حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8120 - 2024 / 10 / 4 - 09:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المفكر الفرنسي إيتيان دو لا بواسييه، في كتابه "العبودية الطوعية"، يشير إلى فكرة جوهرية وهي أن القمع والاستبداد على مر الزمن يؤديان إلى تشكل أجيال من الناس تتكيف مع القمع ولا تشعر بالحاجة إلى الحرية.
يتحول هؤلاء الناس إلى ما يمكن أن نسميه "المواطن المستقر"، الذي يرضى بالاستبداد ويفقد الرغبة في الحرية والمقاومة.
النقد هنا، يركز على أن هذا النوع من "المواطن المستقر" الذي يفقد قدرته على التمييز بين القيم الحقيقية وبين المصالح الشخصية الضيقة، مما يؤدي إلى استمرار الاستبداد.
في الزمن الحالي "المواطن المستقر" يعيش في دائرة ضيقة من الاهتمامات، فهو الشخص الذي لا يحتاج إلى الحرية بشكل فعلي بعد أن تأقلم مع الاستبداد، ويعيش في عالم مغلق يقتصر اهتمامه على ثلاثة جوانب وهي :
الدين، لقمة العيش، وكرة القدم
الدين بالنسبة له ليس جوهريا بقدر ما هو طقوس وشكليات، فهو يؤدي الفروض الدينية دون أن ينعكس ذلك على سلوكه الحقيقي، قد يمارس الفساد والكذب والنفاق ويتعاطى الرشوة، لكنه يشعر بالذنب فقط إذا أهمل أداء الطقوس الدينية مثل الصلاة، وان هؤلاء ( المواطنين المستقرين ) دفاعهم عن الدين مرتبط بمدى الأمان الذي يشعرون به، فيدافعون فقط إذا كانوا واثقين من عدم تعرضهم لأذى.
أما لقمة العيش، فهي محور آخر من حياته، حيث يركز على البقاء المادي أكثر من أي شيء آخر.
يلخص دو لا بواسييه في هذا النص حالة استسلام المواطن للاستبداد وقبوله للحياة تحت الظلم دون مقاومة، ما دام ذلك لا يهدد راحته الشخصية، إذ يعيش هذا المواطن من أجل البقاء الاقتصادي، فلا يهتم بالسياسة أو الحرية، بل يركز على تربية أطفاله وتزويجهم وخدمة أسرته، وينتظر النهاية بسلام دون الاهتمام بالعدالة الاجتماعية أو حقوقه السياسية.
في عالم كرة القدم يجد المواطن المستقر في هذه الرياضة تعويضا نفسيا عن الظلم الذي يعانيه في حياته اليومية، ففي هذه اللعبة، يشعر بالعدالة لأنها تخضع لقوانين تطبق على الجميع بالتساوي، مما يمنحه إحساسا مفقودا في الحياة الواقعية.
أن هذا النوع ( المواطن المستقر ) يشكل عائقا حقيقيا أمام أي تقدم أو تغيير اجتماعي، لأنه يفضل البقاء في دائرة القمع والاستقرار الوهمي بدلا من مواجهة الاستبداد، والتغيير لن يتحقق إلا عندما يخرج المواطن المستقر من عالمه الضيق ويدرك أن السكوت على الاستبداد له ثمن أكبر بكثير من مخاطر الثورة عليه.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟