|
حصيلة العراق من النظام الجمهوري
سامي البدري
روائي وكاتب
(Sami Al-badri)
الحوار المتمدن-العدد: 1777 - 2006 / 12 / 27 - 05:52
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل جاء انقلاب الجمهوريين وحقبة حكمهم كحاجة او كمطلب شعبي اختاره الشعب العراقي ؟ ماذا كانت حصيلة العراقيين من حقبة الحكم الجمهوري ،في جمهورياته الاربع التي استهلكت (44) عاما من حياتهم لحد الان ؟ شهد عهدنا الملكي وفترة حكمه التي امتدت لمدة (37) عاما انقلابين عسكريين ، حدث الاول عام 1936 وقاده الفريق بكر صدقي ، قائد الفرقة الثانية في الجيش العراقي حينها ، بالتعاون مع جماعة الاهالي ؛ ولكن الانقلاب لم يستهدف شكل النظام او شخص الملك (غازي حينها) ،رغم بلوغ العلاقات العراقية ـ ممثلة في حكومتها وشخص الملك غازي ـ البريطانية حد التأزم ومجاهرة دار الاعتماد بعدم رضاها ، بل وعداءها للملك غازي ، بسبب مواقفه الوطنية المناهضة للاحتلال البريطاني ورفضه المساومة على حقوق العراق ؛ والتي انتهت بحادث تصفية غازي بحادث اصطدام سيارته بعامود كهرباء للتخلص منه ومن مواقفه المتصلبة تجاه مصالح بريطانيا الاستعمارية . أما الانقلاب الثاني فقد قاده رشيد عالي الكيلاني واستهدف به شخص الوصي (عبد الاله) ورئيس الوزراء نوري السعيد ، بسبب ممالاة رؤاهم وسياساتهم لسياست ومصالح البريطانيين . وفي حين ان انقلاب بكر صدقي قد استهدف ياسين الهاشمي ووزارته ، بعد استغلال الهاشمي لحادثة الاميرة عزه ،للتضييق على افراد العائلة المالكة والحد من سلطات الملك غازي ـ عن طريق قانون صيانة العائلة المالكة ـ من اجل الانفراد بالسلطة وفرض نوع من الدكتاتورية والتفرد بالحكم ، بمعاضدة من رشيد عالي ، فان ذلك الانقلاب انتهى بمجرد تقديم الهاشمي لاستقالة حكومته الى الملك غازي وتشكيل حكومة جديدة من قبل قادة جماعة الاهالي ، برآسة حكمة سليمان ، تلك الجماعة التي تشكلت كحركه معارضة لاستبداد ودكتاتورية ياسين الهاشمي . اما الانقلاب الثاني ، والذي قاده رشيد عالي الكيلاني عام 1941 فقد استهدف شخصي الوصي على عرش الملك فيصل الثاني ورئيس وزراءه نوري السعيد لتطابق رؤية الرجلين ـ كما اسلفنا ـ على حاجة دولة العراق الناشئة لمساعدة الدولة القوية والمتقدمة ، بريطانيا ، وممالاتهما، بالتالي ، للسياسة التي كانت تنتهجها في العراق . ولم ينتهي ذلك الانقلاب الا باعادة دخول القوات البريطانية الى العراق ـ بعد ان كانت قد انسحبت عقب تطبيق معاهدة الاستقلال عام 1930 ودخول العراق الى عصبة الامم عام 1932 واقتصار الوجود البريطاني ، بموجبها ، في العراق على الجود الجوي في قاعدتي الحبانية والشعيبة الجويتين ـ لسحق الانقلاب ونواة الجيش العراقي واعادة احتلال العراق من جديد . اما انقلاب الجمهوريين عام 1958 ، والذي استهدف شخص الملك فيصل الثاني وباقي افراد العائلة المالكة ، فقد جاء ثمرة لمؤامرة امريكية للاطاحة بنظام الحكم الذي رفض مساوماتها في الحلول محل الوجود البريطاني الذي تآكل بفعل ونضال الشعب العراقي لتحرير وطنهم ، بقيادة الملكين فيصل الاول وابنه غازي ، من الهيمنة البريطانية . لم يكن انقلاب عساكر الجمهورية نتيجة حاجة وطنية او استراتيجية سياسية فرضها الوضع العراقي ، وانما جاء تلبية لطموح عساكر الدبابات ورغبتهم في الوصول الى قمة هرم السلطة والتحكم بمصير البلد ، بما تمليه عليهم اهواءهم الخاصة وطموحاتهم الشخصية ونزعاتهم الفردية في الجلوس على كراسي الحكم ، لا لشئ سوى ان مناصبهم العسكرية اتاحت لهم اصدار اوامر تحركات القطعات العسكرية التي يتولون قيادتها . لقد جاء انقلاب الجمهوريين كعملية سلخ للشعب العراقي عن تراث ثقافته السياسية ومالوفه في شكل نظام الحكم الذي يوائم طبيعته واستقراره النفسي قبل السياسي ، والدليل على هذا هو حالة عدم الاستقرار التي رافقت انقلاب الجمهوريين وكثرة تقلبات وانقلابات رجاله بعضهم على بعض ، والتي راح ضحيتها الالاف من ابناء الشعب الذين سفكت دمائهم هدرا ومن دون طائل ، والتي اعادنا آخرها الى نقطة البداية التي بدأت منها الدولة العراقية انطلاقتها الاولى في مرحلة التأسيس : الاحتلال ! فماذا كانت حصياة الـ (44) عاما من الحكم الجمهوري مقابل الـ (37) عاما من الحكم الملكي ؟ فبينما انصب نضال حقبة العهد الملكي لتأسيس وبناء الدولة العراقية وارساء قواعد ومرتكزات بنيتها التحتية ، كدولة حديثة ، وتوحيد نضال الشعب لطرد المحتل البريطاني ، جاء سعير الحكم الجمهوري ونزاعات ضباطه على مقاعد السلطة ليهد كل ذلك البناء وليعيد العراق الى عهود التخلف والامية وحقب ما قبل الحضارة ، ولينهيه أخيرا في يد محتل جديد ، أكثر عتوا وبطشا من المحتل الاول . فبماذا عادت علينا الانقلابات الجمهورية اذن، ولمن خدمت ؟ ولمصلحة من سفكت كل تلك الدماء وازهقت ارواح اصحابها من العراقيين ؟ وبالمقابل ، هل يستطيع أي من الجمهوريين او السياسيين او المؤرخين تاشير حالة قتل واحدة في سجل تاريخ ملوك العراق الثلاثة ؟ بل هل يستطيع احد ان يؤشر على أي من ملوك العراق حالة تجاوز واحدة على المال العام او استاثاره بشئ منه مقابل فضائح وجرائم الجمهوريين ، التي ليس فقط اتت على المال العام وثروات البلاد وانما اثقلت كاهل العراق بـ (130) ملياردولار من الديون المستحقة . ولعل من المناسب ان اذكر هنا ، ومقابل جرائم الجمهوريين بحق اموال وثروات الشعب ، بحادثة طلب الملك فيصل الاول من وزير ماليته (حسقيل ساسون) بزيادة تخصيصات بريد البلاط الملكي بضعة دنانير لسد نفقات مراسلاته فرفض الوزير (اليهودي الديانة) زيادتها ، لعدم وفرة المال ، واقتنع الملك فيصل وقبل حجة الوزير ساسون !فهل بين سلاطين العهد الجمهوري من كان سيقبل ان لايطاع له امر من قبل احد وزرائه ، لطباعة صوره الشخصية على صحون الطعام والبطانبات العسكرية والبوسترات الملونة والكتب والدفاتر المدرسية وجداريات الدوائر الحكومية وقمصان وفانيلات الاطفال ومؤخرات الحمير ، لا لأمر يخص بريد ديوان رئآسته مع وزاراته ودوائرها الرسمية ؟
#سامي_البدري (هاشتاغ)
Sami_Al-badri#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبث في قطار آخر الليل
-
عواصمنا العربية وبعبع الثقافة
-
كفانا نمارس السياسة حربا
-
غباء اليمين المزمن
-
احزابنا السياسية ومسؤولية بناء المجتمع
-
اشكاليات الرواية العراقية
-
فرائض ضلالاتي
-
من قتل جلوريا بيتي ......؟
-
استراتيجية الشرق الاوسط الجديد واعادة رسم جغرافية المكان
-
من اجل تكريس قواعد الحوار المتمدن
-
التخبط الامريكي في العراق
-
المعارضة العراقية وخيار الممر الواحد
-
هزيم الحماقات الليلية
-
قراءة افتراضية في ذهنية صانع قرار مشروع الشرق الأوسط الجديد
-
ماذا تبقى في جعبة د بليو بوش ؟
-
هامش على سفر(جدارية النهرين
-
الدور البريطاني في صناعة المستنقع العراقي (سياسة النملة العا
...
-
لعبة صناعة الأهداف
-
!بلد يبحث عن زعيم
-
ركود ثقافي أم ثقافة ركود
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|