|
ترجم الموروث الديني والأدبي
اسماعيل شاكر الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 8115 - 2024 / 9 / 29 - 16:40
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الكتابة إلى الذات الجزء الخامس ترجمة الموروث الديني والأدبي 1 ) ترجمة الكتاب المقدس التي قام بها المصلح الديني : مارتن لوثر عام 1522 : من اللغة اللاتينية ( التي لا يتحدث بها سوى نفر قليل من الناس هم قساوسة الكنيسة الكاثوليكية ) إلى اللغة الألمانية ( وهي لغة الشعب الحيّة التي يتحدث بها الملايين ) اول السلسلة الطويلة من الافعال التاريخية العظيمة التي حررت الفرد من الهيمنة الثقيلة لمنظومة الجماعة الفكرية الجاثمة على وعيه منذ قرون . لقد اصبح الفرد قادراً على قراءة الكتاب المقدس وفهمه بلغته المحلية من غير وصاية من القسس ، او من " البابا " نفسه الذين يملكون وحدهم إمكانية قراءة الكتاب المقدس وتفسيره . ، فمنحته الترجمة إمكانية ان يكون من الناحية الدينية فقيه نفسه . ( هل بتمكن المسلمون من تحرير انفسهم من وصاية الفقهاء عليهم بترجمة القرآن إلى اللغات المحلية : التونسية والمصرية والسعودية والشامية والعراقية واليمنية ؟ ) لقد حررت الترجمة : الوعي الفردي من التابعية المطلقة في المعرفة الدينية للكنيسة ، ومنحته إمكانية ان يحصل عليها من غير وساطة قساوسة الكنيسة ، فحررت ملايين الناس من احتكار المعرفة الذي كانت تمارسه الكنيسة الكاثوليكية . ومنحتهم حق استحصال المعرفة بأنفسهم عن طريق قراءة الكتاب المقدس بلغة حديثهم اليومي وتفسيره . مما أدى إلى إشاعة المعرفة التي أصبحت في متناول كل فرد : اذ أصبحت الملايين قادرة على القراءة بلغاتها المحلية : الألمانية او الإنكليزية او الفرنسية . هل سيقوم بعض المثقفين العرب ( الذين حرروا وعيهم من صدأ القرون ) بترجمة القرآن من اللغة الكلاسيكية القديمة إلى لغات الناس الحية وتحرير الملايين من الوقوع في اسر الجماعات الارهابية؟ ومن الممكن الإشارة هنا إلى الازدواجية اللغوية التي يعاني منها الكتاب الفتى العرب الذين عليهم ان يتحدثوا بعفوية مع الناس بلغة الحياة والنشاط اليومي ، وان يفكروا بلغة أخرى انفقوا وقتاً طويلاً على تعلم قواعدها وتصريفها وفهم أساليب بيانها … 2 ) في سياق تجربة الديانة المسيحية وتحولها إلى سلطة امبراطورية مع إيمان الإمبراطور قسطنطين ( حوالي 313 م ) بها : أخذ مفهوم الجماعة صيغة تحالف تاريخي مقدس بين سلطة الكنيسة الكاثوليكية وبين اللغة اللاتينية : ولهذا كانت ترجمة الكتاب المقدس 1522 م ، قنبلة من عبار ثقيل هزَّت اركان هذا التحالف القائم على احتكار المعرفة ، لقد ارتبط تحرر الفرد تاريخياً : بإطلاق حرية المعرفة التي كانت ترجمة الكتاب المقدس أولى خطواتها . اذ منحت الفرد المسيحي حق قراءة الكتاب المقدس بلغته الأم وحق فهمه وتفسيره من غير الحاجة إلى وساطة الكنيسة . أو إلى وساطة الفقيه في الديانة الإسلامية . فالتحالف كان واضحاً بين اللغة العربية وسلطة الفقه في العالم الإسلامي الذي ينطر إلى اللغة العربية : على انها لغة مقدسة ، رغم ان الملايين قد تخلوا عن قواعدها ، وعن معاني مفرداتها القاموسية وشحنوها باساليب مجازية مأخوذة من تجارب حياتهم اليومية وليس من قراءة المعلقات العشرة او خطب قس بن ساعدة وأكثم بن صيفي والحجاج الثقفي وامهات الكتب الأدبية التي تضم عصارة البلاغة العربية او النثر الأدبي الرفيع عند الجاحظ وابي حبان التوحيدي والحريري : لقد ظلت المعرفة في العالم العربي : عنصرية بامتياز ، لا تستطيع الملايين التواصل مع موروثها من غير استخدام القواميس . فمارست الملايين القطيعة المعرفية مع موروثهم قبل ان يطل علينا مَن يحاول ان بحدثنا عن مفهوم القطيعة او مفهوم : غير المفكر به ، عند فوكو او دريدا او سواهما من لابسي نظارات البنيوية ، فزادونا تغريباً عن واقعنا - حين حدثونا عن شرط القطيعة كاساس لدخول عالم الحداثة : فعن اي قطيعة يتحدثون : عن قطيعتنا الواقعية مع موروثنا الديني والأدبي الذي لا نستطيع قراءته من غير وسيط ووساطة ؟ أم تحقيق القطيعة مع لغة حديثنا اليومي ، التي لو قاطعناها فعلاً : لدخلنا في عالم الصمت - وليس في عالم الحداثة - لأن الملايين لا تعرف سواها يمكن ان تحل محلها في تعاملاتها اليومية … 3 ) وقد سبقت خطوة ترجمة الكتاب المقدس بسنوات قليلة : إصدار مارتن لوثر ملاحظاته الخمس والتسعين عام 1517 ، والتي تحتوي على الكثير من القضايا الإصلاحية ، ومنها رفضه القاطع بان يكون " البابا " هو المسيحي الوحيد الذي يملك التفسير النهائي والاخير لمحتويات الكتاب المقدس بعهديه ؛ القديم والجديد . مانحاً - بهذه الملاحظة الثورية - الحق لافراد الامة المسيحية جمعاء في قراءة وتفسير كتابهم الديني من غير وسيط . وهذه خطوة جبارة أخرى في الطريق الطويل لاستقلال الفرد عن سلطة موروث الجماعة الفقهي . كما ان اختراع المطبعة عام 1440 قد ساعد على انتشار كتابات لوثر على نطاق واسع ، وشجعت المطبعة تجارة الكتاب وطباعته ، فتنوعت أساليب الكتابة ، وولدت انواع ادبية جديدة مثل : الرواية novel والسيرة الذاتية والاعترافات وقد افسحت هذه الأساليب المجال أمام الذات لتخاطب العالم لاحقاً بتقنية التداعي الحر، والفلاش باك ، وعين الكاميرا …
#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفردانية وولاية الامة على نفسها
-
إعصار فرنسيس
-
الكتابة إلى الذات - الجزء الثالث -ابتكارالكتابة
-
رسائل إلى الذات - الثالث - ابتكار الكتابة
-
الكتابة إلى الذات : الابتكار / الجزء الثاني
-
الكتابة إلى الذات
-
الرد الايراني
-
ايران في وردة
-
ايران واسرائيل
-
هو : محاولة في التذكر
-
هو : محاولة في تذكره
-
قتل إسماعيل هنية شيء مخيف
-
تآكل هيبة الإسلاميين - الأدب الرمزي الفلسطيني
-
تآكل هيبة الإسلاميين ، الجزء السابع ، حماس والوعي الحضاري
-
امطار غيمة مهاجرة
-
تآكل هيبة الإسلاميين / الجزء الخامس : التكنولوجيا والمدينة ا
...
-
تآكل هيبة الإسلاميين / الجزء الرابع / التعتيم على مصدر قوة ا
...
-
كلمات ضاحكة
-
تآكل هيبة الإسلاميين الجزء الثالث / حقائق الاستعمار المُغَيب
...
-
تآكل هيبة الإسلاميين / الجزء الثاني
المزيد.....
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
-
رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا يعلق على فتوى تعدد الزوجات
...
-
مـامـا جابت بيبي.. حـدث تردد قناة طيور الجنة 2025 نايل وعرب
...
-
بابا الفاتيكان يصر على إدانة الهجوم الاسرائيلي الوحشي على غز
...
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|