|
تحول حزب الله من المقاومة إلى الردع
راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 8115 - 2024 / 9 / 29 - 10:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في كل تجارب حركات التحرر كان الفارق التقني والمادي والعسكري لصالح البلد المستعمِر، ليس التفوق الإسرائيلي اليوم استثناء، وإن كان الدعم الأمريكي المباشر والصريح واللامحدود يزيد من هول الفارق الإسرائيلي. ولكن، لا تكمن مشكلة حزب الله في هذا التفوق، على أهميته وأهمية تبعاته، بل تكمن بالأحرى في مستوى آخر حاسم الأهمية هو المستوى السياسي. الانكشاف السياسي للحزب أشد خطورة من الانكشاف التقني أو الأمني، أو لنقل إن ثقل الفارق التقني يصبح مؤثراً أضعافاً مضاعفة مع وجود الفارق السياسي الذي يميل لصالح إسرائيل بما لا يقل عن الفارق التقني الواضح. الفارق السياسي الذي نتكلم عنه هو بين موقع الحكومة الإسرائيلية في المجتمع الإسرائيلي وموقع حزب الله في المجتمع اللبناني. نتكلم عن غياب المقبولية الوطنية العامة للحزب، لأنه لم يعد يمثل ميلاً سياسياً عاماً في المجتمع الذي يتحرك فيه، ولا يشكل نقطة التفاف داخلي كما يكون الحال عادة في عموم حركات التحرر. من أجل المقبولية الوطنية العامة ينبغي أن يتوفر أمران لا يتوفران لدى حزب الله، وهما عمومية حركة التحرر، أي كونها تعبر عن المجتمع بالمعنى العضوي (أن لا تكون فئوية في جسدها ولا في مرجعيتها) وبالمعنى السياسي (أن لا تكون إقصائية وتسلطية في علاقتها مع المجتمع). في حالة حزب الله، ونظراً إلى تكوينه الفئوي، يوجد مستويان من العلاقة مع المجتمع، الأول هو علاقته مع مجتمعه المحلي أو بيئته (المجتمع الشيعي اللبناني)، وهو في هذه العلاقة يمارس تسلطاً معززاً بقيمة القضية (المقاومة والقضية الفلسطينية) التي يتكلم باسمها، ولا يسمح بظهور الأصوات المعارضة التي قد تتعرض للإخماد بطريقة دموية. وتقديرنا أن منسوب هذا التسلط يزداد كلما تراجع منسوب الحضور الفعلي للقضية، لصالح متطلبات سلطة الحزب التي تتحول إلى ما يشبه سلطة دولة غير معلنة. والمستوى الثاني هو علاقته مع المجتمع اللبناني العام بتركيبته السياسية والطائفية التي تبغض حقيقة وجود الحزب فيها لأنه الطرف الذي يحمل السلاح الساحق، الأمر الذي يجعل منه طرفاً مسيطراً في التركيبة، وإن أظهر الحزب على الدوام انضباطاً جيداً في استخدام السلاح في خلافات ومناوشات الداخل ولم يسمح باستخدامه المباشر سوى مرة واحدة (7 أيار 2008). في الحالتين (ضمن المجتمع الشيعي وضمن التركيبة اللبنانية) يبدو أن الحزب بات يفرض نفسه بالقوة أكثر مما يفرض نفسه بمشروعية سياسية مستمدة من مشروعية القضية الوطنية. منذ زمن طويل، لم يعد حزب الله "المقاوم" يعبر عن التوجه العام في المجتمع اللبناني. نحن نعتقد أنه كان كذلك حتى ربيع العام 2000 حين فرض على الجيش الإسرائيلي الانسحاب من الجنوب اللبناني. المجهود القتالي الرائع للحزب في تلك الفترة، كان يغطي على فئويته ومرجعيته. ولكنه بعد ذلك دخل في مرحلة انحدار سياسي ترافق مع ميل الحزب أكثر إلى التمأسس والاقتراب أكثر من هيكلية وروحية الدولة وما يرافق ذلك من ترهل ومن توضع بيئة صالحة للفساد، ولاسيما أنه يفتقد إلى اقتصاد ذاتي يسند قوته العسكرية ما يجعله معتمداً على الخارج وعلى أنشطة غير قانونية وما يجعل بيئته عرضة أكثر للاختراق كما أظهرت الأحداث المؤلمة الأخيرة. من غير الممكن تجاوز هذا الخلل العميق عبر مراكمة صنوف الأسلحة والمعدات الحربية والصواريخ، فقد تبين أن كل هذا ضعيف التأثير بعد أن تراجعت المشروعية الوطنية العامة للحزب وخسر الكثير من رصيده السياسي. لم يكن دخول الحزب بقواته إلى سورية لمساندة نظام الأسد، نقطة تحول، بل كانت لحظة انكشاف التحول الذي عاناه الحزب بعد العام 2000. أحد مشعرات هذا التحول المقارنة مثلاً بين التعامل الوطني للحزب مع أفراد جيش لبنان الجنوبي عقب التحرير (تعامل قوة مقاومة بأفق وطني)، وما أبداه من تعامل فئوي وبطشي مع السوريين منذ تدخله لصالح نظام الأسد في 2013 (تعامل قوة قمع)، الخطوة التي لم يخسر بسببها تعاطف قسم كبير من السوريين فقط بل تحول هؤلاء إلى موقف شديد العداء من الحزب، يصل إلى حدود تمني هزيمته على يد إسرائيل. حين يكون هذا موقف قطاع واسع من السوريين واللبنانيين، وليس موقف قلة يمكن للحزب أن يعتبرهم خونة ومتصهينين ... الخ، يصبح السؤال عن انتماء الحزب إلى مفهوم حركات التحرر مطروحاً. تبين أن الحزب، بعد أن قاد مقاومة مثيرة للإعجاب أجبرت إسرائيل على الانسحاب من الجنوب، حوّل مبدأ المقاومة (التحرير) إلى مبدأ الردع (الحماية)، فتحول الحزب من النشاط المقاوم إلى ما يشبه سباق تسلح، ومن النشاط التحريري إلى المناوشات وفق "قواعد اشتباك". وكان هذا التحول سقوطاً في فخ أو دخولاً في نفق لا ضوء في نهايته، بسبب الفارق التقني والمادي الهائل في صالح إسرائيل والذي يزيده الزمن هولاً، ليس فقط لأن التقدم التقني في الجانب المعادي يزداد بسرعة أكبر مما هو لدى الحزب، بل أيضاً لأن الزمن يراكم المزيد من التراجع السياسي للحزب وما يجر ذلك من تراجع في الهيبة ومن ضعف في المناعة تجاه الاختراقات. الحق أن الاختراقات الرهيبة التي شهدناها في الفترة الأخيرة، مؤشر صريح على تراجع مكانة الحزب حتى لدى عناصره. التحول من المقاومة إلى الردع جعل الحزب قوة راكدة عسكرياً ومحافظة سياسياً وهو ما يتنافى مع مفهوم حركات المقاومة. وقد أعطى هذا التحول أرضية ثابتة للتساؤل عن معنى وجود الحزب أصلاً طالما تحولت وظيفته إلى الوظيفة التقليدية للجيوش النظامية وهي الحماية. الواقع أن الحزب بعد الألفين، اعتمد سياسياً على رصيده المقاوم كي يؤسس سلطة لا يعترض عليها سوى "الخونة"، واعتمد عسكرياً على قوة منظمة كبيرة باتت، بعد التحرير، مغرية لممارسة السلطة، على أن هذه القوة صارت، بعد أن أنجزت تحرير الجنوب، عبئاً على محيطها أكثر مما هي حامية له، وعبئاً على لبنان حين اختارت، لأسباب غير خافية، أن تبقى مستقلة عن الدولة اللبنانية.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن والاحتجاجات في إسرائيل
-
عن انقسام عقيم يلازم السوريين
-
أفكار في النقاش السوري العام
-
سأبقى أذكر ذلك المساء المختلف في السجن
-
غزة، التنافر بين الحق وتمثيله
-
دروس قاسية تنتظر الفرنسيين
-
القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد
-
لا تقاطع مخبراً في السجن
-
عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية
-
الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية
-
جديد وثيقة المناطق الثلاث في سوريا
-
الأبواب الحديدية
-
الثقافة بوصفها خديعة
-
في معنى استمرار الثورة السورية
-
حين تصبح الهوية عبئاً (المثال السوري)
-
غزة بوصفها مرآة عصرنا
-
عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا
-
-أبناء التهمة- الإسلامية
-
ليس دفاعاً عن الإسلاميين
-
النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 1
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|