آرام كربيت
الحوار المتمدن-العدد: 8117 - 2024 / 10 / 1 - 10:39
المحور:
قضايا ثقافية
حلمت وما زلت أحلم أن أهديك هدية تليق بمقامك يا حبيبي
لم أر إلا أنت، أهديك إلى نفسك.
أضعكما أمامي، أزين بها ظلي إذا ضاع أو تلاشى، لاحتم بك إن غبت
أثناء الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، تقول روسيا أن جيشها يراقب الأحداث في كاراباخ عن كثب.
كثر الله خيركم، والله ما قصرتم، شكرًا على هذا التعب والجهد الواضحين.
ليش غلبتم أنفسكم وبذلتم جهدًا في هذا الشيء النافل.
أذهبوا إلى هناك ومعكم اباريق اشااي والقهوة، صبوا واشربوا، وخلوا رئيسكم بوتين يأخذ معه مسجلة كرانافون وأرقصوا على اللحن والموسيقة
على الطرف الاخر، لدى أرمينيا أغرب رئيس الوزراء في العالم، رجل جاهل بالسياسة، بل غبي سياسيًا، يذهب إلى حلف الأطلسي ويشارك في المناورات العسكرية معها، ويبتعد عن جارته الكبرى ويستفزها، واليوم يقول لن نقبل بالمفاوضات، ولا نريد لروسيا الحضور.
طيب يا صديقنا العزيز، صديقنا الجميل:
ماذا لديك من خيارات عملية في المواجهة العسكرية مع القوات التركية والأذرية والمرتزقة الزعران من سورية وغيرهم في ظل تدفق الأسلحة من تركيا.
أين الحلف الأطلسي الذي راهنت عليه، لماذا لم تكن مستعدًا لحماية الناس العزل من المذبحة الذي تحدث الأن؟
إن الدفاع عن الحسين أضحت وظيفة سياسية بامتياز. تدر المال السياسي، والموقع السياسي للكثير من المتسلقين. ترفع شأن من لا شأن له، ولا قيمة. وتصنع سياسيًا قطاعات اجتماعية سياسية واسعة، وتضعهم في موقع ليس لهم:
الخصيان، الدونيين، النرجسيين والمازوشيين وكل المرضى والفارغين والعاطلين عن العمل.
وكمان إن الدفاع عنه، شغل لمن ليس له شغل، وفود رايحة ووفود جاية، وإعلام: تلفزيونات، خطابات، دعايات، دهانات طبخ ونفخ، حركة ونشاط للسوق، تسوق، ثياب جديدة، شراء وبيع، ملصقات، لطم وبكاء وتفريغ طاقة سلبية وإيجابية معًا، ورص الصفوف لمواجهة عدو محتمل قادم من وراء المجرات.
لولا الحسين، هل كنّا سنرى الخميني ومن بعده صبيه الخامئني؟
وهل كنّا سنرى هذا الخراب الذي يعم المنطقة بسبب هذه المظلومية التاريخية المزيفة؟
تذكرت نينا، لب اللوز في أعلى تقاطع الفخذين، ورائحة تفاح ندي يفوح في الفضاء يشبه رائحة سيلفانا.
كان هذا اللوز أخضرًا نابضًا بالرموز، ناطقًا، كلمني دون أن يتكلم وغنى لي تلك الأغنيات التي تهدهد الذاكرة وتنقلها إلى الشواطئ الساحرة
بقيت عيناي مسلطتان فوق اللوز مآخوذًا بالدهشة إلى حد الانبهار وكأن ما أراه لا أراه وكأن ما يقع تحت عيني لم يقع.
وأنا البوهيمي الجوال تأخذني الغجريات إلى خيمتها لنقرع الدفوف في وسط البراري.
لم يكن ثمة بيوت على هذا الامتداد الواسع للبادية السورية العذراء. في السماء ثمة طيور مهاجرة, تغرد بحزن عميق وتزفر دون انقطاع. تبث الكون أوجاع أسفارها الطويلة ورحلاتها المتعبة. ومشاعر الافتقاد والانقطاع. وصوتها المتعلثم, المرتبك, يمتزج بالفراق والغربة والحنين. شعرت أن ذاك الطائر, احترف السفر والغربة. يرقص في السماء, يصدح بكاءًا لفراق الدور والبيوت ومسقط رأسه. وبداية المواسم الراحلة, النائمة على اعتاب النهاية.
هناك ظاهرة خطيرة يكررها المسلمين في كل مكان لتثبيت وجودهم في كل شيء على الساحة العربية والإسلامية والعالمية، نقرأ:
المفكر المسلم، اللاعب المسلم، الكاتب المسلم، المبدع المسلم، الرئيس المسلم، الطبيب المسلم، وهكذا.
لكن بالمقابل لا يذكرون المتسول المسلم، الشحاذ المسلم، اللاجئ المسلم، أو اللص المسلم، أو الفقير أو المهش أو المكسور والمتعب المسلم.
إنهم يمارسون أسلوب قذر ودنيء في طبع صورة ذهنية في خلفية الصورة لتصبح كصنم أو لصقة تلصق في خلفية كل صورة ذهنية تمر أمام أعيننا.
أكيد لا يملكون القدرة على تعريف المسلم سواء كان ناجحًا أو فاشلًا، لكن بالتأكيد أنهم يرسمون صورة سوبر مان غربي، الخالق للمعجزات والخوارق في خلفية الصورة للإنسان المسلم الفارغ من قيمه وإنسانيته.
هذه الصورة الذهنية الكاذبة معيبة جدًا، بحق المسلمين البسطاء، بهذا السلوك نجرد البسطاء من إنسانيتهم، لا نذكرهم في الصورة الذهنية للمتفوق المسلم والناجح.
الغرب صنع سوبر مان عندما كان ناهضًا، أو البطل الأمريكي السوبر، رصاص مسدسه لا يفرغ، ما يفعله المسلم العاجز والمهزوم أنه يقلد ذاك البطل المتفوق، السؤال:
متفوق بماذا أنت أيها البطل الأمريكي، وأنت يا مسلم بماذا أنت متفوق علينا، ولماذ لا تحترموننا كبشر عاديين لا نملك تفوقكم؟
أقول وسأقول على المسلمين أن يكفوا عن التكلم بأسم الأمة الإسلامية.
إن هذا المفهوم، الإمة الإسلامية، مفهوم مضلل، بدعة سياسية كاذبة، لا مكان له تحت الشمس أو الضوء.
إنه وهم.
إن هذا المفهوم يضيع على المسلمين الانخراط والعيش في أوطان سياسية، كل وطن له حدوده وسياساته وحاجاته السياسية والاقتصادية.
مفهوم الأمة هو قفز على الواقع، هو التحول إلى يوتوبيا، إلى طوباوية، وأثبت التاريخ أن كل ما هو غير واقعي لا يعتد به، هكذا فعلت الشيوعية والنازية وغيرها.
ثم ما هي مقومات هذه الأمة على مختلف المجالات، ما الذي يجمع المسلم الهندي بالتركي بالمغربي؟ هل الدين وحده يوحد الناس، الحاجات والرغبات والتناقضات؟
يتعاطف، بل مستعد أن يذهب الكثير من المسلمين إلى دولة أخرى للقتال من أجل مفاعيل غير موجودة على أرض الواقع.
ابدأوا من القضايا الصغيرة، من المعيشة العادية، من الخبز والحليب لأطفالكم، من تأمين مجاري المياه المالحلة، والمياه الحلوة، من الحياة العادية قبل ان تنطلقوا إلى أشياء غير قابلة للتطبيق.
القفز فوق الدول والأوطان لا يصح ابدًا، هناك مستحقات تفرضها الحياة.
تركيا، إيران، الأولى عملت سور طويل، سد أمام الأفغان الهاربين من وطنهم، لأن قدراتها الاقتصادية لا تسمح باستقبالهم، وهكذا فعلت إيران والباكستان. وقبل أيام ضربت إيران الإسلامية المجرمة الأكراد في كردستان العراق، وهي تقتل الشعب المسلم داخل أراضيها، وهكذا تفعل طالبان، التي وضعت نفسها كوصي على الدولة المجتمع وراكمت الثروة في يدها.
سنقول للجميع:
من يريد أن يضرب بالحجر الكبير، يعرف تمامًا أنه لا يستطيع أن يسدد الهدف.
هناك تناقض فاضح بين الهيمنة والديمقراطية، سواء في مؤوسسات الدولة في داخل الوطن الواحد أو خارجه في الدولة الديمقراطية.
لنلق نظرة بسيطة على عالمنا، هل العلاقات الأمريكية الاوروبية هي علاقة هيمنية استبدادية أم ديمقراطية؟
وسنضيف أن علاقات الولايات المتحدة على مستوى العالم كله علاقة استبدادية، فوقية تملي شروطها ومصالحها على الاتحاد الأوروبي وكندا واستراليا واليابان ونيوزلندا وتايوان وكوريا الجنوبية، وبقية الدول الذين يقبعون تحت رايتها.
ولا تسمح لهم أن يرفعوا رؤوسهم أمامها تحت طائلة العقوبات أو الاغتيال أو التصفية.
لننظر إلى إيطاليا اليوم، سنرى كيف تتعامل الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وكيف أنهما يجمعان على محاربة الحكومة المنتخبة الجديدة، وكيف يحاولون اسقاطها، واسقاط الحكومة المجرية.
أليست الديمقراطية حزمة واحدة أو سلة واحدة، وأي خلل في الممارسة هو استبداد وقمع على الصعيد الخارجي أو الداخلي؟
عندما تتخلص الدولة الديمقراطية، أو تتوقف عن فرض النظام الأوامري على المجتمع، وسيطرتها عليه، وقتها نستطيع القول أننا في مجتمع ديمقراطي.
الموظف في المجتمع الديمقراطي أو العامل يبقى خائفًا على عمله أو وظيفته، ونراه يرضخ، ويمتثل للأوامر بطريقة إذلالية حتى يحافظ على رزقه ولقمة أولاده.
لم تستطع الدولة الديمقراطية المزاوجة بين الهيمنة والسيطرة من جهة والديمقراطية من جهة أخرى إلى هذه الساعة.
يقولون أن صوت الطبل حلو من بعيد، ونضيف أنه طبل، ونضيف أن هذا الشكل من النظام، مخدر للمجتمع إلى أن تتخلى الدولة عن الديمقراطية وفقًا لمصالحها، أو تنزع الثياب عن جسدها.
الدولة والحرية، والدولة والديمقراطية متناقضات بعيدة، جمعت في أقنوم واحد مثل أقانيم المسيحية الشرقية.
الاتحاد السوفييتي كان عدو نفسه في المقام الأول، الدول الديمقراطية يهربون إلى الأمام من أزمتهم البنيوية كدول رأسمالية مركزية، لأن التناقض قائم في ذاتهم. فهي ليس دول عدالة وحرية واستقلال كما نعتقد، أنها دول قائمة على امتصاص الناتج الاجمال المحلي من بلدان العالم الثالث، مثلهم مثل الصين وروسيا والهند وغيرهم من الدول القوية اقتصاديا وعسكريا. الصراع في العالم هو من يستحوذ على المال العالمي وثرواته اكثر فأكثر
الديمقراطية حالة متقدمة جدًا في مسيرة الحياة السياسية العالمية، بيد أني أضع يدي على البنى العميقة فيها، اقول ما دام هناك استغلال ونهب فالديمقراطية مريضة وتحتاج إلى تطوير. انا اعتبر الولايات المتحدة دولة عسكرية تحت يافطة اسمها الديمقراطية. خلال فترة ما بعد انهيار السوفييت صمت الغرب عن مفهوم الديمقراطية، وبدأت الولايات المتحدة تجارتها القديمة بحقوق الانسان والديمقراطية بعد حرب اوكرانيا. اوروبا تاريخ وحضارة وعلم ومدنية متطورة وفيها جانب إنساني، امريكا اقرب للمحارب الدائم في ساحة القتال.
في المنعطفات الحادة والجارحة، كل إنسان يضع جميع أوراقه على الطاولة.
يشلح ثيابه الداخلية والخارجية كلها، ويقف على جانب الجدار، مؤخرته إلى الخلف أو إلى الأمام لا مشكلة، كاشفًا عورته وثناياه الداخلية، يكشف المستور والمخبأ دون خجل أو حياء.
هكذا يحدث الأمر تحت سقف الجلاد في السجن أو في الحرب أو في الغربة.
في الأزمات نتعرى أكثر فأكثر أمام أنفسنا والآخرين دون خجل أو خوف.
المنعطفات الخطيرة تسهل علينا العري، وتمنحنا طاقة التنكر لأنفسنا:
إن نكون نحن كما نحن على حقيقتنا، دون غطاء أو قناع.
في الظروف الطبيعية الأمور ململة، نحافظ على رصانتا الاجتماعية، الخارج، ومكانتنا وهيبتنا الفارغة أمام الآخرين خوفًا أو خجلًا من ألسنة الناس، ونهرب من عيونهم الذئبية التي تأكل الأخضر واليابس.
ونحتاط حتى لا ننكشف على الأخرين، حتى لا نبان على حقيقتنا التي تغطيها الثياب.
في المنعطفات المدمرة ننكشف تلقائيًا، تنكسر القيود وتتفكك، ولم يعد مطلوبًا ستر المستور.
هل هذه التعرية ضرورية؟ هل نحن بحاجة لها؟ هل كنّا نريد أن ننكشف على أنفسنا والآخرين؟
العاهات المريضة والفاسدة موجودة، ولكنها مخبئة.
لم يأت الإسلام من أجل الشريعة. وكل من يقول أنه جاء من أجل الشريعة يسيء له.
واعتبر هذا تبسيط للإسلام أو تقزيم له.
دائمًا نقول أن للتاريخ حساباته، طريق سيره ومسيرته. ونطرح السؤال:
لو جاء الإسلام قبل مائة سنة من مجيئه، هل كان سينجح؟
عندما جاء الإسلام كان هناك فراغ سياسي على المستوى العالمي، استطاع هذا الإسلام أن يغطيه، ويحرك المياه الراكدة في السياسة العالمية والمجتمعات ذات العطالة والسكون، الذي عمل على تحريضها من داخلها وخارجها.
سيقول البعض، أن الإسلام لم يفعل شيئًا. نقول لهم، فعل الكثير.
برأي البسيط بعد أن توسع وتحول إلى أمبراطورية، وأكمل مهامه، كان الأجدى بالقوى الاجتماعية السياسية الصاعدة أو الجديدة التي تنطحت لهذا الحمل الثقيل أن تعمل على التغيير من داخله، والانتقال إلى أشكال أخرى من الحياة الاجتماعية الاقتصادية.
لقد فات ذلك الزمن، ولا يمكن أن يعود إلى الوراء. لهذا علينا البحث عن بدائل ضمن شروط الواقع الاجتماعي الاقتصادي المعاصر.
اليوم، هناك من يقول بالدولة الإسلامية، هذا المفهوم مظلل، يأخذه البسطاء السذج على عواهنه، بل يصفقون له دون معرفة.
الدولة الإسلامية إذا وجدت ستعمل ضمن آليات وشروط النظام الرأسمالي.
ضمن قوانينه وعلاقاته المتشعبة، وستخضع له غصبا عنها.
إن النظام الرأسمالي واقع موضوعي واقعي وعملي، يطحن كل من يحاول أن يجير الواقع لمصلحته بعيدًا عنه.
أنا شخصيًا أحزن عندما أرى هذا الكم الهائل من الضحايا، سواء القاتل أو المقتول لهذه البدعة المسماة دولة إسلامية.
وكأن القائمين على ترويج هذا المفهوم يوهموننا إننا خارج النظام والحداثة والعصر. ويستطيعون أن يبنوا لأنفسهم عالمًا ضيقًا على مقاس عقولهم الصغيرة.
إلى هذه الساعة، لا يوجد حداثة خارج الحداثة الرأسمالية في الزمن الممكن والقريب.
الحداثة واقع موضوعي حقيقي له آلياته شروطه، وعمله، ولديه دفاعاته.
أفضل ما عملت أنني لم أعمل شيئًا.
لم أحمل الحياة على كتفي ولم أحسب حساب الخسارة والربح.
وعشت دون نتائج تذكر. والحياة أوراق فوق أوراق بيضاء، كتل من الوهم، لم يأخذ الإنسان معه أي شيء سوى هذا الوهم.
حملت الأحزان الجميلة ككمشة ألوان في حقيبة صغيرة وسرت بها ماشيًا إلى لا هدف، نثرت ما في جعبتي، من هذا الحزن، على الحقول والأنهار والغابات والجداول وبقايا حياة.
في هذا المكان المفتوح على الصمت يمكنني البوح بصمت أقرب إلى الصلاة في صومعة الحياة.
إننا مجرد أوراق متناثرة يحملها الزمن ليرميها فوق بعضها إلى حاويات الماضي.
المجرمون يعتقدون أنهم يحبون الحياة، بيد أنهم أول من يدمرها ويدوسها، ليس على رؤوسهم فحسب وأنما على رؤوس الجميع.
وما أكثر المجرمين أصحاب الياقات البيضاء وربطات العنق الملونة، الذين يسيرون فوق جماجمنا بكل ثقة.
لو تمت تعرية بوتين أو بايدن أو أردوغان أو جونسون من الثياب، وربطوا إلى جدع شجرة، ثم دهنت أجسادهم الخارجية بالعسل، على الجسد كله، الرأس والوجه، على الصدر والظهر، على المؤخرة والساقين والساعدين، ثم فتحنا عليهم خلايا الدبابير أو النحل.
هل سيبقى بوتين هو بوتين او بايدن هو بايدن أو جونسون هو جونسون أو أردوغان هو أردوغان؟
هذا هو السؤال.
نقول، في المنعطفات الكبيرة، الخطيرة والقاسية يبان الإنسان على حقيقته.
في الامتحان يكرم المرء أو يهان.
لا تعلن حزنك لكائن من يكون.
عليك أن تغضب.
الغضب صرخة حقيقية، عاطفة إيجابية بها تخاطب الوجع الإنساني، وتبحث عن التغيير.
الحزن عاطفة مدمرة
لقد مزقني الحزن في مواقف كثيرة، بكيت، ونشجت وتعلمت.
وما زلت أتعلم وسأتعلم يومًا بعد يوم أن الناس لا يلتفتون إلى أحزان الآخرين.
إنهم مشغولون بأنفسهم.
إنهم قساة.
قسوة الحياة قتلت البراءة الطبيعية في ذواتهم.
اعتقد أن رغبة صلاح جديد في قطع العلاقة مع دول الخليج كان صائبًا.
بل أن سوريا قطعت علاقتها معهم بعد حرب الأيام الستة.
لم يأت من الخليج للدولة والمجتمع السوري سوى الأذى وفتح الجراح.
كانوا وما زالوا دول رجعية، وقفوا وما زالوا يقفون ضد إرادة السوريين في الحرية والديمقراطية.
وتدخلوا في الشأن الداخلي لأغلب الدول العربية التي أرادت بناء نظام ديمقراطية.
وعندما قامت الثورة السورية كانوا أول من طعنها في الظهر وعمقوا جراحها.
قسم منهم أرسل المسلحين ودعموهم بالمال والسلاح من أجل تخريبها وقسم قدم الدعم اللوجستي للنظام العائلي القائم.
ولم يستقبلوا لاجئ واحد ولم يقدموا المساعدة لأي سوري.
كانوا مع الأنظمة الأشد قهرًا على شعوبهم.
حكام الخليج كانوا وما زالوا الأوسخ على مستوى المنطقة سياسيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا، وأكثر الأنظمة انبطاحًا أمام الولايات المتحدة وإسرائيل.
اللعنة عليكم جميعًا يا قباحات التاريخ.
في الغربة نتعرى أكثر فأكثر أمام أنفسنا والآخرين.
في الأزمات يضع الإنسان كل أوراقه على الطاولة ويكشف المستور والمخبأ دون خجل أو حياء.
في بلادنا نحافظ على رصانتا الاجتماعية ومكانتنا وهيبتنا الفارغة امام الآخرين خوفًا أو خجلًا من ألسنة الناس وعيونهم الذئبية التي تأكل الأخضر واليابس وكل من ينكشف عليها.
أما في الغربة فإنه ينكشف تلقائيًا لأن القيود تفككت ولم يعد مطالبًا ستر المستور.
هل هذه التعرية ضرورية؟ هل كنا بحاجة لها؟ هل كنًا نريد أن ننكشف على أنفسنا والآخرين؟
العاهات المريضة والفاسدة هي من أكثر المستفيدين من هذا المغطس النتن.
كتبت مرات كثيرة أن الخلية السرطانية الفعلية بدأت عمليًا وفعليًا بالنمو والانتشار في نهش الدولة والمجتمع في البلاد العربية بعد هزيمة 5 حزيران في العام 1967.
وأضحى واقعًا فعليًا عندما وصل إلى الحكم في العام 1970 أنور السادات وحافظ الأسد.
كلاهما فعلا هذه الخلية السرطانية عندما كرسا دينًا شاذًا ومجتمعًا مريضًا معاقًا ليكون على مقاس نهجهما السياسي المريض.
الهزائم المتتالية الذي قادته هذه الأنظمة المأجورة على الصعيد السياسي والاجتماعي والوطني نرى نتائجه اليوم على كل المستويات.
ما نراه اليوم بوضوح تام سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا أو اليمن أو مصر أو المغرب أو الجزائر أو لبنان هو مجرد تعويم لدين انتج في المختبر ليتطابق مع النظام السياسي السرطاني.
كنت في وكره عندما وضع يده في يدي. أمسكته جيداً، مخلباً في مخلب، ويداً في يد.
ذئبين في جلدين مختلفين. قلت في نفسي:
ـ الذئاب لا تترك أوكارها إلا في حالة الموت أو الفناء. إنهم أكثر نبلاً من البشر، أكثر وفاء للمكان، ولنسلهم.
وعاودت الرحيل. اسمع هسهسات الهواء وبقايا ريح شتائية حزينة. وتذكرت أن الحياة كائن جميل. امرأة, سر. وحش كبير يبتر أعضاء الأطفال والنساء. يبتلع كل شيء. لكننا جزء منها.
لولا الحياة والوجود, الجبال والأنهار والبحار لما كان لنا ذاكرة. جميعنا, ولدنا من ذاكرة غريبة.
كنت أضم الليل الحنون والخابور بين ثنايا صدري, نبقى هناك بالقرب من الأفق نتقاسم الأشجان والوداع. كنت كالبحر يبدو من الخارج هادئًا, متوازنًا, بيد أن موجه كان متلاطمًا في داخلي, يأخذني إلى الأعلى, إلى السماء ويرميني على الصخور الحادة. لم أستطع أن أقف أو أجلس, قلقًا, متوترًا, لا أعرف ماذا أريد بالضبط. كنت كنمر في قفص ثم أطلق سراحه في هذا الفضاء الواسع. لم يكن المكان يتسعني كما لم يكن يريحني. مضطربًا, سكرانًا من هذا الكم الهائل من هذا الخلاء المفتوح على كل الأبعاد.
الأعوام الخمسة الأخيرة في سجن تدمر كنت محرومًا من رفع رأسي إلى الأعلى, محرومًا من رؤية السماء والشمس, مضطرًا أن يبقى رأسي منكسًا, ذليلًا بيد أذلاء, وحوش, عصابة مجرمة لها شرعية دولية في تمزيق بلدنا ومجتمعنا. ثم, أرى نفسي في البيت حرًا, أنام كما أشاء وأستيقظ كما أشاء وأخرج من البيت إلى السوق أو الشارع والتقي بالناس. رأيت المرأة لأول مرة, ربما تعجز الكلمات عن وصف أو سرد ما جال في داخلي, بوجود الضيوف والأصدقاء لم أكن أستطيع التعبير عن مكنوناتي, وعندما أختلي مع نفسي, عندما أجلس وحيدًا, تبدأ دموعي تتساقط من عيني لا شعوريًا, أبكي بحرق وألم. لقد نسيت شكل المرأة الخارجي في السجن, لونته وزينته عبر فضاء روحي وعقلي, واليوم أنا وجهًا لوجه معها. لم أكن متزوجًا, كما لم يكن لي حبيبة أعود إليها لأتواصل معها. كنت وحيدًا, مكسوراً, تنتابني رغبات قاتلة أن أكون بصحبتها, أن أراها عارية أمامي, أن أصل إليها لأعرف من أنا وأين أكون وأين سأكون. هو اختبار لقدرة الكائن على أخذ اللذة من هذا الكون, أو قمعه وكبته تحت ضغط الوقائع. أرى الحيطان النظيفة لأول مرة, ضوء, ومكان واسع يضمني وحدي. أمشي فيه دون وجود شركاء معي يقاسموني الطعام والحمام والفراغ أو وجود إنسان مضطرب نفسيًا يخرب يومي بقلقه أو خرابه الداخلي. أجلس على الفراش الوثير الذي جهزته لي والدتي أثناء غيابي. البيت النظيف. هذا الانقلاب بكل شيء, من النقيض إلى النقيض وضعني في حالة ذهول وضياع. لا أعرف من أين ابدأ وإلى أين أذهب. كيف يمكنني أن أتاقلم مع الحياة والناس, العمل, المرأة, الوقائع التي تفرضها متطلبات الحياة الجديدة. بقيت مشوش الذهن, أرسم الأمال المهزومة والأفاق البعيدة, بيد ليس في يدي أي شيء. لم يكن لدي مالاً, بيتًا خاص بي, مستقبلا. باختصار, أنا مجرد كائن ضائع لا يعرف أين يرسو به المكان والعالم, ولا أعرف إلى أين أذهب, كسفينة تاهت في عرض البحار, لا أرض أو ميناء يضم جسدها, تبحث عن مكان ترسو عليه لترتاح من عناء الهزيمة والبعد والسفر الطويل.
لإول مرة أرى تلفزيون جديد في بيتنا, ملون وجميل, وفوق السطح دش, صحن كبير. ظننت للوهلة الأولى أنه قمر صناعي. لم أكن أعرف ما هو الدش ولم أكن قد سمعت به من قبل. استعنت بأبنة أختي لتقلب لي الأقنية الفضائية. ما آثار غرابتي, قنوات الجنس, النصف مشفرة. من خلالها رأيت جسد المرأة بعد حرمان طويل أمتد إلى ثلاثة عشرة عامًا, صراخ الآهات التي كان يخرج منها توحد بصراخي. شعرت بوجع الحياة, وجع السنين, وجع الرغبات المكبوتة, وجع الشهوة الهاربة, وجع السجين المعزول عن لذائذ الحياة, بعده عن دورة البقاء. عندما رأيت المرأة بعد سنوات طويلة كما خلقها الله, الطبيعة, صرخت بصوت عالي مثل قط بري, مثل انكيدو, عاش توحشًا منضبطًا, كاذبًا, مخافة ردود الفعل. الضوابط الاجتماعية, القمع المنظم المركون في اللأوعي الذي يسيرنا ويجعلنا مجرد أدوات خاضعة.
فهذا الكائن المعزول عن العالم, يحاول أن يمد خطاه نحو الأخر تحت وقع ضربات الرغبة والالتحام به, الشبيه به.
دخلت السجن شابًا في التاسعة والعشرين من العمر وخرجت كهلًا في الثانية والأربعين. وفرص الاختيار أضحت قليلة, خاصة لرجل له ماضي, تحت أنظار نظام قاتل, يعد عليه أنفاسه, يحاربه في خبزه وعمله واختياره وشبابه. شغفي كان ضاغطًا أن أصل إلى امرأة لا لون أو مقاس لها بعد أن أصبح الواقع حقيقة, ولا مفر أو هروب منه, قلت لنفسي:
ـ من هي المرأة التي ستقبل بي؟ وهل ستقبل بظروفي؟ وهل ستتفهم قلقي, هواجسي وعزلتي؟
كنت أرى جميع النساء جميلات, واقعاً تحت تأثير الرغبة الطاغية والحرمان الطويل. هذه الرغبة التي تعمي القدرات والمدارك وتعطل التفكير, وتلهب الخيال وتجنح نحو الارتقاء أو الهبوط. تريد الخروج من مكامنها المجهولة والتوحد بالأخر. لم أكن متوازنًا, بله مخلخل التوازن في هذا الجانب, كان هناك شيء جارف يطلب, مندفعًا نحو اللهب دون معرفة ما مدى تأثير ذلك على نفسي ومستقبل علاقتي بمن ستشاركني هذه التجربة. إن هذا الجانب بالرغم من أنه يبدو بسيطًا, علاقة جسدية بين أثنين, بيد أنه الأكثر غموضًا لنا, وصعوبة معرفته, ولا نعرف تقديره في حقيقته, ومدى اندغامنا فيه أو انفصالنا عنه, ومتى نحقق شروطه وتكامله أو انقسامه. كنت أرى في كل امرأة مشروع عشق جارح, تلبي شروط تفريغ الطاقة والرغبة النائمة منذ عشرات السنين.
إن العلاقة مع الجانب الأخر المختلف والمكمل يكتنفه الكثير من التعقيد والمنع في بيئة شرقية, خاضع للثقافة الدينية, الحلال والحرام. وكأنه لازم على الفقراء والمهمشين أن يبقوا أتقياء يلبون شروط الله في تنفيذ وصاياه. فالكثير مثلي عاش في بيئة اجتماعية, الأباء فيها يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون. أي, أن كل عائلة, في بيئة جاهلة تنجب عشرات الأطفال, لأنانية الأهل, وغباءهم, وعدم مسؤوليتهم في أخذ قرارات خطيرة خاصة فيما يتعلق بالانجاب والتوالد الكثير.
هذا الكون الجميل, حوله الإنسان إلى وظيفة, وملعب للإقياء والحماقة والضياع.
الاجدى بالذين يخرجون من السجن, بعد مدد طويلة, أن يعتزلوا السياسة. انقطاعهم الطويل عنها, عن الحياة الطبيعية, يجعلهم, بعيدين عن عقل الشارع, وآلية تفكير الناس.
من غير المعقول, أن يمكث أحدنا, أكثر من عشرة أعوام في السجن, ثم يعود إلى العمل السياسي, وكأن شيئا لم يكن.
الزمن سريع, والإنسان في الأربعين من العمل في هذه الأيام, يعتبر متخلفًا, قياسا لما يحصل حولنا من تغيرات سريعة..
القيم الكاذبة, المشوشة, لا تصنع ذاكرة, ولا وطنًا ولا مستقبلًا, ولا دولة ولا مجتمع, ولا إنسان, وغير معنيين بالإنسان والوطن والمستقبل.
الشخصنة في بلادنا, فوق السياسي عند الكثير من السياسيين. وأهم.
الكثير يظن أن التاريخ, لن يمشي, إلا اذا مر من ثقب شرجه.
تجربتنا السياسية, في فترة الحرب الباردة, وصراع الاستقطاب, جعلتنا محميين. بمعنى, كان السوفييت, يعطوننا, شهادة حسن سلوك سياسي, لتصرفاتنا ومواقفنا السياسية, لهذا كنا كسالى ومرتاحين لوضعنا السياسي.
اليوم, أصبحنا عراة, تبخر من كنا نستند عليه, سياسيًا, فكريًا.
نحن, أمام التاريخ بكل ثقله, وجها لوجه, لا نعرف ماذا نفعل. الصراع الدولي على أشده. بيض حكوماتنا, في سلة الغرب بالكامل. ويعرفون طريقهم, مصالحهم.
أما نحن, كقوى سياسية, واجمون, نتفرج على ابتزاز شعبنا, ولا نحرك ساكنًا. والبعض حسم قراره, مضى مع التيار.
مع الأسف ان الكثير من اليساريين, نسوا فكرة الصراع السياسي, ومضوا مع السلط, عبر تحميله أبعاد جانبية, ديني أو طائفي أو قومي أو مذهبي.
بهذا اصبحوا خدم هذه السلط, سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا. جوهر اي صراع هو سياسي مهما اشتد أواره.
علينا ان نصحح مساره, ونضعه على سكته الحقيقية, حتى لا نضيع, ونضيع غيرنا في متاهات جانبية.
ينسى الكثير من الناس, ان السلطة عبر التاريخ, عملت على تمييع الصراع, وحرفه عن مساره الإنساني. واسباغه صفات جانبية لتفريغه من مضمونه النضالي.
لن اخل بايماني على الاطلاق. أن الصراع في كل مكان, هو صراع سياسي بامتياز, مهما أعطي من أبعاد جانبية.
الكثير يخاف الخروج عن الاجماع, لأن روح القطيع قابعة في الجماعة.
هذا ليس توصيف لوضعنا. وأنما تفعلها, أغلب حكومات العالم, المتمدن والمتخلف.
الفرق بين الانتماء الأول للقطيع, والانتماء الحالي, هو أن الأخير مسخ
أتمنى من الجميع ان لا يضيعوا البوصلة.
لم يكن الصراع قبل عشرات الآلاف من السنين, والى الان, الا صراعا سياسيا. البعض يسبغ عليها لفحة الدين, والبعض بالقومية والبعض بالطائفية.
اما بالنسبة لي, فاللوحة واضحة تماما. الصراع, هو على السلطة والنفوذ والمال والمصلحة. وما تبقى, فهي مرتكزات السلط, في تثبيت اماكنهم على قمة الهرم, المالي والسياسي والنفوذ
لإنني بيد جلاد لا يعرف النوم إلا على رائحة الدم. رغم ذلك تبقى الرياح تلفح وجهي وقامتي وتجعلني جامداً في مكاني.
لم أكن بطلاً على الاطلاق. أنا إنسان. أخاف وأحزن. تأتيني الكآبة واليأس في صرر ملفوفة في سلال. ومحملة فوق صدر الرياح السوداء, الهاربة من مطرح إلى مطرح.
حاولت الهروب إلى الأماكن الأكثر دفئاً وسكينة في حياتي.. إلى الطفولة. اتحايل على نفسي, أكذب, وألون الأيام الماضية والمستقبلية, بأجمل الصور. هذا كان ضرورياً من أجل أن أبقى على قدمي. أن أبعد لحظات الألم, والوجع والرغبات الدفينة, في مكان مجهول من روحي, حتى لا أتمزق من الحزن والحرمان والفراق والألم.
استعيد المرأة في أجمل لون.
الدولة الطرفية, عبء على المواطن والمجتمع, إنها تحوله إلى حشرة, إلى شيء نافل, مفرغ من المضمون. يلهث خائفًا على مصيره وماله ومستقبله.
لهذا انقسم النظام الدولي إلى بلدان, دول, قوية تتحكم بكل شيء, وتمنع قيام بلدان, دولة وطن.
المهمة الاساسية للبلدان الغير مكتملة أن يسعوا إلى بناء الدولة, كحجر زاوية لبناء وطن. وكل ما عدا ذلك مسخرة. ولعب على مصائر الناس.
ما فعله الاسد, الأب والأبن والعم, خلال وجودهم في الحكم, فعله ماو تسي تونغ في العام 1966 أثناء الثورة الثقافية. عندما شعر هذا الأخير أنه سيفقد السلطة, سلط الشبيحة, الحرس الأحمر, على المجتمع تحت حجج حماية الثورة.
دمروا التراث القديم للصين, المتاحف, الأثار, التحف, المعابد القديمة, النقوش, اللوحات الثمينة, المكتبات, الكراسي الاثرية, وحرقوا الكتب. وجل التراث القديم, وما بقي قدم هدية للمدافئ.
كانت اجتماعات الادانة تعقد بمشاركة جمع هستيري, وباشراف الرئيس ماو. تعرض أكثر من 60 أستاذ وئيس قسم منهم رئيس الجامعة للركل والضرب واجبروا على الركوع ساعات والصقوا على اجسامهم شعارات. والقوا على وجوههم حبرا اسود.
قتلوا المثقفين والكتاب والفنانين. وكل نفس مخالف للدكتاتور المريض بجنون البارانويا.
الدكتاتور, انسان مريض, ويخلف وراءه جيل مريض.
المناهج الدراسية هي التي كرست لدينا عقلية احادية الجانب, التاريخ, تاريخنا ناصع البياض لا عيب فيه ولا اخطاء, ناسنا, كلهم مؤمنين, أبطال, شرفاء, لديهم نكران كبير للذات, يخر منهم الصدق والاخلاص والشهامة. هذا الشكل من التفكير زرع في عقولنا الاحساس بالعظمة والفوقية التي في جوهرها الحقيقي دونية وعجز وضعف. جعلنا نعيش الماضي ونطلق الحاضر ولا نتصالح معه.
#آرام_كربيت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟