|
مصائر الرأسمال الرمزي في عصر الرقمنة !
ثامر عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8118 - 2024 / 10 / 2 - 16:11
المحور:
تقنية المعلمومات و الكومبيوتر
مصائر الرأسمال الرمزي في عصر المرقمنة !
لم تلبث مجتمعاتنا العربية الراكدة تعاني فقدان القدرة على التعاطي مع تبعات (الحداثة) وتداعيات (ما بعد الحداثة) ، حتى داهمتها وثورات أخرى جديدة من قبيل (الرقمنة) الاجتماعية وربيبها (الذكاء الاصطناعي) ، والمؤكد ان هذه الموجات المتتالية لن ينتهي الى هذا الحدّ ، وإنما ستعقبها موجات أخرى لا نعلم طبيعتها ولا عواقبها ولكن المؤكد أنها ستكون كارثية على مجتمعاتنا بكل المقاييس . لاسيما وان الغالبية العظمى لهذه الأخيرة لم تبرح تراوح ضمن أطوار بدواتها الحضارية والإنسانية الأولى ، حيث لا زال الإنسان العربي – رغم ارتفاع مستويات التعليم وتزايد معدلات المدنية - يحتكم في علاقاته الاجتماعية وتواضعاته العرفية الى أصوله الأقوامية وانحداراته القبائلية وانتماءاته الطوائفية ، كما لو أنه ما فتئ يعيش داخل خيمته وسط الصحراء . ولهذا فلا يغرنك ارتفاع نبرة الخطابات الإيديولوجية التي تروج لها مراكز الإعلام الرسمي في تلك المجتمعات المستتبعة والمستباحة ، بخصوص سعيها الحثيث لاستدخال واستدماج كل ما أنجزه العقل الغربي من فتوحات علمية وابتكارات تكنولوجية الى بيئاتها الرثة والمتهرئة ، والتي لا تني سرعة ظهروها واتساع مدياتها وعمق تأثيراتها تغيّر ملامح عالمنا الواسع والمتنوع بكل ما سمعناه وشهدناه وألفناه منذ قرون . إذْ حتى لو كانت السلطات المعنية في تلك المجتمعات (صادقة) في هذا المسعى المكلف اقتصاديا"والخطر سياسيا"والمليء بالنذر حضاريا"، فإنها بلا شك ستغامر - لا في حاضرها المأزوم فقط بل وكذلك في مستقبلها - في تحمل تبعات مثل هكذا خيار / قرار متهور ، وذلك جراء عدم استعدادها لا علميا"ولا معرفيا"ولا حضاريا"ولا نفسيا"لكي يكون بمقدورها الانخراط في مثل هذا الأتون المشحون بالتحديات . ولعل من الجدير بالذكر ، ان الرهان على خيارات (رقمنة) المجتمعات المتصدعة و(أتمتة) أنظمتها المتشظية – كما هو حال مجتمعاتنا العربية - لا يتحقق لمن يرجوه بهذه البساطة والسهولة التي قد يضنها البعض بمجرد نقل معدات التكنولوجيا أو استيراد مبتكراتها الحديثة ، دون أن يكون على الصعيد الذاتي / الداخلي مستعدا"لتحمل أكلاف وأثمان هذا الضرب من المغامرات المصيرية ، والتي يترتب عليها الكثير من احتمالات التآكل والاندثار في كل ما يشكل (هوية) هذه المجتمعات المتأخرة علميا"والمتحجرة معرفيا"الضعيفة والعقيمة حضاريا". خصوصا"إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار الطبيعة الجاذبة لاستغلالنا اقتصاديا"والمستقطبة لغزونا فكريا"من قبل أساطين الاستعمار الغربي قديما"وحديثا"، على خلفية تردي أوضاعنا الاجتماعية ، وهشاشة ظروفنا الاقتصادية ، ورثة أنماطنا الثقافية ، والتباس ذاكراتنا التاريخية . وفي إطار تشخيص المحاذير والكشف عن المخاطر المؤكد حدوثها والمتوقع مواجهتها حاضرا"ومستقبلا"، في حال انفتاح مجتمعاتنا العارية من كل حصانة أمام كل محاولات الامحاء التاريخي ، الاخصاء الفكري ، والتعطيل الحضاري ، والتشويه الإنساني . فإنه من المرجح أن تحتل عمليات التآكل في مدماك (الرأسمال الرمزي) صدارة تلك المحاذير والمخاطر التي ستنجم عن إقحام هذه المجتمعات المعاقة – طوعا"أو كرها"- في أتون دوامات هذا الضرب من (التقنية) الفائقة التي يتعذر وجود معادل علمي ومعرفي وأخلاقي وإنساني يوازيها في القدرة والتأثير ، يمكنه أن يحدّ من عواقبها الاجتماعية أو أن يلجم تداعياتها الحضارية على هذه المجتمعات الراكدة . والحال ان ما تشهده حاليا"المجتمعات المتقدمة علميا"والمتطورة معرفيا"، والتي شرعت منذ مدة بولوج عصر (الرقمنة) والتهيؤ ، من ثم ، للتعاطي مع غرائب وعجائب منتجات (الذكاء الاصطناعي) ، لا يمكن التغاضي عما أفرزه من إشكاليات حضارية ، والتقليل من شأن ما تمخض عنه من تعقيدات أخلاقية . لجهة تفكك الروابط الأسرية ، وتخلع العلاقات الاجتماعية ، وازدراء المعايير القيمية . ناهيك عن الانزياحات والانحرافات التي تتعرض لها أصول الثقافات المحلية والهويات الوطنية والسرديات التاريخية والثوابت الجغرافية ، التي طالما كانت تمثل بالنسبة للدول والمجتمعات معاني الانتماء ودلالات الأصالة . بحيث إن ما ترتب على ذلك وتمخض عنه قلب المعايير وزحزح الثوابت لصالح التوجهات الكوزموبولتانية (اللاوطنية) من جهة ، وأفسح المجال أمام النزعات (العلموية) المحمومة التي من شانها تجريد الإنسان من خصائصه الاجتماعية والإنسانية والخلقية والرمزية من جهة أخرى . وهكذا تبدو المجتمعات الموصومة بالتخلف أمام تحديات مصيرية لا قبل لها بها ، من حيث تهالك بناها التحتية (اقتصاد وصناعة وتكنولوجيا) ، وتهافت بناها الفوقية (علوم ومعارف وثقافات) . وهو الأمر الذي سيفضي بأية محاولة / مغامر ل(رقمنة) مؤسساتها الخدمية والتعليمية والثقافية من جهة ، وأنشطتها الإدارية والمالية والتجارية من جهة ثانية ، وعلاقتها الاجتماعية والأخلاقية والقيمية من جهة ثالثة ، في حالة من التخبط والفوضى مثلما غياب الجدوى والمعنى . إذ بدلا"من أن يكون هذا المسعى المحفوف بالمخاطر سببا"لانتشلها من وهاد التخلف المستديم والانحطاط المتوطن ، التي لم تفتأ تتمرغ فيها وتتلظى منها ، بدافع من إغراءات وإغواءات مزاعم (الحرية الشخصية) و(العدالة الاجتماعية) و(المساواة الجندرية) و(التعددية الثقافية) و(التلاقح الحضاري) ، الخ . فإن ذلك سيقودها ليس فقط الى تصدع وحدتها وضياع شخصيتها فحسب ، وإنما سيحتم عليها التضحية بتاريخها وثقافاتها وهوياتها وذاكراتها ، وبالمجمل سيكون مدخلا"لتآكل رأسمالها الرمزي الذي من المؤكد أنها ستفقد كيانها بدونه ! .
#ثامر_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل
-
اتهام موروثنا الأسطوري ومساءلة وعينا التاريخي : العبرة والاع
...
-
انثروبولوجيا المكان بين الأصول الريفية والميول الحضرية : روا
...
-
التاريخ والمؤرخ والوثيقة التاريخية : تفاعل لا تفاضل
-
أخلاق الثقافة وثقافة الأخلاق
-
الخطاب الثقافي والأجيال البينية : قراءة في اجتهادات أستاذ ال
...
-
حدود البنية (اللوجستية) في صيرورة الهوية الوطنية
-
مرض عضال الثقافة العراقية : ظاهرة التكاره بين المثقفين !
-
المؤرخ وتبعات انبهاره بالتاريخ
-
(المثقف) حين يمتهن التجارة !
-
بمناسبة الذكرى (150) لميلاد الصحافة العراقية - نقابة الصحفيي
...
-
العشائر والشعائر : الفزعة القبلية والنزعة الاستعلائية !
-
الانثروبولوجيا الماركسية وتمرحل أنماط الانتاج
-
دعائم الليبرالية وتمائم البطريركية (مقاربة للحالة العراقية)
-
عوائق الليبرالية في المجتمعات البطريركية
-
الذاكرة التاريخية .. مفهوم واحد ودلالات متعددة
-
مفهوم الجدارة السياسية بين براغماتية الحاكم ودوغمائية المحكو
...
-
الاستدعاء النقدي للتاريخ : قراءة في الأصول المنسية
-
الاقطاع السياسي : نمط فوضوي لتفكيك الدولة واغتصاب سلطتها
-
الطبقة الوسطى العراقية وأوهام وعيها الطبقي
المزيد.....
-
محطة بوشهر النووية واحدة من أكثر محطات الطاقة النووية أمانًا
...
-
علامات لا تتجاهلها إذا كنت تعانى من الكحة.. تتطلب زيارة الطب
...
-
-كنت بمطار صنعاء لحظة الضربة الإسرائيلية-.. رئيس منظمة الصحة
...
-
5 أطعمة تساعدك على التحكم برغبتك الشديدة في تناول السكر
-
لأول مرة في العالم.. طالبة روسية تستخدم طريقة جديدة لقياس ا
...
-
ألم المعصم أثناء القيادة أو النوم.. اعرف سببه وطرق علاجه
-
اكتشاف عاثية قادرة على تدمير الميكروبات المحمية من الفيروسات
...
-
أعراض التسمم الغذائي.. علامات تشير إلى حدتها
-
لمرضى الصدفية.. كيف تتعامل مع ازدياد نوبات المرض في الشتاء
-
أميركا.. قواعد جديدة لاختبار مستحضرات التجميل
المزيد.....
-
التصدي للاستبداد الرقمي
/ مرزوق الحلالي
-
الغبار الذكي: نظرة عامة كاملة وآثاره المستقبلية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
تقنية النانو والهندسة الإلكترونية
/ زهير الخويلدي
-
تطورات الذكاء الاصطناعي
/ زهير الخويلدي
-
تطور الذكاء الاصطناعي بين الرمزي والعرفاني والعصبي
/ زهير الخويلدي
-
اهلا بالعالم .. من وحي البرمجة
/ ياسر بامطرف
-
مهارات الانترنت
/ حسن هادي الزيادي
-
أدوات وممارسات للأمان الرقمي
/ الاشتراكيون الثوريون
-
الانترنت منظومة عصبية لكوكب الارض
/ هشام محمد الحرك
-
ذاكرة الكمبيوتر
/ معتز عمر
المزيد.....
|