|
عن الطوفان وأشياء أخرى (14)
محمود الصباغ
كاتب ومترجم
(Mahmoud Al Sabbagh)
الحوار المتمدن-العدد: 8114 - 2024 / 9 / 28 - 20:50
المحور:
القضية الفلسطينية
-رسالة الرعب والردع: تأملات في تقنية الذكاء الاصطناعي "القذر" سئل الأخ لينين "هل الحرب شيء رهيب"؟... قام صفن لينين... صفن شي سيعة وقال: معلوم الحرب شيء رهيب أيها الرفاق، لكنها شيء مربح للغاية أيضاً يا عكاريت". ينقل الصحفي الأسترالي أنتوني لوينشتين -على لسان شير هيڤر، الخبير في الجوانب الاقتصادية للاحتلال الإسرائيلي قوله "يروج مصنّعي الأسلحة الإسرائيليين رسالة عنف وحشية تعكس تجربتهم الوحشية مع الفلسطينيين؛ وإذا ما سنحت لك فرصة الاستماع إلى ما يقوله هؤلاء عند تسويق منتجاتهم في أوروبا، ستجدهم يرددون" هؤلاء الأوروبيين ساذجون للغاية. يعتقدون أنه يستطيعون الحفاظ على حقوق الإنسان؛ والتمتع بالخصوصية بآن معاً.. أي هراء هذا؛ نحن [ويقصد الشركات الإسرائيلية] وحدنا نعلم أن الطريقة الوحيدة لمحاربة الإرهاب هي الحكم على الناس من خلال مظهرهم ولون بشرتهم".* فالتناقض واضح -لمن يريد أن يرى- بين حماية حقوق الإنسان والفرد والحفاظ على خصوصيته وعلى معلوماته الشخصية؛ ثم مراقبته والتجسس عليه. ففي العصر الرقمي الذي نعيشه يكثر النقاش حول الأمن ومكافحة الإرهاب وحماية الأفراد دون التدخل في حياتهم اليومية دون مبرر. لم ولن ينتهي الحديث عن "غزوة ذات البياجر" التي كان بطلها -بلا شك- الاستخبارات الإسرائيلية ومنظومة الذكاء الاصطناعي المرتبطة بها. إذ لم تتوقف إسرائيل -يوماً- عن استخدام مناطق الصراع في فلسطين ولبنان وسوريا (وربما أبعد من ذلك مثل العراق وإيران وقبرص وتركيا واليمن... إلخ) كمختبرات لتجريب وتطوير تقنياتها العسكرية؛ لا سيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على الذكاء الصناعي؛ ومراكمة خبرات وقاعدة بينات هائلة لتحسين أنظمتها، الأمر الذي يجعل الشركات الإسرائيلية رائدة في السوق العالمية ( جزء كبير من هذه السوق "المثالية" يتألف من أنظمة استبدادية وديكتاتورية في مختلف القارات). منح الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية الفلسطينية وقطاع غزة (وكذلك التفوق النوعي في لبنان وسوريا) فرصة لتطوير تكتيكات عسكرية -تقليدية وغير تقليدية- فتحولت هذه المناطق ميادين اختبار لتجريب وتطوير أنواع جديدة من الأسلحة وبرنامج الاتصالات وجمع المعلومات والرصد والتشويش... وغيرها من الأدوات والوسائل المستندة إلى الخبرة العملية الكفيلة بالقضاء على العدو أو شل حركته وتحييده أو ردعه بالحد الأدنى. ومن تجربتنا مع هذا العدو الذي ليس كمثله شيء، نعلم كيف سيستفيد سياسياً واستراتيجياً من مثل هذه التكتيكات لتعزيز قدراته على الردع والتهديد( بإظهار القوة المفرطة وعدم التمييز بين الأهداف) أو مكاثرة قدرات الفريق السياسي في أي مفاوضات لاحقة؛ بالإضافة إلى التحكم بـ "مسار ومنسوب الصراع والعنف" حسب التفاعلات الداخلية والخارجية. على صعيد آخر؛ لا تنظر إسرائيل (أي المجتمع الإسرائيلي وليس الطبقة السياسية الحاكمة فقط) إلى نفسها على أنها دولة "شرق أوسطية" ولا هي جزء من المنظومة الثقافية والنفسية، بل تصر على وضع نفسها في سياق الثقافة الغربية "البيضاء". وعلى هذا لا يكون استعراض القوة بالنسبة لها مجرد رسالة ردع فقط، بل يتجاوزه لإثبات الوجود وفرض الدولة الإسرائيلية بصفتها "دولة طبيعية"؛ وليس بصفتها "دولة استثناء أو دولة استعمارية أو دولة فصل عنصري". وبالتالي ستكون الحروب الإسرائيلية تكتيكاً وجودياً من هذا الجانب ( لا شك أن هذه الحروب تعبر عن أداء استراتيجي أيضاً في جوانب أخرى مثل السيطرة "الفعلية" على مزيد من الأرض والثروات والمواقع الاستراتيجية والممرات الدولية التي تتمتع بها المنطقة، وسوف يكون الهدف النهائي -الاستراتيجي- لهذه الحروب تأمين وحماية جميع المكتسبات السابقة). فإذا كان الأصل في تكتيك الردع "إخافة العدو" أو ردعه وتغيير سلوكه دون خوض مواجهة مباشرة ودفع أثمان عالية، فسوف يكون استعراض القوة تكتيكاً تكميلياً لتحقيق الهدف من الردع**. تدرك إسرائيل أن استعراض القوة قد يدفع الطرف الآخر (حزب الله، حماس، بالدرجة الأولى) إلى اعتماد ذات الأسلوب الإسرائيلي لخلق ما يعرف في أدبيات الصراع في المنطقة بـ "توازن الرعب" وإظهار أن أي مواجهة أو صدام سيكون مكلفاً للطرفين وليس لطرف واحد. وهو ما يشكل ضغطاً في الجبهة الداخلية الإسرائيلية على القيادة السياسية لدفعها نحو التهدئة. فالتأثير النفسي لسياسة الردع الإسرائيلية؛ أي خلق حالة من الإحباط والخوف بسبب التفوق التكنولوجي الإسرائيلي المتنوع، بحيث يؤثر على الثقة بالقدرة على المواجهة في أي معركة عسكرية مباشرة. لكن هذا قد ينتج رد فعل معاكس حين يندفع حزب الله -أو حماس- نحو تعزيز القدرة العسكرية والتكنولوجية لمواجهة التفوق الإسرائيلي، والبحث، بالتالي، عن موارد تمويل مختلفة وغير تقليدية للحصول على أسلحة وتقنيات متطورة. لا شك أن الغزوة الأخيرة هزت بشكل واضح السردية البطولية لجبهة "الإسناد" حيث يقدم الحزب نفسه -على الأقل بين جمهوره- كقوة مقاومة لا تقهر. أتت الغزوة*** لتظهر نتنياهو كبطل قومي ومبتكر لحلول رادعة لحماية الدولة ومواطنيها، مما يعزز ثقة المجتمع الإسرائيلي به واستعادة هيبة الجيش التي تآكلت جزئياً بعد السابع من تشرين. ويبدو أن الدفع باتجاه حرب في لبنان هو السيناريو السائد لدى الحكومة الإسرائيلية ( ولكنه ليس بالضرورة النهائي، إذ يمكن تحقيق المطلوب عند مستوى منخفض من الصراع طالما "توازن الرعب" ما زال قائماً وتتحكم به إسرائيل من خلال التلويح بتكرار مثل هذه الهجمات والقول بأنها قادة على التسبب في أضرار جسيمة لحزب الله دون الدخول في مواجهة عسكرية شاملة). قد يرى البعض أن هذا يعبر عن غرور وثقة مفرطة من جانب إسرائيل بسبب ارتكازها على التفوق العسكري والتكنولوجي وحده دون الأخذ في الاعتبار بقية العوامل الأخرى المؤثرة في الصراع؛ فالتاريخ يخبرنا أن الحروب الصراعات المسلحة لا تُحسم دائما من خلال القوة العسكرية فقط، لطالما كان تاريخ "المقاومة" حافلاً بطرق مبتكرة للرد على الأعمال العسكرية. لافت للنظر أن لا تتعلم إسرائيل من دروس حروبها في لبنان، فرغم تفوقها العسكري في جميع جولات الصراع، لم تحقق أهدافها بشكل كامل، بل هناك من ينظر في إسرائيل الآن ( بعد السابع من تشرين) إلى فشل القيادات السياسية والعسكرية السابقة في تعاملها مع الجبهة اللبنانية ويرى هؤلاء أن أحد أسباب التحديات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي الآن إنما ناجمة عن هذا الفشل في إدارة الصراع كما يجب . الخوف المستمر والعقلية الإقصائية هو ما يدفع إسرائيل إلى عقدة -اقرأها نزعة إن شئت- الحفاظ على التفوق العسكري بصفته الضامن الوحيد لبقائها حية وسط بيئة معادية -في أحسن الأحوال غير صديقة-. وهو ما يدفعها أيضاً لتبرير سياساتها القمعية والعنصرية والاستعمارية بذريعة "حق الدفاع عن النفس" و "حماية الشعب اليهودي". وتلعب هذه العقدة/ الذهنية -وستبقى تلعب- دوراً رئيساً في "شرعنة" استخدام القوة والهيمنة عبر عدة آليات دفاعية يتداخل فيها العامل الوجودي بالعامل النفسي بالمصالح الاقتصادية لمجتمع المستعمرين بالدور الوظيفي للدولة ككل... سواء في نظر المجتمع الإسرائيلي أم المجتمع الحليف (الولايات المتحدة ومعظم أوروبا). وسوف يؤدي هذا، أو ربما حصل الآن فعلاً، إلى "تطبيع" العنف في المجتمع الإسرائيلي، حيث بات استخدام القوة ضد الفلسطينيين -أو غيرهم من "الأعداء"- سلوكاً وممارسة مقبولة في المعيش اليومي للإسرائيليين، ولعل النظر إلى استخدام القوة -كوسيلة طبيعية لحماية الدولة- يعمل على إضفاء الطابع الأخلاقي على العنف بتصوير القوة العسكرية الإسرائيلية في الإعلام الداخلي والدولي الحليف كأداة لحماية القيم الديمقراطية والإنسانية. نحن أمام أحط مستوى من الأخلاق قد يصل له أحد.. شيء لم نسمع به من قبل.. ما يحدث في غزة والصفة... والآن في لبنان يضع الإنسانية أمام مفترق طرق كيف يسمح العالم بهذا؟ .... *للمزيد انظر، Loewenstein. Antony. The Palestine Laboratory: How Israel Exports the Technology of Occupation around the World. 2023 * عمدت إسرائيل إلى اتباع تكتيكات متعددة في هذا السياق بدءً من المناورات العسكرية الدورية للتعبير عن جاهزية الجيش لأي تصعيد عسكري محتمل؛ أو توجيه ضربات استباقية محدودة (سواء في لبنان أو سوريا) بهدف قطع سلاسل توريد المعدات العسكرية (المتجهة إلى حزب الله بالدرجة الأولى) دون الدخول في حرب واسعة. ويرافق هذه التكتيكات نوع من خطاب سياسي وإعلامي وعسكري إسرائيلي ينطوي على تهديدات مباشرة أو مبطنة بأن أي "مغامرة" من الحزب سيقابلها رد عنيف "يعيد لبنان إلى العصر الحجري". وفي الآونة الأخيرة عملت إسرائيل على تشكيل تحالفات إقليمية ذات اصطفافات موضوعية لضمان عزل "أطراف المقاومة" عن بيئتها الداعمة سياسياً وعسكرياً. ***ليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها إسرائيل أجهزة الهواتف كوسائط قتل مباشر. فقد فخخ الموساد في العام 1972 هاتف محمود الهمشري ليتم تفجيره عند بعد، عقب رده على اتصال؛ فقد الهمشري على إثرها ساقه ثم توفي لاحقاً متأثراً بالإصابة. ولعل العملية الأشهر كانت اغتيال يحيى عياش في العام 1996 عن طريق تفجير هاتفه بنحو 50 غراماً من المادة المتفجرة وضعت داخل الهاتف.
#محمود_الصباغ (هاشتاغ)
Mahmoud_Al_Sabbagh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن الطوفان واشياء أخرى (12)
-
عن الطوفان واشياء أخرى (13)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (11)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (10)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (9)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (8)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(7)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(6)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (5)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى (4)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(3)
-
دور حدّادي أفريقيا و-صنع- الثورة الصناعية في أوروبا
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(2)
-
عن الطوفان وأشياء أخرى(1)
-
الاستعمار البديل لفلسطين: 1917-1939
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
-
من شارون إلى شارون: منظومة التخطيط المكاني والفصل في إسرائيل
...
-
السياسة النرويجية تجاه فلسطين: تاريخ موجز
-
-لست سوى واحدة منهم فقط- حنّة آرنت بين اليهودية والصهيونية :
...
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|