|
أزمات سلوكية
صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 8119 - 2024 / 10 / 3 - 19:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
"خربشات وفشل المعاملات والحلول والقيم والعلاقات والفرص والآمال والأحلام في الحاضر سببها أزمات سلوكية."
صوت ضعيف بهمس خفيف يكاد أن يسمع هبط على اذناي يقول " السلوك في أزمة انقذوه" تسمرت في مكاني مندهشاً منذهلاً متعجباً محبطاً في اعماقي تسألت، هل هبط الحس الإنساني ومستواه الرفيع السامي الى أسفل هذا الدرك ؟ وهل وصل الخراب والدمار في الأفكار والمعاملات بالسلوك الى هذا الحد؟... حد ان يثور البعض على واقعه وينادي لإنقاذ السلوك من زاوية تحيط بها خمة السوق وزبالته في نهاية حصاد نهار من البيع والشراء؟... اندفعت قدماي نحو مصدر الصوت وإذ بها امرأة عجوز طاعنة في السن تعدت عقدها التاسع هي كانت من ينادي. فهل ما اسمعه واراه حقيقة؟ بإنفعال جنوني طرحت سوألي: ماذا رمى بك الى هذه الزاوية التي تفوح منها قذورات لتعالجي أزمة أخلاقية ترتبط بالسلوك التي هي قمة المعانى والمحتوى الإنساني عبر الدهور؟ أجابت: أنتم أيها البشر السيئون يا قبيحي الأعمال والفهم والأفكار والادراك. سألتها: منذ متى وانت جالسة في هذه الزاوية؟ أجابت: هل للزمن قيمة في عالمكم هذا. اربكني هزني جوابها، وسألتها ما هو الزمن؟ أجابـت: هو الغفلة التي لم يصحوا منها عالمكم. اذهلني جوابها وسألتها : ما الغفلة؟ أجابـت : هي اللامبالاة والإهمال والتكاسل وكل ضروب قلة التمييز والسهو وقلة التحفظ واليقظة التي ابتليتم بها. ادهشتنتي باجابتها وسألتها: هل انت ابنة هذا العصر؟ أجابت: كل العصور طويتها ولم اجد ارذلها الا في زمنكم هذا. سألتها: لماذا تنادين من هذا الركن المنتن من السوق عن أزمة سلوكية عن ابنة الأخلاق؟ أجابت: لأن الرائحة النتنه المنبعثة من حدائق أفكاركم وأعمالكم ومكاتبكم ومؤسساتكم ليست انظف من هذه الزاوية أيها المرائون الكذبة. قلت لها: متطرفة أنت حتى الثمالة... قالت: ويحك...حلمك عليّ... تروى قليلا... اسمعني... في زمن كثرت فيه عبادة المال والشخوص حيث لا تكريم ولا كرامة لاصحاب النفوس والعقول والأفكار السامية الرفيعة والصدق معدوم والعهدة باتت بيد الأردياء والفواحش ترتكب وشهادات الباطل موثوق بها وأكل الحرام وشهوة التملك تسيطر والموت يحيط بكم الخ... والمحبة بعظمتها معطلة عندكم... ألستم حائرون مصدومون من واقعكم أيها المخدرون؟ ... ألا تسألوا أنفسكم كيف ضاعت الأخلاق ولماذا نحن صامتون ؟ ... ببساطة لأنكم لا مبالون ومشاركون في الآثام خائفون وخونة . طئطئت رأسي وسألتها: إذن، كيف يمكن للبشرالخروج من محنتهم وأزمتهم السلوكية الأخلاقية؟ قالت: لا تمجدوا من كان له أنياب وأظافر بل مجدوا كل حليم عاقل للنهضة مثابر. لا تمجدوا من يلعب بالمشاعر بل من حمل لكم الفرح والرخاء بشائر. لا تمجدوا من يغالي بضجيج الحناجر بل من بصوته دعى للحرية والكرامة والحياة الحرة الكريمة بهدوء وكان لها ثائر. لا تمجدوا من بالماضي يستجير بل من بالمستقبل بعقله المنفتح بعلمه الواسع بفكره النير يحلق عالياً يطير. أضافت قائلة: تجنبوا المسببات التي تحرض على العنف وتسكب الوقود عليه ليستعير ويفتت العلاقة الإنسانية ويجهضها. ألا يحرض الفقر على العنف ؟ كذلك أيضاً الظلم والتمييز والجهل والقبلية والطائفية المنغلقة على ذاتها والعنصرية والعدالة المفقودة والبطالة المتصاعدة والانهيار ألاقتصادي والحريات الممنوعة والسلام المفقود والثقافة المشوهة والأمال المحطمة وإبادة الشعوب هذه كلها عوامل إن تمكنت منفردة او مجتمعة دليل على كساد وموت أخلاقي. ما لم تعالجوها يا بشر بكل ما اوتيتم من جهد وقوة وعقل نير ستبقى حجر عثرة أمام كل تطلعاتكم واحلامكم الجميلة. سألتها ما الجمال؟ أجابت: حفيتم وانتم تسيرون وراء سراب، الجمال ليس بالجسد ولا بما ترى العين وتشتهي بل هو دفين في أعماق قلوبكم وأفكاركم ما لم تكسروا القوقعة الصلدة التي تغلفه محال ان تدركوه وتقشعوه. تخلصوا مما يغلفه لتحققوا الهدوء والاستقرار في نفوسكم. الجمال هو ابتعادكم عن الجمود والتشنج الفكري الذي يزيدكم تخلفاً وينثر مجونكم في انانية تبتر انسانيتكم وتمحق نهضتكم. لا ترتجلوا حلولاً لكم اتبعوا مثقفيكم هم منبع الجمال الحضاري. سألتها من هو المثقف؟ أجابت: في زمنكم هذا من لا يستطيع ان يترجم ثقافته على ضوء المعاصرة يبقى انسان سردى ثرثار يصف الواقع - المشهد - دون رؤيا مسقبلية. الواقع لا يحتاج الى عواطف مهلهلة بل الى قلوب تدرك عمق الحب المار اليها عبر عقلها. العيون تقرر بناء على معلومات قرائتها وشاهدتها قد تكون مغلوطة شربتها فاسكرتها وادمنة عليها. الوصفيون كثر وهم أشباه مثقفون لا يحللون الابعاد المستقبلية الا بما يليق الوظيفة التي يجب ان يتمسكوا بها يحافظواعليها . احرصوا من المثقف السطحي الذي يستعرض مفاهيم يظنها ذات قيمة، في غياب العمق الفكري تتزاحم الأفكار السطحية، المفكر السطحي لا يبحث عن الأسباب والمسببات بل ينجر وراء المنمق من الأفكار ويحتضنها وتمسى عنده قيمة عليا الويل كل الويل لمن يتبناها. وقبل أن أفتح فمي لأتوجه لها بسوال أخر... قالت: أرى أنك تريد أن تحدثني عن الإيمان؟... لا تحدثني عن الإيمان !... الإيمان الصادق هو مقياس على تفاعل الانسان مع حقيقة الواقع ليعالجه ويقومه لكل ابناءه . الهوس الديني في زمن المصائب والكروب والحروب والأزمات دليل على إيمان غير ناضج لم يدركه البشر في زمن الرخاء والصحة والهدوء والأمان. الاستقرار ورغد العيش يبعدكم عن الايمان اما المآسي والويلات تجذبكم اليه بقوة، لذلك تكون ردات أفعالكم عاطفية عنيفة قاتلة، هذه ليست إرادة الله ولا من إنسانية البشر التي في أعماق أعماقها تفرض عليكم أن تسلكوا وتنشروا المحبة والسلام بين كل الأجناس البشرية... قل لي بربك أين هي أخلاقكم؟ وعلى أي مسافة تقفون من أخلاق إيمانكم ؟ أليس هذا دليل على أزمة سلوك أخلاقية؟ استمرت في حديثها تقول: مجتمعاتكم أيها البشر حاصرتكم مذ كنتم أطفال وأقامت أسوار شائكة عالية تمنعكم الخروج عنها ومنها وعليها حجمت أخلاقكم وصاغتها كم يحلو لها وتبغي. التفكير بتغيرها يعد إثم وخطيئة ومعصية وذنوب لا تغتفر وخروج عن المألوف، هذه الحواضن والضوابط المنتشرة حول العالم تتحكم بكم وتشكلكم تحاصركم بشتى الطرق وسيلتها الاقناع بمعسول الوعود وبمعسول الكلام وبالمال ايضاً وبالبطش والقوة أذا لزم الأمر. إن كانت هذه طرقهم وخططهم ووسائلهم فكيف ستلد العقول المحررة الحرة التي تري في كل انسان عظمة الله التي ستبني إنسانية الإنسان.... بربك... قل لي... افصح عن أي سلوك وأخلاق تتحدثون وتريدون؟ هزني بهرني كلامها تمنيت أن لا تتوقف... تشجعت لأتعرف على حقيقة أزمة السلوك النابعة من الأخلاق اكثر واكثر... فركت عيناي إصطدمتا بخيوط شمس الصباح المخترقة نافذة غرفتي أدركت أني كنت أحلم فصحوت قافزاً حائراً من سريري... اختي أخي القارىء هل تؤمن مثلي وتتوقع أن يتحول هذا الحلم، حلم أزمة السلوك النابع من الأخلاق يوما ما الى حقيقة ويستثمر لتحرير وبناء الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض؟
#صليبا_جبرا_طويل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الزنى بالكلمات
-
الهوية والمعرفة
-
كلمات مبعثرة في زمن متهالك
-
المحبة تناشدكم... إتبعوها
-
حرروا عقولكم
-
ثورة نهضوية
-
العقل سلطان المعرفة
-
تأميم العقل
-
إنهزام الفكر مصيبة حضارية
-
الضمير يبحث عن الإنسان
-
فكرة معرفة ورأي
-
أفكار معلبة
-
لوحة نفاق
-
خيبات أمل
-
الحقيقة ثورة الحرية
-
مهم وقيادي ؟!
-
ألإنسانية بريئة منكم
-
طاعة خوف أم طاعة قناعة ؟
-
أٌمية ثقافية
-
الانسانية محبة
المزيد.....
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
-
المغرب: إحباط مخطط إرهابي لتنظيم -الدولة الإسلامية- استهدف -
...
-
حركة الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة في الميدان اعطى دفعا قو
...
-
الجهاد الاسلامي: استشهاد القادة بالميدان اجبر العدو على التر
...
-
أختري للعالم: هدف الصهاينة والأميركان إقصاء المقاومة الإسلام
...
-
اسعدي أطفالك بكل جديد.. ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي 2025 ع
...
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|