وعلم معا، فهو علم لأن له قواعد وفن لأنه يترك فسحة للإبداع الإنساني، رسالة الجدل هي هدم الماضي والحاضر معا، أو باظهار تناهيهما، بمعنى أن تفقد الأشياء والأفكار قدسيتها وصنميتها وثباتها وهذه هي رسالة الأنبياء: هدم الأصنام وخلق الجديد، هدم محدودية الإنسان الفكرية والإطلال على خصب الإمكانات الإنسانية ". كما كان الأستاذ يرى أن وظيفة الفلسفة هي وظيفة مركزية، فإما الفلسفة وإما التحجر كالجمادات ولا خيار آخر أمام أية أمة، يقول الأستاذ مجاهد:" الفلسفة تعني أن الإنسان لم يعد حيواناً، وأنه تجاوز حيوانيته إلي الفكر، وأنه بالفكر لم يعد محصوراً في عالم المادة ولم يعد محصوراً في فرديته وإنما هو يعانق الكل، فأن تكون إنساناً يعني أن تتفلسف وأن تتفلسف يعني أن تكون إنساناً، الفلسفة هي جعل المفقود موجوداً والموجود مفقوداً لابد أن نفقد عالم الأشياء وهو العالم المعادي للإنسان وأن يظهر العالم المختفي وراء عالم الأشياء ألا وهو العالم الإنساني عن طريق أنسنة العالم وعبور الهوة بين الواقع والجوهر.... الفلسفة لا تنشأ من ترف فكري بل من أزمة في الفكر والحياة، غياب المعنى ومحاولة البحث عنه"، وأن رسالة الفلسفة هي :" كيف يجب أن يحيا الناس، فهي ليست حكمة في ذاتها ولكنها حكمة مقترنة بالعمل لتغيير مسار الحياة بما يجب أن تكون عليه الحياة"، متفقاً في ذلك مع الفيلسوف القديم شيشرون الذي عرَّف الفلسفة بأنها " فن الحياة". وكان مثله مثل جان جاك روسو يرى أن الفلسفة المُغتَرّة بتفوقها، تقود إلى التعصب والشيفونية، لذا فقد هاجم النزعة الوثوقية لدى الماركسية، بل رأي أن الماركسية ليست فلسفة إنسانية بأية حال، يقول مجاهد:" تعاني الماركسية من وهم شديد يجعلها ورماً خبيثاً بالنسبة لتكوين العقل الحديث، هذا الوهم هو تلك النزعة الوثوقية التي تتحدث بها في أية قضية تتصدى للانخراط بالحديث فيها، ولأن ماركس يتصور نفسه كإله واقف خارج التاريخ والكون والإنسان، يلم بكل كبيرة وضغيرة، وراحت الماركسية تدلي بالحلول وتجيب عن كل سؤال دون أن تضع فلسفتها هي يوما موضع تساؤل، أولا لنزعتها الوثوقية وثانيا لأنها تظن أنها الفلسفة الوحيدة الحقة وأنها القادرة على التكلم باسم الإنسان وباسم العقل والعلم، يريد ماركس أن يذبح الفلسفة على يديه، إنه يريد أن يحولها من مذهب إلى منهج، من مذهب يقرر مجموعة من القضايا حول الإنسان والعالم والمصير إلى منهج يرسم طريقا للتفكير، فقد أراد لها التغيير لا التفسير"، وهي مهمة تنطلي على إكراه وعبودية وليست من الفلسفة الحقة في شيء. إذا جاز لنا أن نُقسِّم الوجودية إلى وجودية مؤمنة وأخرى ملحدة، كما يذهب كثيرون، فإن أستاذنا ينتمي لتيار الوجودية المؤمنة التي ترى أن قلق الإنسان وشعوره المزمن بالاغتراب سيزول مع تعزيز الإيمان بالله داخله، فهو العود الأبدي للإنسان لموطنه الأصلي وحنينه الدائم للكمال والتوق نحو المطلق. إذ تتفق الفلسفة الوجودية على مبدأ الانطلاق من الإنسان إلى العالم، فهدف الإنسان في تلك الحياة يتمركز حول تحقيق وجوده ذاته، عبر تأكيد حريته الفردية للإفلات من قيود وإكراهات الوعي الجمعي، فهي ردة فعل على الفلسفة الماركسية التي ترى أن الإنسان مجرد ترس في آلة ضخمة هي المجتمع. ومن ثم جاء شعارها كما ذهب سارتر" الجحيم هم الآخرون"، حيث جعل العلاقة بين الأنا والآخر قائمةً على الصراع والهيمنة، والتاريخ البشري في يقينه ما هو إلا انعكاس للصراع والتقاتل الأزلي بين الأنا والآخر، فهي إذن علاقة المنتصر والمهزوم،أو المجرم بالضحية، والإنسان كما بالمنطق الهوبزي هو ذئب لأخيه الإنسان، ومن ثم هاجمت الوجودية دعوات التمركز حول الآخر مؤكدة أنها ما هي إلا أطروحات طوباوية وهمية غير قابلة للتحقق في عالم الواقع المثقل بالنفعية، عبر توظيف واستدعاء غواية الخير المطلق والنزعة اليوتوبية في بناء المدينة الفاضلة والفردوس الأرضي، تلك الرغبة المتمركزة في قلب كل إنسان، كما رأت تلك الصيغة من الفلسفة الوجودية أن الأديان لمْ تخفف حدة التوتر القائم بين الإنسان وعالمه ولم تحقق سعادته ولم تمنع الحروب والاضطهاد الإنساني بل فاقمتهما. غير أن الأستاذ مجاهد كان له رأي آخر، وهو أن الفلسفة الوجودية كانت تصف واقعاً مأزوماً انبثقت منه، في حين يجب أن نتوجه دائماً صوب المثال، نعم الهوة شاسعة بين الواقع والمثال، غير أن دور الفيلسوف هو رسم مسارات فكرية خلاقة من شأنها أن تقود الواقع في اتجاه المثال قدر الإمكان وليس الرضوخ التام لإكراهات هذا الواقع. فقد كان ناظراً إلى المستقبل عبر تليسكوب التفاؤل والأمل، إذ كان يري أن ما نعيشه هو بحق ليل العالم، لكنه ليل سيعقبة فجر، وعلينا أن نستعد متسلحين بمزيد من القيم الجمالية. تلك هي بعض من أطروحات الأستاذ مجاهد الذي رحل عن دنيانا هذا الشهر، مات شهيداً على مذبح الفلسفة، مات في صمت، لكنه صمت يضم بدخله ضجيجاً سيسمعه الجميع في السنوات القادمة شأنه شأن كثير من المفكرين العظام، يموتون وتبقي صدى كلماتهم يتزايد وقعها شيئاً فشيئاً ليطرب الجميع، لأنها وبحق كلمات عبقة برائحة الخلود والأزلية. أدعوك لأن تقرأ للأستاذ مجاهد، لكن بعقل فلسفي جدلي، بعضاً من أعماله، فمن دواوينه الشعرية "أغانى الزاحفين" و"أغنيات مصرية"، و"هكذا تكلمت العيون"، و"أقمار على شجرة العائلة"، ومن كتبه: "سارتر مفكراً وإنساناً"، و"هيدجر راعي الوجود"، و"الاغتراب في الفلسفة المعاصرة"، و"علم الجمال في الفلسفة المعاصرة"، و"دراسات في علم الجمال"، و"فلسفة الفن الجميل"، و"المتنبي والاغتراب"، "رحلة في فكر طه حسين"، "جدل الجمال والاغتراب". وفي النهاية دعنا نردد مع الأستاذ مجاهد بعضاً من أبياته الشعرية التي تُعبِّر عن مشاعر الاغتراب لدى الشاعر الحق، يقول :"يقيم من الكلمة أرضاً ويحنّ إليها إن فُقدت أرض بلاده، فبداخله حزن أبنوسي أكثر إظلاماً من ليل مِداده، يعطي للزمن المفقود زماناً يأخذه من دمه من زاده، ويموت الشاعر دوماً مقتولاً فوق سنابك غربته، وغريب أن تبدأ ساعتها لحظة ميلاده، يبقى في مقتله فوق الصهوة لا يحني الهامة, يبقى مرفُوعاً عَلماً في استشهاده".
#محمد_عمارة_تقي_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام الديني والمشروع الحضاري
-
شلومو ساند وتقويض المشروع الصهيوني
-
إيلان بابيه وتقويض المشروع الصهيوني
-
الصهيونية والنازية...ما كل هذا التطابق؟
-
إدوارد سعيد والصراع العربي الصهيوني
-
سلوك القطيع .. فن قيادة الخِراف إلى المذبح
-
الإعلام الديني وحتمية المشروع الإنساني
-
شلومو ساند وخرافة إسرائيل التاريخية
-
مذبحة الحرم الإبراهيمي ... ذكرى جرائم لا تتوقف
-
الإرهاب الصهيوني وجذوره الدينية والمعرفية
-
إدوارد سعيد والحق الفلسطيني
-
أراكان وفلسطين... وجهان لجريمة واحدة
-
الحتمية الإنسانية : رؤية فلسفية لعالم على حافة الانهيار
-
نورمان فينكلشتاين وتفكيك المشروع الصهيوني
-
الصراع العربي الصهيوني والدراسات المستقبلية
-
المناضل ديزموند توتو والقضية الفلسطينية
-
مسلمو الروهينجيا وجحيم ما بعد الحداثة
-
المسيحية الصهيونية والمشروع الصهيوني
-
سلوك القطيع: كيف توظَّفه وسائل الإعلام؟
-
فلسطين وأراكان.. وجهان لجريمة واحدة
المزيد.....
-
هل تتوافق أولويات ترامب مع طموحات نتانياهو؟
-
أردوغان يعلق على فوز ترامب.. ويذكره بوعده بشأن الحرب في غزة
...
-
طائرة تقلع من مطار بن غوريون إلى هولندا لإجلاء إسرائيليين بع
...
-
كيف بدأت أحداث الشغب بين مشجعين إسرائيليين ومؤيدين للفلسطيني
...
-
إشكال ديبلوماسي جديد يخيم على زيارة وزير الخارجية الفرنسي إل
...
-
ألمانيا.. دور مخابرات أمريكية في كشف انفصاليين مسلحين!
-
-حزب الله- يعلن شن هجوم جوّي بسرب من المسيّرات الانقضاضية عل
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية في النقب وإسق
...
-
خطوات مهمة نحو تنشيط السياحة في ليبيا
-
ترامب يبدأ باختيار فريق إدارته المقبلة... من هم المرشحون لشغ
...
المزيد.....
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
المزيد.....
|